يتم التحميل...

ضبط النفس

فلسفات أخلاقية

نحن ندرك ونشاهد ـ ولو عن طريق السلوك والأفعال ـ أن بعض النفوس مهيأة لقبول الحق بكل يسر وبمجرد ظهوره، وبعضها تكاد تصعق من اسمه ومن كل ما يمتّ إليه بسبب،

عدد الزوار: 276

النفس أولاً

نحن ندرك ونشاهد ـ ولو عن طريق السلوك والأفعال ـ أن بعض النفوس مهيأة لقبول الحق بكل يسر وبمجرد ظهوره، وبعضها تكاد تصعق من اسمه ومن كل ما يمتّ إليه بسبب، وفي القرآن الكريم آيات محكمات تحكي عن هذا الواقع وتعكسه، منها في سمات الفئة الأولى قوله تعالى: (الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه) (18 ـ الزمر) ومنها في وصف الفئة الثانية: (وما أنت بمسمع من في القبور) (22 ـ فاطر).

والسبب الموجب للأعراض عن الحق لا يخلو من أحد فرضين: إما الجهل وإما مرض القلب بالهوى الأعمى، فإذا حاولنا أن نعدّل من سلوك منحرف لهوى أو جهل الجاهل فعلينا قبل كل شيء أن نهيئ ونمهد لذلك تماماً كتطهير الأرض قبل غرسها وزرعها.. وأية جدوى من تشخيص الداء ومعرفة الدواء ووجوده بالكامل طالما المريض يرفض الحمية والعلاج؟ وكلنا يعلم أن دواء الجهل، العلم والتعلم، وأن دواء الهوى ترويض النفس الذي وصفه رسول الله(صلى الله عليه وآله) بالجهاد الأكبر، لأنه صعب عسير، ولكنه العلاج الوحيد ولا سبيل سواه.

أعدى الأعداء

قال الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام): ((لا عدو أعدى على المرء من نفسه، ولا عاجز أعجز ممن أهمل نفسه فأهلكها)). وكل من زيّن وحسّن لك القبيح وأغراك به، أو شوّه وقبّح لك الجميل وأبعدك عنه فهو أعدى أعدائك سواء أكان من ذاتك، أم من خارجها، ولكن هذا العدو الداخلي والخارجي لا سلطان له عليك اطلاقاً إذا أنت عصيته واعتصمت منه، بل تؤجر وتشكر على معصيته، قال سبحانه: (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فان الجنة هي المأوى) (40 ـ النازعات).

وقد يكون الإنسان قوياً في جنده وماله، فينتصر على عدوه من الخارج ويقهر منافسيه ساعة يشاء، ولكنه أضعف الضعفاء أمام هواه الكامن في أعماقه، وقد يكون ضعيفاً في جاهه وماله، ولكنه أقوى الناس سلطاناً على نفسه وهواه، فأي الرجلين أعلى مقاماً واعظم أجراً عند الله؟.

قال الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله): لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لدينه. وقال الإمام الجواد(عليه السلام): من وافق هواه فقد أعطى عدوه مناه. وقال أرسطو: ((ردع النفس للنفس هو العلاج للنفس)).

وقد يكون الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يجاهد ويصارع نفسه بنفسه.. ولا شيء أيسر على الإنسان من طاعة الهوى والاستجابة لندائه لأن هواه نابع من ذاته وأول غريزة في جبلته، ولكن هل يكون إنساناً ـ بالمعنى الصحيح لهذه الكلمة ـ من يستسلم لأهوائه وانفعالاته في جميع المواقف؟.

وتسال: كيف يكون الإنسان عدواً لنفسه ومجاهداً ضدها وهو هي، وهي هو؟

الجواب:

المراد من محاربة النفس للنفس أن لا يستجيب الإنسان لرغبته حين تدعوه إلى ما يضره ولا ينفعه، كما لو مالت إلى الحرام ورغبت فيه فاعتصم وامتنع، فيكون بهذا عدواً لنفسه التي عصاها وأطاع الله سبحانه.

بين اللذة العاجلة والآجلة

المراد باللذة العاجلة هنا متاع قليل وحزن طويل، وبالآجلة نهاية التعب والشقاء وبداية الراحة والهناء.. إن العاجلة تماماً كطعم الحلوى ما دامت في الفم، ثم يعود كل شيء إلى ما كان، ولذا عبّر عنها القرآن الكريم باللهو واللعب، وهو أبلغ تعبير وأجمعه، واللذة في ذاتها ليست بحرام، قال سبحانه: (كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه) (81 ـ طه). والطغيان فيه أن تناله وهو عليك محرم، أما لأنه ملك سواك كالزنا بذات بعل، وأما لأن ضره أقرب من نفعه وأكثر كالخمر، قال، تقدست أسماؤه: (إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملاً) (7 ـ الكهف) أي يحسن العمل في الزينة نفسها، ولا يتجاوز حدودها المشروعة، ويسمى هذا في القوانين الحديثة التعسف في استعمال الحق.

2016-03-09