أسباب المشاكل الزوجيَّة وسُبُل علاجها
المشاكل الزوجية
يمكن أن نقول إنّه تكاد لا تخلو حياة زوجية من مشاكل، وهذا الأمر طبيعي وليس مستغرباً، فعند اختلاف الثقافات والتجارب والأنماط الفكرية في التحليل والاستنتاج، من المسلّم به في هذه الحالة أن يكون تنوُّع الآراء والمواقف هو الحاكم وسيّد الموقف.
عدد الزوار: 2653
تمهيد
يمكن أن نقول إنّه تكاد لا تخلو حياة زوجية من مشاكل، وهذا الأمر طبيعي وليس
مستغرباً، فعند اختلاف الثقافات والتجارب والأنماط الفكرية في التحليل والاستنتاج،
من المسلّم به في هذه الحالة أن يكون تنوُّع الآراء والمواقف هو الحاكم وسيّد
الموقف. وهذا عامل قوّة في الحياة الزوجية وليس ضعفاً، كما يظنّ البعض؛ لأنّ هذا
الخلاف من المفترض أن يتحوّل إلى أرضية خصبة وصالحة لبدء نقاش بنّاء وفعّال بين
الزوجين، مع ما سوف يصاحب هذا النقاش من عملية إقناع متبادل وتلاقي في الفكر،
ومحاولة لفهم الطرف الأخر أكثر فأكثر. وبالتالي، نحن أمام فرصة حقيقية لتطوير
العلاقة بين الزوجين وتمتينها وتقويتها من خلال الحوار والنقاش المباشر؛ بهدف إيجاد
الحلول المناسبة والصحيحة للخلافات التي يمكن أن تطرأ على الحياة الزوجية، ولكن
بشرط أن يكون هذا النقاش خاضعاً للمعايير والضوابط الدينية والتربوية.
أسباب الخلافات الزوجية
هناك أسباب وعوامل عديدة يمكن أن تؤدّي إلى الوقوع في النزاعات والخلافات الزوجية،
نقوم هنا بذكر بعض هذه الأسباب وأكثرها ابتلاءً:
1. عدم الالتزام بالشرع المقدّس:
لقد وضع الله تعالى القوانين لتنظيم العلاقة الزوجيَّة، وجعلها على أفضل وجه؛ من
أجل تأمين حياة زوجية سعيدة، وعندما يتخلّى الإنسان عن هذه الحدود الشرعية
ويتجاوزها؛ فإنّه سيُهدّد الحياة الزوجيَّة برمّتها. من هنا، كان من الواجب على كلا
الزوجين أن يتعرّفا على الأحكام الشرعية المتعلّقة بحقوق كلّ منهما تجاه الآخر، وأن
يحيط كلّ منهما علماً بالحقوق الزوجيَّة وآداب العلاقة التي ينبغي أن تحكم هذه
الحياة الخاصّة، حتى يتمّ تحصيل الحصانة اللازمة التي تحمي بنيان الأسرة من التصدّع.
2. سوء التقدير:
الناشىء، عن الجهل بالطرف الآخر، والجهل بخصوصيّاته البدنيّة والروحيّة. فالرجل ليس
كالمرأة، بل لكلٍّ منهما خصائصه ومميّزاته الجسديّة والنفسيّة، وهذا ما سوف ينعكس
على شخصية الإنسان وأفكاره ومواقفه وبالتالي على تفاعله مع الأحداث والمواقف
الحياتية المختلفة. لذا ليس من الصحيح أن يعامل كلّ منهما الآخر من منطلق تكوينه
الشخصيّ وطريقته الخاصّة، بل ينبغي ـ قبل كلّ شيء ـ الإقرار بوجود هذا الاختلاف
والتفاوت، ثمّ العمل على أساسه. أمّا عدم الإقرار بهذه الحقيقة التكوينية، أو
الإقرار بها مع عدم العمل بمقتضاها؛ فهذا ما سوف يؤدّي إلى الدخول في دوّامة
المشاكل الزوجية التي لا تنتهي، وبالتالي سيشكّل خطراً حقيقياً على ديمومة هذه
الحياة واستمراريّتها. لذلك، فإنّ المعرفة الدقيقة والصحيحة بالطرف الآخر يساعد
كثيراً على فهمه وفهم تصرّفاته وسلوكيّاته، بنحو يساعد على تحصيل التوافق والانسجام
بدرجة أكبر.
3. عدم الواقعية:
إنَّ التصوّرات الخاطئة أو الخياليّة عن الحياة والمستقبل تُعدّ من المشاكل التي
غالباً ما تعترض الأزواج، فالشاب والفتاة أحياناً كثيرة يعيشان في عالمٍ من الأحلام
الورديَّة، ويتصوَّران أنَّ المستقبل سيكون جنَّة وارفةً الظِّلال كما في القصص
الخيالية، حتى إذا دخلا دنياهما الجديدة باحثين عن تلك الجنّة الموعودة فلا يعثران
عليها، فيلقي كلّ منهما اللوم على الآخر محمّلاً إياه مسؤولية ذلك الفشل. لتبدأ بعد
ذلك فصول من النزاع المرير الذي يُفقد الحياة طعمها ومعناها. فكلٌّ يتّهم الآخر
بالتقصير
والخداع، ملقياً بالتبعة على شريكه. في حين أنّ الأمر لا يتطلّب سوى نظرة واقعية
للأمور.
4. رتابة الحياة:
من الأمور المهمّة التي تُمهّد الأرضية للخلاف بين الزوجين هي: رتابة الحياة
اليومية. فبعد فترة طويلة من البرنامج اليومي المتكرّر يشعر بعدها الزوجين بالملل،
فتظهر الخلافات بينهما، ويبدأ كلّ منهما بانتقاد الآخر على أسس ومعايير خاطئة وغير
صحيحة. لذا ينبغي على كلا الزوجين الخروج من فخّ الملل والروتين اليومي للحياة،
والدخول في عملية تجدّد وتطوير دائم، والظهور بصور ومواقف جديدة. وهذا ما يوصي به
ديننا الحنيف؛ كالتجدّد، والتجمّل من خلالِ اللباسِ والمظهر -على سبيل المثال لا
الحصر-، حيث ورد في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "لا غِنَى
بالزّوجة فيما بينها وبين زوجها المُوَافِقِ لها عن ثلاث خِصالٍ وهُنَّ؛ صِيانَةُ
نفسها عن كلّ دَنَسٍ حتّى يَطْمئِنّ قَلبُه إلى الثِّقة بها في حَالِ المَحْبُوبِ
والمَكرُوه، وحِيَاطَتُهُ ليكون ذلك عَاطِفاً عليها عند زَلَّةٍ تكون منها،
وإِظهَارُ العِشقِ له بِالْخِلَابَة، والهَيْئَة الحَسَنَةِ لها في عَيْنِه"1.
5. البحث عن العيوب:
قد ينشب النزاع في بعض الأحيان بسبب البحث عن العيوب أو التنقيب عن النقائص، فترى
أحد الزوجين لا همّ له سوى ترصّد ومراقبة الطرف الآخر، فإذا وجد فيه زلّة ما شهّر
به وعابه بقسوة. وهذه العادة والعداء لن ينجم عنها سوى الشعور بالمهانة والإذلال،
وسوف تدفع بالزوج أو الزوجة إلى الكراهية والحقد وربما دفعت إلى التمرّد والنزاع
أيضاً. ففي الحديث المروي عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أنه قال: "حَقُّ
المرأة على زوجها أن يَسُدَّ جَوْعتَها وأَن يَسْتُرَ عَوْرَتهَا ولا يُقَبِّحَ لها
وَجْهاً، فإذا فعل ذلك فقد
والله أدَّى حَقَّهَا"2. والمقصود منه هو: التستّر على العيوب والأخطاء التي قد تقع
فيها الزوجة، فلا يُعيِّرها بها، ولا يفضحها في مجالسه.
6. التقريع الدائم واللوم:
أن نتصوّر الزوج أو الزوجة إنساناً معصوماً عن الخطأ لهو أمر بعيد عن الصّحة
والواقع. فالإنسان مخلوق يُخطىء ويُصيب، بالرغم من سعيه الدائم نحو الكمال والتكامل
ومحاولة الحدّ من الأخطاء. يجب أن يعرف كلا الزوجين أنّ احتمالات الوقوع في الخطأ
موجودة دائماً في الحياة الزوجية. وهذا أمر طبيعي جدّاً. فإذا صدر خطأ ما من أحدهما
فالأمر لا يستحقّ تقريعاً أو لوماً يُعكّر صفو الحياة. عن النبي الأعظم صلى الله
عليه واله وسلم أنّه قال: "خير الرجال من أمّتي الذين لا يتطاولون على أهليهم
ويحنّون عليهم، ولا يظلمونهم، ثمّ قرأ:
﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء
بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾"3. لذا ينبغي إعطاء الأخطاء حدودها
وحجمها الطبيعي، ومن ثمّ الانطلاق بمعالجتها برويّة وحكمة وصبر، بعيداً عن أيّ
انفعال أو تهوّر.
7. الغيرة المبالغ بها:
الإيمان والأخلاق عند الرجل والمرأة هما شرطان أساسيين للزواج المستقرّ والسعيد،
فالالتزام بالتعاليم الإلهية، والعمل بالضوابط الأخلاقية والإنسانية التي نصّ عليها
الإسلام، والتي يدرك الإنسان الكثير منها من خلال العقل والفطرة الصافية؛ هذا
الالتزام بالتكاليف يُشيّد بناء الحياة الزوجية على أساس متينة وصحيحة. وأيّ زواج
لا يُبنى على هذه القواعد الدينية المتينة لن يُكتب له الاستمرار، وسوف يكون عرضة
للاهتزاز أمام المشاكل الصغيرة. والغيرة هي واحدة من المفردات التي يمكن أن تُسبّب
مشاكل كثيرة في الحياة الزوجيَّة إذا خرجت عن حدّها المقبول والطبيعي،
وتحوّلت إلى حالة مرضية. ومرادنا بالغيرة، غيرة الرجل على المرأة، وغيرة المرأة على
الرجل، فما هو المشروع من الغيرة؟
أ- غيرة الرجل: يقول السيد الطباطبائي: "وهذه الصفة الغريزية لا يخلو عنها في
الجملة إنسان أيّ إنسان؛ فرض، فهي من فطريّات الإنسان، والإسلام دين مبني على
الفطرة تؤخذ فيه الأمور التي تقضي بها فطرة الإنسان، فتعدل بقصرها في ما هو صلاح
الإنسان في حياته، ويحذف عنها ما لا حاجة إليه فيها من وجوه الخلل والفساد"4.
وقد ورد في العديد من الروايات الشريفة نسبة صفة الغيرة إلى الله وبعض أنبيائه
عليهم السلام، كما ورد على لسان الملك في خطابه لإبراهيم عليه السلام: "إنّ إلهك
لغيور، وإنك لغيور..."5.
فالغيرة ـ كما اتّضح ـ هي صفة شريفة، ودليل صحّة وعافية، ولكن إذا وُضِعَت في غير
محلّها أو خرجت عن حدودها وطورها انقلبت إلى مرض. وقد تتسبَّب بالمشاكل إذا وصلت
إلى حدّ شعرت الزوجة معها بعدم الثقة بها، فهنا ترفض المرأة هذا الواقع، وتطالب
الرجل بإخراجها من هذا السجن الذي جعلها فيه؛ بسبب شكوكه، حيث تشير بعض الروايات
إلى أنّ هذه الغيرة إذا كانت في غير محلّها قد توصل المرأة إلى الانحراف! وهذا ما
حذّر منه أمير المؤمنين عليه السلام في وصيّته لابنه الحسن عليه السلام: "إياك
والتغاير في غير موضع الغيرة، فإنّ ذلك يدعو الصحيحة منهنَّ إلى السَقَم، ولكنْ
أحكِمْ أمرهنَّ، فإن رأيت عيباً فعجّل النكيرَ على الكبيرِ والصغيرِ"6.
وفي رواية أخرى عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أنّه قال: "من الغيرة ما يُحبّ
الله، ومنها ما يكره الله، فأمّا ما يُحبّ فالغيرة في الريبة، وأمّا ما يكره
فالغيرة في غير الريبة"7.
ب- غيرة المرأة: إنّ الغيرة بمعناها السلبي من الأمراض التي يمكن أن تُبتَلى بها
المرأة أيضاً، فتندفع من خلالها إلى القيام بخطوات سلبيّة تزعج الزوج، وتوتّر أجواء
العائلة. وعندما تتحدّث الروايات عن الغيرة عند المرأة يُقصد الجانب السلبي منها
الذي له آثار سلبيّة ومؤذية، لا تلك الحالة الإيجابية. روي: "أنّ رجلاً ذكر للإمام
الصادق عليه السلام امرأته فأحسن عليها الثناء، فقال له أبو عبد الله عليه السلام:
أغرتها؟ قال: لا، قال: فأغرها، فأغارها فثبتت، فقال لأبي عبد الله عليه السلام:
إنّي قد أغرتها فثبتت، فقال: هي كما تقول"8.
أمّا أسباب الغيرة عند المرأة فتختلف باختلاف أسبابها النفسية وغير النفسية، فيمكن
أن يكون منشؤها إيجابيّاً، كما أشارت الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام، حيث
سأله أحدهم: "المرأة تغار على الرجل تؤذيه؟ قال: ذلك من الحب"9. وهذا النوع من
الغيرة لا بدّ أن تكون نتائجه غير ضارّة؛ لأنّ الحبّ من المفترض أن يكون سبباً
لمزيد من المراعاة والبحث عمّا يُسرّ الآخر ويصلحه، لا سبباً للوقوع في المشاكل.
ويمكن أن يكون منشأ الغيرة سلبيّاً، كما أشارت الرواية عن الإمام الباقر عليه
السلام: "غيرة النساء الحسد، والحسد هو أصل الكفر. إنّ النساء إذا غِرن غضبن، وإذا
غضبن كفرن، إلّا المسلمات منهنّ"10.
ولكن، في النتائج كثيراً ما تكون آثار الغيرة سلبيّة ومدمّرة، فالتي تغار تفقد -غالباً-
تعقّلها، ويصبح الغضب والتوتر حاكمين على تصرّفاتها، وتفقد الواقعية في تقييم
الأمور، والعقلانية في التصرّف. وقد ورد في الرواية عن الرسول الأكرم صلى الله عليه
واله وسلم: "إن الغيراء لا تبصر أعلى الوادي من أسفله"11. وعندما يفقد الإنسان
بصيرته سيكون عرضة لكلّ أنواع المشاكل والسلبيّات.
8. عدم الرفق بالطرف الآخر:
قد ينشب النزاع بين الزوجين بسبب المضايقات المستمرّة؛ كإقدام الرجل ـ مثلاًـ على
فتح أبواب منزله للأصدقاء والمعارف دون مراعاة حال الزوجة وظروفها النفسيّة
والصحّيّة، محمّلاً المرأة أعباء خدمتهم وضيافتهم.أو بالعكس تقوم المرأة بدعوة
أهلها وأقربائها باستمرار؛ ما يؤدّي إلى إرهاق الرجل مادّيّاً ونفسيّاً. لذا، ينبغي
على كلا الزوجين أن يراعي كل منهما حال الطرف الآخر ويشعر معه، فلا يُقدِم على ما
يُسبِّب له الأذيّة والضرر على كلا المستويين المادّيّ والمعنويّ، بل ينبغي أخذ
إمكانات كلّ طرف بنظر الاعتبار، واحترام الزوجين كل منهما لمشاعر الآخر. فعن الإمام
أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال: "ما زوي الرفق عن أهل بيت إلّا زوي عنهم
الخير"12.
آثار الخلافات الزوجية
للخلافات الزوجيَّة آثارٌ سلبيّة جدّاً على الأسرة، قد تكون أحياناً خطيرةً ومدمّرةً،
ومن هذه الآثار:
1. الطلاق:
يُعتبر الطلاق من أخطر وأكبر المشاكل الناتجة عن فشل العلاقة الزوجيَّة. وهو من
الأمور المكروهة في الشرع المقدَّس. ففي الرواية عن رسول الله صلى الله عليه واله
وسلم: "ما من شيء أبغض إلى الله عزّ وجلّ من بيت يخرب في الإسلام بالفرقة"
13.
وعن الإمام علي عليه السلام: "تزوّجوا ولا تطلّقوا فإنّ الطلاق يهتزّ منه العرش"14.
وللطلاق مفاسد كثيرة، منها: أنّه يمكن أن يغدو سبباً لضياع الأولاد على المستوى
النفسيّ والمعنويّ والاجتماعيّ؛ لأنّ الولد بحاجة دائمة إلى حنان الأمّ، ولا يمكن
لأيِّ
امرأةٍ أخرى أن تحلَّ محلَّ الأمّ في تربية الأطفال، وهو بحاجة ـ أيضاً ـ لظلِّ
الأب الذي لا يمكن لأحد أن يعوِّضه بسهولة. هذا فضلاً عن الآثار النفسيَّة التي
تطال روح الطفل جرّاء ما يشاهده من بُعْدِ أمِّه وأبيه، والشُّعور بعدم الطمأنينة
التي ينبغي أن تبعثها في نفسه الأجواء الهادئة في الأسرة المستقرّة.
2. العنف الأسري:
إنّ الخلافات الحادّة بين الزوجين غالباً ما تكون سبباً لبروز ما يُسمّى بالعنف
الأسري، الذي يظهر من خلال استخدام العنف، والاعتداء بالضرب، خصوصاً على الزوجة.
وقد يصل الأمر في بعض الأحيان ليطال الأطفال أيضاً، حيث إنّ بعض الأزواج قد يُظهر
توتّره من شريكه عبر ضرب أطفاله والتعامل السيء معهم.
أمّا الإسلام فلم يُجِزْ العنفَ في الأسرة، بل نهى عنه بشدّة، ففي الرواية عن
الرسول الأكرم صلى الله عليه واله وسلم: "إنّي لأتعجّب ممّن يضرب امرأته وهو بالضرب
أولى منها"15. وعن الإمام علي عليه السلام في ما أوصى به ابنه الحسن عليه السلام:
"ولا
يَكُنْ أهْلُكَ أشْقَى النّاس بك"16.
3. المشاكل الاجتماعية:
إنّ الأسرة التي تعاني من تصدّع في أركانها، ستعاني الكثير من المشاكل الاجتماعية
مع محيطها وخاصّة في ناحيتين أساسيّتين:
أ- مشاكل مع الأقارب: من الصعب جدّاً أن نفكِّك بين المشاكل التي تنشأ في البيت
الزوجي وبين المشاكل العائلية، إذ غالباً ما تنسحب هذه المشاكل من داخل البيت إلى
المحيط العائلي ليطال أقرباء كلٍّ من الزوجين أيضاً. فالمشاكل الزوجية غالباً ما
تكون أرضية خصبة لتدخّلات الأهل والأقارب القريبين والبعيدين، وهذا ما يؤدّي إلى
تعقيد الأمور وزيادة الطين بلّة.
ب- مشاكل في العمل: المشاكل العائلية غالباً ما تكون سبباً لبروز المشاكل على
الصعيد العملي والوظيفيّ للإنسان. فالتوتّر العائلي سوف ينعكس على نفسية الإنسان،
وبالتالي على استقراره الذهنيّ والمعنويّ، خصوصاً أوقات العمل التي يكون فيها
الإنسان بأمسّ الحاجة إلى الصفاء والتركيز. وبطبيعة الحال، فإنّ مثل هذه البيئة
المسبوقة بالقلق والتشنّج الفكريّ والنفسيّ لن تكون محيطاً يساعد على الإبداع
والعطاء وجودة الإنتاج، بل على العكس تماماً سوف تؤدّي بيئة كهذه إلى الوقوع في
مشاكل كثيرة قد لا تُحتمل أحياناً.
إذن، المشاكل الاجتماعية الناتجة عن المشاكل الزوجية أمر واقع لا يمكن تجاهله، وهي
سرعان ما تظهر عند حصول الخلافات داخل الأسرة، وهذا ما يدلّنا على أنّ وضع الأسرة
مرتبط بالمجتمع ارتباطاً وثيقاً وقويّاً.
وسائل علاج الخلافات بين الزوجين
حينما تظهر أمارات الخلاف وبوادر النشوز أو الشقاق فليس الطلاق أو التهديد به هو
العلاج، إنّ أهمّ ما يُطلب في المعالجة هو الصبر، والتحمّل، ومعرفة الاختلاف في
المدارك والعقول والتفاوت في الطباع، مع ضرورة التسامح والتغاضي عن كثير من الأمور.
فقد لا تكون المصلحة والخير دائماً في ما يحبّ الإنسان ويشتهي، بل قد تكون المصلحة
والخير على عكس ما يرغب أو يظنّ:
﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن
كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا
كَثِيرًا﴾17.
لذا، ينبغي على كلا الزوجين أن ينظرا إلى الحياة الزوجية والخلافات الناجمة عنها
نظرة واقعية بعيداً عن الأحلام والأماني الوردية، ويحاولا الاستفادة من هذه
الخلافات للانطلاق في حوار هادئ وبنّاء يؤسّس لعلاقة وطيدة بين الزوجين؛ ليكشف ما
يجهله كلّ منهما عن الآخر، إذ غالباً ما تكون مشاكل كهذه عاملاً مهمّاً من عوامل
الحوار والتفاهم، شرط أن يحسن الإنسان التعامل معها والاستفادة منها.
ومن الأساليب الإيجابية النافعة في حلّ الخلافات والمشاكل الأسريّة:
1. التنبّه إلى طريقة التكلّم:
لا شكّ أنّ الكلمات الحادّة، والعبارات العنيفة، لها صدى يتردّد باستمرار حتى بعد
انتهاء الخلاف الذي عادة ما يُخلّف وراءه الجروح والندوب النفسية والعاطفية التي
تتراكم في النفس شيئاً فشيئاً. روي عن الرسول الأعظم صلى الله عليه واله وسلم أنّه
قال في اللسان الذي لم يتقيّد بأوامر الشرع ونواهيه: "إن كان في شيء شؤم ففي
اللسان"18.
وهذه ليست دعوة للصمت والسكوت؛ لأنّهما حلّ سلبي ومؤقّت لمعالجة الخلافات والمشاكل،
إذ سرعان ما سوف يثور البركان مجدّداً عند دواعيه، وعند أدنى اصطدام. بل ينبغي
الكلام وفتح باب الحديث والنقاش المتبادل بعد اختيار الزمان والمكان المناسبين،
وبعد مراعاة الظروف المناسبة. والأهمّ من ذلك كلّه التنبّه لطريقة الكلام عند بدء
الحديث، فلا يصدر منّا ما يؤذي الطرف الآخر أو يُسيء إليه. والأهمّ في هذا كلّه
الابتعاد عن الغضب، وترك الجدال والمراء واللغو في الكلام؛ لأنّها تورث العداوة
والبغضاء، ولا تحقّق الهدف المرجو من النقاش. روي عن الرسول الأعظم صلى الله عليه
واله وسلم: "ثلاث من لقي الله عزّ وجلّ بهنّ دخل الجنّة من أيّ باب شاء: من حسن
خلقه، وخشي الله في المغيب والمحضر، وترك المراء وإن كان محقّاً"19. وذُكر الغضب
عند الإمام أبي جعفر عليه السلام فقال: "إن الرّجل ليغضب فما يرضى أبداً حتّى يدخل
النّار، فأيّما رجل غضب على قوم وهو قائم فليجلس من فوره ذلك؛ فإنّه سيذهب عنه رجز
الشّيطان، وأيّما رجل غضب على ذي رحم فليدن منه فليمسّه فإنّ الرّحم إذا مُسّت
سكنت"20.
2. الابتعاد عن الأساليب غير المجدية:
ينبغي الابتعاد عن الأساليب التي قد ينتصر بها أحد الطرفين على الآخر، لكنّها في
المقابل تعمّق الخلاف بينهما وتجذّره؛ كأساليب التهكّم والسخرية، أو الإنكار والرفض،
أو السباب والشتائم. قال أمير المؤمنين عليه السلام في وصيّته لمحمد بن الحنفية في
مداراة المرأة: "إنّ المرأة ريحانة وليست بقهرمانة، فدارها على كلّ حال، وأحسن
الصحبة لها؛ فيصفو عيشك"21. وعن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ رجلاً من بني تميم
أتى النبي صلى الله عليه واله وسلم فقال أوصني، فكان في ما أوصاه أن قال: لا تسبّوا
النّاس فتكتسبوا العداوة بينهم"22.
3. عدم اتّخاذ القرار إلا بعد دراسته:
فلا يصلح أن يقول الزوج في أمر من الأمور "لا"، أو "نعم"، ثمّ بعد الإلحاح عليه
يغيّر قراره. أو أنّه يعرف خطأ قراره فيلجأ إلى اللجاجة والمخاصمة. فمثل هذه
الأساليب تُفقِد كل من الزوجين المصداقية والهيبة وحسن الظنّ بالآخر وبقراراته. لذا،
ينبغي قبل اتّخاذ أيّ قرار أو موقف تقييمه ودراسته بشكل جيّد، وذلك ممكن عبر اتّباع
مجموعة من الخطوات أهمّها:
• تفهّم حقيقة الأمر، هل هو خلاف عميقٌ أم أنّه سوءُ فهمٍ فقط؟ فالتعبير عن حقيقة
مقصد كلِّ طرف وعمَّا يزعجه أو يؤذيه بشكل واضح ومباشر، يساعدُ كثيراً على إزالة
سوء الفهم. فربما لم يكن هناك خلاف حقيقي، وإنّما مجرّد سوء في الفهم يمكن تجاوزه؛
بإشارة أو توضيح بسيط.
• الرجوع إلى النفس ومحاسبتها ومعرفة تقصيرها، فقد يكون أصل المشكلة سببه ذنب أو
معصية وتجاوز الحدود الإلهية التي نصّ عليها الشرع الأنور، ثمّ انعكس في
العلاقة مع الشريك. والحلّ عندها يكمن في الإنابة والتوبة إلى الله تعالى وطلب
المسامحة، ثمّ طلب المسامحة من الشريك.
• تطويق الخلاف وحصره من أن ينتشر بين الناس أو يخرج عن حدود أصحاب الشأن، فقد روي
عن الرسول صلى الله عليه واله وسلم: "استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان، فإن كل
ذي نعمة محسود"23. وعنه صلى الله عليه واله وسلم: "استعينوا على الحوائج
بالكتمان"24.
• تحديد موضع النزاع والتركيز عليه، وعدم الخروج عنه بذكر أخطاء أو تجاوزات سابقة،
أو فتح ملفّات قديمة؛ ففي هذا توسيع لنطاق الخلاف.
• أن يتحدّث كلّ واحد منهما عن المشكلة حسب فهمه لها، ولا يجعل فهمه صواباً غير
قابل للخطأ، أو أنّه حقيقة مسلّمة لا تقبل الحوار ولا النقاش، فإنّ هذا قاتل للحلّ
في مهده.
• عند بدء الحوار يستحسن ذكر نقاط الاتّفاق، فطرح الحسنات والإيجابيات والفضائل عند
النقاش ممّا يرقّق القلب، ويُبعد الشيطان، ويُقرّب وجهات النظر، ويُيسّر التنازل عن
كثير ممّا في النفوس. قال تعالى:
﴿وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ
تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾25، وخصوصاً
الزوجة إذا كانت ليّنة الجانب، فالزوج سرعان ما يفيء إلى لطفها. وقد ورد في
الروايات في الصفات المرغوبة في المرأة قول الإمام الرضا عليه السلام: "أَنَّ كِبَرَ
الدَّارِ مِنَ السَّعَادَةِ، وَكَثْرَةَ الْمُحِبِّينَ مِنَ السَّعَادَةِ،
وَمُوَافَقَةَ الزَّوْجَةِ كَمَالُ السُّرُورِ"26.
• جرّ النزاع إلى منطقة العفو والتسامح، فمعظم الأخطاء التي تحصل في الحياة
الزوجيَّة هي أخطاء يمكن التعامل معها، بل وتصحيحها، بل قد ينجح الزوج أو الزوجة في
تحويل الطرف الآخر من شخص شرّير إلى ملاك إن استطاع أن
يستخدم كيمياء المحبّة المناسبة. وبوابة هذا الأمر، ترك العتاب والتذكير بالعيوب،
فقد روي عن الرسول صلى الله عليه واله وسلم أنّه: "ما سئل عن شيء قط فقال لا، ولا
عاتب أحداً على ذنب أذنبه"27. ومن المهمّ أن يبادر أحد الطرفين بسرعة إلى التحرّك
بلطف ومحبّة، والإصرار على طي صفحة الخلاف، فعن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال:
"خير نسائكم التي إن غضبت أو أُغضبت قالت لزوجها: يدي في يدك لا أكتحل بغمض حتى
ترضى عني"28.
* كتاب التربية الأسرية، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1-بحار الأنوار، ج75، ص237.
2- م.ن، ج100، ص254.
3-مكارم الأخلاق، ص216.
4-تفسير الميزان، ج4، ص175.
5- يراجع، بحار الأنوار، ج12، ص 46. وشرح أصول الكافي، المازندراني، ج12، ص 535.
6- بحار الأنوار، ج74، ص214.
7-مستدرك السفينة، ج8، ص97.
8- الكافي، ج5، ص505.
9- م.ن، ج5، ص506.
10- م.ن.
11-م.ن.
12-م.ن، ج2، ص119.
13-م.ن، ج2، ص328.
14-وسائل الشيعة، ج22، ص9.
15- مستدرك السفينة، ج14، ص250.
16- بحارالأنوار، ج71، ص165.
17-النساء، 19.
18- الكافي، ج2، ص116.
19-م.ن، ج2، ص300.
20-م.ن، ج2، ص302.
21-الكافي، ج5، ص510.
22-م.ن، ج2، ص360.
23-تحف العقول، ص48..
24-عوالي اللئالي، ج1، ص285.
25-البقرة، 237.
26- مستدرك الوسائل، ج3، ص451.
27- بحار الأنوار، ج76، ص303.
28- مكارم الأخلاق، ص 200.