الخبر -1-
البلاغة
كلامٌ يحتملُ الصدقَ والكذبَ لذاتهِ، وإن شئتَ فقل: "الخبرُ هو ما يتحقّقُ مدلولهُ في الخارجِ بدون النطقِ به" نحو: العلمُ نافعٌ. فقد أثبتنا صفةَ النفعِ للعلم، وتلكَ الصفةُ ثابتةٌ له، سواءٌ تلفظتَ بالجملةِ السابقة أمْ لم تتلفظْ،
عدد الزوار: 176
تعريف الخبر:
كلامٌ يحتملُ الصدقَ والكذبَ لذاتهِ، وإن شئتَ فقل: "الخبرُ هو ما يتحقّقُ مدلولهُ
في الخارجِ بدون النطقِ به" نحو: العلمُ نافعٌ. فقد أثبتنا صفةَ النفعِ للعلم، وتلكَ
الصفةُ ثابتةٌ له، سواءٌ تلفظتَ بالجملةِ السابقة أمْ لم تتلفظْ، لأنَّ نفعَ العلمِ
أمرٌ حاصلٌ في الحقيقةِ والواقعِ، وإنما أنتَ تحكي ما اتفقَ عليه الناسُ
قاطبةً، وقضَتْ به الشرائعُ، وهُدِيتْ إليه العقولُ، بدونِ نظر ٍإلى إثباتٍ جديدٍ.
والمرادُ: بصدقِ الخبر مُطابقتُه للواقعِ، والمرادُ بكذبهِ عدمُ مطابقتهِ له1.
ولتوضيحِ مَعنَى الخَبَرِ نأخُذُ قولَ أبِي إسحاقَ الغَزِّيَّ2:
لَوْلا أبو الطيِّبِ الكِنْدِيُّ مَا امتَلَأتْ مَسَامِعُ النَّاسِ مِنْ مَدْحِ ابنِ
حَمْدَانِ
يخبرُنَا أبو إسحاقَ بأنَّ أبَا الطيِّب المتنبِّي هُوَ الَّذي نَشَرَ فَضَائِلَ
سَيْفِ الدَّولةِ ابنِ حَمْدَان، وأذَاعَهَا بَينَ النَّاسِ، فيقولُ: لولا أَبو
الطيِّبِ مَا ذَاعَتْ شُهرةُ هَذَا الأمِيرِ ولَا عَرَفَ النَّاسُ مِنْ شَمَائِلِه
كلَّ الَّذي عَرَفُوهُ. وهَذَا قولٌ يَحتَمِلُ أنْ يكونَ الغَزِّيُّ
صادقاً فيهِ، كَمَا يُحتَمَلُ أنْ يكونَ كاذب، فهُوَ صادقٌ إنْ كانَ قولُهُ
مطابِقَاً للواقِعِ، وكاذِبٌ إنْ كانَ قولُهُ غيرَ مطابِقٍ للواقِعِ.
وهَذَا المتنبَّيْ نفسُهُ يقولُ:3
لَا أشْرَئِبُّ إلَى مَا لَمْ يَفُتْ طَمَعَاً وَلَا أَبِيتُ عَلَى مَا فَاتَ
حَسْرَانَا
فهُوَ يُخبِرُ عَنْ نفسِهِ بأنَّه قانِعٌ راضٍ بحالِهِ الَّتي هُوَ فِيهَ، فَليسَ
مِنْ عادتِهِ أنْ يَتَطَلّعَ مستشرِفَاً إلَى مَا هُوَ آتٍ، وَلَيسَ مِنْ دَأبِهِ
أنْ يَندَمَ عَلَى مَا فَاتَ، ومِنَ المحتَمَلِ أنْ يَكونَ كاذِبَاً غيرَ صادقٍ.
الأغراضُ الَّتي مِن أَجلِهَا يُلقَى الخَبَرُ4
الأصلُ في الخبر أن يلقَى لأحدِ غرضينِ:
1- إمَّا إفادةُ المخاطبِ الحكمَ الَّذي تضمنتْهُ الجملةُ، إذَا كان جاهلاً له،
ويسمَّى هذا النوع ُ "فائدةُ الخبرِ" نحوُ قولِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله
وسلم - لأصحابِهِ -: "الدِّينُ النصيحةُ، قُلنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: للهِ، ولكتابهِ،
ولرسولهِ، ولأئمةِ
المسلمينَ، وعامتِهِم"5.
2- وإمَّا إفادةُ المخاطبِ أنَّ المتكلمَ عالمٌ أيضاً بأنهُ يعلمُ الخبرَ، كما تقولُ
لتلميذٍ أخفَى عليكَ نجاحَه في الامتحانِ - وعلمتَه من طريقٍ آخرَ: "أنتَ نجحتَ في
الامتحانِ"، ويسمَّى هذا النوعُ "لازمَ الفائدةِ"، لأنَّه يلزم ُ في كلِّ خبرٍ له
هذا
الغرض أن يكونَ المخبَرُ به عنده علمٌ أو ظَن بهِ.
3- وقد يخرجُ الخبرُ عن الغرضينِ السابقينِ إلى أغراضٍ أخرى تُستفادُ بالقرائنِ،
ومنْ سياقِ الكلامِ.
أهمُّهَا:
أ- الاسترحامُ والاستعطافُ، كقولِ أميرِ المؤمنينَ علي عليه السلام فِي دعاءِ
كُمَيْلٍ: "يا سَيِّدِي فَكَيْفَ بي وَاَنَا عَبْدُكَ الضَّعيـفُ الـذَّليـلُ
الْحَقيـرُ الْمِسْكيـنُ الْمُسْتَكينُ"6.
ب- إظهارُ الضعفِ والخشوعِ، كقولهِ تعالى على لسانِ النبّي زكريّا عليه
السلام: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ
شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّ﴾7.
ج- إظهارُ التحُّسرِ على شيءٍ محبوبٍ كقولِهِ - تَعَالَى- عَلَى لسانِ أمِّ
مريمَ عليها السلام: ﴿قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى﴾8.
د- إظهارُ الفرحِ بمُقْبِلٍ، والشماتةِ بمدبرٍ، كقولِهِ - تَعَالَى-:
﴿وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقً﴾9.
هـ- التَّذكيرُ بِمَا بَيْنَ المراتِبِ مِنَ التَّفاوتِ كقولِهِ - تَعَالَى-:
﴿لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ
هُمُ الْفَائِزُونَ﴾10.
و- الفخرُ: كقولِ الإمامِ عليّ بنِ الحسينِ عليهما فِي خطبتِهِ المَعروفَةِ:
"أيُّها النَّاس أنَا ابنُ مكةَ ومِنَى، أنَا ابنُ زمزمَ والصَّفَا، أنَا ابنُ مَنْ
حَمَلَ الرُّكنَ بأَطرَافِ الرداء، أنَا ابنُ خَيرِ مَنِ ائتزرَ وارتدَى...الخ"11.
ز- المدحُ: كقولِ عبدِ اللهِ بنِ رَوَاحَةٍ12 فِي مَدحِ رسولِ اللهِ صلى
الله عليه وآله وسلم:
تَحمِلُهُ الناقَةُ الأَدماءُ13 مُعتَجِراً بِالبُرْدِ كَالبَدْرِ جَلّى لَيلَةَ
الظُلَمِ
وَفي عِطافَيهِ14 أَو أَثناءِ بُرْدَتِهِ ما يَعلُمُ اللَهُ مِن دينٍ وَمِن كَرَمِ
وقد يجيءُ لأغراضٍ أخرى. والمرجعُ في معرفة ذلك إلى الذوقِ والعقلِ السليمِ.
خاتمة:
إذَا نظرنَا إلَى الجملِ فِي كلِّ الأمثِلَةِ السَّابِقَةِ، وجَدْنَا كلَّ جملةٍ
مكوّنةً مِنْ رُكنينِ رئيسين هُمَا المحكومُ عليهِ والمَحكومُ بِهِ، ويُسمَّى الأولُ
مسنداً إليهِ، والثاني مسند، أمَّا مَا عداهُمَا، فهُو "قيدٌ" في الجملةِ وليسَ
ركناً فيهَا15.
* كتاب البلاغة الميسّرة، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1- الهاشمي، جواهر البلاغة، ص 55.
2- شاعر مجيد اتى في قصائده الطوال بكل بديع ولد بغزة وهي بلدة بالشام وتوفي سنة
524هـ.
3- اشرأب الى الشيء: تطلع اليه.
4- الهاشمي، جواهر البلاغة، ص 55 - 56.
5- الريشهري، ميزان الحكمة، ج 4 ، ص3278.
6- الشيخ عباس القمي، مفاتيح الجنان.
7- سورة مريم، الآية: 4.
8- سورة آل عمران، الآية: 36.
9- سورة الاسراء، الآية:81.
10- سورة الحشر، الآية: 20
11- العلامة المجلسي، بحار الانوار، ج 45، ص 138.
12- عبد الله بن رواحه بن ثَعْلَبَةَ الأنصاريّ من الخزرج، أبو محمد. 8 هـ / 629 م
صحابيّ، يُعَدُّ من الأمراء والشعراء الراجزين. كان يكتب في الجاهلية. وشَهِدَ
العَقَبَةَ مع السبعينَ من الأنصار، وكان أحد النقباء الاثنى عشر، وشهد بدراً
وأحداً والخندق والحديبية، واستخلفه النبي صلى الله عليه وآله وسلم على المدينة في
إحدى غزواته، وصحبه في عمرة القضاء، وله فيها رجز.
وكان أحد الأمراء في وقعة مؤتة (بأدنى البلقاء في أرض الشام) فاستشهد فيها.
13- الناقة الأدماء: شديدة البياض، والمعتجر: المُلْتَفّ.
14- عِطْفَا الرجل: جانباه عن اليمين والشمال.
15- لمزيد من التفصيل في المسند والمسند اليه تراجع كتب النحو او البلاغة.