يتم التحميل...

كيف يفسد الرياء العمل؟

تهذيب النفس

لو عقد العمل على الاخلاص واستمر الى الفراغ، لم يحبطه السرور بظهوره بعده، لا من قبله كما دل عليه بعض الظواهر السالفة. ولا يعصى به ايضا ان كان لاجل احد المقاصد السالفة، ويكتب له معصية ان كان لظنه حصول منزلة له في القلوب.

عدد الزوار: 111

لوعقد العمل على الاخلاص واستمر الى الفراغ، لم يحبطه السرور بظهوره بعده، لا من قبله كما دل عليه بعض الظواهر السالفة. ولا يعصى به ايضا ان كان لاجل احد المقاصد السالفة، ويكتب له معصية ان كان لظنه حصول منزلة له في القلوب. ولوكان ظهوره بعده من نفسه بالتحدث مع الرغبة والسرور بذلك، فربما قيل باحباطه العمل، اذ حب التحدث به يدل على ان قلبه عند العبادة لم يخل عن عقد خفى من الرياء. وقد ايد ذلك بما روى: "ان رجلا قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: انى صمت الدهر. فقال صلى الله عليه وآله وسلم: لا صمت ولا افطرت!" وما روى: "ان ابن مسعود سمع رجلا يقول: قرات البارحة سورة البقرة. فقال: ذلك حظه منها".

والظاهر انه لا يحبط عمله، بل يثاب عليه، وان عواقب على ما صدر منه بعد الفراغ من الرياء. والتعليل لوتم لا يفيد البطلان، اذ العقد الذي لم يشعر به صاحبه لا يؤاخذ به، والا لزم التكليف بالمحال. والخبر لوصح فانكاره صلى الله عليه وآله وسلم لاجل كراهية صوم الدهر لا لاظهاره. وقول ابن مسعود لوثبت لا حجية فيه.

ولوعقد العمل على الاخلاص، وورد في اثنائه وارد السرور باطلاع بعض الناس عليه، فان لم يكن باعثا على العمل ومؤثرا فيه بحيث لولم يحدث لاتم العمل على الاخلاص من غير فتور، وكان ايضا لاحد المقاصد الصحيحة المتقدمة، فلا بطلان ولا اثم، لما تقدم من الاخبار. وان لم يكن باعثا ولكن لم يكن لشي‏ء من المقاصد المذكورة، بل كان لظنه نيل الجاه اوالمال بالظهور، فالحق بطلان العمل وكونه آثما للعمومات السالفة وان كان باعثا ومؤثرا فهوالرياء المحرم، سواء كان غالبا على قصد التقرب اومساويا له اومغلوبا عنه، فيحبط العمل وعليه الاعادة لوكان فريضة، لما تقدم من العمومات، ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "العمل كالوعاء، اذا طاب آخره طاب اوله‏". وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "من راءى بعلمه ساعة، حبط عمله الذي كان قبله‏". ثم هذا في العمل المركب الذي له اجزاء، ويتوقف صحته على صحة كل واحد منها، كالصوم والصلاة والحج. واما العمل الذي كل جزء منه منفرد، كالصدقة والقراءة، فما يطرا من الرياء في اثنائه انما يفسد الباقي دون الماضي فطرؤه فيه في الاثناء بالنسبة الى الماضي كطروئه بعد الفراغ في الاول. وهذا حكم الرياء الطارى‏ء بعد عقد الطاعة على الاخلاص اوقبله سواء لم يرجع عنه حتى يتمها، اوندم بعده في الاثناء ايضا ورجع واستغفر واما المقارن حال العقد، بان يبتدى بالصلاة مثلا على قصد الرياء، فان اتمها عليه فلا خلاف في كونه اثما وعدم الاعتداد بها. وان ندم عليه في الاثناء ورجع واستغفر، فان مجرد القصد الى الغير الباعث الى اطلاع الناس لبعض المقاصد المتقدمة وارتياحه به فلا باس به ولا يحبط العمل، وان كان غير ذلك افسده، سواء في ذلك جميع شقوقه المتقدمة، كما علم وجهه.


* جامع السعادات / العلامة النراقي فصل الرياء.

2016-01-16