فرص الدعاء ومراتب المؤمنين
الدعاء
هناك فرص ونفحات خاصّة بالدعاء، ولذا تميّزتهناك فرص ونفحات خاصّة بالدعاء، ولذا تميّزت بهذه الصفة، وكأنّها موسم العرض الخاصّ،
عدد الزوار: 322
هناك فرص ونفحات خاصّة بالدعاء، ولذا تميّزتهناك فرص ونفحات خاصّة بالدعاء، ولذا
تميّزت بهذه الصفة، وكأنّها موسم العرض الخاصّ، وذلك كجوف الليل ويوم عرفة وليالي
القدر، وهي تمرّ مرّ السحاب فلا بدّ من استغلالها على أتمّ وجه، و
﴿..لَكُمْ فِي
رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَة﴾1، حيث كان إذا حلّ الثلث الأخير من شهر رمضان،
يطوي فراشه إلى آخر الشهر, إذ كان يعتكف في المسجد وينشغل بالدعاء ومناجاة الخالق.
اعتراض البعض على الدعاء
يعترض البعض على الدعاء مرّة بأنه يتنافى والاعتقاد بالقضاء والقدر الإلهي، وأنه ما
أثر الدعاء طالما كلّ شيء في الكون يحصل بقضاء وقدر إلهي؟
وأخرى بأنّه يتنافى مع الاعتقاد بالحكمة الإلهية، وأنّ الدعاء طل لتغيير ما اقتضته
الحكمة الإلهيّة من واقع.
وثالثة بأنّ الدعاء يتنافى مع الرضا والتسليم بمشيئة الله المطلوبين من الإنسان لا
سيّما المؤمن.
وفي الواقع إنّ كلّ هذه التساؤلات ناشئة من توهّم كون الدعاء أمراً خارجاً عن نطاق
قضاء الله وقدره، وأنّه على خلاف حكمته جلّ وعلا، والغفلة عن أنّه عين التسليم
بمشيئته سبحانه, فيما الدعاء من أجزاء القضاء والقدر، ومن أجزاء الحكمة الإلهيّة,
كيف لا والمصلحة الإلهيّة البالغة هي الّتي اقتضته وأمرت به:
﴿... ادْعُونِي
أَسْتَجِبْ لَكُمْ ...﴾2.
وقد حثّ الباري عليه مؤكّداً أنّه قريبٌ من المؤمن الّذي يدعوه:
﴿وَإِذَا سَأَلَكَ
عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ
فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي ...﴾3.
مراتب المؤمنين ولذة الدعاء
المؤمنون على مراتب:
أ- المؤمن الّذي يعتقد بوجود الله سبحانه، ويعرفه معرفة كاملة، لكنّه لا يمتلك حسّ
رؤية ألطاف الله وعنايته الّتي يفيضها في حياته الخاصّة واليوميّة، وهذه المرحلة
تسمّى بمرحلة "علم اليقين".
ب- المؤمن الّذي فضلاً عن معرفته واعتقاده، فإنّه يشاهد أثر توحيده وتوكّله
واعتماده على الله دون غيره، حيث يستشعر استجابة دعائه ويجد أثر التوكلّ والاعتماد
على الله في حياته الخاصّة، وهذا المؤمن يكون في مرحلة "عين اليقين".
ج- المؤمن الّذي يرى نفسه في ارتباط مباشر مع الله، بل لا يرى نفسه شيئاً يذكر،
وهذا العبد يكون قد وصل إلى مرحلة "حقّ اليقين".
وهذا المؤمن هو الّذي يعيش حقيقة الدعاء ولذّة الانقطاع إلى الله، فإنّه يمارس فنّاً
في العبوديّة والإيمان أسمى من فنون الطبّ والهندسة والرسم، ويعيش لذّة تفوق لذّة
رؤية مريضه الّذي شُفي، أو بنائه الّذي شمخ، أو لوحته الّتي تزهر, فأثر الدعاء لمن
يتقنه لطف إلهيّ يغمر الإنسان عزّة تهزّ الشعور، تسامٍ روحيّ يستغرق الذات كلّها،
وما يُتقنُ الدعاء إلّا ذلك المؤمن الّذي صار من أهل القلب النيّر السليم، ومن
الّذين لم تمتلكهم وتغرّهم هذه الأسباب الظاهريّة، فصاروا على ارتباط مباشر مع الله
يعتمدون ويتوكّلون عليه.
نسأل الله أن يوفّقنا إلى أن ندعوه ونناجيه بتلك الحالة المعنويّة السامية.
الخلاصة
ليس الدعاء مجرّد وسيلة لقضاء الحوائج، بل غايته أسمى من ذلك, حيث إنّه يبثّ الروح
المعنويّة في كيان الإنسان الداعي، كما انّه يتحوّل إلى عزّة لهذا المؤمن.
والدعاء أمر فطريّ غريزيّ جُبل الإنسان عليه، وهذه الغريزة كبقيّة الغرائز في
الإنسان لها ما يسدّها وهو ذلك الأمر الّذي ترشد إليه، وهي ترشد وتهدي إلى الباري
عزّ وجلّ وتدلّ عليه كقدرة لا نهاية لها يلجأ إليها الإنسان حيث شاء.
إنّ أسمى حالات الدعاء هي تلك الحالة الّتي يدعو فيها العبد ربّه وهو مطمئنّ الخاطر
مرتاح البال، فإنّه بذلك يكون عبداً شكوراً، وهذا يعدّ كمالاً إنسانيّاً له.
للدعاء شروط أهمّها: أن يدعو بلسانه وقلبه وجميع كيانه، أن يكون الداعي على يقين
بأنّ الأسباب بيد الله، أن يكون دعاؤه موافقاً للشريعة والتكوين، أن تكون أعماله
موافقة للشريعة، أن لا يكون دعاؤه للخلاص ممّا كان هو المقصّر فيه، أن يعلم بأنّ
الدعاء لا يُغني عن العمل.ويعترض بعض على الدعاء من ناحية كونه مخالفاً للقضاء
والقدر، وللحكمة الإلهيّة، وللتسليم والرضا، والجواب أنّ الدعاء هو جزء من القضاء
والقدر، وهو عين الحكمة الإلهيّة، والتسليم والرضا بمشيئة الله سبحانه.
* المصدر / كتاب الدعاء للشهيد مرتضى مطهري.
1- سورة الأحزاب،
الآية: 21.
2- سورة غافر، الآية: 60.
3- سورة البقرة، الآية: 186.