عصمة الأنبياء من المعصية
بحوث في العصمة
لقد تعرفت على دلائل عصمة الأنبياء في تلقى الوحي وحفظه في نفسه وأدائه إلى الناس، وحان الحين للبحث عن عصمتهم عن المعصية.
عدد الزوار: 211
المرحلة الثانية
لقد تعرفت على دلائل عصمة الأنبياء في تلقى الوحي وحفظه في نفسه وأدائه إلى الناس،
وحان الحين للبحث عن عصمتهم عن المعصية.
وفي هذا المجال وإن كان ربما يوجد نقول شاذة في عصمة الأنبياء بالنسبة إلى المعاصي
الصغيرة، أو عصمتهم قبل البعثة، لكن نضرب عنها صفحاً ونستنطق القرآن في هذا المجال.
إنّ القرآن الكريم يصرح بأنّ الهدف من بعث الأنبياء هو تزكية نفوس الناس وتصفيتهم
من الرذائل وغرس الفضائل فيها قال سبحانه حاكياً عن لسان إبراهيم:
( رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا
عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتابَ وَالحِكْمَةَ وَيُزَكّيهِمْ إِنَّكَ
أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) وقال سبحانه:
( لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤْمِنينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ
أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتابَ
وَالحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلال مُبين ) .
والمراد من التزكية هو تطهير القلوب من الرذائل وإنماء الفضائل، وهذا هو ما يسمى في
علم الأخلاق بـ «التريبة.»
ولا شك أنّ تأثير التربية في النفوس يتوقف على إذعان من تراد تربيته بصدق المربي
وإيمانه بتعاليمه، وهذا يعرف من خلال عمل المربّي بما يقوله ويعلمه وإلاّ فلو كان
هناك انفكاك بين القول والعمل، لزال الوثوق بصدق قوله وبالتالي تفقد التربية أثرها،
ولا تتحقق حينئذ الغاية من البعث.
وإن شئت قلت: إنّ التطابق بين مرحلتي القول والفعل، هو العامل الوحيد لكسب ثقة
الآخرين بتعاليم المصلح والمربي، ولو كان هناك انفكاك بينهما لانفض الناس من حوله
قائلين بأنّه لو كان مذعناً بصحة دعوته لما خالف قولَه في مقام العمل.
القرآن وعصمة الأنبياء من المعصية
إنّه سبحانه يطرح في كتابه العزيز عصمة الأنبياء ويصفهم بهذا الوصف، ويشهد بذلك
لفيف من الآيات:
قال سبحانه: ( وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ
هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّـتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ
وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ*
وَزَكَرِيّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصّالِحينَ* وَإِسْماعِيلَ
وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاً فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمينَ* وَمِنْ
آبائِهِمْ وَذُرِّيّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى
صِراط مُسْتَقيم ) .
ثم إنّه يصف هذه الصفوة من عباده بقوله: ( أُولئِكَ
الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ
أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاّذِكْرى لِلْعالَمينَ ) .
والآية الأخيرة تصف الأنبياء بأنّهم مهديون بهداية اللّه سبحانه على وجه يجعلهم
القدوة والاسوة.
هذا من جانب ومن جانب آخر نرى أنّه سبحانه يصرح بأنّ من شملته الهداية الإلهية لا
مضلَّ له ويقول: ( وَمَنْ يُضْلِلِ اللّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هاد* وَمَنْ يَهْدِ
اللّهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِل )
وفي آية ثالثة يصرح بأنّ حقيقة العصيان هي الانحراف عن الجادة الوسطى بل هي الضلالة
ويقول: ( أَلَمْ أَعْهَدْإِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ
لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي
هذا صِراطٌ مُسْتَقيمٌ* وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ
تَكُونُوا تَعْقِلُونَ ) .
وبملاحظة هذه الآيات تظهر عصمة الأنبياء بوضوح وتوضيح ذلك: انّه سبحانه يصف
الأنبياء في الآيات بأنّهم القدوة الاسوة والمهديون من الأُمّة كما يصرح في أحرى
بأنّ من شملته الهداية الإلهية لا ضلالة ولا مضل له.
كما هو يصرح في ايات اخرى بأنّ العصيان نفس الضلالة أو مقارنه وملازمه حيث يقول: (
ولقد أضل منكم ) وما كانت ضلالتهم إلاّ لأجل عصيانهم ومخالفتهم لأوامره ونواهيه.
فإذا كان الأنبياء مهديين بهداية اللّه سبحانه، ومن جانب آخر لا يتطرق الضلال إلى
من هداه اللّه، ومن جانب ثالث كانت كل معصية ضلالاً يستنتج أنّ من لا تتطرق إليه
الضلالة لا يتطرق إليه العصيان كما هو ظاهر الايات الانفة .
إلى هنا تمّت دراسة ما يدلّ
بوضوح على عصمة النبي في المرحلتين التاليتين:
1- عصمه في أخذ الوحي وحفظه، وابلاغه إلى الناس.
2- عصمته عن اقتراف المعاصي والضلالة في الفكر والعمل.
* ملخص كتاب العصمة / اية الله جعفر السبحاني.
2016-03-14