يتم التحميل...

كيفَ يَجبُ أن نَفهَم الِعبَادَة

تعرّف على الشيعة

يبحث الإسلام عن العقائد، عن الإيمان باللّه ورسوله واليوم الآخر، وعن محاسن الأخلاق ومساوئها، كالعفاف والصدق، والثبات والوفاء، والكرم والأمانة،

عدد الزوار: 170

كيفَ يَجبُ أن نَفهَم الِعبَادَة *

المواضيع التي تعرض لها الإسلام

يبحث الإسلام عن العقائد، عن الإيمان باللّه ورسوله واليوم الآخر، وعن محاسن الأخلاق ومساوئها، كالعفاف والصدق، والثبات والوفاء، والكرم والأمانة، وعن الغضب والحسد، والإسراف والبخل، والرياء والكذب، والغش والخلاعة، وما إلى ذلك، ويبحث عن العبادة، كالصلاة والصيام والحج، وعن النظم الاجتماعية، كالزواج والطلاق، والوصايا والمواريث، والجيش وتعيين الولاة، وتنظيم القضاء، ويبحث عن التجارة والزراعة، وما إِليهما من العقود.

ومن يرغب في لقب عالم بالديانة الإسلامية فعليه أن يعرف هذه الأمور، ويأخذها من أصولها المقررة، وأدلتها المفصلة، وبقدر معرفته بها قوة وضعفاً تكون منزلته من العلم بالإسلام وشريعته.

وليس من غرضنا في هذا المقام أن نبين حقيقة كل نوع من هذه الأنواع، والوصف الذي يخصه، ويميزه عن سواه، وإنما الغرض أن نبين الفرق بين العبادة وغيرها من المعاملات، ومنه يتضح القصد مما قلناه عن العبادة في العرفان الأغر عدد شعبان سنة 1371 هجري، وجواب ما كتبه الدكتور عمر فروخ، وما كتبه الأستاذ الشيخ عبد اللّه الخنيزي حول رأينا في معنى العبادة.

معنى العبادة
والفرق بين العبادة وجميع المعاملات أن العبادة لا تصح بحال بل لا تسمى عبادة إلا بشرطين: الأول : أن يثبت وجوبها بطريق النقل لا بطريق العقل. الثاني : أن يكون الدافع الأول على الإتيان بها إِطاعة اللّه سبحانه، وامتثال أمره الخاص المتعلق بالفعل نفسه، فمن عمل عملاً متعبداً به، وقاصداً منه وجه اللّه من دون أن يثبت أمره فإن عمله يكون بدعة وضلالة، وكذا من صام وصلى من غير أن يكون الدافع الأول على عباته إِطاعة الأمر المتعلق بالعبادة يكون عمله لغواً، فليس للإنسان كائناً من كان أن يعبد اللّه تعالى بعمل خاص يخترعه من عند نفسه، أو يزيد أو ينقص فيما رسم اللّه، مستنداً في ذلك إلى الأوامر المطلقة المجملة، كقوله سبحانه "وما اُمروا إِلا ليعبدوا اللّه. واعبدوا اللّه مخلصين له الدين. وما خلقت الجن والانس إِلا ليعبدون" وليس له أيضاً أن يشرك مع طاعة اللّه أي باعث من البواعث المادية، فمن توضأ بداعي الطاعة والنظافة معاً، أو صلى بداعي التعبد والرياضة، أو صام بداعي الوجوب والصحة يقع عمله في غير موقعه.

معنى المعاملة

أما معاملات التجارة، وعقود الزراعة، والأحوال الشخصية، وتنظيم دوائر الحكومة، وما إلى ذلك مما لا يدخل في باب العبادات ولا يمت إليها بصلة قريبة أو بعيدة، فكلها تصح وتنفذ من غير حاجة إلى أمر من اللّه سبحانه، على شريطة أن لا تزاحم حقاً من الحقوق الخاصة أو العامة، فلو فرض أن الناس اصطلحوا فيما بينهم على إيجاد نوع من التجارة أو الزراعة أو الصناعة أو عادة من العادات، ولم يكن شيء منها معروفاً في عهد الرسول فتصح وتسمى شرعية أيضاً، وإن لم يرد فيها نص خاص، تسمى شرعية للمبادئ العامة التي أقرها الدين، مثل "أوفوا بالعقود. وأحل اللّه البيع. والناس عند شروطهم. وكل صلح وشرط جائز إلا ما حلل حراماً أو حرم حلالاً" وأعلن الفقهاء هذه الحقيقة في كتب الفقه وأصوله بقولهم أنه ليس للمشرع حقيقة دينية شرعية واصطلاح خاص لمعنى الألفاظ إلا في العبادات، أي يرجع إليه في تفسير العبادة وأجزائها وشروطها، أما غيرها من المعاملات فهو كأحد الناس لا فرق بينه وبين أي إنسان من أبناء العرف في هذه الجهة.

وإذا وجد أمر خاص في الكتاب أو السنة بغير العبادات، كالأمر بالزواج والتجارة، فلا يجب على الإنسان أن يفعل المأمور به تقرباً إلى اللّه، وامتثالاً لأمره الخاص، كما يجب ذلك في العبادات، فمن تزوج لإشباع الغريزة الجنسية أو للولد، فالزواج شرعي صحيح، ومن باع أو اشترى، لغاية مادية فمعاملته صحيحة نافذة، بل لو قصد التوصل إلى الحرام من البيع كمن باع بعض ما يملك ليستعين به على الاثم والعدوان، فالبيع صحيح، وقد أجمع الفقهاء على أن من باع وقت الأذان إلى الصلاة من يوم الجمعة يأثم، ولكن بيعه صحيح نافذ الأثر، يأثم للآية الكريمة "يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر اللّه وذروا البيع" ويصح البيع، لأن النهي عن المعاملة لا يدل على الفساد.

نتيجة الفرق بين العبادة والمعاملة

وبعد أن اتضح أن الأحكام الشرعية، منها عبادات، ومنها معاملات، وأن العبادة تتوقف على أمر اللّه، وعلى إِتيانها بامتثال هذا الأمر على العكس من المعاملة ينتج أن العبادة من الأمور الروحية التي تقرب فاعلها من طاعة اللّه، وتبعده عن معصيته، وانها لا تمت إلى المادة بصلة، بل هي للّه وحده "فاسجدوا للّه واعبدوا. فاعبد اللّه مخلصاً. وأقم الصلاة لذكري" ولازم ذلك أن كل متدين يجب عليه أن يفعل العبادة عن طيب نفس من غير قيد ولا شرط.

ويبحث الإسلام عن المعاملات على أساس مادي، أي أساس تنظيم الحياة الدنيوية تنظيماً يصون مصلحة المجتمع، ولا تتصل المعاملات بالروح والحياة الأخرى إِلا تبعاً لهذه المصلحة، فمن تجاوز حدودها فقد تجاوز حدين، وخالف حقين، حق اللّه، وحق الناس، أي الحق الخاص والحق العام، ومن أخل بشيء من العبادة فقد تجاوز حداً واحداً، وخالف حقاً واحداً، هو حق اللّه فحسب، فالمعاملات التجارية والزراعية والصناعية يصح منها ما يتلاءم مع الحياة وتقدمها ويفسد منها ما لا يتفق مع الصالح الدنيوي، والصحيح نافذ بحق كل إنسان مؤمناً كان أم جاحداً.

ويتسع على الفقيه مجال الاجتهاد في المعاملات، ويضيق في العبادات، إِذ ينحصر في البحث عن الأمر التعبدي، فإِن وجده التزم به، وإِلا توقف عن القول، واعمال الفكر.

بني الإسلام على خمس

ولا شيء أصرح في الدلالة على ما قدمنا من الحديث الذي اتفقت عليه جميع المذاهب الإسلامية "بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إِله إِلا اللّه، وأن محمداً رسول اللّه، وإِقامة الصلاة وإِيتاء الزكاة، وحج البيت" فلم يبنَ الإسلام على شيء من الزراعة والصناعة والتجارة، لأن هذه تبنى عليها الحياة المطلقة في جميع صورها وألوانها، الحياة الطبيعية المادية التي يحياها في هذه الدار كل فرد متديناً أم غير متدين، أما الصلاة والحج والصيام فإنها أركان الحياة الروحية الدينية، فمن أقرَّ بها لزمه أن ينقاد إليها انقياداً تاماً، ولا يجوز له أن يعللها بشيء من المادة، إِذ يتنافى ذلك مع إِسلامه وإِيمانه.

الصلاة تنهى عن الفحشاء

وعلى الأساس الذي ذكرناه لمعنى العبادة نستطيع أن نفسر قوله سبحانه "إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر" وغيرها من الآيات والأحاديث التي تعرضت لبيان الحكمة من العبادة، فالقصد منها أن الإنسان لو عبد اللّه حقاً لتمشى على دين اللّه، وانتهج صراطه المستقيم، فانتهى عن المنكر والفحش، وعمل الخير والمعروف إِلا فقد حكم على نفسه بنفسه بأنه دجال منافق خير منه من أعلن الكفر والجحود وبهذا تجد تفسير قوله تعالى "فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون".

ما قال ربك ويل للأولى سكروا    بل قال ربك ويل للمصلينا


وثبت عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله أنه قال "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من اللّه إِلا بعداً. وقال : لا صلاة لمن لم يطع الصلاة. وطاعة الصلاة أن ينتهي المصلي عن الفحشاء والمنكر" وقال الإمام الصادق عليه السلام : "من أحب أن يعلم أقبلت صلاته أم لم تقبل فلينظر هل منعته عن الفحشاء والمنكر، فبقدر ما منعته قبلت منه".


* - نشر في العرفان أيلول 1952.

2016-03-08