آية القربى
آيات الإمامة والولاية
إنّ المراد من «القربى» في هذه الآية، حسب ما قاله جميع مفسري الشيعة وطائفة من مفسري السنّة : هم قرابة النبي صلى الله عليه و آله.
عدد الزوار: 237
يخاطب تعالى النبي صلى الله عليه و آله قائلًا في الآية : ﴿قُلْ لَّا أَسأَلُكُم
عَلَيهِ اجراً إِلَّا المَوَدَّةَ فِى القُربَى﴾. (الشورى/ 23)
إنّ المراد من «القربى» في هذه الآية، حسب ما قاله جميع مفسري الشيعة وطائفة من
مفسري السنّة : هم قرابة النبي صلى الله عليه و آله.
وفي قبال هذا التفسير ذكرت احتمالات وتفاسير اخرى يبدو أنّ الدافع الحقيقي لها هو
التقليل من أهميّة الإمامة وخلافة النبي صلى الله عليه و آله والاقلال من شأن أهل
البيت عليهم السلام، منها التفاسير الثلاثة الآتية :
1- المراد من اجر وثواب الرسالة هو حب الامور التي تدعوكم إلى القرب من اللَّه،
وعليه فإنّ «القربى» هي الامور التي تؤدي إلى القرب من اللَّه تعالى، ومن
الواضح أنّ هذا التفسير لا يتلائم وظاهر الآية على الاطلاق، لأنّ المهم فيما يتعلق
بالصلاة والصوم والجهاد ونحو ذلك من عوامل القرب الإلهي هو العمل بها لا مودتها
ومحبتها، فالتعبير بالمودة لا يتناسب وهذه القضية باي شكل من الأشكال، إلّا أن يكون
هنالك شخص بين مخاطبي النبي صلى الله عليه و آله لم يحب هذه الامور حتى الذين كانوا
يقصرون في عملهم منهم مَنْ كانوا يحبون هذه الامور بحكم تعلقهم باللَّه والقرآن،
وإن لم يكونوا يعملون.
فضلًا عن جميع ذلك، ف «القربى» تعنى : القرب والدنو لا «المقرِّب»، لذا فإنّها
جاءت في جميع الحالات التي استخدمت فيها هذه الكلمة في القرآن الكريم (15 مرة
بالإضافة الى هذه الآية التي هي مورد بحثنا) بمعنى الأشخاص الذين يتمتعون بالقرابة
(وأساساً ذوي القربى النسبية).
فلماذا ولأي سبب تفسر آية البحث خلافاً لجميع حالات استعمال القرآن والمفهوم اللغوي
لهذه الكلمة؟ هل هنالك دافع غير ما أشير إليه آنفاً؟!
الجدير بالاهتمام أنّ الكثير من أرباب اللغة قد صرحوا بأنّ القربى، أو ذي القربى
تعني قرابة النسب، فيقول صاحب مقاييس اللغة : فلان ذو قربتي، هو من يقرب منك رحماً،
ثم يضيف : «القربى والقرابة» أي أنّ كلاهما بمعنى واحد وجاء في لسان العرب،
والقرابة والقربى : الدنو في النسب.
2- وقال البعض الآخر : إنّ المقصود هو ايها المسلمون أحبّوا قرباكم كأجر للرسالة،
والحال أنّ مودّة قرباهم لا علاقة لها بالرسالة.
عجبٌ، كيف تُتْرك محبّة قربى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله التي هي انسب معنى
هنا، وتطرح مودة قرباهم على أنّها أجر الرسالة؟!
3- وقال بعض من المفسرين : إنّ المقصود هو احفظوا قرابتي منكم كأجر للرسالة، وحيث
إنّ لي قرابة سببية أو نسبية مع الكثير من قبائلكم فلا تؤذوني.
إنّ هذا التفسير هو اسوء تفسير لهذه الآية، لأنّ أجر الرسالة مطلوب من الذين تقبلوا
رسالته فقط، ولا يعني أولئك الذين يؤذون النبي صلى الله عليه و آله، وأمّا إذا كان
المراد أعداؤه الذين يؤذونه، فأولئك لم يتقبلوا رسالته أبداً، ناهيك عن أجرهم
واحسانهم! فكيف يمكن أن يقول إنّ أجري أن لا تؤذوني لقرابتي منكم.
النقطة الأساسية فيما يخص الآية هي أنّ القرآن الكريم- من ناحية- ينقل عن الكثير من
الأنبياء أنّهم كانوا يقولون بصريح القول ﴿وَمَا أَسْأَلُكُم عَلَيهِ مِنْ أَجرٍ
انْ أَجرِىَ إلَّا عَلَى رَبِّ العَالَمِينَ﴾1.
ومن ناحية اخرى تقول آية البحث فيما يتعلق بالنبي صلى الله عليه و آله : ﴿قُلْ لَا
اسأَلُكُمْ عَليهِ أَجْراً إِلَّا المَوَدّةَ فىِ القُربَى﴾.
ومن ناحية ثالثة : نقرأ بشأن النبي صلى الله عليه و آله في الآية : ﴿قُلْ مَا
أَسأَلُكُمْ عَلَيهِ مِنْ أَجرِ إلَّا مَنْ شَاءَ انْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ
سَبِيلً﴾. (الفرقان/ 57)
ومن ناحية رابعة جاء بشأن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في الآية : ﴿قُلْ مَا
سَأَلْتُكُمْ مِّنْ أَجرٍ فَهُوَ لَكُم إِنْ أَجرِىَ إلَّا عَلَى اللَّهِ﴾. (سبأ/
47)
من خلال جمع هذه الآيات الأربعة مع بعضها يمكن الاستنتاج جيداً أنّ النبي صلى الله
عليه و آله شأنه شأن بقية الأنبياء لم يطلب أجراً لشخصه من الناس، بل إنّ في مودة
قرباه مرضاة اللَّه، وهو امر يصب في صالح هؤلاء تماماً، لأنّ هذه المودة نافذة في
الإمامة وخلافة النبي صلى الله عليه و آله واستمرار خط قيادة رسول اللَّه صلى الله
عليه و آله في الأمة، وهداية الناس في ظلها (تأملوا جيداً).
نعم فحيثما فسرنا هذه الآيات الأربع بهذا الشكل لم تبق فيها نقطة غموض وتعقيد
واشكال، وإلّا فسيشاهد تضاد فيما بينها من ناحية، ومن ناحية اخرى نضطر إلى تفاسير
طويلة وعريضة لا تتلائم وظاهر الآيات بأي شكل من الأشكال.
ولكن بما أنّ هذا التفسير لا يروق لبعض من المفسرين، لأنّه لا يتفق مع حكمهم المسبق
فقد تركوه، فتارة قالوا : إنّ طلب الأجر لا يتلائم ومقام النبي صلى الله عليه و آله،
وعلى هذا الأساس فآية ﴿إِلَّا المَوَدَّةَ فِى القُربَىَ﴾ يجب اعتبارها استثناءً
منقطعاً، وتارة قالوا : إنّ هذه الآية لا تتفق بالآية : ﴿قُل مَا اسأَلُكُم عَلَيهِ
مِن اجرٍ وَمَا انَا مِنَ المُتَكَلِّفِينَ﴾ (ص/ 86).
وتارة يتورطون في تبريرات معقدة.
إنّ هذه الحقيقة تتضح أكثر فيما لو رجعنا إلى الروايات الواردة عن رسول اللَّه صلى
الله عليه و آله، في شرح وتفسير هذه الآية ونضعها إلى جانب هذه الآيات.
من مجموع الروايات الواردة في تفسير الآية نستنتج ما يلي :
لا شك أنّ أيّة البحث ناظرة إلى قضية الإمامة والخلافة حيث يمكن اعتبارها أجراً
للرسالة، الأجر الذي يقرب الناس إلى اللَّه، وتعود فائدته إليهم.
وممّا قيل آنفا يتضح الرد على بعض المفسرين الذين طالما يتخذون موقفاً ملؤه
العصبية ازاء الآيات المتعلقة بالإمامة.
يقول «الآلوسي» في «روح المعاني» في تفسير هذه الآية :
«علي كرم اللَّه وجهه واجب المحبّة وكل واجب المحبّة واجب الطاعة وكل واجب الطاعة
صاحب الإمامة وينتج علي رضي اللَّه تعالى عنه صاحب الإمامة وجعلوا الآية دليل صغرى»2.
ولكن كما فهم من البحوث الآنفة فنحن لا نريد أبداً استغلال هذه الآية من خلال
الصغرى والكبرى الواهيتين، والأمر المهم في الآية شيء آخر وهو أنّ مودة ذوي
القربى عدّت أجراً للرسالة، وفي الآيات الأخرى ذكر الاجر المذكور على أنّه وسيلة
للتقرب من اللَّه وفي صالح الناس، ومن مجموع ذلك تتضح مسألة الإمامة والخلافة
بالتفصيل الذي ورد أعلاه، وأحاديث النبي صلى الله عليه و آله التي يشار إليها سند
لهذا الاستدلال.
* المؤلف : الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، الكتاب أو المصدر: نفحات القران، الجزء
والصفحة : ج9 , ص169- 172.
1- بالتسلسل، الآية 109 و 127 و
145 و 164 و 180 من سورة الشعراء.
2- تفسير روح المعاني، ج 25، ص 30.