مبدأ العلوم الفطرية
إضاءات علمائية
السؤال: لماذا ينفي القرآن علم المولود بالرغم من احاطته ببعض العلوم الفطرية؟
عدد الزوار: 180
السؤال: لماذا ينفي القرآن علم المولود بالرغم من احاطته ببعض العلوم الفطرية؟
الجواب: يشير الله تعالى في الية 78 من سورة «نحل» إلى نعمة العلم والمعرفة
ووسائل تحصيله.. ويقول: (واللّه أخرجكم من بطون أمّهاتكم لا تعلمون شيئاً).
تصرّح الية بوضوح بأنّ الإنسان حين يولد فإنّه لا يدرك من الأشياء شيئاً، وكلّ ما
يدركه إنّما هو بعد الولادة وبواسطة الحواس التي منحه اللّه ياه.
ويواجهنا الإشكال التالي: إنّ الإنسان مزوّد بجملة من العلوم الفطرية كالتوحيد
ومعرفة اللّه، بالإضافة إلى بعض البديهيات مثل (عدم اجتماع النقيضين، الكل أكبر من
الجزء، حسن العدل، قبح الظلم... الخ) وكل هذه العلوم قد أودعت في قلوبنا وتولّدت
معنا.. فكيف يقول القرآن إنّ الإنسان حين يخرج من محيط الجنين ليس له من العلم شيئاً؟
وهل علمنا بوجودنا (والذي هو علم حضوري) لم يكن فينا وإنّما نكتسبه عن طريق
السمع والبصر والفؤاد؟
والجواب: وللإجابة على هذا الإشكال، نقول: إنّ العلوم البديهية والضرورية
والفطرية لم تكن في الإنسان بصورة فعلية حين ولادته، وإنّما على شكل استعداد ووجود
بالقوّة.
وبعبارة اُخرى: إنّنا عند الولادة نكون في غفلة عن كلّ شيء حتى عن أنفسنا
التي بين جنبينا، إلاّ أنّ مسألة إدراك الحقائق تكمن فينا بصورة القوّة لا الفعل،
وبالتدريج تحصل لأعيننا قوّة النظر ولآذاننا قوة السمع ولعقولنا القدرة على الإدراك
والتجزئة والتحليل، فننعم بهذه العطيا الإلهية الثلاث التي بواسطتها نستطيع أن ندرك
كثيراً من التصورات ونودعها في العقل لكي ننشيء منها مفاهيم كلية، ومن ثمّ نصل إلى
الحقائق العقلية بطريق (التعميم) و(التجريد).
وتصل قدرتنا الفكرية إلى إدراك أنفسنا (باعتبارها علماً حضورياً) ومن ثمّ تتحرر
العلوم التي اُودعت فينا قوّةً لتصبح علوماً بالفعل، ونجعل بعد ذلك من العلوم
البديهية والضرورية سلّماً للوصول إلى العلوم النظرية وغير البديهية.
وعلى هذا... فالعموم والكلية التي نطقت بها الية (من أنّنا لا نعلم شيئاً عند
الولادة) ليس لها استثناء ولا تخصيص.1
* اية الله مكارم الشيرازي
1.الأمثل، ج 7، ص 126.