وظيفة الإنسان في هذا الكوكب
فلسفات أخلاقية
إذا عرفنا الهدف من خلق الإنسان ووجوده، استطعنا أن نحدد وظيفته في هذه الأرض، ومنها نستمد نظاماً أو أساساً يخضع له كل علم وعمل أياً كان نوعه،
عدد الزوار: 291
الإنسان خليفة الله في أرضه
إذا عرفنا الهدف من خلق الإنسان ووجوده، استطعنا أن نحدد وظيفته في هذه الأرض،
ومنها نستمد نظاماً أو أساساً يخضع له كل علم وعمل أياً كان نوعه، ولا يعرف هذا
الهدف على حقيقته إلا من خلق الإنسان وأوجده، فهل هناك آية أو رواية ثابتة ترشدنا
اليه؟.
الجواب:
أجل، إن قوله تعالى لملائكته: (اني جاعل في الأرض خليفة) (30 ـ البقرة) وافٍ في
الدلالة على أن الإنسان وجد وخلق ليقيم ويبني على هذه الأرض من أشياء الكون باسم
الله تعالى وبالوكالة عنه ـ حياة طيبة يتوافر فيها كل ما يحتاج اليه الناس وينتفعون
به في حياتهم، ومن خلال هذا العمل تتجلى الأسرار والمنافع التي أودعها سبحانه في
أشياء هذا الكون، ويكون للإنسان فضل الاكتشاف عن باهر قدرته تعالى وبدائع صنعه في
خلقه، وفوق ذلك يجعل الإنسان لهذه الأسرار والخواص قيمة ووزناً إذ لولاه لبقيت طي
الغيب والكتمان.
قال محسن الفيض في كتابه علم اليقين ص 391 ما ملخصه أن كل واحد من الناس له نصيب من
خلافة الله في الأرض سواء أكان كاملاً أم غير كامل، فالأنبياء والأوصياء يرشدون
باسم الله إلى فعل الخير وترك الشر، أما غيرهم فان الله استخلفهم في أشياء كثيرة
كالخبز والخياطة والغزل والنسيج.. ولو كان الفيض في هذا العصر لعطف على الغزل
والنسيج تلك الآلات التي تصعد بالإنسان إلى القمر، وتريه أو تسمعه ما في أطراف
الأرض وعالم السماوات وهو جالس في غرفته.
ولا أدري هل الشاعر والفيلسوف إقبال كان على علم بما قاله الفيض حين نظم قصيدة حوار
بين الله والإنسان التي جاء فيها: أنه تعالى قال: أنا خلقت الماء والتراب. فقال
الإنسان: وأنا صنعت الكوب منهما. وقال، تقدست أسماؤه: أنا صنعت الجبال. فقال
الإنسان: وأنا نحتّ منها البيوت، وأخرجت من السم الترياق الخ.
والذي نستفيده من آية الخلافة ومن قوله تعالى: (الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض
مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير، وأن الله قد أحاط بكل
شيء علماً) (12 ـ الطلاق) هو أن الحكمة من وجود الإنسان في هذا الكوكب أن يعلم عظمة
الله في قدرته وفي علمه، وفي نفس الوقت يكون الإنسان مظهراً لقدرة الله في تعمير
الأرض، واستغلال الكون وأشيائه في بناء حياة مثلى، ومن أهمل وتكاسل فقد نكب عن
وظيفته، وخان الله في أمانته.
وإن اعترض معترض بأن الله سبحانه قال: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) (56 ـ
الذاريات) ولم يقل إلا ليعملوا في هذه الأرض، قلنا في جوابه: إن العمل لحياة أفضل
عبادةٌ لأن كل ما فيه لله رضى وللناس صلاح فهو عبادة وزيادة.. هذا، إلى أن الذي قال:
وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون. أيضاً قال: (ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات
أولئك هم خير البرية) (7 ـ البينة).. (والعمل الصالح يرفعه) (10 ـ فاطر) ومعنى هذا
أن العبادة ليست وقفاً على الركوع والسجود أو على ألفاظ نرددها على حبات المسابح
وكفى. وأخيراً هذا الحديث: ((الخلق عيال الله، فأحب الخلق اليه أنفعهم لعباده)).
العالم العامل المعلم
وما حث الإسلام على العلم إلا ليعبئ الإنسان كل ما وهبه الله من قوى وطاقات في
البحث والتنقيب عن أسرار الكون وخواصه، والتخطيط للعمران وحياة أفضل لكل شعب ومجتمع.
ولو جمعت الآيات والروايات الواردة في العلم والعقل والعمل لخير الإنسان ومصلحته
لاستغرقت مئات الصفحات، ونذكر منها رواية واحدة حيث جمعت بين العلم والعمل والتعليم
لوجه الله والخير.
روى صاحب أصول الكافي عن الإمام جعفر الصادق(عليه السلام) أنه قال: ((من تعلم العلم وعمل به
وعلّم به لله ـ بتشديد لام علم ـ دعي في ملكوت السماوات عظيماً وقيل (أي قال أهل
السماوات، هذا) تعلم لله وعمل لله وعلّم لله)).
وقال الملا صدرا في شرح هذه الرواية ما معناه أن كلمة (لله) تعود إلى كلٍ من التعلم
والعمل والتعليم، والمراد بملكوت السماوات العالم العلوي، والمعنى أن الإنسان الذي
هو ابن الأرض والعالم السفلي إذا تعلم لله وعمل بعلمه لله، وعلّم الآخرين لوجه الله
تعالى ـ يرتفع إلى الملأ الأعلى، ويكون عظيماً بين أهل هذا العالم الأسمى لا بين
العالم الأرضي السفلي فقط، ثم ختم الملا صدرا شرحه بهذه الكلمة: ((ما أجلّ وأعظم
فضيلة العلم حيث يجعل الإنسان السفلي الأرضي أعظم من أهل الملكوت العلوي السماوي)).