الشبهة الثالثة: هل خروج الحسين لكربلاء وقتله هناك عزّ للإسلام والمسلمين أم ذلّ؟
شبهات وردود حول عاشوراء
بما ذكرناه أثناء جوابنا عن السؤال الأول حيث أثبتنا بالدليل أن رسول الله قد بكى بنفسه على جعفر بن أبي طالب الملقب بالطيار وعلى عمه الحمزة بن عبد المطلب الملقب بسيد الشهداء وعلى زيد بن حارثة وعلى عبد الله بن رواحة حيث روى البخاري
عدد الزوار: 298
إن قلت فيه عزّ للإسلام. سأقول لك ولماذا تبكي يوماً فيه عزّ للإسلام والمسلمين؟
أيسوؤك أن ترى عزّاً للإسلام؟
وإن قلت فيه ذل للإسلام والمسلمين، سأقول لك وهل نسمي الحسين مذلَّ الإسلام
والمسلمين؟
(لأن الحسين في معتقد الشيعة يعلم الغيب، ومنها يكون الحسين قد علم أنه سيذل
الإسلام والمسلمين).
الجواب: نقضاً وحلاً:
أما نقضاً:
أولاً: بما ذكرناه أثناء جوابنا عن السؤال الأول حيث أثبتنا بالدليل أن رسول
الله قد بكى بنفسه على جعفر بن أبي طالب الملقب بالطيار وعلى عمه الحمزة بن عبد
المطلب الملقب بسيد الشهداء وعلى زيد بن حارثة وعلى عبد الله بن رواحة حيث روى
البخاري في صحيحه: أن النبي نعى زيداً وجعفر وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم
وقال: «أخذ الراية زيد فأصيب ثم أخذ جعفر فأصيب ثم أخذ ابن رواحة فأصيب، وعيناه
تذرفان...»1.
فهل كان استشهاد هؤلاء عزاً للإسلام والمسلمين أم كان ذلاً لهم؟ وهل نسمي جعفر
وحمزة وزيد وغيرهم من الشهداء مذلي الإسلام والمسلمين؟
وثانياً: ببكاء فاطمة بنت رسول الله وعائشة بنت أبي بكر والصحابة على النبي كما
ذكرنا ذلك في جوابنا أيضاً عن السؤال الأول، وقد ذكرنا من ضمن تلك الروايات ما رواه
البخاري حيث قال في حديث طويل حول وفاة رسول الله: «فنشج الناس يبكون» 2،فهل كان
موت رسول الله عزاً للإسلام أم ذلاً؟
فإن كان عزاً للإسلام، فلماذا بكاه الصحابة والزهراء وعائشة؟ وإن كان ذلاً للإسلام،
فلماذا أماته الله تعالى؟ فهل يفعل الله ما فيه ذل للإسلام؟
كما أننا ذكرنا أن حفصة بنت عمر بن الخطاب قد بكت على أبيها بصوت مرتفع حيث روى
البخاري فقال: ... وجاءت أم المؤمنين حفصة والنساء تسير معها فلما رأيناها قمنا
فولجت عليه فبكت عنده ساعة واستأذن الرجال فولجت داخلاً لهم فسمعنا بكاءها من
الداخل...3 .
فهل تعتبر أن موت عمر كان ذلاً للإسلام والمسلمين؟ أو لا أقل هل تعتقد بأن حفصة
كانت ترى أن موت أبيها هو ذل للإسلام والمسلمين فلذلك كانت تبكيه بكاءاً شديداً؟
وأما الجواب الحلي:
أولاً: إن بكاءنا على الإمام الحسين لا يرتبط بالعز والذل للإسلام والمسلمين،
بل هو عاطفة صادقة ومودة مخلصة ومحبة عظيمة، ومشاعر جياشة وشوق شديد وحزن عميق على
ما جرى عليه وعلى أهل بيته وأصحابه، بحيث لم يجر على أهل بيت ما جرى على أهل هذا
البيت النبوي الطاهر من قطع للرؤوس وقتل للكبار وذبح للصغار وعطش للأطفال وضرب
للأيتام وسلب للنساء ونهب للخيام وسبي للعيال، لقد حصل كل ذلك لخير بيت في الإسلام
لذرية رسول الله وأحبابه الذين أمر الله تعالى بمودتهم ومحبتهم والذين أذهب عنهم
الرجس وطهرهم تطهيراً.
ثانياً: إن خروج الإمام الحسين الذي قال كلمته المشهورة «هيهات منا الذلة» وقال «لا
والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر إقرار العبيد» إنما يدل على أن الإمام
الحسين إنما قدم نفسه لأنه رفض أن يكون ذليلاً وأراد أن يكون عزيزاً ولأنه رفض الذل
والهوان للإسلام والمسلمين فأراد أن يبذل نفسه وما عنده من أهل وصحبة ومال في سبيل
الله.
نعم؛ إن مواقف الناس وخيانتهم وتخاذلهم عن نصرة ابن بنت رسول الله هي التي أذلت
الإسلام، وسببت له الذل والعار، فإن حصل أي ذل في الإسلام فإنما هو بسبب تلك
المواقف المتخاذلة.
وأما تلك الدماء الزاكية التي سالت على أرض كربلاء؛ فهي التي روت شجرة الدين الظمأى،
فأينعت وأثمرت بعد ذلك، وكان من أهم ثمارها أنها استطاعت أن تزيل مخطط بني أمية
والحاقدين في إذلال الناس واتخاذهم مطايا لماربهم وأهدافهم المشؤومة، وبالتالي أدت
إلى زوال الحكم الفاسد لبني أمية وأتباعهم.
وخلاصة الكلام، إننا نقول إنه لا منافاة بين كون الإمام الحسين أعز الله تعالى به
الإسلام وأهله وبين الحزن والبكاء عليه، فإنه لا محذور من البكاء على من ضحى بنفسه
في سبيل الله وإعلاء كلمته، محبة ومودة له، وتأييداً وإحياء لأمره الذي هو إحياء
لأمر الله تعالى.
1- صحيح البخاري، كتاب فضائل
أصحاب النبي باب مناقب خالد بن الوليد.
2- صحيح البخاري - كتاب فضائل الصحابة - من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل
الله دعي من أبواب يعني الجنة.
3- صحيح البخاري - كتاب فضائل الصحابة - باب قصة البيعة والاتفاق على عثمان بن عفان
وفيه مقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.