الإنشاء - 2 - النَّهي والاستفهام
البلاغة
هو طلبُ المتكلِّمِ من المخاطَبِ الكفَّ عن الفعلِ، على سبيلِ الاستعلاءِ.
عدد الزوار: 197
النَّهي:
هو طلبُ المتكلِّمِ من المخاطَبِ الكفَّ عن الفعلِ، على سبيلِ الاستعلاءِ.
ولَهُ صيغةٌ واحدةٌ لَا تَتَغَيَّرُ، وهِيَ المضارِعُ المقرونُ بـ "لا الناهية"
كقولِهِ - تَعَالَى -: ﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ
أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ﴾1، وقولِهِ: ﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم
مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ
مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ
اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾2.
فإنَّ طالبَ الكفِّ فِي الآياتِ أعظَمُ وأعلَى مِمَّن طُلِبَ مِنهُ، فالطالبُ هوَ
اللهُ، والمطلوبُ منهُم هُم عبادُهُ.
وهَذَا هُوَ النَّهيُ الحقيقيُّ.
وقد يُستفادُ مِنَ النَّهيِّ معانٍ أخرَى يدركها السامعُ من السِّياقِ وقرائنِ
الأَحوالِ:
1- الدعاءُ، كقولِهِ - تَعَالَى -: ﴿لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ
أَخْطَأْنَ﴾3.
2- السؤال: كقول المذنب للقاضي: "اعفُ عنّي".
3- الالتماسُ، كقولِ أبي الطيِّبِ فِي سيفِ الدولةِ:
فَلا تُبلِغاهُ ما أَقولُ فَإِنَّهُ شُجاعٌ مَتى يُذكَرْ لَهُ الطَّعْنُ يَشْتَقِ4
4- الإرشادُ، كقولِهِ - تَعَالَى-: ﴿لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ
لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾5. وقولِ الشاعر6:
وَلا تَجلِس إِلى أَهلِ الدَنايا فَإِنَّ خَلائِقَ السُفَهاءِ تُعْدِيْ
5- التيئيسُ، كقولِهِ - تَعَالَى- عن المنافقين: ﴿لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم
بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾7.
6- التمنّي، كقولِ الشَّاعِرِ8:
لا تبزغي يا شمس في أفقٍ حَيَاً من زينبٍ فلقد أَطَلْتِ أَنِينَهَا
7- التهديدُ، كقولك لولدك مهدِّدَاً: (لا تذهبْ إلى مجالسِ البَطَّالينَ).
8- التوبيخُ، كقولِ أبي الأسودِ الدُّؤَلِيّ9:
لا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وتَأْتِيَ مِثْلَهُ عَارٌ عَلَيْكَ إِذَا فَعَلْتَ عَظِيمُ
9- التحقيرُ، كقولِ الحطيئة يهجو الزِّبْرِقَانَ بنَ بدر10:
دَعِ المَكارِمَ لا تَرحَل لِبُغيَتِها وَاقعُدْ فَإِنَّكَ أَنتَ الطاعِمُ الكاسي
الاستفهامِ:
هو طلبُ الفهم، فيما يكونُ المستفهَمُ عنه مجهولاً لدى المتكلّم، وقد يكونُ لغيرِ
ذلك كما سيأتي، ويقعُ الاستفهام بأدواتٍ كثيرة نقتصر في البحث على "الهمزة" و"هل"
منها، لمزيد أهميةٍ لهما11.
ونشير الى باقي الادوات إشارةً:
أقسامُ أدواتِ الاستفهامِ:
تنقسمُ أدواتُ الاستفهام إلى ثلاثةِ أقسامٍ:
1- ما يُطْلَبُ به التصوّرُ.
2- ما يُطْلَبُ به التَّصديقُ.
3- ما يُطْلَبُ به التصوّرُ مرةً، والتصديقُ أخرَى.
والتصوّرُ، هو إدراكُ المفردِ، بمعنى أنْ لا يكونَ هناك نسبةٌ، فـ "زيدٌ" و"عمروٌ"
و"القرآنُ" و"اللهُ". ونحوها كلُّها مفردٌ، فهي تصوراتٌ.
والتصديقُ: هو إدراكُ النسبةِ، أي نسبةُ الفعل إلى فاعلهِ أو المبتدأُ إلى خبرهِ،
فـ "زيدٌ قائمٌ" و"اللهُ عالمٌ" و"محمدٌ صلى الله عليه وآله وسلم نبيٌّ".. ونحوها
كلُّها نسبةٌ، فهي تصديقاتٌ.
وخلاصة القول: إنَّ العلم َإنْ كانَ إذعاناً للنسبةِ فتصديقٌ، وإلا فتصوُّرٌ.
والتصديقُ كما يكونُ في الإثباتِ، كذلكَ يكونُ في النفي.
همزةُ الاستفهامِ:
منْ أدواتِ الاستفهام "الهمزةُ"، وهي مشتركةٌ، فتأتي تارةً لطلبِ التصورِ، وأخرى
لطلبِ التصديقِ.
1- أمَّا ما كانَ لطلبِ التصوّرِ، فيلي الهمزةَ المسؤولُ عنه، والسؤالُ حينئذٍ عن
المفرد لا النسبةِ، بمعنى: أنَّ السائلَ يعلمُ بالنسبةِ، وإنما لا يعلمُ شيئاً من
أطرافِها.
مثلاً يعلمُ أنهُ وقعَ فعلٌ ما، لكنهُ لا يعرفُ المسنَد، أو المسنَد إليه، أو
المفعولَ، أو الحالَ، أو الظرفَ، أو الصفةَ.. أو نحوها.
ففي قولنا: "ضربَ زيدٌ عمراً، راكباً، في الصحراءِ"، يقعُ المجهولُ بعد همزة
الاستفهامِ.
فنقولُ في الجهلِ بالفعلِ: "أَضَرَبَهُ أمْ قَتَلَهُ"؟
ونقولُ في الجهلِ بالفاعلِ: "أجوادٌ الضاربُ أمْ رضَا"؟
ونقولُ في الجهلِ بالمفعول: "أعمروٌ المضروبَ أمْ محمدٌ"؟
ونقولُ في الجهلِ بالصفة: "أعليٌّ القائدُ أمِ التاجرُ"؟
ونقولُ في الجهل بالحالِ: "أراكباً كانَ حسنٌ أمْ راجلاً"؟
ونقول ُفي الجهلِ بالظرفِ: "أفي الصحراءِ أمْ في البلدِ حصل الأمر"؟
وهكذا..
وقد علِمنا من هذه الأمثلة: أنَّ النسبةَ معلومةٌ، وإنما المجهولُ مفردٌ من
المفرداتِ.
2- وأمَّا ما كانَ لطلبِ التصديقِ، فالهمزةُ تدخلُ على الجملةِ، والسؤالُ يقع عن
النسبةِ، كقولنا: "أجاءَ زيدٌ؟" فيما لم نعلمْ بالمجيء.
ثمّ إنَّ الغالبَ أن يؤتَى للهمزةِ التي لطلبِ التصور بمعادلٍ، كما تبين في الأمثلة:
من معادلةِ (أمْ) للهمزة.
بخلافِ طلب التصديقِ فلا يؤتَى للهمزة بمعادلِ، كما تقدَّم في المثال.
ثمَّ إنَّ جوابَ الهمزة التي لطلبِ التصور: تعيينُ أحدِ الشِّقين:
فنقولُ في السؤال الأول: "ضربَهُ".
ونقولُ في السؤال الثاني: "جوادٌ".
ونقولُ في السؤال الثالث: "عمروٌ".
وهكذا...
بخلاف الهمزةِ التي لطلبِ التصديق، فالجوابُ: (نعمْ) أو (لا).
هل الاستفهامية:
من أدواتِ الاستفهامِ هلْ، وهي مختصةٌ بطلبِ التصديقِ، فيرادُ بها معرفةُ وقوع
النسبةِ وعدم وقوعها، ولذا لا يذكرُ معها معادلٌ، كما يكون ُجوابها: (نعمْ) أو (لا).
نقولُ: (هلْ قامَ زيدٌ)؟ والجواب: (نعم) أو (لا).
وتنقسمُ هلْ إلى:
أ- بسيطةٍ، وهي أن يكون المستَفهَمُ عنه بها وجودَ الشيء وعدمَه، كما نقولُ: "هل
العنقاء موجودة"؟ الجواب: لا، و: "هلِ الخِلُّ الوفِيُّ موجودٌ"؟
ب- مركبةٌ، وهي أن يكون المستفهَمُ عنه بها صفةَ زائدةَ على الوجودِ، كما نقول: "هلِ
الخفاشُ يبصرُ"؟، و"هلِ النَّباتُ حسَّاسٌ"؟
بقيةُ أدواتِ الاستفهام:
1- مَنْ: موضوعةٌ للاستفهامِ عن العقلاء، كقولِهِ - تَعَالَى-: ﴿مَن فَعَلَ هَذَا
بِآلِهَتِنَ﴾12، وقد ينعكسُ، فتستعملُ (ما) للعاقلِ، و(مَن) لغيرهِ.
2- ما تكونُ للاستفهام عن غير العقلاءِ، وهي أقسام ٌ:
الأول: إيضاحُ الاسمِ، نحو ما الْعَسْجَدُ؟ فيقال في الجواب: إنه ذهبٌ.
الثاني: بيانُ حقيقةِ الشيء، مثلاً يقال: "ما الأسدُ"؟ فيقالُ في الجواب: "حيوانٌ
مفترسٌ".
الثالث: بيانُ صفةِ الشيءِ، مثلاً يقالُ: "ما الحيوانُ"؟ فيقال في الجواب: "حساسٌ
نامٍ متحركٌ بالإرادةِ".
3- متَى: موضوعةٌ للاستفهامِ عن الزمانِ، مستقبلاً كان أم ماضياً، كقولِهِ -
تَعَالَى-: ﴿...مَتَى نَصْرُ اللّهِ...﴾13، وقولِهِ - تَعَالَى -: ﴿وَيَقُولُونَ
مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾14.
4- أيّانَ: موضوعةٌ للاستفهامِ عن زمان المستقبلِ فقط، كقولِهِ - تَعَالَى-:
﴿يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ﴾15، وقولِهِ - تَعَالَى-: ﴿أَمْواتٌ غَيْرُ
أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾16.
5- كيفَ: موضـوعـةٌ للاستفهامِ عن الحالِ، كقولِهِ - تَعَالَى -: ﴿فَكَيْفَ إِذَا
جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدً﴾17.
وقولِهِ: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ
كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾18.
6- أينَ: موضوعةٌ للاستفهام عن المكانِ، كقولِهِ - تَعَالَى -: ﴿ثُمَّ نَقُولُ
لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ﴾19،
وقولِهِ: ﴿يَقُولُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ﴾20.
7- أنّى: موضوعةٌ للاستفهامِ، وتأتي بمعنَى:
أ- كيفَ، كقولِهِ - تَعَالَى -: ﴿أَنَّىَ يُحْيِي هَذِهِ اللّهُ بَعْدَ
مَوْتِهَ﴾21.
ب- وبمعنى من أينَ، كقولِهِ - تَعَالَى -: ﴿يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَ﴾22.
ج- وبمعنى متَى، كقولِنَا: "زرْني أنَّى شئتَ".
8- كم: موضوعةٌ للاستفهام عن عددٍ مبهمٍ، كقولِهِ - تَعَالَى -: ﴿قَالَ كَمْ
لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ﴾23.
9- أيُّ: موضوعةٌ للاستفهام عن تمييزِ أحد المتشارِكينِ في أمرٍ يعمُّهما: شخصاً،
أو زماناً أو مكاناً، أو حالاً، أو عدداً، عاقلاً أو غيره، كقولِهِ - تَعَالَى -:
﴿أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّ﴾24.
* كتاب البلاغة الميسّرة، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1- سورة الاسراء، الآية: 34.
2- سورة الانعام، الآية: 151.
3- سورة البقرة، الآية: 286.
4- أي أنه لِحُبِّهِ الحرب وشجاعته متى ذكر له وصف الحرب والطِّعَانِ اشتاق إليه.
5- سورة المائدة، الآية: 101.
6- أَبو العَلاء المَعَرِي 363 - 449 هـ / 973 - 1057 م أحمد بن عبد الله بن سليمان،
التنوخيّ المعريّ. شاعر وفيلسوف، ولد ومات في معرّة النعمان، كان نحيف الجسم، أصيب
بالجدري صغيراً فعمي في السنة الرابعة من عمره. وقال الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة،
ورحل إلى بغداد سنة 398 هـ، فأقام بها سنة وسبعة أشهر، وهو من بيت كبير في بلده،
ولمّا مات وقف على قبره 84 شاعراً يرثونه.
7- سورة التوبة، الآية: 66.
8- عبد الحسين بن محمد من آل شكر - 1285 هـ - 1868 م، شاعر من شعراء النجف، في
العراق. له ديوان شعر
9- ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل الدُّؤَلِيّ الكناني. 1 ق. هـ - 69 هـ / 605 -
688 م تابعي، واضع علم النحو، كان معدوداً من الفقهاء والأعيان والأمراء والشعراء
والفرسان وحاضري الجواب. قيل إن امير المؤمنين عليّاً عليه السلام رسم له شيئاً من
أصول النحو، فكتب فيه أبو الأسود، سكن البصرة في خلافة عمر وولي إمارتها في أيام
علي عليه السلام، ولم يزل في الإمارة إلى أن استشهد علي عليه السلام، وكان قد شهد
معه (صفين)، مات بالبصرة.
10- حصين بن بدر بن خلف بن بهدلة، من تميم من بني بهدلة بن عوف بن كعب 45 هـ / 665
م شاعر صحابي مخضرم، عاش في الجاهلية وأدرك الإسلام، فأسلم وسمي بالزبرقان لجماله
الشبيه بالقمر، وقيل لأنه كان يصبغ عمامته بالزعفران.
11- من أراد التفصيل في بقية الأدوات، فعليه بالكتب المبسوطة.
12- سورة الأنبياء، الآية: 59.
13- سورة البقرة، الآية: 214.
14- سورة يونس، الآية: 48.
15- سورة القيامة، الآية: 6.
16- سورة النحل، الآية: 21.
17- سورة النساء، الآية: 41.
18- سورة آل عمران، الآية: 25.
19- سورة الانعام، الآية: 22.
20- سورة القيامة، الآية: 10.
21- سورة البقرة، الآية: 259.
22- سورة آل عمران، الآية: 37.
23- سورة المؤمنون، الآية: 112.
24- سورة مريم، الآية: 73.