يتم التحميل...

لا سُنّة وَلا شِيعَة

تعرّف على الشيعة

ما زلنا نسمع الحين بعد الحين كلمة تدور على لسان أكثر من واحد، وهي "لا سنة ولا شيعة" بل مسلمون، وكفى. حتى أن أحد الشيوخ ألف كتاباً، اسماه بذلك.

عدد الزوار: 38

ما زلنا نسمع الحين بعد الحين كلمة تدور على لسان أكثر من واحد، وهي "لا سنة ولا شيعة" بل مسلمون، وكفى. حتى أن أحد الشيوخ ألف كتاباً، اسماه بذلك. وليس من شك أن بعض من ردد هذه الكلمة طيب القلب، خالص النية، وانه عبر بها عن امنيته وهي ان يسود الوئام، وتزول الحواجز بين المسلمين. ولكن البعض الآخر أراد بها أن يسكت الشيعة على ما يوجه إلى عقيدتهم من التزييف والطعون، وان يتقبلوا ما يتقوله عليهم الحفناوي والجبهان ومحب الدين الخطيب واخوان السنة في القاهرة، ومجلة التمدن الإسلامي في دمشق، وغيرها. وبكلمة يريد بها أن المسلمين هم السنة دون الشيعة، وان عقيدة التشيع يجب القاؤها في سلة المهملات، لانها بزعمه لا تمت إلى الاسلام بسبب. وقد جهل أو تجاهل ان نفي التشيع هو نفي للقرآن والحديث، وبالتالي، نفي للإسلام من الأساس.

في سنة 1380 هجري احتفلت جمعية البر والإحسان في صور بعيد الغدير، وكان بين المتكلمين شيخ أزهري وأنا، وبعد أن ألقيت كلمتي تكلم هذا الشيخ، وقال فيما قال: ما لنا وليوم الغدير؟ لقد ذهب بما فيه. والاحتفال به تباعد بين المسلمين، وهم احوج إلى التقريب والوئام.

وبعد ان انتهى من كلامه عدت إلى منصة الخطابة، وعقبت على خطابه بقولي:
مهما نهى الشيخ عن شيء فإنه لن يستطيع هو ولا غيره أن ينهى عن كتاب اللّه وسنة نبيه، ونحن لسنا مع عيد الغدير، ولا مع علي بن أبي طالب لو لم يكن اللّه ورسوله معه، وإذا لم يترك اللّه والرسول علياً فماذا نصنع؟. هل نتركه نحن؟.

ثم إذا تركنا علياً - والحال هذه - هل نكون مسلمين حقاً؟. ان احتفالنا بهذا اليوم هو احتفال بالقرآن الكريم وسنة النبي العظيم بالذات، احتفال بالاسلام ويوم الإسلام. ان النهي عن يوم الغدير تعبير ثانٍ عن النهي بالاخذ بالكتاب والسنة، وتعاليم الاسلام ومبادئه1.

وتلك كتب الأحاديث والسِّيَر متخمة بالادلة والبراهين القاطعة على أن تعظيم العترة الطاهرة تعظيم للّه وكتابه، وللرسول وسنته.

والآن وفي كتابي هذا أذكر رواية تغني عن ألف دليل ودليل، لأن الذين أوردوها هم الآل والعترة بالذات:
كان من عادة المأمون العباسي أن يعقد المجالس للعلماء على اختلاف مذاهبهم وفرقهم، ويرغب إليهم ان يتدارسوا ويتناقشوا في الفقه والحديث والفلسفة وغيرها، وفي ذات يوم جمعهم في حضور الامام الرضا عليه السلام والقى عليهم هذا السؤال:
من هم المصطفون المعنيون بقوله تعالى: "ثم اورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا - 32 الفرقان"؟

قال العلماء - غير الإمام -: انهم أمة محمد بكاملها.

قال المأمون للإمام الرضا: ما تقول أنت يا أبا الحسن؟

قال الإمام: انه أراد العترة الطاهرة دون غيرهم.

قال المأمون: وما الدليل على ذلك؟

قال الإمام: لو أراد اللّه عز وجل بهذه الآية الكريمة جميع المسلمين كما قال العلماء لحرمت النار على كل مسلم، وان فعل ما فعل، لأنه سبحانه لا يعذب احداً ممن اصطفاه، والثابت بضرورة الدين خلاف ذلك، وان من يعمل مثقال ذرة خيراً يره، وان من يعمل مثقال ذرة شراً يره، هذا، إلى أن آيات القرآن الكريم يفسر بعضها بعضاً، كما أن الأحاديث النبوية هي تفسير وبيان لكتاب اللّه، وفي الكتاب والحديث دلائل وشواهد على أن المراد بقوله تعالى "ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا" هم العترة الطاهرة، منها:
1- قوله تعالى: "انما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً - 33 الاحزاب" فقد دلت الآية على أن أهل البيت هم المطهرون من الرجس، وبديهة ان المصطفين مطهرون. فأهل البيت - اذن - هم المصطفون دون غيرهم.

2- قول الرسول الأعظم: "اني مخلف فيكم الثقلين: كتاب اللّه، وعترتي أهل بيتي ألا وانهما لن يفترقا، حتى يردا علي الحوض" وما دام الكتاب ملازماً للعترة، ولم يفترق عنها بحال، اذن، هي التي ترثه، وهي التي خصها اللّه بالقرب والاصطفاء.

3- قوله تعالى: "فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم ونساءنا ونساءكم وانفسنا وانفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة اللّه على الكاذبين - 61 آل عمران". فالذين اختارهم اللّه هنا في هذه الآية واصطفاهم للمباهلة هم بالذات الذين اصطفاهم وعناهم في آية "ثم أورثنا الكتاب" ولا يختلف اثنان ان المراد بانفسنا علي، وابناؤنا الحسن والحسين، ونساؤنا فاطمة، وهذه خاصة لا يتقدمهم فيها أحد، وفضل لا يلحقهم به بشر، وشرف لا يسبقهم إليه مخلوق.

4- ان النبي صلى الله عليه وآله سد ابواب الصحابة جميعاً التي كانت على مسجده الا باب علي، حتى تكلموا، واحتجوا، وقالوا فيما قالوا: يا رسول اللّه ابقيت علياً، واخرجتنا. فقال: ما انا ابقيته، واخرجتكم، ولكن اللّه سبحانه هو الذي ابقاه وأخرجكم. فكما اخرج اللّه الناس هناك، وأبقى علياً، كذلك اخرجهم من آية "ثم أورثنا الكتاب" وابقى العترة الطاهرة.

5- قوله تعالى: "وآت ذا القربى حقه - 26 الاسراء". فقد نص صراحة على أن لأهل البيت حقاً خاصاً بهم لا يشاركهم فيه أحد، وما ذاك إلا لأن اللّه سبحانه قد اصطفاهم على الأمة جمعاء.

6- ان اللّه عز وجل لم يبعث نبياً الا أوحى إليه أن لا يسأل قومه اجراً على تبليغ رسالته، لأن اللّه سبحانه هو الذي يوفيه اجر الانبياء الا محمداً، فإن اللّه أمره أن يجعل أجره مودة قرابته، بطاعتهم ومعرفة فضلهم. فقد حكى عن نوح أن قال: "يا قوم لا أسألكم عليه مالاً ان أجري إلا على اللّه - 29 هود"

وحكى عن هود أنه قال لقومه: "قل لا أسألكم عليه أجراً ان اجري إلا على الذي فطرني - 51 هود". أما محمد فقد قال بأمر ربه: "قل لا أسألكم عليه اجراً إلا المودة في القربى - 20 الشورى" وإذا كان وجوب المودة ميزة خاصة بآل الرسول دون غيرهم من آل الانبياء فكذلك ارث الكتاب والاصطفاء ميزة خاصة بهم دون غيرهم.

7- ان اللّه سبحانه قال: "سلام على نوح في العالمين - 79 الصافات" وقال: "سلام على إبراهيم - 109 الصافات". وقال: "سلام على موسى وهارون - 120 الصافات". ولم يقل سلام على آل نوح، ولا سلام على آل إبراهيم، ولا سلام على آل موسى. ولكنه قال عز من قال: "سلام على آل يس - 130 الصافات". ويس هو محمد بالاتفاق، وإذا خصهم اللّه بالسلام فقد خصهم أيضاً بارث الكتاب والاصطفاء. وجاء في الحديث ان المسلمين سألوا محمداً: كيف نصلي عليك يا رسول اللّه؟ قال: تقولون اللهم صلِّ على محمد وآل محمد.

8- قوله تعالى: "واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن للّه خمسه وللرسول ولذي القربى - 41 الانفال" فقد جعل اللّه سبحانه الآل في حيز، والناس في حيز دونهم، ورضي لهم ما رضي لنفسه، واصطفاهم على الخلق، فبدأ بنفسه، ثم ثنى برسوله، ثم بذي القربى في كل ما كان من الفيء والغنيمة، وغير ذلك، وهذا فضل للآل دون الأمة.

9 - قوله تعالى: "فاسألوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون - 43 النحل" وأهل البيت هم أهل الذكر، لأنهم عدل القرآن الكريم بنص حديث الثقلين.

10- قوله تعالى: "وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها - 132 طه". قال الإمام الرضا عليه السلام: ان اللّه تبارك وتعالى قد أمرنا مع الناس بإقامة الصلاة في قوله "اقيموا الصلاة"، ثم خصنا من دونهم بهذه الآية الكريمة، فكان رسول اللّه بعد نزولها يأتي إلى باب علي وفاطمة عند حضور كل صلاة خمس مرات، ويقول: الصلاة يرحمكم اللّه. ولم يكرم أحداً من ذراري الانبياء بمثل هذه الكرامة التي اكرمنا بها.
وبعد ان انتهى الإمام من حديثه الطويل2 قال العلماء والمأمون للإمام: جزاكم اللّه خيراً أهل البيت عند أمة جدكم، فإنا لا نجد بيان ما اشتبه علينا من الحق إلا عندكم. وصلى اللّه على محمد وآله الطيبين.


1- قال الشيخ عبد اللّه العلايلي في خطبة أذاعتها محطة الاذاعة اللبنانية: ان عيد الغدير جزء من الإسلام، فمن أنكره فقد أنكر الإسلام بالذات. وذلك في 18 ذي الحجة سنة 1380 هجري.
2-
ذكر الشيخ الصدوق في كتاب "عيون الأخبار" هذه الأدلة القاطعة مع غيرها لاثبات ان المراد من آية "واورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا" هم العترة الطاهرة، ورواها عن الإمام الرضا، وقد لخصتها بشيء من التصرف في التعبير، لأجل التوضيح والاختصار، مع المحافظة التامة على المعنى.

2016-03-08