عطاء الدم
الإمام الخامنئي دام ظله
إن بذل الدماء ليس مقتصراً على الأمة الإسلامية، بل كل النّاس إلى أي دين وملة انتموا إذا أرادوا العزة والعيش الكريم، يدعون أتباعهم إلى بذل الدِّماء، ويقدِّمون في سبيل ذلك الأنهار من الدماء، فمنذ وجد الإنسان على الأرض، كان الاضطهاد والظلم وكان الصراع بين الحق والباطل، وبين العدل والظلم، وبين الإيمان والكفر، كان بذل الدِّماء.
عدد الزوار: 197
بذل الدماء طريق العزة
إن بذل الدماء ليس مقتصراً
على الأمة الإسلامية، بل
كل النّاس إلى أي دين وملة انتموا إذا أرادوا
العزة والعيش الكريم،
يدعون أتباعهم إلى بذل
الدِّماء، ويقدِّمون في
سبيل ذلك الأنهار من
الدماء، فمنذ وجد الإنسان
على الأرض، كان الاضطهاد
والظلم وكان الصراع بين
الحق والباطل، وبين العدل
والظلم، وبين الإيمان
والكفر، كان بذل الدِّماء.
يقول الإمام القائد
الخامنئي دام ظله:
"وعلى أيَّة حال إن الأمر
الذي لا يرقى إليه الشك
هو: إن أي بلد يريد أن
يعيش عزيزاً على وجه
الكرة الأرضية فلا بدَّ
له من التضحية التي
تستلزم تقديم القتلى
والشهداء، وهذا الأمر غير
منحصر بالمجتمع الإسلامي
فحسب، فالمجتمعات غير
الإسلامية تقدِّم من
القتلى أكثر مما تقدِّمه
المجتمعات الإسلامية".
بين الدماء الإسلامية
وغير الإسلامية
ولئن كان عطاء الدَّم
حاجة إنسانية، إلا أن
هناك فرق بين الدماء
الإسلامية الأصيلة،
والدماء غير الإسلامية.
يقول القائد دام ظله:
"إذن هذه أمور أي تقديم
الدماء موجودة وتقع في
كلِّ مكان، مع فارق واحد
وهو: أنه في أي مكان
يحكم فيه الإسلام، فإن
تلك الدماء لن تذهب
هدراً، وأن هؤلاء الشهداء
هم أحياء وليسوا أمواتاً.
ولهذا يقول القرآن الكريم
بأن الاستشهاد في سبيل
اللَّه ليس موتاً بل هو
الحياة بعينها وهي
الشهادة التي تعني الحضور
في مقابل الاضمحلال
والضياع".
وقد أشار سماحة القائد في
حديثه هذا إلى حياة
الشهيد وبقائه، كما ذكر
القرآن الكريم: ﴿وَلاَ
تَقُولُواْ لِمَنْ
يُقْتَلُ فِي سَبيلِ
اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ
أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ
تَشْعُرُونَ﴾1، ﴿وَلاَ
تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ
قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ
اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ
أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ
يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ
بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ
مِن فَضْلِهِ
وَيَسْتَبْشِرُونَ
بِالَّذِينَ لَمْ
يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ
خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ
عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ
يَحْزَنُونَ *
يَسْتَبْشِرُونَ
بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ
وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ
لاَ يُضِيعُ أَجْرَ
الْمُؤْمِنِينَ﴾2.
الشهادة دعامة الرسالات
الإلهية
يقول القائد دام ظله:
"إن
الشهادة إحدى أقوى
الدعائم في الرسالات
السماوية".
إن الأنبياء عليهم السلام
بعثوا لتأصيل الدين في
نفوس الناس، ولنقل الناس
من عبودية الآلهة
المتعددة إلى عبودية
الإله الواحد القهار،
وليكون الدين كله للَّه،
ولإحقاق الحق وإبطال
الباطل، ولنشر العدل
والقضاء على الظلم.
والسيرة النبوية العامة،
على طول حركة التاريخ،
تروي لنا أن الأنبياء
وأتباعهم قد تحمَّلوا
أنواع الأذى، وواجهوا
أنواع الفتن، واصطدمت بهم
البلايا والمصائب،
وقدّموا تضحيات كثيرة،
وسقوا شجرة العقيدة
بدمائهم الزاكية.
فثمة عدد كبير من
الأنبياء عليهم السلام
كان الاستشهاد وعطاء
الدَّم، طريقة ارتحالهم
من هذه الدنيا، فثمة عدد
كبير من الأنبياء وقد
تشرّفوا بلقاء اللَّه
بوسام
الشهادة، ليحفظوا
الدِّين وينشروا الرسالة.
يقول الإمام الحسين عليه
السلام: "يا عبد اللَّه،
إن من هوان الدنيا على
اللَّه تعالى، أن رأس
يحيى بن زكريا يُهدى إلى
بغي من بغايا بني
إسرائيل، وأن رأسي يهدى
إلى بغي من بغايا بني
أمية! أما علمت أن بني
إسرائيل كانوا يقتلون ما
بين طلوع الفجر إلى طلوع
الشمس سبعين نبياً! ثم
يبيعون ويشترون، كأن لم
يضعوا شيئاً.."
3.
وعن الإمام الصادق عليه
السلام "إن إسماعيل كان
رسولاً نبياً، سلّط عليه
قومه، فقشروا جلدة وجهه،
وفروة رأسه..."4.
والإسلام العزيز
برجالاته، من النبي
الأكرم صلى الله عليه
وآله وسلم إلى الأئمة
الأطهار عليهم السلام،
إلى أتباعهم، قدّموا
الكثير للإسلام، لأجل
بقائه وانتشاره، ونحن
اليوم مطالبون بالبذل
والعطاء لبقاء الإسلام
وحفظه.
يقول القائد دام ظله:
"إن الدفاع عن الإسلام
اليوم، كما في صدر
الإسلام أيضاً، لا يمكن
أن يكون إلا بالتضحية
والفداء، وببذل الروح
والمال والعلم والجاه وكل
ما للمسلمين الصادقين من
ذخائر، كلما لزم الأمر،
في سبيل الدفاع عن تلك
الحقيقة المنيرة
والمقدسة. على جميع أفراد
الشعب وخاصة العاملين في
الحكومة الإسلامية، أن
يكونوا قد تعلّموا هذا
الدرس من الشهداء، وأن
يطلبوا من اللَّه تعالى
التوفيق في هذا
الطريق...".
أعداء الإسلام يحاربون الشهادة
لأجل ما تمثِّله قضية
الشهادة الإسلامية
الرسالية من موقع خطير
على أعداء الإنسانية
والحق، سعوا إلى القضاء
على مفهوم
الشهادة وعلى
الأقل مسح المفهوم الصحيح
لعطاء الدَّم، بوسم
الشهيد بأنه إرهابي قاتل.
يقول القائد دام ظله:
"...وعلى هذا فإن مفهوم
الشهادة هو مفهوم حي
يثيرالأمل في النفوس وهو
من ضروريات الفكر
الإسلامي ويعيشه مجتمعنا
في الوقت الحاضر كما يعيش
الأفكار والمفاهيم
الإسلامية السامية
الأخرى. ولهذا نجد أن
الأعداء يبذلون الجهود
الحثيثة من أجل محو آثار
الإسلام ومفاهيمه في
مجتمعنا، إلا أن تلك
المفاهيم والآثار تتركَّز
وتتعمّق يوماً بعد يوم
رغماً عن أنوفهم بين
أبناء شعبنا الأبي...".
"لا يشكَّن أحدٌ في أن
أعداء هذه الثورة تحدوهم
حوافز لو تمكّنوا منها
لمحوا حتى اسم الشهيد والشهادة، فكيف إذا تعلق
الأمر بذكراهم وذكرياتهم!
لا ينبغي لنا أن تخالجنا
الظنون باضمحلال دوافع
العداء لهذه الثورة
ولركيزتها الأساسية التي
هي عبارة عن الإيثار
للَّه وفي اللَّه...".
صيانة مفهوم الشهادة
ولقطع الطريق على أعداء
الإسلام، أكّد القائد دام
ظله على ضرورة صيانة وحفظ
مفهوم
الشهادة، قائلاً:
"يجب تخليد ذكر الشهداء،
وإحياء وصيانة مفهوم
الشهادة، هذا المفهوم
العظيم والقيِّم
والمؤثِّر الذي كانت دماء
شهدائنا سبباً في إحيائه
على الصعيد العالمي مرة
أخرى".
"الاهتمام بشأن الشهداء
أهم عمل يمكن أداؤه في
هذاالمجال بغية المحافظة
على أجواء
الشهادة في هذا
البلد.
كان بودي أن أوصيكم
بقضية، ولكن وجدت من حسن
الحظ أنها مدرجة في
تقريركم، كنت أريد أن
أوصيكم بعدم الاكتفاء
بتوزيع صور الشهداء بل
ينبغي أن تنقش صورهم على
الجدران... اجعلوا من اسم
وذكرى الشهداء صبغة ثابتة
في صميم حياتنا اليومية".
"ما دام مفهوم
الشهادة
مفهوماً حياً في نظامنا
الإسلامي فإنها ستبقى
تمثل إحدى الدعائم
الأساسية للروح الثورية
في بلادنا".
دور الثورة الإسلامية في
إحياء الشهادة
يقول القائد دام ظله:
"إن يوم الشهيد في أسبوع
الدفاع المقدّس هو اليوم
الذي يظهر فيه شهداؤنا
العظام مرة أخرى بوجوههم
القدسية في كافة بقاع
إيران الإسلامية أمام
أعيننا نحن المتأخرون
والترابيون، وكأن شعبنا
يرى مرة أخرى الآلاف من
الناس الأبطال والمضحين
في لباس نوراني ملائكي
بصورة جماعية وينحني لهم
تعظيماً وتكريماً، إن
لشهدائنا حق كبير على
ثقافة الإسلام ومحبيها
وعشاقها في كافة أنحاء
العالم، ذلك لأنهم أحيوا
فصلاً مهماً كان منسياً
من هذه الثقافة في العالم
المادي اليوم هو الضحية
أكثر من أي وقت مضى من
جرّاء هذه الأنانية وطلب
المنفعة الشخصية لقد أحيا
شهداؤنا مرة أخرى ثقافة
الشهادة التي تعتبر أسمى
مراتب الفداء من أجل
الأهداف البشرية في هذه
الحقبة من الظلم المادي،
وأظهروا نور الفلاح
لأصحاب السرائر الطاهرة
والطالبة للحق من البشر".
"حقاً علينا أن نفتخر
بذلك وهو أن
الشهادة وهذه
السنّة الإلهية - القتل
في سبيل اللَّه - قد
أحييت ببركة وجود النظام
الإسلامي.
في الماضي الذين أوذوا في
سبيل اللَّه كانوا قلة
والبعض لم يلق أي أذى في
سبيل اللَّه طول عمره ولم
يكن حاضراً أن يتحمل عبسة
واحدة من الغير في سبيل
اللَّه. فكيف ليقدم روحه
وجوهر وجوده في سبيل
اللَّه؟
... في الماضي وللأسف
قلما كنا نجد في وطننا
وفي الكثير من البلدان
الإسلامية الأخرى هذه
الذخيرة والأرضية التي
تقدم شيئاً لأجل تحمل
المشاكل والمتاعب في سبيل
اللَّه، فكيف ببذل النفس
والقتل في سبيل اللَّه.
إن من إحدى أعظم الهبات
التي قدّمتها الثورة
والإمام رحمهم الله لهذه
الأمة وللإسلام هي إحياء
هذا الباعث على التضحية
في سبيل اللَّه سواء في
إيران وفي سائر البلدان
الإسلامية. فاليوم يوجد
الكثير من النفوس الطيبة
المستعدة لبذل الجهد
وتحمل المتاعب والآلام
وحتى بذل الروح لأجل
اللَّه...".
"انظروا اليوم حيث ترون
نسيم الصحوة الإسلامية
يهب في شمال أفريقيا،
الحكومات في تلك المنطقة
ترتجف رعباً، وهذا من
تأثير الدم الطاهر
لشهدائنا، فهم إذن شهداء
الأمة الإسلامية. ولاحظوا قضية فلسطين، التي
كانت قد أصبحت عربية،
لعلّ الكثير من الشباب لا
يعلمون، بأن هناك مجموعة
حملت السلاح لفترة من
الزمن ثم استسلمت فيما
بعد لأطماع أمريكا والدول
الغنية، وتخلت عن الجهاد
المسلح، وكان السبب في
ذلك أيضاً عدم وجود أي
ارتباط بين تلك الجماعات
والدين والإسلام، كثير
منهم كانوا ثوريين
ومتحمسين، ولكن لأن الدين
كان غائباً عن العمل
عندهم، فلم يكن يوجد
أساس، كانوا جميعهم هكذا.
فلتعلموا أيها الشباب،
أنه إن لم تكن الحماسة
والثورية مترافقة مع
العقيدة الدينية والإيمان
باللَّه، فسيكون هذا
شيئاً لا يطمئن ولا يدوم،
عندما رمى أولئك السلاح،
ظن الجميع أن قضية فلسطين
انتهت، وأنه لن يدافع أحد
آخر عن حق شعب فلسطين،
فجأة ظهر الشباب المؤمن
المسلم المضحي والثوري في
قلب فلسطين المحتلة، وليس
من الخارج من بلدان
أوروبا وآسيا ومن
المؤتمرات، إنما من بين
صخور أرض فلسطين المحتلة
وبيت المقدس المحتل،
ظهروا... أطلقوا النداء،
وبدأوا مواجهة قاسية
بقبضات فارغة، وما زالت
هذه المواجهة مستمرة،
وستبقى حتى النصر، إنشاء
اللَّه، من أين برزت هذه
المواجهة الإيمانية
الحيَّة؟ من دماء
شهدائنا...".
الشهادة الواعية
يبدو أن قضية
الشهادة،
تطرح غالباً، وكأنها قيمة
مستقلة ومطلقة، ينبغي أن
يسعى إليها الإنسان،
وينالها بأي أسلوب، وفي
أي إطار... تُرى هل
الشهادة التي هي قيمة
إسلامية عالية هي أمر
مطلوب في حد ذاته؟ هل هي
هدف في حد ذاته؟ أم أنها
مطلوبة باعتبارها وسيلة؟
الحقيقة، إننا حينما نعود
إلى أصول الفكر الإسلامي،
في الكتاب الكريم، وفي
السنة الشريفة، نلاحظ أن
الشهادة في ذاتها ليست
قيمة مطلقة، وإنما هي
قيمة نسبية، وأن القيمة
المطلقة هي للانتصار
سواءٌ العسكري والسياسي.
فـالشهادة لا تعني الموت
كيفما اتفق، وليست هي موت
من أجل الموت، وإلا لكان
انتحاراً لا ثمرة له ولا
فائدة.
الإمام الخامنئي دام ظله
أشار إلى هذا المعنى
قائلاً:
"... وفي رواية:
"فوق كل
ذي بر حتى يقتل المرء في
سبيل اللَّه فليس فوقه
بر" يعني أن فوق كل حسنة
تفترضونها يوجد حسنة أعلى
منها، أما عندما يستشهد
الإنسان في سبيل اللَّه
فليس هناك عمل أفضل منه،
وهكذا فعل اباؤكم حيث كان
يخاطب أبناء الشهداء،
وأنتم يجب أن تتعلموا
منهم سواءٌ كنتم فتياناً
وفتيات. نحن لا نقول
يجب أن تذهبوا وتقتلوا في
سبيل اللَّه الآن. كلا
لأن هذا ليس ضرورياً
دائماً إلا إذا نشبت حرب
وطرأت مسألة معينة...".
فعلى الإنسان أن لا يموت
كيفما كان، بل عليه أن
يختار
الشهادة والتي هي
طريقة موت الأذكياء
الفطنين.
يقول القائد دام ظله:
"الموت هو للجميع، ونحن
إذا توفينا في سبيل
اللَّه لم نفقد شيئاً
بحسب الموازين المادية
الظاهرية، والموت هو
المصير الذي لا مفر منه
لكل واحد منا. وهذا
المتاع سنفقده لكن فقدانه
يكون على نحوين: الأول أن
نضيعه، والثاني أن نبيعه،
فأيهما أفضل؟ أولئك الذين
لم يقتلوا في سبيل اللَّه
قد أضاعوا أرواحهم وفي
المقابل لم يحصلوا على
شيء بينما الذين قدّموا
هذا المتاع في سبيل
اللَّه وبذلوا أرواحهم
لأجل اللَّه هم الأشخاص
الذين قد باعوا واستعاضوا
بذلك، إن اللَّه اشترى
أنفسهم وأموالهم بأن لهم
الجنة.
فالشهيد يبيع روحه وفي
المقابل يحصل على الجنة
والرضى الإلهي الذي هو
أفضل الأجور.
علينا أن ننظر إلى
الشهادة في سبيل اللَّه
من هذا المنظار،
الشهادة
هي موت الأذكياء الفطنين
الذين لا يفقدون هذه
الروح بدون ثمن، فهي
رأسمالهم الأصلي، والموت
والشهادة لا تعرف عجوزاً
وشاباً، فكثيرون لم
يقتلوا في سبيل اللَّه،
وماتوا وهم في سن الشباب.
في الحقيقة ما هي قيمة
هؤلاء الشباب الذين رحلوا
فضيّعوا روحهم، إذ لم
يتحركوا في سبيل اللَّه،
ولم يكن مسيرهم إلهياً
وموتهم لم يكن في سبيله،
هؤلاء قد فقدوا متاع
العمر الذي هو أعز شيء
وفي المقابل لم يحصلوا
على شيء...".
*الشهيد والشهادة، سلسلة
في رحاب الولي الخامنئي،
نشر: جمعية المعارف
الإسلامية الثقافية
1- البقرة:154.
2- ال عمران:169-171
3- موسوعة الثقافة
الاستشهادية، مكي قاسم
البغدادي، ج2، ص349،
الدار الإسلامية.
4- بحار الأنوار،
المجلسي، ج44، ص277