يتم التحميل...

آداب المعلم في درسه

فقه التربية والتعليم

ـ أن لا يخرج إلى الدرس إلّا كامل الأهبّة، وما يوجب له الوقار والهيبة في اللباس والهيأة والنظافة في الثوب والبدن، ولا يعتني بفاخر الثياب بل بما يوجب الوقار وإقبال القلوب عليه، وليتطيّب ويسرّح لحيته، ويزيل كلّ ما يشينه.

عدد الزوار: 202

أن لا يخرج إلى الدرس إلّا كامل الأهبّة، وما يوجب له الوقار والهيبة في اللباس والهيأة والنظافة في الثوب والبدن، ولا يعتني بفاخر الثياب بل بما يوجب الوقار وإقبال القلوب عليه، وليتطيّب ويسرّح لحيته، ويزيل كلّ ما يشينه.

أن يدعو عند خروجه مريداً للدرس بالدعاء المرويّ عن النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم: "اللّهمّ إنّي أعوذ بك أن أضلّ أو أُضلّ، أو أزلّ أو أُزلّ، أو أظلم أو أُظلم، أو أجهل أو يُجهل عليّ، عزّ جارك، وجلّ ثناؤك، ولا إله غيرك". ثمّ يقول: "بسم الله حسبي الله، توكّلت على الله، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم، اللّهمّ ثبّت جناني وأدر الحقّ على لساني".
ويديم ذكر الله تعالى إلى أن يصل إلى المجلس.

أن يُسلِّم على من حضر إذا وصل إلى المجلس.

أن يجلس بسكينة ووقار وتواضع.

أن يجلس مستقبل القبلة، لأنّه أشرف، ولقوله صلى الله عليه و آله وسلم: "خير المجالس ما استُقبل بها"1.

أن ينوي قبل شروعه بل حين خروجه من منزله تعليم العلم ونشره قربة إلى الله تعالى.

أن يستقرّ على سمت واحد مع الإمكان، فيصون بدنه عن الحركات غير المتوازنة، ويديه عن العبث والتشبيك بهما. ويتّقي كثرة المزاح والضحك، فإنّه يُقلِّل الهيبة ويُسقط الحرمة، ويُزيل الحشمة، ويُذهب العزّة من القلوب، وأمّا القليل من المزاح فمحمود، كما كان يفعله النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم ومن بعده من الأئمّة المهديّين، تأنيساً للجلساء وتأليفاً للقلوب، وقريب منه الضحك، فقد كان النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم يضحك حتّى تبدو نواجذه. ولكن لا يعلو الصوت، والعدل التبسُّم.

أن يجلس في موضع يبرز وجهه فيه لجميع الحاضرين، ويلتفت إليهم التفاتاً خاصّاً بحسب الحاجة للخطاب ويُفرّق النظر عليهم، ويخصّ من يكلّمه أو يسأله أو يبحث معه بمزيد التفات إليه وإقبال عليه، وإن كان صغيراً أو وضيعاً، فإنّ تخصيص المترفّعين من أفعال المتجبّرين والمرائين.

أن يُحسّن خلقه مع طلبته، ويكرمهم بحسن السلام وطلاقة الوجه والبشاشة والابتسام.

10ـ أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ويُسمّي الله تعالى ويحمده، ويُصلّي ويُسلّم على النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم وعلى آله وأن يقدم على الشروع في البحث والتدريس تلاوة ما تيسّر من القرآن العظيم تيمّناً وتبرّكاً. وهذا وإن لم يرد به نصّ على الخصوص، لكن فيه خير عظيم وبركة والمحلّ موضع إجابة، وفيه اقتداء بالسلف من العلماء، فقد كانوا يستحبّون ذلك.

11ـ أن يتحرّى تفهيم الدرس بأيسر الطرق وأعذب ما يمكنه من الألفاظ، مترسّلاً مبيّناً موضّحاً مقدّماً ما ينبغي تقديمه، مؤخّراً ما ينبغي تأخيره، مرتّباً من المقدّمات ما يتوقّف عليها تحقيق المحلّ، مكرّراً ما يشكل من معانيه وألفاظه مع حاجة الحاضرين أو بعضهم إليه، وإذا فرغ من تقرير المسألة سكت قليلاً حتّى يتكلّم من في نفسه كلام عليه.

12ـ أن لا يطول مجلسه تطويلاً يملّهم، أو يمنعهم فهم الدرس أو ضبطه، لأنّ المقصود إفادتهم وضبطهم، فإذا صاروا إلى هذه الحالة فات المقصود. ولا يقصره تقصيراً يخلّ ببعض تقريره أو ضبطه أو فهمه، لفوات المقصود، ويراعي في ذلك مصلحة الحاضرين في الفائدة والتطويل، واستيفاء الأقسام في التقسيم إذا كانوا من أهله.

13ـ أن لا يشتغل بالدرس، وبه ما يزعجه ويشوّش فكره، من مرض أو جوع أو عطش أو مدافعه حدث أو شدّة فرح أو غمّ أو غضب أو نعاس أو قلق أو برد أو حرّ مؤلمين، حذراً من أن يُقصّر عن استيفاء المطلوب من البحث.

14ـ أن لا يكون في مجلسه ما يؤذي الحاضرين من دخان أو غبار أو صوت مزعج، أو شمس موجبة للحرّ الشديد، أو نحو ذلك ممّا يمنع من تأدية المطلوب، بل يكون واسعاً مصوناً عن كلّ ما يشغل الفكر ويشوّش النفس ليحصل فيه الغرض المطلوب.

15ـ أن لا يرفع صوته زيادة على الحاجة، ولا يخفضه خفضاً يمنع بعضهم من كمال فهمه، وقد روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم: "إنّ الله يحبّ الصوت الخفيض، ويبغض الصوت الرفيع"2.

16ـ أن يصون مجلسه عن اللغط، فإنّ الغلط تحت اللغط، وعن رفع الأصوات وسوء الأدب في المباحثة، واختلاف جهات البحث، والعدول عن المسألة إلى غيرها قبل إكمالها.

17ـ أن يزجر من تعدّى في بحثه أو ظهر منه لدد أو سوء أدب أو ترك إنصاف بعد ظهور الحقّ، أو أكثر الصياح بغير فائدة، أو أساء أدبه على غيره من الحاضرين أو الغائبين، أو ترفّع على من هو أولى منه في المجلس، أو نام أو تحدّث مع غيره حالة الدرس بما لا ينبغي، أو ضحك أو استهزأ بأحد أو فعل ما يخلّ بأدب الطالب في الحلقة.

18ـ أن يلازم الإرفاق بهم في خطابهم وسماع سؤالهم، وإذا عجز السائل عن تقرير ما أورده أو تحرير العبارة فيه، لحياء أو قصور ووقع على المعنى، عبّر عن مراده أوّلاً وبيّن وجه إيراده، وأجاب بما عنده.

19ـ أن يتودّد للطالب الجديد، وينبسط له لينشرح صدره، فإنّ للقادم دهشة سيّما بين يدي المعلِّمين. ولا يُكثر النظر والالتفات إليه استغراباً له، فإنّ ذلك يُخجله ويمنعه من المسألة.

20ـ إذا أقبل بعض الطلبة وكان قد تغيّب عن الدرس السابق لعذر، فليختصر له ما تغيّب عنه.

21ـ وهو من أهمّ الآداب إذا سُئل عن شيء لا يعرفه، أو عرض في الدرس ما لا يعرفه، فليقل: لا أعرفه أو لا أتحقّقه أو لا أدري أو حتّى أراجع النظر في ذلك.
ولا يستنكف عن ذلك، فمن عِلم العالم أن يقول فيما لا يعلم: لا أعلم والله أعلم. عن الإمام عليّ عليه السلام: "إذا سُئلتم عمّا لا تعلمون فاهربوا، قالوا: وكيف الهرب؟ قال: تقولون: الله أعلم"3.
واعلم أنّ قول المعلِّم: "لا أدري" لا يضع منزلته، بل يزيدها رفعة ويزيده في قلوب الطلبة عظمة، تفضّلاً من الله تعالى عليه، وتعويضاً له بالتزامه الحقّ، وهو دليل واضح على عظمة محلّه وتقواه وكمال معرفته. لا يقدح في المعرفة الجهل بمسائل معدودة. وإنّما يُستدل بقوله: "لا أدري" على تقواه، وأنّه لا يجازف في علمه.

22ـ أنّه إذا اتّفق له تقرير أو جواب توهّمه صواباً، يبادر إلى التنبيه على فساده وتبيين خطئه قبل تفرُّق الحاضرين، ولا يمنعه الحياء أو غيره من المبادرة، وتحمله النفس الأمّارة بالسوء على التأخير إلى وقت آخر، فإنّه من خدع النفس وتلبيس إبليس لعنه الله. وفيه ضرر عظيم من وجوه كثيرة منها: استقرار الخطأ في قلوب الطلبة، ومنها: خوف عدم حضور بعض أهل المجلس في الوقت الآخر فيستمرّ الخطأ في فهمه.

23ـ أن يمكث قليلاً بعد قيام الطلبة، فإنّ فيه فوائد وآداباً له ولهم: منها إن كان في نفس أحد منهم سؤال أو استفسار منعه مانع عن السؤال أمام الطلبة كالحياء أو الخصوصية، فإنّ تأخّر المعلِّم يفسح المجال أمام هكذا طالب.

24ـ أن ينصب لهم نقيباً فطناً كيّساً يُعلِّم الجاهل، ويُفهِّم غير الفاهم، ويُعيد درس من أراد، ويرجع إليه في كثير ممّا يستحي أن يلقى به المعلِّم من مسألة أو درس.

25ـ أن يختم المجلس بالدعاء كما بدأ به، وقد ورد أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم كان يختم مجلسه بالدعاء. إنّه صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا فرغ من حديثه، وأراد أن يقوم من مجلسه يقول: اللّهمّ اغفر لنا ما أخطأنا وما تعمّدنا، وما أسررنا وما أعلنّا، وما أنت أعلم به منّا، أنت المقدِّم وأنت المؤخِّر، لا إله إلّا أنت.

26ـ أن يقول إذا قام من مجلسه: سبحانك اللّهمّ وبحمدك، أشهد أن لا إله إلّا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله ربّ العالمين.

* فقه التربية والتعليم، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.


1- منية المريد، م.س، ص206.
2- منية المريد، م.س، ص 213.
3- منية المريد، م.س، ص 215.

2016-01-16