علمُ المعاني
البلاغة
إنَّ أوَّلَ مَنْ سَمَّى عِلْمَ المَعَانِي بِهَذِهِ التَّسْمِيَةَ هُوَ عبدُ القَاهِرِ الجَرجاني في كتابه "دلائل الاعجاز"، وهذا الكتابُ فِي الأصلِ محاولةٌ مِنْ عبدِ القاهِرِ أرادَ بِهَا أنْ يُثبِتَ إعجَازَ القُرآنِ الكريمِ،
عدد الزوار: 185
مدخل عام:
إنَّ أوَّلَ مَنْ سَمَّى عِلْمَ المَعَانِي بِهَذِهِ التَّسْمِيَةَ هُوَ عبدُ
القَاهِرِ الجَرجاني في كتابه "دلائل الاعجاز"، وهذا الكتابُ فِي الأصلِ محاولةٌ
مِنْ عبدِ القاهِرِ أرادَ بِهَا أنْ يُثبِتَ إعجَازَ القُرآنِ الكريمِ، وقَد شَرَحَ
المرادَ مِنْ هَذَا العِلمِ بِقَولِهِ: "إنَّه ائتلافُ الألفَاظِ ووضعُهَا فِي
الجُملَةِ الموضِعَ الَّذي يَفرِضُهُ معنَاها النَّحويُّ" وأوردَ عبدُ القاهِرِ فِي
موضِع ٍآخرَ قولَهُ: "واعلمْ أنْ ليسَ النظمُ إلَّا أنْ تَضَعَ كلامَكَ الموضِعَ
الَّذي يقتَضِيهِ عِلمُ النَّحوِ، وتَعمَلَ عَلَى قَوانِينِهِ وأصُولِهِ، وتعرفَ
منَاهِجَهُ الَّتِي نُهِجَتْ فلَا تَزِيغُ عنهَ، وتحفظُ الرّسومَ الَّتي رُسِمَتْ
لَكَ فَلَا تخل بشيءٍ مِنهَا(....)".
اذاً، فعِلمُ المعانِي هُوَ رُوحُ النَّحوِ وعلَّتُهُ وبَيَانُ أغراضِهِ وأحوالِهِ،
فَفِي النَّحوِ نَقُولُ: "زيدٌ منطلقٌ" و"زيدٌ المنطلقُ" و "المنطلقُ زيدٌ". و"زيدٌ
هُوَ المنطلقُ".
فجميعُ هَذِهِ التَّرَاكِيبُ نَحويَّاً مكوّنَةٌ مِنْ مبتدأٍ وخبرٍ، وهِيَ فِي
هَذَا عَلَى قَدَمِ المُسَاواةِ، فِي حين أنَّ مدلولاتِهَا المعنويَةَ تَختَلِفُ
كثير، وهَذَا الاختلافُ فِي المَعَانِي مِنْ مُهِمَّاتِ عِلمِ المَعَانِي، وقَد لَا
نُدرِكُ الفَرْقَ المعنويَّ بَينَ قولِنَا: "أنَا مَا سَمِعْتُ"، و"مَا أنَا سَمِعتُ"،
و"مَا سَمِعتُ أنَا"، لكنَّ عِلمَ المَعَانِي هُوَ الَّذي يدُلُّنَا عَلَى هَذِهِ
الفُرُوقِ، لِذَلكَ قَالُوا: "إنه علمُ معانِي النحوِ".
وإذَا مَا انتقلنَا إِلَى السكَّاكيّ، فعِلمُ المَعَانِي عندَهُ:هُوَ تَتَبُّعُ
خَواصِّ تَراكِيبِ الكلامِ فِي الإفَادَةِ ومَا يتصلُ بِهَا مِن الاستحسانِ وغيرِهِ،
ليُحتَرَزَ بالوقوفِ عَلَيهَا عَنِ الخَطَأِ فِي تطبيقِ الكلامِ عَلَى مَا تَقتضِي
الحالُ ذكرَه1.
وأمَّا القَزوينيّ فَقَد عرَّفَهُ بِقَولِهِ: "إنَّه العِلمُ الَّذي يُعرَفُ بِهِ
أحوالُ الَّلفظِ العَرَبيّ الّتي بِهَا يطابقُ مقتضَى الحالِ"2
كلُّ هذِهِ التَّعاريفِ تكشِفُ لنَا ارتباطَ عِلمِ المَعَانِي بالنَّحو، إضافةً
إلَى توضيحِ طبيعةِ عِلمِ المَعَانِي ووظيفتِهِ فِي التَّعبِيرِ عَنِ الفِكرِ
تَعبِيراً يُلائِمُ أحوالَ المخاطَبِينَ وقدراتِهِم فِي الفَهمِ ومَدَى مَا يكونُ
لديهِم مِنَ الاستعدادِ لتَقبُّلِ الفكرةِ الَّتي يُرَادُ أداؤهَا3.
وقد انحصرتْ مباحثُ عِلمِ المَعَانِي فِي ثمانيةٍ هي4:
الخبرُ، الإنشاءُ، المسندُ إليهِ وأحوالُهُ، المسندُ وأحوالُه، أحوالُ متعلقاتِ
الفعلِ، القصرُ، الفصلُ والوصلُ، الإيجازُ والإطنابُ والمساواةُ5.
* كتاب البلاغة الميسّرة، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1- الخطيب القزويني، الايضاح في علوم
البلاغة، ص 84.
2- م. ن.
3- يراجع البلاغة العربية أصلها وأصولها.
4- لم نذكر كل مباحث علم المعاني في هذا المختصر.
5- الدليل الى البلاغة وعروض الخليل، د. علي جميل سلوم ود. حسن محمد نور الدين.