الشيعَة في كِتَاب الدّيمقراطيَّة
تعرّف على الشيعة
الكاتب الكبير الاستاذ خالد محمد خالد درس في الأزهر، وحاز شهادته العالية، فهو من رجال الدين، ولكنه لا يلبس العمة، ولا يرضى عنه كثير من الشيوخ الأزهريين وغير الأزهريين
عدد الزوار: 241
الشيعَة في
كِتَاب الدّيمقراطيَّة *
للاستاذ خالد محمد خالد
الكاتب الكبير الاستاذ خالد محمد خالد درس في الأزهر، وحاز شهادته العالية، فهو من رجال الدين، ولكنه لا يلبس العمة، ولا يرضى عنه كثير من الشيوخ الأزهريين وغير الأزهريين أما خطيئته الكبرى عندهم فهو كتابه "من هنا نبدأ" وقد تكلمت عنه في عدد شباط سنة 1951 من مجلة العرفان الغراء وليس في الكتاب نفاق ولا رياء، ليس فيه تمجيد لملك أو أمير، ولا ثناء على إقطاعي أو رأسمالي، ليس فيه كلمة واحدة تشعر بأنه يريد أن يجلب لنفسه نفعاً، أو يدفع عنها ضراً. بل ان كتاب "من هنا نبدأ"، وكتاب "مواطنون لا رعايا"، وكتاب "الديمقراطية تمجيد للحرية والكرامة، وثورة على الاستعمار والاقطاعية والرجعية"، إن هذه الكتب الثلاثة تعبر تعبيراً صادقاً عما يجيش في صدر كل عربي مخلص، وتزيده إيماناً بحقه، وتمسكاً بآماله، وإِخلاصاً لوطنه وحباً بالموت في سبيل الحرية والاستقلال.
تكلم الأستاذ خالد عن الاستعمار
والدكتاتورية والاقطاعية، واستمد كلامه عنها من شجاعته وإخلاصه، من علمه وتجرده، من
أعماق نفسه، لا من التقاليد والعادات، ولا من قال ويقول، فلم يقلد أحداً في قول أو
فعل، ولم يعبأ بأية قوة تعترض مشيئة الشعب، وتقف في طريق حياته وتقدمه، ولهذه
الغاية استقبل القراء في البلاد العربية آراءه ودعوته إلى الحرية والتحرر من
الاستعمار والإقطاعية استقبالاً عظيماً، ولو أن المؤلف اعتمد على المصادر الصحيحة،
على الدرس المجرد، والتمحيص العلمي عندما تكلم عن إخوانه الشيعة في كتابه
الديمقراطية كما هو شأنه في الكلام عن الإستعمار والإقطاعية لما عتب عليه أحد منهم.
أما وقد نقل عنهم ما ليس لهم به علم فيحق لهم أن يعتبوا أو يدافعوا.
تكلم الأستاذ خالد في كتاب الديمقراطية عن الأنظمة التي يجب العمل بها، فدعا إلى سن
قوانين تنظم مصالحنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتعتمد على العرف والمصلحة
والعقل، وتتجه نحو الأغراض الدينية، وبهذا تصبغ القوانين بصبغة القومية تحفظ وحدة
الأمة وترعاها، ولا تثير جدالاً ولا ضغناً، ولا يضار الدين بشيء من مبادئه وتعاليمه.
ورد على القائلين بتوحيد التشريع الإسلامي، رد عليهم بأن هذا يتنافى مع الدعوة
لاتحاد إِسلامي، لأن بين السنة والشيعة خلافات عميقة في الفقه والتشريع، وضرب على
هذا الخلاف العميق السحيق أمثلة من فقه الشيعة. فالمؤلف إِذن لم يكن بصدد الرد على
الشيعة، ولا انتقاص مذهبهم ومنهجهم، فليس لأحد أن يتهمه بقصده وحسن نيته، ولكن
للقارئ الحق في أن يسأله عن الدليل على أن الشيعة ينكرون رمي الجمار في الحج،
والسعي بين الصفا والمروة، ولا يعترفون بغير القرآن.
وللقارئ الحق في أن يسأل أيضاً: لماذا ضرب المؤلف أمثلة من فقه الشيعة فقط، مع أن
الخلافات بين مذاهب أئمة السنة أعمق بكثير من الخلافات بين السنة والشيعة، ففي
المسألة الواحدة يفتي بعض الأئمة بأن هذا حرام، ويفتي الآخر بأنه حلال، أو يفتي بأن
هذا نجس، ويفتي الآخر بطهارته، أو يفتي بصحة معاملة والآخر بفسادها، ومن البديهة
أنه ليس بين الحلال والحرام، ولا بين الطهارة والنجاسة، ولا بين الصحة والفساد أية
جامعة أو شبه، واللفظ لا يدل على التحريم والحل معاً، ولا على الطهارة والنجاسة، أو
الصحة والفساد في دلالة واحدة.
وتجد هذه المسائل الخلافية بين المذاهب الأربعة في كل باب من أبواب الفقه، وقد شغلت
الحيز الأكبر من كتب الشريعة، حتى أن ما اتفقوا عليه لا يعد شيئاً بالقياس إلى ما
اختلفوا فيه، ومن هنا جاءت اجتهادات الشيعة موافقة لقول إمام من الأربعة ولم
تخالفهم مجتمعين إِلا نادراً، وقد اشتهر عن نور الدين المرعشي قاضي قضاة أكبر آباد
أنه بقي في منصبه أمداً طويلاً يقضي على مذهب الإمامية بما لا يخالف المذاهب
الأربعة. ونقدم بعض الأمثلة للتدليل على أن بين المذاهب الأربعة من الخلاف ما لا
يمكن التقريب بينها بحال.
أباح مالك أكل الذئب والدب والهرة، وجميع حشرات الأرض كالفأر والذباب والدود على
كراهة، وقال أبو حنيفة والشافعي وأحمد بالتحريم1 وبهذا قال الشيعة.
وقال مالك: بطهارة الكلب مع قول أبي حنيفة والشافعي وابن حنبل بالنجاسة2
وبهذا قال الشيعة.
وقال الشافعي وأحمد لا تنعقد صلاة الجمعة إلا باربعين شخصاً، وقال أبو حنيفة تنعقد
بأربعة أشخاص3 واختلف الشيعة، فمنهم من قال: لا تنعقد إلا بسبعة، ومنهم
من قال تنعقد بخمسة أحدهم الإمام.
وقال أبو حنيفة والشافعي وأحمد: ان القاتل خطأ لا يرث من مال قريبه المقتول شيئاً،
وقال مالك: يرث من المال دون الدية4 وبهذا قال أكثر الشيعة.
وقال مالك: إن الحامل إذ بلغت ستة أشهر فليس لها أن تتصرف فيما زاد عن ثلث مالها،
مع قول الثلاثة بالجواز5 وبهذا قال الشيعة.
إلى غير ذلك من الخلافات التي وضع لها فقهاء الإسلام مجلدات عديدة لا مجلداً واحداً.
والغرض من هذه الأمثلة التدليل على أن الخلافات، كما هي واقعة بين السنة والشيعة،
فهي حاصلة بين السنة بعضهم مع بعض، وبين الشيعة أيضاً بعضهم مع بعض، ولكن قد اتفقت
كلمة الجميع بحمد اللّه تعالى، كي لا يكون لعدو الإسلام مغمز عليه وعلى المسلمين،
اتفقت كلمتهم على أن هذه الخلافات كلها مرتبطة بالشريعة، لم يخالف واحد منها نصاً
من نصوص الإسلام، وانها رحمة لهذه الأمة، وتوسعة عليها، ونفي للإكراه والحرج في
الدين وهذي هي الثمرة الطيبة لفتح باب الاجتهاد الذي يقول به الشيعة ويؤمنون به
إيمانهم بالإسلام وشريعتته.
عندما قرأت كتاب الديمقراطية كتبت لمؤلفه الأستاذ خالد كتاباً مطولاً، شرحت فيه
أقوال الشيعة على حقيقتها في المسائل التي نقلها عنهم، ورجوته أن يستدرك، ويصحح
النقل على أساس ما في كتبهم، كما يستدعيه المنطق السليم، ولا يعتمد على كتب غيرهم
كائناً من كان مؤلفها، لأن خصوم الشيعة قد نسبوا إليهم الكثير مما لا يعرفون إمعاناً
في الكيد والتنكيل، فأجابني بكتاب قال فيه: "أما عن الشيعة فالأمر كما أدركتم
فضيلتكم لم أكن معهم على موعد، ولم أقصد مناقشة تفكيرهم ومناهجهم. بل ضربتهم مثلاً
لما يمكن أن يعتاق الوحدة السياسية لبلاد الشرق الأوسط المنهوب إذا نحن أصررنا على
إغفال الروابط الإنسانية الشاملة، وتشبثنا بالروابط الدينية وحدها. أما الشيعة
بالذات فلهم في نفسي تقدير خاص، ولا يمكن أن ننسى من أعلامهم أولئك الذين بذلوا
جهداً سخياً واعياً في سبيل تحرير الفقه الإسلامي من اغلاله، وتنقيته من الرواسب
والشوائب وأرجو ان نلتقي في يوم قريب".
وكان عزمي أن أقف عند هذا الحد مكتفياً بكتابي وجوابه غير أن الكثير من علماء
الشيعة آلمهم قول الأستاذ خالد، وحمله بعضهم على غير واقعه ومحمله الصحيح، وظن
الظنون بصاحب الكتاب، وأنه تحدى شعور الملايين من المسلمين بقصد الشقاق وتفرقة
الصفوف، وبهذا الحافز حاول الرد عليه أكثر من واحد.
وفي عقيدتي أن الأستاذ خالداً لم يقصد ذم الشيعة من قوله في صفحة 148 "وهم أي
الشيعة يخالفون الإسلام في كثير من نصوصه" بدليل ما نقله عن الخليفة الثاني عمر بن
الخطاب بعد هذا الكلام بلا فاصل. قال في صفحة 150 "ترك عمر بن الخطاب النصوص
الدينية المقدسة من القرآن والسنة عندما دعته المصلحة لذلك، فبينما يقسم القرآن
للمؤلفة قلوبهم حظاً من الزكاة، ويؤديه الرسول وأبو بكر، يأتي عمر فيقول: لا نعطي
على الإسلام شيئاً، وبينما يجيز الرسول وأبو بكر بيع أمهات الأولاد، يأتي عمر فيحرم
بيعهن، وبينما كان الطلاق الثلاث في مجلس واحد يقع واحداً بحكم السنة والإجماع، جاء
عمر فترك السنة وحطم الإجماع".
نقل هذا في معرض المدح والثناء على اجتهاد عمر وتحرره، فهل لقائل والحال هذه أن
يقول: صاحب كتاب الديمقراطية متعصب ضد الشيعة! بعد أن ساواهم بالخليفة الثاني!
وعلى أي الأحوال فإن الشيعة مهما اجتهدوا فإنهم يتعبدون بكل ما ثبت من نصوص الإسلام،
ويحرمون الاجتهاد ضد النص، فهم متحررون من التقاليد ومن كل قيد ما عدا القيد الذي
يفرضه الدين والعقل.
رغب إلي بعض إخواني الفضلاء الذين احترم علمهم وآراءهم أن أعود إلى الموضوع على أن
أنشر أقوال الشيعة فتوى ودليلاً لكل مسألة نقلها صاحب كتاب الديمقراطية عنهم، فأجبت
راجياً أن تجد كلمتي هذه عندهم الرضا والقبول، كما أرجو أن تعطي المؤلف الفاضل صورة
صادقة واضحة عن جهل وتعصب الذين اعتمد عليهم في بعض ما نقله عن الشيعة، وكيف أنهم
يضللون رجلاً بريئاً كالاستاذ خالد.
نقل الأستاذ في صفحة 148 من كتاب الديمقراطية أن "الشيعة لا يعترفون بغير القرآن،
بل ان لبعض طوائفهم قرآناً غير قرآننا، وهم لا يعترفون بالسنة واحاديث الرسول التي
يرويها وينقلها أئمة أهل السنة".
لا أدري إذا كان أحد من الشيعة يعرف هذه الطائفة التي لها قرآن غير قرآننا، أما أنا
فلا أعرف عنها شيئاً، ولم أسمع بها من قبل، ولا أريد أن أتعرف إليها أبداً، إن كان
لها وجود، لأني أعتقد أنا، ويعتقد كل شيعي معي أن من لا يؤمن بهذا القرآن الذي بين
أيدينا فهو كافر ليس من الإسلام في شيء، لا هو مسلم سني، ولا مسلم شيعي، كما إني لا
أعرف أحداً من الشيعة يعترف بالقرآن دون السنة وأحاديث الرسول. إن الشيعة يعتقدون
بأن القرآن والسنة شيء واحد من حيث وجوب العمل والاتباع، وإن من أنكر سنة الرسول
فقد أنكر القرآن نفسه، لقوله تعالى
﴿وَمَا آتَاكُمُ
الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾ وهذه كتبهم في الفقه وأصوله، والحديث ورجاله، وهي تعد بالمئات تعلن بصراحة أن أدلة
الشريعة الإسلامية، ومصادر أحكامها أربعة: الكتاب، والسنة، والاجماع، والعقل.
ميراث البنت
وقال في الصفحة نفسها "والشيعة يجعلون المال كله لذي الغرض" يشير إلى مسألة
ما إذا توفي إِنسان، وله بنت أو أكثر، وليس له ولد ذكر، وله أخ، أو كانت له أخت أو
أخوات، وليس له أخ ذكر، وله عم فإن أهل السنة يشاركون أخا الميت مع ابنته في
الميراث، ويشاركون عمه مع أخته، والشيعة يقولون أن التركة بكاملها للبنت أو البنات،
وليس لأخ الميت شيء، وإذا لم يكن له أولاد، وكان له أخت أو أخوات، فالمال كله للأخت
أو للأخوات، ولا شيء للعم، لأن من كان بينه وبين الميت درجة واحدة فهو بميراثه أولى
ممن كان بينه وبينه درجتان أو أكثر، والمذاهب الأربعة تعترف بهذه القاعدة، قاعدة
الأقرب فالأقرب في مسألة العصبة، لأنهم قالوا: أن عصبة الأقرب كالأخ تمنع الأبعد
كالعم. وآية أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب اللّه من المؤمنين والمهاجرين
كما دلت على أن القريب أولى من الغريب في الميراث، فقد دلت أيضاً على أن الأقرب
أولى ممن هو دونه في القرابة، وليس من شك في أن البنت أقرب إلى الميت من أخيه، كما
أن أخته أقرب إليه من عمه.
وآية
﴿لِّلرِّجَالِ
نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ
مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ
نَصِيبًا مَّفْرُوضًا﴾ دلت على التساوي بين الذكور
والاناث في استحقاق الإرث ومراتبه وكما أن بين الإبن والأب درجة واحدة فبين الأب
والبنت درجة واحدة أيضاً، لأن كلاً منهما يصدق عليه لفظ الوالد عرفاً ولغة وشرعاً،
قال تعالى
﴿فَاسْتَفْتِهِمْ
أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ﴾ - وفي آية أخرى -﴿مَا
كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ﴾ ما كان للّه أن
يتخذ ولداً" فإذا كان الإبن يحجب عمه لأنه ولد، فالبنت تحجبه أيضاً لأنها ولد.
ومن هنا يتبين أن قوله تعالى
﴿إِنِ امْرُؤٌ
هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ
يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ﴾ يتبين أن الأخ والأخت لا يرثان شيئاً إِلا مع عدم
وجود الإبن والبنت، لأن كلاً منهما ولد حقيقة.
وقيل: أن اختصاص البنت الواحدة أو البنات بالميراث كله يتعارض مع نص الآية 11 من
سورة النساء
﴿فَإِن كُنَّ
نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً
فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا
تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ﴾"فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك، وإن كانت واحدة فلها النصف،
ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد" فاللّه سبحانه فرض للبنت
الواحدة النصف مع عدم الإبن، وللبنتين فما فوق الثلثين، والشيعة يعطون البنت
الواحدة جميع التركة، وكذلك البنات.
والحقيقة أن هذه الآية لا تصلح للاعتراض على الشيعة، لأنها لا تدل على أن ما زاد
على الثلثين لا يرد على البنتين، وما زاد على النصف لا يرد على البنت ويؤيد هذا
أمور:
1- ما قاله أبو حنيفة وابن حنبل: إِذا خلف الميت بنتاً أو بناتاً، وليس معهن أحد
من أصحاب الفروض والعصبات، فالمال كله للبنت، النصف بالفرض، والباقي بالرد. وكذلك
للبنتين الثلثان بالفرض، والباقي بالرد، فإذا كانت الآية لا تدل على نفي الرد على
أصحاب الفرض في هذه الصورة كذلك لا تدل على النفي في غيرها، لأن الدلالة الواحدة لا
تتجزأ.
وقال مالك والشافعي يعطى الزائد عن الفرض لبيت المال6.
وقال صاحب كتاب المغني البنت أولى من بيت المال، لقوله تعالى
﴿وَأُوْلُو
الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ﴾ وبهذه الآية عينها استدل الشيعة على أولوية
الأقرب.
2- إذا ترك أباً وبنتاً فقد اتفقت كلمة المذاهب السنية كلها7 على أن
السدس للأب بالفرض، والنصف للبنت كذلك والفاضل يرد على الأب وحده فيأخذ هو النصف،
والبنت النصف، مع أن اللّه سبحانه قال "ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك
إِن كان له ولد" فكما أن هذا الفرض في هذه الآية لا ينفي أن يكون للأب ما زاد
على السدس، كذلك الفرض في قوله تعالى
﴿فَلَهُنَّ
ثُلُثَا مَا تَرَكَ﴾" لا
ينفي أن يكون للبنات ما زاد على الثلثين، وللبنت ما زاد على النصف، خاصة، وإن فرض
البنات والأبوين وارد في آية واحدة، وسياق واحد.
والشيعة ترد الفاضل على البنت والأب معاً، ولا ترده على الأب وحده، فيعطون الربع
للأب وثلاثة أرباع للبنت.
3- قال أبو حنيفة وابن حنبل: إِن للأم المال كله في بعض الحالات، تأخذ الثلث
بالفرض والثلثين بالرد8 مع أن فرضها في القرآن السدس أو الثلث
﴿فَإِن
لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ
لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ﴾".
4- قال اللّه عز وجل "واستشهدوا شاهدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل
وامرأتان" نصت هذه الآية الكريمة على أن الدين يثبت بشاهدين، وبشهادة رجل
وامرأتين، مع أن بعض المذاهب الأربعة أثبته بشاهد ويمين، بل قال مالك: يثبت بشهادة
امرأتين ويمين9 فكما أن هذه لا تدل على أن الدين لا يثبت بشاهد ويمين،
كذلك آية الميراث لا تدل على أنه لا يرد على البنت والبنات، والأخت والأخوات.
فالشيعة يوجبون رد ما زاد عن فرض البنت على البنت، وما زاد عن فرض الأخت على الأخت،
لأن البنت أقرب من الميت من أخيه، وأخته أقرب إليه من عمه، والأقربون أولى، والشيعة
لا يثقون بحديث طاوس "ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولي عصبة ذكر" ولو
وثقوا به لقالوا بمقالة أهل السنة، كما أن أهل السنة لولا ثقتهم بهذا الحديث لقالوا
بمقالة الشيعة.
وقال صاحب كتاب الديمقراطية في صفحة 149 "ومنهم أي من الشيعة من ينكر معظم أركان
الحج، فرمي الجمار عندهم ضلالة، والسعي بين الصفا والمروة عبث" يحج في كل عشرات
الألوف من الشيعة إلى بيت اللّه الحرام، ويطوفون مع إخوانهم السنة بين الصفا
والمروة كتفاً إلى كتف، ويرمون معهم الجمار جنباً إلى جنب، وهذي كتبهم تنطق بذلك
بكل صراحة ووضوح، منها الجواهر والمسالك والحدائق، وسائر كتب الفقه، وجميع مناسك
الحج، وهذه توزع في النجف وإيران بلا عوض على كل طالب وراغب.
وقال المؤلف في الصفحة نفسها "كادت تحدث مأساة في موسم الحج هذا العام، لأن زعيماً
إسلامياً كبيراً أراد أن يمارس بعض مناسك الحج على طريقة مذهبه الشيعي بما يتعارض
تعارضاً مثيراً مع مقتضيات العرف الإسلامي، فأحدث هذا من الهرج ما كاد يفضي إلى شر
وسوء.
هذا الزعيم الإسلامي الشيعي هو آية
اللّه الكاشاني - كما أعلم - وقد اجتمعت به في لبنان بعد أن أدى فريضة الحج عائداً
من مكة إلى بلده إِيران، وسمعته يتحدث عن سفره وحجه فلم يشر من قريب ولا من بعيد
إلى الهرج المذكور، أو إلى أي شيء حدث بسبب ما أداه من أفعال الحج، ولا شيء من
واجبات الحج عند الشيعة يتعارض مع العرف الإسلامي، أو يحدث هرجاً يفضي إلى سوء،
وهذه هي واجبات الحج، كما هي مدونة في كل منسك من مناسك الحج، وفي كل كتاب من كتب
فقه الشيعة، وكما يؤديها كل مسلم شيعي، بلا زيادة ولا نقصان، وهي الإحرام والوقوف
بعرفات، والوقوف بالمشعر، ونزول منى، والرمي والذبح، والحلق والطواف، وركعتاه،
والسعي، وطواف النساء وركعتاه.
وهناك أمر يحدث في كثير من مواسم الحج يظن من لا ينتبه إليه أن الشيعة يخالفون
إخوانهم السنة في بعض أفعال الحج، مع أنه لا خلاف بينهما في واقع الحال. وهذا الأمر
هو ثبوت أول شهر ذي الحجة، فإِن أفعال الحج موقتة بأيام الشهر الهلالي، فلا يجوز أن
تتقدم عن وقتها أو تتأخر، ويصادف أن يثبت أول الشهر عند السنة، ولا يثبت عند الشيعة،
فيقف - مثلاً - السني في عرفات يوم الاثنين، لأنه يعتقد أن أول الشهر يوم الأحد،
بينما يحاول الشيعي جاهداً وحرصاً على أداء الواجب في حينه أن يقف يوم الثلاثاء
لاعتقاده بأن أول الشهر الاثنين. وليس هذا خلافاً في حكم الشرع، ولا في موضوعه،
وإنما هو خلاف في ظرف العمل الذي يخرج تشخيصه وتطبيقه عن اختصاص الشرع، فالخلاف بين
السنة والشيعة في ذلك كالخلاف بين أهل الشام والعراق على ثبوت هلال شوال، وتعيين
عيد الفطر10.
وأراني قد أتعبت القارئ بهذا التطويل والقال والقيل، ولا أظنه رافقني واستطاع معي
صبراً إلى هنا، فلعله اكتفى بقراءة العنوان، أو لعله قرأ العنوان وبعض الأسطر، وولى
مدبراً لا يلوي على شيء.
* - في العرفان عدد تشرين الثاني سنة
1953.
1- ميزان الشعراني. باب الأطعمة.
2- نفس المصدر باب الطهارة.
3- نفس المصدر باب صلاة الجمعة.
4- كتاب رحمة الأمة في اختلاف الأئمة باب الفرائض.
5- ميزان الشعراني باب الوصايا.
6- كتاب المغني ج 6 صفحة 201 الطبعة الثالثة، وميزان الشعراني باب الفرائض.
7- كتاب المغني ج 6 صفحة 177 الطبعة الثالثة.
8- ميزان الشعراني باب الفرائض.
9- ميزان الشعراني ج 2 صفحة 258 طبعة سنة 1311 هجرية، والمغني ج 9 ص 151 الطبعة
الثالثة.
10- جاء في جريدة الجمهورية المصرية عدد 27 نيسان سنة 1955 أن عيد الأضحى في مصر
كان سنة 939 يوم الاثنين، وفي المملكة العربية السعودية يوم الثلاثاء وفي بومباي
يوم الأربعاء.