آدم والجنة
فلسفات أخلاقية
وتسأل: ما من شك أن الله سبحانه خلق الإنسان منذ البداية ليعيش في هذه الأرض يعمرها ويمشي في مناكبها، ولا شيء أصدق في الدلالة على ذلك من قوله سبحانه لملائكته:
عدد الزوار: 196
وتسأل: ما من شك أن الله سبحانه خلق الإنسان منذ البداية ليعيش في هذه الأرض يعمرها
ويمشي في مناكبها، ولا شيء أصدق في الدلالة على ذلك من قوله سبحانه لملائكته: (اني
جاعل في الأرض خليفة) قبل أن يخلق آدم، وحين استفسر الملائكة عن الحكمة من وجود
مخلوق في الأرض يسفك فيها الدماء ويفسد ـ قال لهم: إني أعلم ما لا تعلمون.. هذا إلى
أن تكوين الإنسان على صورته وفي جهازه العضلي والعصبي، وتزويده بكل موهبة وطاقة
تعينه على الاكتشاف والاختراع والسيطرة على الطبيعة ـ يدل دلالة قاطعة على أن
الإنسان خلق لهذه الأرض لا للجنة، وللجهد والعمل لا للبطالة والفراغ، وما دام الأمر
على ذلك فلماذا لم يبق سبحانه آدم في الأرض، وما هو الهدف من عملية إدخاله الجنة
ومعصيته فيها واخراجه منها والعودة به إلى الأرض؟
وأجيب عن هذا السؤال بالعديد من الإجابات، منها أن الهدف من قصة آدم وما كان منه في
الجنة هو الاعلان عن حقيقة الإنسان وأنه يذنب ويخطئ بغريزته وميوله الفطرية بزعم أن
آدم كان في رغد الجنة وهنائها ولا ضغط عليه من محيط أو فقر وحاجة ومع ذلك عصى أمر
الله ولم يملك قواه وهواه!.
ويلاحظ بأن القرآن الكريم الذي أنبأنا أن الله الذي قال لآدم: (ولا تقربا هذه
الشجرة فتكونا من الظالمين) (35 ـ البقرة) هو ـ تقدست أسماؤه ـ يدحض هذه الإجابة
بقوله: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) (286 ـ البقرة). ولو كان الإنسان مجرماً
بالطبع لما كان للنهي من وجه أو تأويل.
ومنها أن قصة آدم تشير إلى أن المرأة هي أصل البلاء والشقاء لأن ابليس اصطاد آدم
بشبكة حواء!.
ويلاحظ أن القرآن الكريم لم يشر إلى ذلك من قريب أو بعيد في قصة آدم والشجرة، وما
ذكر حواء بالإسم، وانما أشار إلى صحبتها مع آدم وكفى حيث قال: (اسكن أنت وزوجك..
هذا عدو لك ولزوجك).
وأرجح الاجوبة ـ فيما قرأنا ـ ما ذكره الشاعر الفيلسوف اقبال في كتابه تجديد
التفكير الديني في الإسلام، ترجمة عباس محمود ص 96 وما بعدها، وقال من جملة ما قال:
ان الجنة التي أخرج الله منها آدم ليست هي الجنة التي وعد الله بها المتقين يوم
تجزى كل نفس بما كسبت، لأن الله سبحانه لا يخرج من هذي أحداً كما في الآية 48 من
الحجر: (وما هم منها بمخرجين) وانما المراد بها ((حالة بدائية يكون الإنسان فيها
مقطوع الصلة بالبيئة التي يعيش فيها)) وهذه الحالة البدائية تشبه دور الحضانة على
حد ما قال عالم ملهم)). أما المعصية الأولى فكانت أول فعل يتمثل فيه والتجارب التي
تزداد وتتسع بطريقة المحاولة والخطأ)).
وبأسلوب أبين وأوضح أن القصد من خلق آدم هو أن يعيش على هذه الأرض التي منها ولد،
واليها يعود، وقد زوده سبحانه بكل قوة وطاقة تجعل أشياء هذا الكون طوع أنامله ليقيم
على هذا الكوكب حياة مثلى.. وبما أن ولد آدم جميعاً يمرون بعد ولادتهم وقبل أن
يبلغوا مبلغ الرجال ـ بالعديد من الأدوار والأطوار، يتعلمون فيها من الآباء
والامهات ومن الشارع والمدرسة، وتبلغ هذه الفترة ثلث حياتهم أو ربعها، وبما ان آدم
لم يمر بهذه الأطوار كي يتعلم شيئاً فيها، بل خُلق رجلاً ـ احتاج، وهذي هي الحال،
إلى شيء من التمرين والتدريب والتجربة والممارسة بعض الوقت حتى يستفيد ولو من نفسه
وأخطائه لكي يستعد ويتهيأ لبناء الحياة في هذه الأرض، فأدخله سبحانه تلك الجنة أو
(دار التدريب والتمرين) وابتلاه بالشجرة المحرمة وتلبيس ابليس، وتغلب جانب الشر على
جانب الخير، أو المرجوح على الأرجح، كما نقول ونعبر نحن الشيعة، وتلقى آدم بذلك
درساً قاسياً ونافعاً في آن واحد، وندم وتاب، وأصبح مؤهلاً لخلافة الله في أرضه،
فنقله الله اليها لأداء المهمة التي من أجلها خلق، على أكمل وجه.
هذا تلخيص وتوضيح لما قاله الشاعر الشهير اقبال في كتاب تجديد التفكير الديني، فيما
يقرب من سبع صفحات، وما هو ببعيد عن المألوف والمعروف.
وبعد، فان على العاقل أن يعلم ويعمل بموجب علمه إن الله سبحانه خلق الإنسان لعمل
الخير لا للشر، وللبناء لا للهدم، وللمحبة والتعاون لا للعداوة والتناحر.. وكل آيات
القرآن أو جلها ترشد إلى هذه الحقيقة نصاً أو ظاهراً أو إيماءً، من آية الخلافة في
الأرض وآية وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين إلى آيات الحلال والحرام، ومن آيات
الإيمان بالله والعمل الصالح إلى آيات التقوى والحرية والمساواة، ومن آيات الرسل
ورسالاتهم إلى آيات الوعد والوعيد.. إلى قوله عز من قائل: (كتاب أنزلناه اليك لتخرج
الناس من الظلمات إلى النور باذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد) (1 ـ إبراهيم).
وهذا النور أو الصراط الحميد يعم ويشمل كل قيم الحياة التي تعكس آمال ومصالح
الأفراد والجماعات والأجيال.