الرياء
فلسفات أخلاقية
لكل فرد من بني الإنسان مزاجه وعالمه الخاص به وحده، وآراؤه ومعتقداته التي ارتضاها لنفسه، وظروفه وقدراته التي ينفرد بها دون غيره..
عدد الزوار: 94
لكل فرد من بني الإنسان مزاجه وعالمه الخاص به وحده، وآراؤه ومعتقداته التي ارتضاها
لنفسه، وظروفه وقدراته التي ينفرد بها دون غيره.. هذا إلى مخبآت يفاجأ بها كل إنسان
على حين غفلة، ويستجيب لها تلقائياً وبلا تصميم سابق.. فأي سلوك أو موقف أو قرار
يصدر من الإنسان تلبية لشيء من ذلك ـ فما هو من الرياء في شيء، لأنه يخص الفرد وحده
وتجاوب طبيعي مع حياته وظروفه الخاصة، حتى ولو بدا هذا التجاوب في صورة الاختيار.
قال أرسطو المشهور بالمعلم الأول: ((الإنسان مضطر في صورة مختار ـ كتاب صوان
الحكمة)).
وعليه فان المراد بالرياء الذي نتحدث عنه هنا، ليس أثراً للحياة الطبيعية، ولا
للعقل والوجدان، ولا للإكراه والاضطرار، وإنما هو طلب للدنيا باسم الدين عن قصد
وتصميم ينبع من ذات المرائي، ظاهره الصدق والإخلاص، والنزاهة والبراءة، وباطنه
الكذب والنفاق، والمكر والخداع، والتدليس والتلبيس.
قال العقاد في كتاب خلاصة اليومية: ما رأيت مرائياً إلا وجدته مغتاباً نماماً.
والجرأة على الناس في غيبتهم كالتزلف اليهم في حضرتهم، كلاهما علامة الجبن والصغار.
وفي آخر المجلد الأول من كتاب المتاع والمؤانسة لأبي حيان التوحيدي ما معناه لا أحد
أخسر صفقة، وأكثر ضعة من رجل يتسم بسمة الدين والصلاح، وهو في واقعه قد باع دينه
للشيطان بالرفعة عند العوام والعيش على فتاتهم وأوساخهم... وما تملق لهم أحد إلا
وأعطاهم من نفسه ودينه، وعلمه وعقله أكثر مما أخذ من مال واحترام.
وفي المجلد الأول من (في ظلال نهج البلاغة) قلت في تفسير ((ومنهم من طلب الدنيا
بعمل الآخرة)): يشير الإمام(عليه السلام) بهذا إلى المرائين الذين يحتلبون الدنيا بالدين!.
ولست أشك في أن المومس التي تبيع جسدها، وتعيش على فرجها أشرف من المرائي الذي
يتاجر بالدين، وأقرب منه إلى الله.. انها تاجرت بمخرج البول، وتاجر هو بقدس الأقداس
الذي تستميت الأنبياء والأولياء في سبيله.. وأيضاً هي لا تغش ولا تكذب في مهنتها
وتجارتها، وتظهر للناس عارية، ولا تطلب الإجلال والإحترام من أحد، بل تشعر بضعتها
واحتقار الناس لها، أما المرائي الذي يتاجر بالدين فقد خدع ونافق في مظهره والستر
على عيوبه، ومع هذا يطلب من الناس الاحترام والتقدير!.