الشعور بالواجب
الدعاء الأول
(والحمد لله الذي لو حبس عن عباده معرفة حمده... ) من أهم الفوارق بين الإنسان والحيوان. أن الإنسان يشعر بالواجب نحو خالقه، ونفسه، وأسرته،
عدد الزوار: 179
(والحمد لله الذي لو حبس عن عباده معرفة حمده... ) من أهم الفوارق بين الإنسان
والحيوان. أن الإنسان يشعر بالواجب نحو خالقه، ونفسه، وأسرته، ومجتمعه، وأنه محاسب
عليه، ومعاقب لو فرط بشيء منه، وإن نهض به، وأداه على وجهه عاد عليه بالخير دنيا،
وآخرة، وفي الحديث القدسي : « ما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه »
ومن جملة ما افترضه سبحانه على عباده الشكر له، ومن آياته : « فكلوا مما رزقكم
الله حلالاً طيباً واشكروا نعمت الله إن كنتم إياه تعبدون » وقوله تعالى : «
لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد »، وأفضل أنواع الشكر ترك
المحرمات، وفي طليعتها كف الأذى عن الناس، وأدناها أن يعرف الإنسان أن ما به من
نعمة فمن فضل الله، وطوله، لا من حول المنعم عليه، وقوته، قال الإمام الصادق عليه
السلام : « شكر النعمة اجتناب المحارم... من أنعم الله عليه بنعمة فعرفها بقلبه،
فقد أدى شكرها »
ولا يستخف بشكر النعمة، والمنعم إلا الذين يتصرفون تصرف البهائم، وإلى هؤلاء أشار
الإمام عليه السلام بقوله : ( ولو كانوا كذلك ) أي يشكروا الله، ويحمدوه على رزقه،
وفضله ( لخرجوا من حدود الإنسانية إلى حد البهيمية ) يتصرف الإنسان عن عقل، وعلم،
وتجربة، وتفكير، وتصميم، والحيوان يتصرف بغريزة تقوده آلياً، وتلقائياً إلى ما يضطر
إليه في حياته، وبقائه، ولا يعرف بالتحديد أين يذهب ؟ ولا ماذا يفعل، أو متى يعود
إلى حظيرته ؟ تماماً كالسيارة يقودها السائق مع الفرق أن سائق الحيوان من داخله،
وسائق السيارة من خارجها، والدليل القاطع على ذلك أن الحيوان لم يتطور، ويتغير في
حياته مدى آلاف القرون.
قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام : « العاقل يتعظ بالآداب، والبهائم لا
تتعظ إلا بالضرب ».
وفي كتاب الطب الروحاني لأبي بكر الرازي : الحيوان يروث عند الحاجة في أي
مكان، وزمان، أما الإنسان فيقهر طبعه لمعان عقلية.
(إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا )، لأن الأنعام تؤدي ما عليها، وتنقاد لصاحبها
أمراً، وزجراً، أما أهل الجهالة، والضلالة فلا يؤدون ما عليهم، ولا ينقادون لخالقهم،
وفوق ذلك فإن الأنعام تنفع، ولا تضر، وهم وباء، وأدواء على المجتمع، والإنسانية.
والحمد لله على ما عرفنا من نفسه، وألهمنا من شكره، وفتح لنا من أبواب العلم
بربوبيته، ودلنا عليه من الإخلاص له في توحيده، وجنبنا من الإلحاد، والشك في أمره،
حمداً نعمر به فيمن حمده من خلقه، ونسبق به من سبق إلى رضاه وعفوه حمداً يضيء لنا
به ظلمات البرزخ، ويسهل علينا به سبيل المبعث، ويشرف به منازلنا عند مواقف الإشهاد
؛ يوم تجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون « يوم لا يغنى مولى عن مولى شيئاً ولا هم
ينصرون » حمداً يرتفع منا إلى أعلى عليين في كتاب مرقوم يشهده المقربون، حمداً تقر
به عيوننا إذا برقت الأبصار، وتبيض به وجوهنا إذا اسودت الأبشار، حمداً نعتق به من
أليم نار الله إلى كريم جوار الله ؛ حمداً نزاحم به ملائكته المقربين، ونضام به
أنبياءه المرسلين في دار المقامة التي لا تزول، ومحل كرامته التي لا تحول..