خصائص المجتمع المسلم -1
المجتمع الإسلامي
تماماً كما يجب أن يتمتّع الإنسان المؤمن بسمات تعكس شخصيته على المستوى الفرديّ والشخصيّ فإنّ هناك مجموعة من السمات التي ينبغي أن يتمتّع بها على المستوى العامّ والمجتمعيّ،
عدد الزوار: 127قال تعالى: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾1.
تماماً كما يجب أن يتمتّع الإنسان المؤمن بسمات تعكس شخصيته على المستوى الفرديّ
والشخصيّ فإنّ هناك مجموعة من السمات التي ينبغي أن يتمتّع بها على المستوى العامّ
والمجتمعيّ، فالإنسان المسلم فردٌ في هذا المجتمع الذي يتفاعل معه تأثراً وتأثيراً،
ولا يمكن التفكيك بين الحالة العامّة والحالة الفردية، وقد بيّن الله سبحانه وتعالى
هذه السمات واعتبرها أولوية دينية في التربية الدينية، ونحن اليوم بأمسّ الحاجة
لإعادة تنظيم هذه الأولويات على المستوى التربوي لتنعم أجيالنا بمجتمعات مصبوغة
بالصبغة الإلهية، ولا يقتصر الجانب الديني فيها على العبادة الفردية والسلوك الشخصيّ.
يتميّز المجتمع الإسلاميّ بخصائص وسمات تقوم على أسس واضحة من منهج الله سبحانه
وتعالى الذي أرسل به رسوله محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم ليقيم المجتمع المثالي
في الأرض وبالتالي فللمجتمع المسلم خصائص تميزه من بقية المجتمعات وتجعل العلاقات
الاجتماعية بين أفراده تقوم لا على الصراع والتطاحن والمصالح الشخصية، وإنما على
روابط أخوية تجعل أفراد المجتمع كالبنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضاً.
ومن أهمّ سمات المجتمع التي تحقّق هذا الهدف ما يلي:
1- الاعتصام بحبل الله: قال تعالى:
﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ
تَفَرَّقُو﴾2، أي توحّد الأمة على دينها ورسالتها، وأن تكون الرسالة مصدراً
لتوحّد الأمة لا لإنقساماتها وتفرقها إلى عشرات الأمم الإسلامية، ناهيك عن تبعثر
قوى الأمة وانشغالها ببعضها البعض ومايستلزم ذلك من آثار خطيرة على مستوى الاستقرار
والجماعة والتلاحم وما شابه.
وقد جعل الله تعالى الفرقة مساويةً للشرك إذ قال تعالى:
﴿وَلَا تَكُونُوا مِنَ
الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ
حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾3، وأمر الجميع في المجتمع المسلم أن يعتصموا
بحبل الله الذي هو القرآن والسنّة،
﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ
تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء
فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ
عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ
اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾4.
والاعتصام إنما هو بحبل الله ولا شيء سواه، فليس مطلق الاعتصام أمراً راجحاً كما هو
اعتصام البعض اليوم حول بعض الشخصيات والقادة والأهواء التي ينتهي المرء بانتهائها،
بينما يبقى حبل الله هو الأمتن والأصلب والتمسّك به وحده ينجينا فيالدنيا والآخرة.
ومن أروع تجلّيات الاعتصام بحبل الله في المجتمع المسلم وحدة الشعائر الدينية من
صلاة وصيام وزكاة وحجّ والتوجّه إلى قبلة واحدة.. ووحدة الهدف وهو بلوغ رضوان الله
تعالى، ووحدة في التلقي والتشريع، والتحليل والتحريم، فالمسلمون جميعاً مجمعون على
أنّ الزنا حرام والربا حرام والخمر حرام والزور والظلم وأكل مال الناس بالباطل حرام
وغير ذلك، فالحلال ما أحلّه الله ورسوله والحرام ما حرمه الله ورسوله، ولا يملك شخص
أو جماعة مهما كان أن يغيروا أحكام الله وتشريعاته.
2- إعداد القوّة: قال تعالى:
﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ
وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾5، والآية
صريحة في الأمر الإلهيّ بوجوب تضافر الجهود من كافّة شرائح المجتمع ليكون مجتمعاً
قوياً مُهاباً، والقوة هنا لا تعني القوة العسكرية فحسب بل تمتدّ إلى القوّة
الإقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية وغير ذلك من عناصر القوّة التي يجب أن
ينعم بها المجتمع الاسلامي ليكون حصناً منيعاً في وجه كافّة المؤامرات والدسائس
التي تُحاك في وجهه والتي لم ولن يخلو زمان منها على الإطلاق لأنّ مسيرة الصراع
بينالحقّ والباطل مسيرة بدأت مع الوجود البشري على الأرض وسيبقى مستمرّاً إلى يوم
القيامة.
والإعداد ينبغي أن يبذل المجتمع فيه منتهى استطاعته بمعنى أنّ التقصير في هذا
الجانب المجتمعيّ غير مسوَّغ ولا يُعذر صاحبه يوم القيامة، فالذي يستطيع أن يعطي
طاقة محدّدة لا يجوز له إعطاء ما هو دونها، لأنّ ذلك نوع من إضعاف المجتمع.
3- طاعة أولي الأمر: قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ
وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾6، ومن الواضح في الآية أنّ
طاعة الله والرسول وأولي الأمر طاعة واحدة لا تنفك إحداها عن الأخرى ولذلك جمع
بينها بالواو وذلك لأن طاعتهم مظهر من مظاهر القوة والمنعة التييجب أن ينعم بها
المجتمع المسلم في مواجهة التحديات المتنوّعة التي تغزو بلادنا اليوم.
وطاعة أولي الأمر كما جاء في الأحاديث أنّ الإمامة أمانٌ من الفرقة، وهي أساس
الإسلام وأساس كلّ خير، وهي تمام الدين ونظام الأمة وصلاح الدنيا وعزّ المؤمنين.
فالأمة التي لا تجتمع على طاعة قائدها مصيرها التشتت والتبعثر والإنقسام وتغلغل
العصبيات والمحسوبيات، وتعشعش فيها النزعات المتنوّعة من القبلية والقومية
والمذهبية وغيرها، وبالتالي فإن عدم الطاعة أساساً يُخرجها عن كونها أمة واحدة
إلىكيانات متناحرة ومتباغضة تتحكّم بها الأهواء والعصبيات ويطمع بها القريب والبعيد،
بل إنّ الفارق الأساس بين الجاهلية والإسلام هو موضوع الإمامة، ولذلك جاء في مضامين
الأحاديث أنّ من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتةً جاهلية.
* كتاب وتزودوا في شهر الله، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1- سورة الأنبياء، الآية 92.
2- سورة آل عمران، الآية 103 .
3- سورة الروم، الآيتان 31 - 32 .
4- سورة آل عمران، الآية 103.
5- سورة الانفال، الآية 60.
6- سورة النساء، الآية 59 .