التعبئة
مفاهيم عامة
عن الإمام الصادق عليه السلام: "المؤمنُ أخو المؤمنِ كالجسدِ الواحدِ، إنِ اشتكى شيءٌ منه وجدَ ألمَ ذلك في سائرِ جسدهِ، وأرواحُهما من روحٍ واحدة" .
عدد الزوار: 211
عن الإمام الصادق عليه السلام: "المؤمنُ أخو المؤمنِ كالجسدِ الواحدِ، إنِ اشتكى
شيءٌ منه وجدَ ألمَ ذلك في سائرِ جسدهِ، وأرواحُهما من روحٍ واحدة" .
لم ينظر الإسلام إلى المجتمع كشرائح مشتّتة وممزّقة لا روابط بين شرائحه أو مواثيق،
ولم يرد لأفراد المجتمع أيضاً أن يعيشوا الإحباط واللاّمبالاة تجاه بعضهم البعض، بل
أراد للمجتمع أن يكون متماسكاً قويّـاً يتداعى أفراده ليساعد بعضهم البعض، يكون كلّ
من أفراده حاضراً في الساحات، نشيطاً ومبادراً ... هذه الروحيّة أراد لها الإمام
الخميني قدس سره أن تشتعل جذوتها وتزداد توقّداً، من خلال آليّة التعبئة العامّة.
فالتعبئة في الحقيقة هي الحضور الشعبيّ النشط والفعّال، المتماسك والقويّ الّذي
يحقّق مصالح المجتمع ويقف في وجه المخاطر الّتي تهدّد الشعوب. وهي تشمل الناس بجميع
طبقاتهم وبشبابهم وفتياتهم.
التعبئة تمهيد لظهور الإمام
كان للإمام الخميني قدس سره نظرته الخاصّة للتعبئة وأفرادها، فكان يعتبر نفسه فرداً
من أفراد التعبئة، ويتمنّى أن يُحشر معهم في الآخرة!، يقول: "أسألُ الله أن يحشُرني
مع أبنائي التعبويّين، لأنّ ما أفخر به في هذه الدنيا أنّني تعبوي".
هذه التعبئة الّتي تعتبر التمهيدَ لظهور الإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف
محور حركتها، وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يخرجُ ناسٌ من المشرقِ
فيوطِّئون للمهديِّ سلطانَه".
وعن الإمام الباقر عليه السلام: "كأنّي بقومٍ قد خرجوا بالمشرقِ يطلبونَ الحقَّ فلا
يُعطَوْنَه، ثم يطلبونَه فلا يُعْطَوْنَه، فإذا رأوا ذلك وضعوا سيوفهم على
عواتِقِهم، فَيُعطون ما سألوا فلا يقبلونَه حتَّى يقوموا، ولا يدفعونَها إلّا إلى
صاحبِكم، قتلاهُم شهداءٌ" .
روحيـّة أبناء التعبئة وصفاتهم
إنَّ الاستقامة هي السمة الأساس الّتي تختصر نهج وحركة وصفات أفراد التعبئة، هذه
الاستقامة الّتي بها يتولّى الله سبحانه أمورهم في الحياة الدّنيا! وهل يوجد إلّا
الظفر والفلاح في ما يتولاّه الله تعالى؟!، أمّا في الآخرة فلهم كلّ ما تشتهي
أنفسهم وكلّ ما يتمنّون. وفي ذلك يقول تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا
اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا
تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ
* نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ
فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ﴾ ، ونشير إلى بعض
الصفات التفصيليّة الّتي ينبغي توفّرها في عناصر التعبئة:
1- حبّ الله والإخلاص له: يتحدّث القرآن الكريم عن هذه الصفة
﴿يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ
بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾ . فهؤلاء القوم العاملون والذين وفّقهم الله
تعالى ليكونوا في ركب هدايته، ميزتهم الأساسيّة أنّهم يحبّون الله تعالى، وأنّ الله
أيضاً يحبُّهم. ويقول الإمام الخميني قدس سره متحدّثاً عن التعبئة وشبابها: "التعبئةُ
هي الشجرةُ الطيِّبةُ القويّةُ المثمرةُ الّتي يفوحُ من أغصانِها رائحةُ ربيعِ
الوِصالِ ونداوةُ اليقينِ وحديثُ العِشقِ الإلهيِّ". هذا الحبُّ الّذي لا يمكن أن
يكون معه إلّا الإخلاص لله تعالى، الّذي يحفظ الإنسان في عالم الامتحان في الدنيا
والآخرة، يقول تعالى:
﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا
عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ .
2- التواضع والعزّة: هاتان الصفتان تلازمان المؤمن، فهو متواضع مع المؤمنين،
يلاقيهم بالرحمة والمودّة والعطاء، ولكنّه مقابل الأعداء عزيز وشديد، يقول تعالى:
﴿أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ وفي آية أخرى
﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ
رُحَمَاء بَيْنَهُمْ﴾ .
3- الوعي واليقظة: تشكّل الشبهة خطراً على المؤمن حيث يلتبس الحقّ بالباطل، فيسيء
الإنسان العمل وهو يحسب أنّه يُحسِنُ صنعاً، ولكنّ المؤمن بوعيه ويقَظته يحفظ نفسه
فلا يقع في الشبهات، وقد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام: "التَّيَقُظُ في
الدّينِ نعمةٌ على من رُزِقَه"، وعنه عليه السلام: "إنّما سُمِّيَت الشُّبهةُ شُبهةً
لأنّها تشبهُ الحقَّ، فأمّا أولياءُ اللهِ فضياؤُهم فيها اليقينُ ودليلُهم سمتُ
الهدى، وأمَّا أعداء الله فدعاؤُهم فيها الضّلالُ ودليلُهم العمى" . وقد حذّر
الإسلام من الوقوع بالشبهات، لأنّها أيضاً توقع بالفِتن، فعن أمير المؤمنين عليه
السلام: "احذَروا الشبهةَ فإنَّها وُضِعَت للفتنةِ" . وللتخلّص منها لا بدّ من أن
يتحلّى المؤمن بصفتين:
أ- المعرفة بالزمان: ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام: "العالِمُ بزمانِهِ لا تهجمُ
عليه اللوابسُ" .
ب- الفـِطنة: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "المؤمنُ كَيِّسٌ فَطِنٌ" .
وعليه أن يلتفت دائماً إلى أنّه مستهدف، وليتذكّر الرواية عن أمير المؤمنين عليه
السلام: "من نامَ لم يُنَمْ عنه" .
4- النشاط والحضور: إنّ عدم النشاط وعدم الحضور بسبب التباغض والتخاذل يشتّت الأمر
ويُضعف العمل، ويتسبّب بالضياع والفشل، لذلك يؤكّد علينا أمير المؤمنين عليه
السلام اجتناب ذلك. فعنه عليه السلام: "تجنّبوا تضاغُنَ القلوبِ وتشاحُنَ
الصدورِ، وتدابُرَ النفوسِ، وتخاذلَ الأيدي، تملكوا أمركم" .
5- التوكّل: وهو رصيد المؤمن الحقيقيّ، لأنّه ارتباط بالمصدر الرئيسي لكلّ خير،
ارتباط بمالك خزائن الأرض والسماء، وقد وعد سبحانه أنّه سيكون عند من توكّل عليه،
يقول تعالى:
﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ
حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ ، وعن
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من أحبَّ أن يكونَ أقوى الناسِ فليتوكَّلْ على
الله" .
6- الإيثار: إنّ الإيثار هو من الأخلاق العظيمة الّتي علّمنا إيّاها القرآن الكريم
﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ
نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ وقد أكّدتها مدرسة كربلاء، من خلال
أصحاب الإمام الحسين عليه السلام الأوفياء الّذين آثروه على أنفسهم، وعن أمير
المؤمنين عليه السلام: "أفضلُ المؤمنين أفضلُهم تَقدِمة من نفسهِ وأهلهِ ومالهِ"
.
7- المروءة: وهي أيضاً من الصفات الأساسيّة الّتي أكّدت عليها الرواية عن الإمام
الحسن عليه السلام عندما سُئِل عن المروءة: "حِفظُ الدِّينِ، وإعزازُ النفسِ، ولينُ
الكَنَفِ(أي الجانب)، وتَعَهُّد الصنيعةِ، وأداءُ الحقوقِ، والتحبُّبُ إلى الناسِ"
.
8- الشجاعة: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "طوبى لِمَنْ شغلَه خوفُ اللهِ
عن خوفِ الناسِ" .
وظائف التعبئة
إنّ السؤال البديهيّ الّذي يطرح نفسه: ما هي وظائف التعبئة ومهامّها الّتي ينبغي أن
تقوم بها؟
هناك العديد من الوظائف الاساسيّة الّتي أشار إليها المعصومون عليهم السلام تُعتبر
عناوين أساسية لتوجّه التعبئة وأهدافاً للتعبويّين، يمكن تلخيصها بما يلي:
1- الاهتمام بأمور المسلمين: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من أصبَح لا
يهتمُّ بأمورِ المسلمينَ فليسَ بمسلم ".
2- النصيحةُ: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من لم يُصبِح وُيمْسِ ناصِحاً
للهِ ورسولهِ ولكتابهِ ولإمامهِ ولعامَّةِ المسلمينَ فليسَ منهم" .
3- الإحسانُ إلى الناسِ جميعاً: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "رأسُ العقلِ
بعدَ الإيمانِ بالله التودّدُ إلى الناسِ، واصطناعُ الخيرِ إلى كلِّ برٍّ وفاجرٍ" ،
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "الخلقُ عيالُ اللهِ، فأحبُّ الخلقِ إلى اللهِ من
نفعَ عيالَ اللهِ وأدخلَ على أهلِ بيتٍ سروراً" .
4- إعانة المظلوم: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من أخذَ للمظلومِ من
الظالمِ كانَ معي في الجنَّةِ مُصاحباً" .
5- مساعدة المتضرّرين والدفاع عنهم: عن أمير المؤمنين عليه السلام: "من ردَّ عن
المسلمينَ عاديةَ ماءٍ أو عاديةَ نارٍ أو عاديةَ عدوٍّ مكابِرِ للمسلمينَ، غفرَ
اللهُ لهُ ذنبَه" ، وفي رواية عن رسول الله: "من ردَّ عن قومٍ من المسلمينَ عاديةَ
ماءٍ أو نارٍ وجبَت لَهُ الجنَّةُ" .
6- الدعوة إلى القيم والفضائل: يقول تعالى:
﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ
إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ
وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾. وقد رُوي أنّ داود عليه السلام خرج مصحراً
منفرداً، فأوحى الله إليه: "يا داوود، مالي أراك وحدانيّاً؟ فقال: إلهي اشتدّ الشوقُ
منّي إلى لقائِك، وحالَ بيني وبينَك خلقُك، فأوحى اللهُ إليه: ارجعْ إليهِم، فإنّك
إن تأتِني بعبدٍ آبقٍ أُثْبِتك في اللوحِ حميداً" .
ملخص عن كتاب معارف الأسلام / إعداد مركز نون للترجمة والتأليف .
2016-03-07