أحكام الطعام والشراب
الطعام والشراب
ينبغي للإنسان المؤمن أن يلتفت إلى أن الله تعالى لم يشرّع الشرائع, ولم يسنّ السنن إلاّ لما فيه خير العباد، فما يأمر الله تعالى به فهو واقع لمصلحة العبد المكلّف، وما ينهى عنه فإنّما ينهى عنه لما فيه من دفع الفساد عنه أيضاً
عدد الزوار: 428
قال سبحانه وتعالى:
﴿قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى
طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ
لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ
فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾1.
لماذا التحريم ؟
ينبغي للإنسان المؤمن أن يلتفت إلى أن الله تعالى لم يشرّع الشرائع, ولم يسنّ السنن
إلاّ لما فيه خير العباد، فما يأمر الله تعالى به فهو واقع لمصلحة العبد المكلّف،
وما ينهى عنه فإنّما ينهى عنه لما فيه من دفع الفساد عنه أيضاً؛ فقد ورد في الحديث
عن مفضّل بن عمر، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: اخبرني - جعلني الله فداك -
لِمَ حرّم الله الخمر والميتة والدم ولحم الخنزير ؟ قال: "إن الله تبارك وتعالى
لم يحرّم ذلك على عباده واحلّ لهم ما سواه، من رغبة منه في ما حرّم عليهم، ولا زهد
في ما أحلّ لهم، ولكنّه خلق الخلق، فعلم ما تقوم به أبدانهم، وما يصلحهم، فأحلّه
لهم وأباحه، تفضّلا منه عليهم به لمصلحتهم. وعلم ما يضرّهم، فنهاهم عنه، وحرّمه
عليهم، ثمّ أباحه للمضطرّ، وأحلّه له في الوقت الذي لا يقوم بدنه إلا به، فأمره أن
ينال منه بقدر البلعة لا غير ذلك. ثم قال: أمّا الميتة فإنه لا يدمنها أحد إلا ضعف
بدنه، ونحل جسمه، ووهنت قوّته، وانقطع نسله، ولا يموت آكل الميتة إلا فجأة. وأمّا
الدم فإنه يورث أكله الماء الأصفر، ويبخر الفم، وينتن الريح، ويسيء الخلق، ويورث
الكلب والقسوة في القلب، وقلّة الرأفة والرحمة، حتّى لا يُؤمن أن يقتل ولده
ووالديه، ولا يؤمن على حميمه، ولا يؤمن على من يصحبه، وأمّا لحم الخنزير فإن الله
تبارك وتعالى مسخ قوماً في صور شتى مثل الخنزير والقرد والدب، وما كان من المسوخ,
ثم نهى عن أكله للمثلة لكيلا ينتفع الناس به، ولا يستخفوا بعقوبته، وأما الخمر فانه
حرمها لفعلها وفسادها، وقال: مدمن الخمر كعابد وثن يورثه الارتعاش، ويذهب بنوره،
ويهدم مروءته، ويحمله على أن يجسر على المحارم من سفك الدماء، وركوب الزنا، ولا
يؤمن إذا سكر أن يثب على حرمه وهو لا يعقل ذلك، والخمر لا يزداد شاربها إلا كل شر"2.
إلا أن الكثير من المصالح الإلهية لبعض الأحكام خفيت علينا نحن المكلفين فنتعبد لله
تعالى بها آملين أن ننال على تعبدنا الأجر والثواب والخير في الدنيا والآخرة.
أنواع الطعام والشراب
يتنوّع ما يتناوله الإنسان من طعام وشراب إلى نوعين الأوّل: من الحيوان، والثاني:
من غير الحيوان وسنستعرض في ما يلي هذه الأنواع والأصناف حتى نميز الحلال من
الحرام.
الحيوان
الحيوانات ثلاثة أقسام: برية وبحرية وطيور، ولكل منها حكمها الخاص، وتفصيلها
الخاص، لجهة جواز الأكل. وهذا ما سنذكر تفصيله في ما يلي:
1- الحيوانات البرية
إن الحيوانات البرية صنفان: إنسية (أليفة)، ووحشية (غير أليفة).
أولاً: الحيوانات الوحشية
والمراد من الحيوانات الوحشية هنا التي لا تألف الإنسان ولا تعيش معه, فالذي
أحله الله منها للناس:
1ـ الظبي والغزلان واليحامير3 بجميع أنواعها.
2ـ الكبش الجبليّ أو الماعز الجبليّ.
3ـ البقر والجواميس غير الأليفة, وهي البقر الذي يعيش في مجموعات كبيرة في البرية.
4ـ حمار الوحش وهو شبيه بالحمار, ومنها ما على جلده خطوط بيضاء وسوداء4.
وأمّا المحرّم من الحيوانات البرّية فهو السباع، أي: كلّ حيوان له ظفر وناب، قوياً
كان أم ضعيفاً، ومنها:
1ـ النمر، 2ـ الأسد، 3ـ الفهد، 4ـ الذئب، 5ـ الثعلب.6ـ المسوخ وهي كالقردة
والسعادين والدببة والفيلة وغيرها. 7ـ الخنزير البريّ. 8ـ الأرنب الذكر والأنثى5.
والكثير من الحيوانات التي تتوفر فيها الصفات السابقة...
ملاحظة: الحية تدخل في عنوان الحشرات، وسيأتي الحديث عنها هناك بأنها محرمة
الأكل بجميع أنواعها.
ثانياً: الحيوانات الأليفة
وهي التي تتعايش مع الإنسان، فيستخدمها في الحراثة, ويستفيد من لحمها، كالبقر
والغنم وغيرها، أو التي تسكن بجوار الإنسان من دون أن يستخدمها، كالقطط والكلاب،
وهي على أقسام ثلاثة: محلّل الأكل، ومحرّم الأكل، ومكروه الأكل.
فالمحلل من الحيوانات الأليفة:
1ـ الغنم بجميع أصنافها، من ماعز وغيره.
2ـ البقر بجميع أصنافها.
3ـ الإبل بجميع أصنافها.
والمحرّم منها:
1ـ الكلب بكلّ أقسامه.
2ـ القطط (السنور).
3ـ الخنزير الأليف أو خنزير المزارع (وهو ذو اللون الوردي).
وغيرها....
والمكروه منها:
1ـ الخيل.
2ـ البغال.
3ـ الحمير6.
وقد ورد في الرواية، عن الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام، قال: "إنما نهى
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم عن أكل لحوم الحمر الإنسية بخيبر، لئلا تفنى
ظهورها وكان ذلك نهي كراهة، لا نهي تحريم"7.
أشياء يحرم أكلها
إن بعض الأشياء الموجودة في الحيوانات يحرم أكلها حتى لو كان الحيوان بذاته محلل
الأكل وعدد هذه الأشياء أربعة عشر وسنذكرها بالتوالي:
1ـ الدم.
2ـ الروث.
3ـ الطحال.
4ـ القضيب.
5ـ الفرج.
6ـ الأنثيان( البيضتان).
7ـ المرارة.
8ـ المثانة (وهي مجمع البول).
9ـ نخاع العمود الفقري (دودة السلسلة).
10ـ الغدد (الدرن).
11ـ المشيمة وهي موضع الولد، وما يخرج مرافقاً لها يجب الاحتياط عنه.
12ـ العلباوان، وهما عصبان ممتدان من الرقبة إلى الذنب.
13ـ خرزة الدماغ (حبّة في وسط الدماغ بقدر الحمّصة، لونها يخالف لون المخّ الذي في
الجمجمة).
14ـ الحدقة، وهي الحبّة الناظرة في العين لا كل العين8.
أشياء يجوز أكلها من الميتة
هناك شرائط لها علاقة بطبيعة ذبح الحيوان ليصبح أكله محللاً شرعاً، وإذا لم تراعَ
هذه الضوابط يصبح الحيوان محرم الأكل ونجساً، ويسمى ميتة.
ولكن هنالك بعض الأشياء في الميتة النجسة تعتبر طاهرة، ومن هذه الأشياء الأنفحة9
التي تستخدم في صناعة الأجبان, فهي طاهرة ويجوز أكلها10, وقد ورد في
الرواية عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام - في حديث -: "أن قتادة
قال له: اخبرني عن الجبن فقال: لا بأس به فقال: انه ربما جعلت فيه أنفحة الميت
فقال: ليس به بأس"11.
2- الحشرات
والحشرات محرمة الأكل ماعدا الجراد.
ومن الحشرات المحرمة: القمل, والبراغيث, والصراصير, والحيات، وقد ورد في
الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: لا يؤكل من الحيات شيء12.
وأما الجراد، فلا يحل منه ما لم يستقلّ بالطيران، وهو المسمّى بالدّبا، وهو الجراد
إذا تحرك ولم تنبت بعد أجنحته، وأمّا ما يستقلّ بالطيران فأكله حلال.
3- الحيوانات البحرية
إنّ المعيار الشرعي في تحديد ما يحلّ أو يحرم أكله من حيوان البحر, هو أن يكون
سمكاً له فلس. والفلس هو القشر الذي يعلو جلد السمك. ويسمى بالعامية (البرش).
فالسمك الذي يعلوه الفلس يكون محلّلاً، وأمّا الذي لا يوجد عليه فلس فهو محرّم. وما
لا يُسمّى سمكاً فهو محرم الأكل، وقد ورد في الرواية عن أبي جعفر عليه السلام حيث
سأله أحدهم: رحمك الله، إنا نؤتى بالسمك ليس له قشر، فقال: "كل ما له قشر من
السمك، وما ليس له قشر فلا تأكله"13.
وفي رواية أخرى عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان علي عليه السلام بالكوفة يركب
بغلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم، ثم يمر بسوق الحيتان14،
فيقول: "لا تأكلوا، ولا تبيعوا ما لم يكن له قشر من السمك"15.
ومن غير السمك يجوز أكل الروبيان وهو (القريدس)16, وقد ورد في الرواية
عن أبي الحسن الرضا عليه السلام، عندما سأله أحدهم: جعلت فداك، ما تقول في أكل
الاربيان (القريدس)؟ فقال عليه السلام: "لا بأس بذلك"17.
وفي رواية أخرى عن أبي الحسن الأول أي الإمام الكاظم عليه السلام قال:"لا يحل
أكل الجرّي18، ولا السلحفاة، ولا السرطان"19.
حكم بيض السمك
إن بيض السمك هو أيضاً نوع من أنواع الطعام، فهل أن كل بيض السمك حلال أم أن بعض
أنواعه حلال والأخرى حرام؟
إن بيض السمك تابع لأصله، فإن كانت السمكة التي أخذ بيضها محلّلة الأكل كان بيضها
حلالاً, وإن كانت محرمة الأكل كان بيضها حراماً, فالمعيار هنا في أصل السمكة التي
استخرج منها البيض.
4 – الطيور
الطيور بعضها ورد النص بحليته وبعضها بكراهيته وبعضها الآخر ورد النص بحرمته،
وسنذكرها بالتفصيل:
أولاً: الطيور المحللة
ورد في النصوص أنّه يحلّ من الطيور أصناف منها:
1ـ الحمام بكلّ أصنافه.
2ـ الدجاج بكلّ أصنافه، كالبلدي، والرومي، والحبشي...
3ـ البطّ.
4ـ القَطَا (شبيه بالحمام في حجمه).
5ـ الكَرَوَان.
6ـ الكُركيّ.
7ـ العصفور بجميع أنواعه، ومنه البلبل، والزرزور، والقُبَّرة...
8ـالحُبَارى ( هو أكبر من الدجاج، وأطول عنقاً، يُضرب به المثل في البلاهة).
9ـ الطيهوج (شبيه الحجل، منقاره ورجلاه حمر، وتحت جناحيه أسود وأبيض، ساقاه
طويلتان).
10ـ القبج (يشبه الحجل).
11ـ النعامة.
ثانياً: الطيور المحرمة
ورد في النصوص أنه يحرم من الطيور أصناف:
1ـ النسر.
2ـ الصقر.
3ـ الباشق.
4ـ الخفّاش (الوطواط).
5ـ البازي.
6 – البومة.
7ـ الطاووس، وفي الرواية عن الإمام أبي الحسن الرضا عليه السلام: "الطاووس لا
يحلّ أكله، ولا بيضه".
8ـ الغراب بكل أنواعه، وقد ورد في الرواية عن الإمام موسى الكاظم عليه السلام: "لا
يحل أكل شيء من الغربان".
9ـ العقاب.
10ـ الشاهين
11ـ كل طائر له مخلب.
ثالثاً: الطيور المكروه أكلها
يكره من الطيور أصناف، منها:
1ـ الهدهد.
2ـ الخُطّاف، وهو من فصيلة السنونيّات، أسود اللون... وهو الذي يأوي في البيوت.
3ـ الصُّرَد، وهو طائر ضخم الرأس والمنقار، أبيض البطن...
4ـ الصّوَّام، وهو طائر طويل الرقبة، يعيش فوق النخيل.
5ـ الشقراق، وهو طائر مرقّط بخضرة وحمرة وبياض، يأكل الحيّات.
حكم باقي الطيور
الطيور التي لم تذكر في ما سبق، يمكننا أن نميّز المحلل والمحرم منها، من خلال
ملاحظة أمرين:
الأول: الصفيف والدفيف (الصفيف هو بسط الجناحين عند الطيران وعدم تحريكهما،
والدفيف هو تحريكهما وخفقهما).
فعندما نلاحظ طريقة طيران هذا الطائر فقد نجده في طيرانه:
أ-صفيفه أكثر من دفيفه، بمعنى أنه غالباً ما يبسط جناحيه عند الطيران ولا يحركهما،
فهذا محرم الأكل.
ب-دفيفه أكثر من صفيفه، بمعنى أنه غالباً ما يحرك جناحيه عند الطيران ولا يبسطهما،
فهذا محلل الأكل.
ج-يتساوى الصفيف والدفيف، فالأحوط أن نلاحظ هنا الأمر الثاني الذي سنتكلم عنه في ما
يلي، ومع عدم تمييزها يكون المشكوك حلالاً.
الثاني: يحلّ الطير إذا كان فيه حَوْصُلّة20، أو قانصة21،
أو صيصة22. وما لم يكن شيء منها فهو حرام.
إذا تعارضت العلامتان، كما إذا وجدنا طيراً صفيفه أكثر من دفيفه، ولكن توفرت فيه
العلامة الثانية بأن كان فيه حوصلة أو قانصة أو صيصة، أو وجدنا طيراً دفيفه أكثر من
صفيفه، ولكن لم يكن فيه ولا واحدة من الثلاث (حوصلة أو قانصة أو صيصة)، فالعبرة
بالعلامة الأولى فقط، وبالتالي: ما كان صفيفه أكثر يحرم أكله حتى لو كان له واحدة
من الثلاث، وما كان دفيفه أكثر فهو حلال وإن لم يكن له شيء من الثلاث.
حكم بيض الطيور
بيض الطيور تابع لنفس الطير فلو كان الطير محلل الأكل كان بيضه حلالاً, ولو كان
محرم الأكل كان بيضه حراماً, أما لو اشتبه الأمر في بيض لم يعرف مصدره أهو من طير
محلل أو محرم فالمعيار هنا في تساوي الطرفين في البيضة فلو كانت دائرية كان حراماً.
وأما لو كانت غير متناسقة الأطراف فتكون حلالاً.
المحرم بسبب طعامه
إن للحيوانات طعامها الطبيعي الذي تتغذى به في البحر والبر، من حبوب وخضار
ولحوم... ولا مشكلة في أي غذاء تتغدى به هذه الحيوانات، إلا في أمرين اثنين، إذا
تغذى على أحدهما الحيوان يصبح أكله محرماً حتى ولو كان مما يحل أكله في الأصل.
وهذان الأمران هما:
1ـ عذرة الإنسان
فلو تغذى الحيوان على عذرة الإنسان بمقدار يصدق عرفاً أن العذرة غذاؤه, يصبح أكله
محرماً شرعاً، سواء كان من حيوان البر أو البحر أو الطير. ويسمى الحيوان الذي يتغذى
على ذلك "جلّال" فيحرم لحمه, ولبنه, وبيضه23.
من أحكام الجلال
إن الجلال هو الذي يتغذى على عذرة الإنسان لا أي عذرة كانت أو على النجاسات.
لو كان يتناول عذرة الإنسان يوما ويتناول باقي الأطعمة في يوم آخر ولا يستمر أياما
في تناول عذرة الإنسان فإن هذه الحالة لا يصدق عليها عنوان الجلل.
كيف نتخلص من الجلل؟
يمكن لحالة الجلل التي تصيب الحيوان بعد تغذيه على عذرة الإنسان أن تزول, ويكون ذلك
من خلال الاستبراء, والاستبراء يكون بمنع الحيوان أياماً محددة من التغذي على عذرة
الإنسان، والأحوط وجوباً أن يبعد الإبل أربعين يوماً, والبقر عشرين يوماً وثلاثين
يوماً على الأحوط الإستحبابي, والغنم عشرة أيام والبط خمسة أيام, والدجاج ثلاثة
أيام, والسمك يوماً وليلة وأما باقي الحيوانات فيجب منعها عن هذا الأمر بمقدار يصدق
فيه عرفاً زوال هذه الصفة عنها.
2ـ رضاع الخنزير
ومن الأمور التي تحرم بعض الحيوانات المحللة أن يرضع جدي أو عجل أو حمل من لبن
الخنزيرة حتّى يقوى جسمه وينمو لحمه ويشتدّ عظمه عليه, وعند حدوث ذلك يحرم الحيوان
الراضع، ويحرم لحمه ولحم نسله ولبنهما.
غير الحيوان
بعد أن تعرضنا بالتفصيل لكلّ ما يتعلق بأحكام الحيوانات المحلّل منها والمحرّم،
ينبغي لنا التعرّض لما أحلّه الله تعالى وحرّمه من غير الحيوانات من نبات وجماد وهي
على خمسة أقسام:
1ـ ما يضرّ بالبدن
يحرم تناول ما يضرّ ببدن الإنسان ضرراً خطيراً يؤدّي به إلى الهلاك, كما لو تناولت
الحامل دواء يسقط جنينها, أو يفقد به بعض حواسه, كما لو تناول الإنسان دواءً يؤدّي
به إلى فقد حاسّة السمع أو النظر, فهذه الأمور كلها محرمة.
والمعيار في الضرر هو ما يعدّه العقلاء ضرراً معتدّاً به، فكلّ ما اعتبره العقلاء
كذلك كان محرماً24.
وقد يتساءل البعض حول إجراء عمليات الاستئصال لبعض أعضاء الجسم, كاليد أو الرجل
أو العين أو الأمعاء...والتي يجريها الكثير من الناس المصابين بالسرطان - مثلاً-
فما هو حكمها؟ أليست من الضرر المعتدّ به لدى العقلاء ؟
والجواب عن ذلك أنّ المسألة هنا مختلفة حيث إنّ الاستئصال بنفسه هو علاج
للمرض الخطير، الذي لو لم يستأصل مكانه لأودى إلى الهلاك, ففي عملّية الاستئصال هنا
دفع لضرر أكبر. ومن هذا الباب فإنّ إجراء مثل هذه العمليّات بمثل هذه الحالات لا
إشكال فيه, لاسيّما بعد حكم الأطبّاء ذوي الخبرة العالية بضرورة ذلك25.
2ـ النجس والمتنجس
يحرم تناول الأعيان النجسة، كالدم والبول وغيرهما سواء كانت جامدة أم سائلة, وكذلك
يحرم تناول المتنجس سواء كان سائلاً كالماء الذي وقع فيه الدم مثلاً أو جامداً
كالسمن الذي تقع فيه النجاسة.
3ـ الخمر والمخدرات
الخمر من المحرمات, والاعتقاد بحرمته من ضروريات الدين وهو أم الخبائث, حيث ورد في
الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "إن الخمر أم الخبائث, ورأس كل شر, يأتي
على شاربها ساعة يسلب لبه فلا يعرف ربه, ولا يترك معصية إلا ركبها, ولا يترك حرمة
إلا انتهكها, ولا رحما ماسة إلا قطعها, ولا فاحشة إلا أتاه"26.
وقد ورد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم لعن فيها عشرة: غارسها, وحارسها,
وعاصرها, وشاربها, وساقيها, وحاملها, والمحمول إليه, وبائعها, ومشتريها, وآكل ثمنها27.
وكل مسكر حكمه حكم الخمر سواء كان سائلاً أو جامداً (كالمخدرات). وما أسكر كثيره
فقليله حرام28.
4ـ عصير العنب المغلي
يحرم عصير العنب حين يطرأ عليه الغليان سواء حصل الغليان بالنار أو بالشمس أو بأيّ
أمر آخر، فبمجرد أن يغلي عصير العنب فإنه يحرم حينئذ تناوله, ولا يلحق بحكم عصير
العنب أي عصير آخر فعصير الزبيب وعصير التمر لا يحرمان بالغليان إلا إذا ثبت أنهما
يسكران فيحرمان عندئذ29.
5ـ الطين
ومن المحرّمات أيضاً تناول الطين وهو التراب المختلط بالماء(الوحل), ويحرم أيضاً
تناوله يابساً، وأما التراب الجاف فإنّه إذا لم يسبّب تناوله ضرراً فيجوز تناوله.
ويستثنى من الطين المحرّم أكله أمور:
الأول: الطين المأخوذ من قبر الإمام الحسين عليه السلام للاستشفاء, ولا يجوز
تناوله لغير هذه الغاية, ويجوز أن يؤكل منه مقدار صغير بحجم الحمصة المتوسطة ولا
يجوز تناول أزيد من ذلك, ولا يجوز أكل الطين من أي قبر شريف آخر لأن هذا الحكم خاص
بقبر الإمام الحسين عليه السلام.
الثاني: الطين الذي يتناوله الإنسان لضرورة مرضية كالطين المسمى بالطين
الأرمني, ولكن لا يجوز تناول هذا الطين إلا إذا كان هو الدواء الوحيد المتوفر لهذا
المرض, أما لو كان بإمكان المريض الاستشفاء بأدوية أخرى فلا يجوز عند ذلك تناول هذا
الطين30.
وللضرورة أحكامها !
إن الأحكام الشرعية التي مرت معنا هي الأحكام التي تجب على الإنسان في الحالات
العادية الأوّليّة, إلا أنّه هناك حالات قد ترتفع فيها بعض المحرّمات بمقدار معيّن،
ومنها حالة الضرورة التي قد تضطر الإنسان إلى تناول شيء من الطعام أو الشراب
المحظور، ففي مثل هذه الحالات للمكلف أحكام خاصة، منها:
ـ يجوز للإنسان أن يرتكب أيا من المحرمات التي تقدمت معنا في تعداد الأطعمة
والأشربة لو كان منقطعا به وانحصرالأكل بهذه الأصناف المحرمة كما لو كان مسافرا في
صحراء، وحلّ به الجوع الشديد ولم يجد إلّا ميتة، وشارف على الهلاك, ففي هذه الحالة
يجب عليه أن يتناول منها بمقدار ما يبقيه على قيد الحياة ويسدّ به رمقه.
ـ ويجوز له ذلك أيضاً إذا أصيب بمرض لا علاج له سوى تناول المحرم كلحم القنفذ
مثلاً، فخاف على نفسه من الموت بسبب المرض, فيجب عليه في هذه الحالة أن يبادر إلى
تناول ما ينجيه من الهلكة.
ـ ويجوز ذلك لو خاف الإنسان على نفسه من الضعف المفرط الذي لا يحتمل عادة ومثال ذلك
أنّ إنساناً منقطعاً به السبل أو محبوساً في منطقة لا يوجد فيها سوى المتنجس من
الأطعمة، وظلّ بلا طعام إلى أن خاف على نفسه من الضعف الشديد الذي لا يحتمله
الإنسان عادة، ففي هذه الحالة يجب عليه تناول ذلك المتنجس كي لا يصل إلى مرحلة
مَرَضيّة خطيرة.
ـ الخوف على نفس محترمة كما لو أن حاملا في منطقة لا يوجد فيها من الطعام سوى
الميتة ولو لم تأكل منها لمات الجنين الذي في بطنها، فحكمها في هذه الحالة أن تأكل
من الميتة بمقدار ما تحافظ فيه على حياة الجنين الذي في بطنها.
ـ حالة الإكراه، وهي فيما لو أكره الإنسان بقوة السلاح أو غيره على تناول ما لا
يجوز تناوله، كلحم الخنزير مثلاً, وخيّر بين ذلك أو القتل أو الجرح فحينئذ يجب عليه
ذلك لكي ينجو بنفسه من الخطر31.
ملاحظات مهمة:
ـ يجب الاقتصار في موارد الضرورة ( الموجبة لارتكاب ما يحرم بالأصل ) على الحد
الأدنى، أي بمقدار الضرورة, فلو كان جائعاً لا يجوز له الأكل من المحرّم حتى الشبع،
بل الواجب في هذه الحالة الأكل بمقدار سدّ الجوع.
ـ في الموارد الضرورّية التي ذكرناها يجب على المكلف الارتكاب، ولا يجوز له أن
ينزّه نفسه عن ذلك، كأن يقول: أفضّل الموت جوعاً على الأكل من لحم الميتة, أو الموت
عطشاً ولا أشرب المتنجس وهكذا..32
* الطعام والشراب, سلسلة الفقه الموضوعي , نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
1- الأنعام:145
2- الحر العاملي - محمد بن الحسن - وسائل الشيعة - مؤسسة أهل البيت - الطبعة
الثانية 1414 ه.ق.- ج 42 ص 99
3- اليحامير: جمع يحمور، وهو نوع من الأيائل، قصير الذنب، لكلّ من قرنيه ثلاث شعب.
4- الخميني - روح الله الموسوي - تحرير الوسيلة - دار الكتب العلمية - اسماعيليان -
قم - ج 2 ص 138 طبعة مؤسسة النشر الإسلامي, التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.
5- المصدر السابق.
6- المصدر السابق.
7- الحر العاملي - محمد بن الحسن - وسائل الشيعة - مؤسسة أهل البيت - الطبعة
الثانية 1414 ه.ق.- ج 42 ص 119
8- الخميني - روح الله الموسوي - تحرير الوسيلة - دار الكتب العلمية - اسماعيليان -
قم - ج 2 ص 142
9- الأنفحة: هي الشيء الأصفر الذي يكون منجمداً في جوف كرش الحمل والجدي قبل أن
يأكل غير لبن الأم.
10- الخميني - روح الله الموسوي - تحرير الوسيلة - دار الكتب العلمية - اسماعيليان
- قم - ج 2 ص 143
11- الحر العاملي - محمد بن الحسن - وسائل الشيعة - مؤسسة أهل البيت - الطبعة
الثانية 1414 ه.ق.- ج 42 ص 179
12- الحر العاملي - محمد بن الحسن - وسائل الشيعة - مؤسسة أهل البيت - الطبعة
الثانية 1414 ه.ق.- ج 42 ص 147
13- الحر العاملي - محمد بن الحسن - وسائل الشيعة - مؤسسة أهل البيت - الطبعة
الثانية 1414 ه.ق - ج 42 ص 127
14- الحيتان هي الأسماك.
15- الحر العاملي - محمد بن الحسن - وسائل الشيعة - مؤسسة أهل البيت - الطبعة
الثانية 1414 ه.ق - ج 42 ص 128
16- الخميني - روح الله الموسوي - تحرير الوسيلة - دار الكتب العلمية - اسماعيليان
- قم - ج 2 ص 137
17- الحر العاملي - محمد بن الحسن - وسائل الشيعة - مؤسسة أهل البيت - الطبعة
الثانية 1414 ه.ق - ج 42 ص 141
18- الجرّي: الحنكليس.
19- الحر العاملي - محمد بن الحسن - وسائل الشيعة - مؤسسة أهل البيت - الطبعة
الثانية 1414 ه.ق.- ج 42 ص 146
20- الحوصلة: ما يجتمع فيه الحبّ وغيره من المأكول، عند الحلق.
21- القانصة: قطعة صلبة تجتمع فيها الحصاة الصغيرة الدقيقة، التي يأكلها الطير لطحن
الطعام.
22- الصيصة: هي الشوكة التي في رجل الطائر.
23- الخميني - روح الله الموسوي - تحرير الوسيلة - دار الكتب العلمية - اسماعيليان
- قم - ج 2 ص 140
24- الخميني - روح الله الموسوي - تحرير الوسيلة - دار الكتب العلمية - اسماعيليان
- قم - ج 2 ص 144
25- المصدر السابق.
26- الخميني - روح الله الموسوي - تحرير الوسيلة - دار الكتب العلمية - اسماعيليان
- قم - ج 2 ص 146
27- المصدر السابق.
28- المصدر السابق ج 2 ص 166.
29- الخميني - روح الله الموسوي - تحرير الوسيلة - دار الكتب العلمية - اسماعيليان
- قم - ج 2 ص 147
30- الخميني - روح الله الموسوي - تحرير الوسيلة - دار الكتب العلمية - اسماعيليان
- قم - ج 2 ص 145/146
31- الخميني - روح الله الموسوي - تحرير الوسيلة - دار الكتب العلمية - اسماعيليان
- قم - ج 2 ص 150
32- الخميني - روح الله الموسوي - تحرير الوسيلة - دار الكتب العلمية - اسماعيليان
- قم - ج 2 ص 150.