ضرورَات الدين وَالمذهَب
تعرّف على الشيعة
المسلم من صدّق مقتنعاً بكل ما اعتبره الإسلام من الأصول والفروع، والأصول ثلاثة: التوحيد، والنبوة، والمعاد، فمن شك في أصل منها، أو ذهل عنه قاصراً أو مقصراً فليس بمسلم،
عدد الزوار: 79
ضرورَات الدين وَالمذهَب *
المسلم من صدّق مقتنعاً بكل ما اعتبره الإسلام من الأصول والفروع، والأصول ثلاثة:
التوحيد، والنبوة، والمعاد، فمن شك في أصل منها، أو ذهل عنه قاصراً أو مقصراً فليس
بمسلم، ومن آمن بها جميعاً جازماً فهو مسلم، سواء أكان إيمانه عن نظر واجتهاد، أم
عن التقليد والعدوى، على شريطة ان يكون وفق الحق والواقع.
أما ما ذكره العلامة الحلي، والشهيد الثاني، وغيرهما، من وجوب الاستدلال والنظر في
العقائد، وعدم كفاية التقليد فيها، فإِن المقصود منه التقليد الذي لا يوصل إلى
الواقع، أما إذا كان سبيلاً للتصديق بالحق، فلا ريب في إجزائه وكفايته، وإلا لم يبق
من المسلمين سوى واحد من كل مائة، ولذا قال العلامة الأنصاري في كتاب الفرائد: (والأقوى
كفاية الجزم الحاصل من التقليد).
ويكفي من التوحيد الإيمان بوحدة اللّه تعالى، وقدرته وعلمه وحكمته، ولا تجب معرفة
صفاته الثبوتية والسلبية بالتفصيل، ولا انها عين ذاته أو غيرها، ويكفي من النبوة
الإيمان بأن محمداً، صلى اللّه عليه وآله وسلم، رسول من اللّه صادق فيما أخبر به،
معصوم في تبليغ الأحكام، فإن الرسول قد يخبر عن الشيء بصفته الدينية المحضة أي كونه
رسولاً مبلغاً عن اللّه تعالى، وقد يخبر عنه بصفته الشخصية، أي كونه إنساناً من
البشر، فما كان من النوع الأول يجب التعبد به، وما كان من النوع الثاني فلا يجب.
أما التصديق والإيمان بأن النبي كان يسمع ويرى وهو نائم، كما يسمع ويرى وهو مستيقظ،
وأنه يرى من خلفه كما يرى من أمامه، وانه عالم بجميع اللغات، وأنه أول من تنشق عنه
الأرض، فليس من ضرورات الدين ولا المذهب.
ويكفي من المعاد الاعتقاد بأن كل مكلف يحاسب بعد الموت على ما اكتسبه في حياته،
وأنه ملاق جزاء عمله، ان خيراً فخير، وان شراً فشر، أما انه كيف يحاسب العبد ؟ وعلى
أية صورة بالتحديد يكون ثواب المحسن، وبأي لون يعاقب المسيء ؟ فلا يجب التدين بشيء
من ذلك، فالتوحيد، والنبوة، والمعاد، دعائم ضرورية لدين الإسلام، فمن أنكر واحداً
منها، أو جهله فلا يعد مسلماً شيعياً، ولا سنياً.
أما الفروع التي هي من ضرورات الدين، فهي كل حكم اتفقت عليه المذاهب الإسلامية كافة
من غير فرق بين مذهب ومذهب، كوجوب الصلاة والصوم، والحج، والزكاة، وحرمة زواج الأم
والأخت، وما إلى ذلك مما لا يختلف فيه رجلان من المسلمين، فضلاً عن طائفتين منهم،
فإنكار حكم من هذه الأحكام إنكار للنبوة، وتكذيب لما ثبت في دين الإسلام بالضرورة.
والفرق بين الأصول والفروع الضرورية، أن الذي لا يدين بأحد الأصول يكون خارجاً عن
الإسلام، جاهلاً كان أم غير جاهل، أما الذي لا يدين بفرع ضروري، كالصلاة والزكاة
فإن كان ذلك مع العلم بصدوره عن الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم، فهو غير مسلم،
لأنه إنكار للنبوة نفسها، وإن كان جاهلاً بصدوره عن الرسالة، كما لو نشأ في بيئة
بعيدة عن الإسلام والمسلمين، فلا يضر ذلك بإسلامه إذا كان ملتزماً بكل ما جاء به
الرسول، ولو على سبيل الإجمال، فالتدين بالأصول أمر لا بد منه للمسلم، ولا يعذر
فيها الجاهل، أما إنكار الاحكام الفرعية الضرورية فضلاً عن الجهل بها، فلا يضر
بإسلام المسلم إلا مع العلم بانها من الدين، فالإمامة ليست أصلاً من أصول دين
الإسلام، وإنما هي أصل لمذهب التشيع، فمنكرها مسلم إذا اعتقد بالتوحيد والنبوة،
والمعاد، ولكنه ليس شيعياً.
ضرورات المذهب:
ضرورات المذهب عند الشيعة على نوعين: النوع الأول يعود إلى الأصول، وهي الإمامة،
فيجب على كل شيعي امامي اثني عشري، أن يعتقد بإمامة الاثني عشر إماماً، ومن ترك
التدين بإمامتهم عالماً كان أم جاهلاً، واعتقد بالأصول الثلاثة، فهو عند الشيعة
مسلم غير شيعي، له ما للمسلمين، وعليه ما عليهم، فالإمامة أصل لمذهب التشيع الذي
يرجع معناه ودليله إلى حديث الثقلين (مثل أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا، ومن
تخلف عنها غرق).
النوع الثاني من ضرورات مذهب الشيعة يرجع إلى الفروع، كنفي العول، والتعصيب، ووجوب
الاشهاد على الطلاق، وفتح باب الاجتهاد، وما إلى ذلك مما اختصوا به دون سائر
المذاهب الإسلامية، فمن أنكر فرعاً منها مع علمه بثبوته في مذهب التشيع لم يكن
شيعياً.
وأغتنم هذه المناسبة لألفت نظر من يحتج على الشيعة ببعض الأحاديث الموجودة في كتب
بعض علمائهم، ألفت نظره إلى أن الشيعة تعتقد ان كتب الحديث الموجودة في مكتباتهم
فيها الصحيح والضعيف، وان كتب الفقه التي ألفها علماؤهم فيها الخطأ والصواب، فليس
عند الشيعة كتاب يؤمنون بأن كل ما فيه حق وصواب من أوله إلى آخره غير القرآن الكريم،
فالأحاديث الموجودة في كتب الشيعة لا تكون حجة على مذهبهم، ولا على أي شيعي بصفته
المذهبية الشيعية، وإنما يكون الحديث حجة على الشيعي الذي ثبت عنده الحديث بصفته
الشخصية.
وهذه نتيجة طبيعية لفتح باب الاجتهاد لكل من له الاهلية، فإن الاجتهاد يكون في صحة
السند وضعفه، كما يكون في استخراج الحكم من أية رواية.
ولا أغالي إذا قلت: أن الاعتقاد بوجود الكذب والدس بين الأحاديث ضرورة من ضرورات
دين الإسلام من غير فرق بين مذهب ومذهب، حيث اتفقت على ذلك كلمة جميع المذاهب
الإسلامية.
* نشر في رسالة الإسلام المصرية العدد الرابع المجلد الثاني سنة 1950 .
2016-03-08