الاستعارة التمثيلية
البلاغة
الاستعارة المفردة: وهي ما كان المستعار فيها لفظاً مفرداً، كما هو الحال في الإستعارة التصريحية والمكنيّة، وقد سبقت الإشارة إليهما.
عدد الزوار: 123
يقسّم البلاغيون الإستعارة من جهة الإفراد والتركيب إلى قسمين: مفردة، ومركبة.
الاستعارة المفردة: وهي ما كان المستعار فيها لفظاً مفرداً، كما هو الحال في
الإستعارة التصريحية والمكنيّة، وقد سبقت الإشارة إليهما.
الاستعارة (المركبة) التمثيلية: وهي ما كان المستعار فيها مثلاً، أو تركيباً،
استعمل في غير ما وضع له مع وجود علاقة مشابهة بين المستعار منه والمستعار له. وهذا
النوع من الاستعارة فيه روائع التعبير الفني يستخدمه الأديب عن طريق قول مأثور، أو
حكمة، أو مثل مضروب.
تأمّل الأمثلة التالية:
قال الله تعالى: ﴿يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ
فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ﴾1.
قال المتنبي:
إذا رأيتَ نيُوب الليث بارزةً فلا تظنَّنَّ أنّ الليثَ يبتسمُ
قال الشاعر:
أُعلّمه الرِّماية كلَّ يومٍ فلما اشتدَّ ساعدُه رماني
روي عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يلدغ المؤمن من جُحرٍ مرتين"2.
جاء في المثل: "لكلّ جواد كبوة، ولكل صارم نبوة".
بالتأمّل بالأمثلة السابقة، تجد أنّ كلّاً منها يتّصل بمناسبة خاصة بعينها، يرتبط
بها ارتباطاً وثيقاً، بحيث يصبح كل مقال ومناسبته، كطرفي التشبيه، لا تتم المشابهة
إلا بهما.
وليس من الضروري أن تعرف المناسبة التي يرتبط بها المثال، فمعناه يفرض عليك
المناسبة التي يمكنك أن تربطه بها.
ففي الآية الكريمة، في المثال الأول ﴿يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ﴾، هؤلاء
هم اليهود، الذين أمرهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالجلاء عن المدينة، فصاروا
يخربون بيوتهم قبل الخروج منها، ولكن هذا التعبير يمكن أن يطلق على كلِّ حالة تشبه
الحالة التي قيل فيها لأوّل مرة، فمثلاً، ربُّ الأُسرة، الذي يبذّر أمواله فيما لا
نفع فيه لأسرته، ويترك ما فيه تربيتهم وسعادتهم، تقول عنه ﴿يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم
بِأَيْدِيهِمْ﴾، والطالب الذي يهمل دروسه ويشغل نفسه باللّعب، ويهمل القيام
بواجباته، تقول عنه: "يخربون بيوتهم بأيديهم" كأنّما صارت العبارة مثلاً يطلق على
كل حالة تشبه الحالة التي قيل فيها من قبل، فالتعبير يشبّه حالاً بحال، حال من يهمل
دروسه، أو من يترك تدبير شؤون أُسرته، بحال من يخرب بيته بيده، فالتعبير إذاً مجازي،
وقد نقل التركيب الدال على المشبّه به للمشبّه على سبيل الاستعارة، والعلاقة بين
الطرفين هي المشابهة، ولكنّ أحد الحالين محذوف دائماً، ولأنّها تمثل حالاً بحالة
سمّيت (الاستعارة تمثيلية)، مع قرينة حالية تفهم من السياق مانعة من إرادة المعنى
الأصلي.
وفي المثال الثاني: يقول المتنبي: إذا رأيت الأسد، فاغر الفم، بارز الأنياب، فلا
تظنَّ أنه يبتسم لك، فلو ظننت ذلك، فأنت مقضيٌ عليك، وهذا المعنى تُشبّه به حال من
يخدعك مظهره عن حقيقة أمره، وعندئذٍ يكون استعمال اللّيث في مثل هذه الحال مجازاً،
وقد نقل التركيب الدال على المشبّه به، للمشبّه على سبيل الاستعارة التمثيلية،
والعلاقة بين الطرفين المشابهة، وهي ظهور الأنياب لغير الضحك، والقرينة حالية.
وفي المثال الثالث: يقول الشاعر: إنّه يعلّم الرماية بالسهام لمن يتوقع معاونته
والوقوف إلى جانبه، ولكن ما إنْ أتْقَنْ هذا التلميذ الجاحد الرماية حتى وجه سهامه
إلى معلمه، ويقال هذا المعنى حينما يريد أن يشبّه حال مَن يأخذ بيد إنسان ويعلمه
ويدرّبه على أمور تنفعه في حياته، فلا يلبث أن ينقلب عليه مستخدماً ما تعلّمه في
الكيد لأُستاذه وولي نعمته. والعلاقة بين الطرفين هي المشابهة كما هو واضح.
وانظر في المثال الرابع: الحديث الشريف، تجده سار مسار الأمثال، فقد شبهت به حال من
يخطئ مرة، ويستفيد من هذا الخطأ، فلا يعود ثانية إليه، بحال المؤمن الذي لدغ مرة من
ثعبان مختبئ في حجره فلم يَعُد يقترب من الجحر أو من غيره ثانية، فتقول لهذا
الإنسان: لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين. والحديث لا يريد هذا المعنى بل قصد المعنى
المجازي الذي بيّناه.
ولاحظ المثلين المشهورين في المثال الخامس (لكلّ جواد كبوة، ولكلّ صارم نبوة)
يضربان لتصوير حال من يصدر منه الخطأ بالرغم منه في مجال غير معروف عنه الخطأ فيه،
فهو كالجواد الأصيل الذي تعوّد الجري والسبق وربما أتى عليه يوم فتعثَّر، أو هو
كالسيف القاطع ربما يأتي عليه يوم فينبو ويكلّ عن القطع.
فكلُّ مثلٍ هو (استعارة تمثيلية). وذلك لاستعارة الصورة المركبة للمشبّه به ونقلها
إلى المشبّه. والقرينة الحالية تمنعك من أنْ تظنَّ أنّ التعبير يعني حقيقةً أنّ
الحصان كبا أو أنّ السيف نبا. وتدرك أنّه مثلٌ فقط للحال الذي تشاهده.
* كتاب البلاغة الميسّرة، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1- سورة الحشر، الآية: 2.
2- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج110، ص 10.