يتم التحميل...

من خصائص المجتمع المسلم (6)

المجتمع الإسلامي

يعتبر التحلّي بالوعي السياسيّ والدينيّ من أهمّ الصفات التي يتصف بها أفراد المجتمع المسلم، فحالة الوعي بما يجري حولنا وتداعيات القضايا على مجتمعاتنا من الأمور التي لا تختصّ بفئة دون أخرى كما هو الحال في الكثير من البلدان التي لا تعرف شعوبها شيئاً عن الدين والسياسة،

عدد الزوار: 103

قال تعالى: ﴿بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ1.

المقدّمة

يعتبر التحلّي بالوعي السياسيّ والدينيّ من أهمّ الصفات التي يتصف بها أفراد المجتمع المسلم، فحالة الوعي بما يجري حولنا وتداعيات القضايا على مجتمعاتنا من الأمور التي لا تختصّ بفئة دون أخرى كما هو الحال في الكثير من البلدان التي لا تعرف شعوبها شيئاً عن الدين والسياسة، فالناس في المجتمع المسلم تميِّز العدوّ من الصديق والمنافق من الحليف والقويّ من غيره، وتشخّص مصالحها بشكلً جيد، وتمتلك من الفقاهة الدينية ما يؤهّلها للمعرفة الواعية والدقيقة بحقائق الأشياء ودراسة الموضوعات دراسة شاملة وتفصيلية ومقارنتها بالتجارب الأخرى إضافة إلى التوفيق الإلهيّ الذي يمنحه الله أولآً وأخيراً لثلّة من عباده الذين ارتضى.

معنى الوعي

والوعي معناه أن ينظر المرء إلى أيّ مسألة من المسائل لا سيّما ما يرتبط بالشأن العامّ والقضايا السياسية من كافّة جوانبها، ويُقلّبها على كافّة الأوجه، ويحتمل فيها كافّة الفرضيّات، ويتخذ موقفه بما يتناسب مع كافة الاحتمالات، فإن التردد في أمرٍما يوصل صاحبه إلى سرّ المسألة التي يواجهها والحكمة المخبأة فيها.

قال أمير المؤمنين عليه السلام: "فإنّما البصير من سمع فتفكّر، ونظر فأبصر، وانتفع بالعبر، ثمّ سلك جدداً واضحاً يتجنّب فيه الصرعة في المهاوي"2.

والمراد هنا أنّ الإنسان الواعي ليس إنساناً ببغائياً يُملى عليه وهو بدوره يُملي على الآخرين بل يفكر فيما يسمع قبل أن يردده، ويرى في كلّ شيءٍ عبرة ينتفع بها، فلطالما يدافع المرء عن أفكاره ويمضي عمره على هذا المنوال ثم بكتشف في النهاية أنهكان يُدافع عن أفكار زُرعت برأسه.

والوعي المرادف للبصيرة يبنى على ركيزتين أساسيتين كما يعبر أمير المؤمنين عليه السلام في كتاب كتبه لأهل مصرمع مالك الأشتر لمّا ولّاه إمارتها: "وَإِنِّي مِنْ ضَلَالِهِمُ الَّذِي هُمْ فِيهِ وَالْهُدَى الَّذِي أَنَا عَلَيْهِ لَعَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ نَفْسِي وَيَقِينٍ مِنْرَبِّي"3. فالوعي يعني أن يكون الإنسان على يقين من كونه على الحق وأن يكون على يقين من إثبات الضلالة لأعدائه.

أهمية الوعي

ولذا فالوعي عند الإنسان المسلم يقع في أعلى مراتب الناس، وهو جوهر شخصيته، ولذلك نجد القرآن الكريم استنكر على الذين لا يحملون الوعي الكافي معتبراً أنّ إدراكات الإنسان بحواسّه بغضّ النظر عن التفكّر فيما يُدرك واستخلاص العبر يجعلمن الإنسان إنساناً، وكأنه بلا حواسّ أصلاً. قال تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ4.

وفي الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ليس الأعمى من يعمى بصره، إنّما الأعمى من تعمى بصيرته"5.

ويكفي في أهمية وعي الشعوب المسلمة أن تقرأ ما جاء قي القرآن الكريم من أنّ عدم الوعي والتبصّر يُورد أهله النار والعذاب، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ6.

وعي النخبة

صحيح أنّ الوعي السياسيّ مطلوبٌ من كافة شرائح المجتمع، إلا أنّ وعي النخبة منه له تأثيراته الخاصّة التي لا يمكن إغفالها أبداً.

ويتحدّث السيد القائد دام ظله عن ضرورة وعي النخبة في المجتمع نظراً لانجذاب جمع من الناس إليهم واستئناس الكثيرين بوجهات نظرهم عند التحديات الصعبة وعدم وضوح الرؤية للجميع مستشهداً بموقف العبادلة الأربعة (عبد الله بن عمر وعبد الله بن العباس وعبدالله بن جعفر وعبد الله بن الزبير) من نصرة الحسين عليه السلام عند خروجه إلى كربلاء.

فهؤلاء الأربعة لو نصروا الحسين عليه السلام بسيوفهم وخرجوا معه لتبعهم في موقفهم هذا الآلآف من أتباعهم ومحبيهم كونهم كانوا وجهاء قومهم وزعماء قبائلهم ولهم نفوذ قوي في المجتمع آنذاك, لأنّ الروح القبلية كانت في تلك الآونة ما زالت معشعشة وبالتالي فإنّ وقوف هؤلاء إلى جانب الحسين عليه السلام كان من شأنه أن يغير من مسار المعركة ويقلب النتائج من هزيمة عسكرية إلى نصرٍ عسكريّ مؤكّد.

ويضيف السيّد القائد دام ظله في قراءته لهذا الجانب من النهضة الحسينية ليقول: "إنّ نصرة هؤلاء الأربعة لم تكن لتترك تداعياتها على منطقة العراق فحسب بل فضلاً عن سقوط النظام الأموي في العراق وإلحاق الهزيمة بمعسكر الأعداء وبسط الدولة العلوية سيطرتها على كامل العراق من شأنه أن يهدد النظام الأمويّ في سوريا، بل إنّ سقوطه في بلاد الشام لن يكون مستبعداً على الإطلاق".

إنّ فقدان الوعي الديني الذي منعهم من اتباع إمامهم وفقدان الوعي السياسي الذي منعهم من قراءة التهديدات الأموية بطريقة صحيحة ترك آثاراً وخيمة على الأمة، بل أضعف خط أهل بيت العصمة عليهم السلام ونقله من موقع الجبهة القوية إلى موقع آخر لا تخف معالمه على كامل المرحلة السياسية للأئمة الأطهار بعد الإمام الحسين عليه السلام.

وهنا نعود لنقرأ مع مولانا الإمام عليّ عليه السلام قوله: "أبصر الناس من أبصر عيوبه وأقلع عن ذنوبه"7.

فالمطلوب من هؤلاء ومن غيرهم على كافة الأجيال وعلى اختلاف التحديات والفتن الصمّاء العمياء التي تعصف بالمجتمع الإسلاميّ قديماً وحديثاً القراءة الواعية التي تبدأ من خلال قراءة المرء لنفسه فيما اتخذه من قرار، إذ عندما يبصر المرء عيوبه يبصر خطأه، ولا يكفي أن يُشخّص الخطأ بل عليه الإقلاع عنه فإنّ ساحة الحياة ليست للهو والعبث بل لاتخاذ القرارات التي تكون بمستوى التحديات المفروضة.

* كتاب وتزودوا في شهر الله، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.


1- سورة القيامة، الآية 14 - 15.
2- نهج البلاغة، ج2، ص 41.
3- المصدر السابق، ج3، ص 120.
4- سورة الحجّ، الآية 46.
5- كنز العمّال، ج1، ص 243.
6- سورة الأعراف، الآية 179.
7- عيون الحكم والمواعظ، ص120.

2015-09-15