ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُول
بحوث في العصمة
وهذه الآية أو الآيات من أوثق الأدلة في نظر القائل بعدم عصمة الأنبياء، وقد استغلها المستشرقون في مجال التشكيك في الوحي النازل على النبي على وجه سيوافيك بيانه.
عدد الزوار: 205
(وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُول وَلا نَبِىّ إِلاَّ إِذا تَمَنّى
أَلْقَى الشَّيْطانُ في أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ
يُحْكِمُ اللّهُ آياتِهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).(1)
(لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ
في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظّالِمينَ لَفي شِقاق
بَعِيد) .(2)
(وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ أَنَّهُ الحَقُّ
مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللّهَ
لَهادِالَّذينَ آمَنُوا إِلى صِراط مُسْتَقيم) .(3)
وهذه الآية أو الآيات من أوثق الأدلة في نظر القائل بعدم عصمة الأنبياء، وقد
استغلها المستشرقون في مجال التشكيك في الوحي النازل على النبي على وجه سيوافيك
بيانه.
وكأنّ المستدل بهذه الآية يفسر إلقاء الشيطان في أُمنية الرسول أو النبي بالتدخل في
الوحي النازل عليه فيغيّره إلى غير ما نزل به.
ثم إنّه سبحانه يمحو ما يلقي الشيطان ويصحّح ما أُُنزل على رسوله من الآيات، فلو
كان هذا مفاد الآية، فهو دليل على عدم عصمة الأنبياء في مجال التحفّظ على الوحي أو
إبلاغه الذي اتفقت كلمة المتكلمين على المصونية في هذا المجال.
وربما يؤيد هذا التفسير
بما رواه الطبري وغيره في سبب نزول هذه الآية، وسيوافيك نصه وما فيه من الإشكال.
فالأولى تناول الآية بالبحث والتفسير حتى يتبيّن انّها تهدف إلى غير ما فسّره
المستدل فنقول: يجب توضيح نقاط في الآيات.
الأُولى: ما معنى أُمنية الرسول أو النبي؟
وإلى مَ يهدف قوله سبحانه: (إذا تمنّى) ؟
الثانية: ما معنى مداخلة الشيطان في أُمنية
النبي الذي يفيده قول اللّه سبحانه: (ألقى الشيطان في أُمنيّته) ؟
الثالثة: ما معنى نسخ اللّه سبحانه ما يلقيه
الشيطان؟
الرابعة: ماذا يريد سبحانه من قوله: (ثم يحكم
اللّه آياته) وهل المراد منه الآيات القرآنية؟
الخامسة: كيف يكون ما يلقيه الشيطان فتنة
لمرضى القلوب وقاسيتها؟ وكيف يكون سبباً لإيمان المؤمنين، وإخبات قلوبهم له؟
وبتفسير هذه النقاط الخمس يرتفع الإبهام الذي نسجته الأوهام حول الآية ومفادها
فنقول: . ما معنى أُمنية الرسول أو النبي؟
أمّا الأُمنية قال ابن فارس: فهي من المنى، بمعنى تقدير شيء ونفاذ القضاء به، منه
قولهم: مني له الماني أي قدر المقدر قال الهذلي: لا تأمنن وان أمسيــت في حرم * حتى
تلاقي ما يمني لك الماني والمنا: القدر، وماء الإنسان: منيّ، أي يُقدّر منه خلقته.
والمنيّة: الموت، لأنّها مقدّرة على كل أحد، وتمنّى الإنسان: أمل يقدِّره، ومنى مكة:
قال قوم: سمِّي به لما قُدِّر أن يُذبح فيه، من قولك مناه اللّه.)
وعلى ذلك فيجب علينا أن نقف على أُمنية الرسل والأنبياء من طريق الكتاب العزيز.
* المصدر / كتاب عصمة الانبياء / اية الله الشيخ جعفر السبحاني.
1 . الحج: 52.
2 . الحج: 53.
3 . الحج: 54.