كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء أساتذة الجامعات
2015
سبق وأن أشرت إلى أنّ الهدف من عقد هذا اللّقاء بالأساتذة المحترمين والكرام والأعزاء في الدرجة الأولى هو تكريم وتجليل مقام الأستاذ. حيث نريد ترويج وتثبيت هذه الثقافة في بلدنا وهي تكريم الأساتذة، هذه هي واحدة من أعظم تعاليم التربية الإسلامية. ولقد ألّف علماؤنا الماضون الكتب ونقلوا الأحاديث والآيات القرآنية حول هذه المسألة.
عدد الزوار: 93كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء أساتذة الجامعات في حسينية الإمام الخميني (رضوان الله عليه)_04-07-2015
بسم الله الرحمن الرحيم1
قدمتم خير مقدمٍ أيها
الإخوة والأخوات الأعزاء.
تكريم الاستاذ؛
سبق وأن أشرت إلى أنّ الهدف من عقد هذا اللّقاء بالأساتذة المحترمين والكرام
والأعزاء في الدرجة الأولى هو تكريم وتجليل مقام الأستاذ. حيث نريد ترويج وتثبيت
هذه الثقافة في بلدنا وهي تكريم الأساتذة، هذه هي واحدة من أعظم تعاليم التربية
الإسلامية. ولقد ألّف علماؤنا الماضون الكتب ونقلوا الأحاديث والآيات القرآنية حول
هذه المسألة. هذا هو الهدف الأول وهو عملٌ رمزي لتجليل الأساتذة وتكريمهم. والهدف
الثاني والثالث المهمان أيضاً هما أن أستمع "بالمشافهة" إلى الآراء والأفكار التي
يُدلي بها الأساتذة من الإخوة والأخوات، واحتمال أن أطرح عليهم بعض النقاط التي
أراها مناسبة.
لقد كان الاجتماع اليوم جيداً جداً. يؤسفنا ضيق الوقت والذي حرمنا من الاستماع إلى
كلمات باقي الأساتذة التي كان من المقرر إلقاؤها. والحال أن الموضوعات التي طرحها
الأصدقاء كانت في غاية الجودة، ويتطلب بعض منها المتابعة المؤكدة، وأنا بدوري سأوصي
بها وأتابعها.
[وفيما يلي] أطرح عليكم بعض النقاط.
النقطة الأولى هي أن الأستاذ ليس معلّماً وحسب، وإنما هو مربٍّ أيضاً، وهذا سرّ
طبيعيٌّ وهو واضح للجميع.
إن الإنسان الذي نتعلم منه شيئاً ويفتح أمامنا باباً من العلم، سينفذ إلى قلوبنا
وأرواحنا بصورة طبيعية، ويمكننا أن نقول: ستتكوّن في المتعلّم حالة من التأثّر
ببركة هذا التعليم. هذه فرصة كبيرة واستثنائية للغاية. فكم لدينا من الشباب الذين
لا يرغبون في الاستماع إلى نصائح الوالد والجد والوالدة والأسرة ولا التأثر القلبي
بها، وفي الوقت ذاته تترك فيهم كلمة الأستاذ وإشاراته أثراً عميقاً؟ هذا هو الأستاذ.
التعليم يترافق بشكل طبيعي مع امكانية التربية. يجب اغتنام هذه الفرصة. فإذا كان
أستاذنا متديناً ذا غيرة وطنية ودافع ثوري ويتمتع بروح المثابرة، لانتقلت هذه
الصفات إلى المتعلم بشكل طبيعي، والعكس أيضاً كذلك. حين يكون الأستاذ إنساناً عادلاً
منصفاً وذا أخلاق عالية فسترتفع حينها إمكانية تربية طالب عادل منصف وذي أخلاق حسنة،
والعكس صحيح أيضاً.
أنتم بأفعالكم وسلوككم!
بلدنا اليوم بحاجة إلى شباب بإمكانهم أن يكونوا سواعد قوية لتقدُّم البلد، شباب
يتحلّون بالدوافع الإيمانية والبصيرة الدينية والهمة العالية، والجرأة على المبادرة،
والثقة بالنفس، والإيمان بــ"أننا قادرون»، شباب لديهم أمل وتفاؤل بالمستقبل،
والتطلع إلى الآفاق المستقبلية المشرقة، وروح الاستغناء - ولا أقصد بها الإعراض عن
التعلّم من الأجانب، وهذا ما لم ولا نوصي به بتاتاً، بل نحن على استعداد للتتلمذ
على يد من هو أعلم منا في أي مجال- وإنما روح الاستغناء عن التأثر والانبهار
والتلقين واستغلال نقل العلوم، وهذه الروحية الشائعة اليوم في العالَم المتصف
بالعلم وهو عالم القوى الاستكبارية – فلا بد للشابّ أن يتسم بروح الاستغناء هذه -
وروح الفهم الصحيح والعميق لأوضاع البلد ولمعرفة أين نحن الآن، وإلى أين نحن سائرون،
وكيف يمكننا اجتياز هذا الطريق - والحق انه قد وردت اليوم في كلمات الأساتذة نقاط
جلية في هذا المضمار - وكذلك [نحتاج] الى شباب لديه الحزم والشدة أمام اي اعتداء
وهيمنة ومساس بالاستقلال الوطني. إننا نحتاج إلى شباب مفعمين بهذه الروحية وهذه
الصفات؛ وهي صفات وسمات يستطيع الأساتذة بثها وزرعها وإيجادها في نفوس الجيل الشاب
الذي يقوم بطلب العلم والدراسة في البلد.
الحرب الناعمة؛ الاستاذ قائد الميدان
هذا هو الأستاذ. وإنما يحصل هذا التاثير التربوي من خلال سلوك الأستاذ وأخلاقه،
وليس بإلقائه درس أخلاق. إذ إنني لا أوصي أساتذة العلوم بأن يعطوا الطلاب دروساً في
الأخلاق، فهذا عمل له مجالٌ آخر. بل إن أساتذتنا يمكنهم، بأفعالهم وأقوالهم
وسلوكهم وطرح أفكارهم وآرائهم في شتى المجالات، تحقيق هذا التأثير وإيجاد هذه
الروحية وخلقها في الطالب الجامعي وفي الشابّ المعاصر. وهذا هو معنى قولنا إن
الأساتذة هم قادة الحرب الناعمة. فإن كان الشاب - كما طرحنا سابقاً- ضابطاً في
الحرب الناعمة، فإن الأستاذ هو قائده، والقيادة هي بهذا الشكل.
وكذلك الحال في الحروب الصلبة: فإنه حيثما يوجد القائد، سواء قائد الكتيبة أو
السرية أو اللواء، في وسط الساحة وفي المواقع الحساسة، وكان يقاتل بنفسه، فسيترك
تاثيراً عظيماً في جنوده. وهذا الأمر لا يختص بنا فقط بل يشمل الآخرين أيضاً. فقد
كان نابليون ببذلته العسكرية ينام على التراب إلى جانب جنوده . وكان هذا هو السرّ
الذي أدى به لأن يحقق كل هذه الانتصارات المدهشة في الحرب، إذ إن أوامره للجنود لم
تقتصر على الكلام، وإنما كانوا يتلقون أوامره بنحو عملي أيضاً. وهكذا كان شبابنا في
جبهات الدفاع المقدس لثمانية أعوام، فإن قائد الفرقة كان يتقدم احياناً على العناصر
العادية في ساحة القتال، ويحضر في الخطوط الأمامية، وأحياناً يبادر إلى عملية
الاستطلاع بنفسه. الأمر الذي يعتبر غير مفهوم وغير مقبول في جيوش العالم، ولكنه
حدث في هذه الحرب. وهذه الروحية هي التي حققت كل تلك النجاحات الباهرة والانتصارات
العظيمة خلال الدفاع المقدس. هكذا الحال في الحرب الناعمة أيضاً. يجب على الأستاذ
بنفسه أن ينزل إلى قلب الميدان في هذه المواجهة العميقة والحيوية والمقدسة، وهي
التي نسميها بالحرب الناعمة، والتي هي دفاع مقدس أيضاً.
70000 أستاذ جامعي
في بلدنا حوالي سبعين ألف أستاذ عدد أعضاء الهيئات التعليمية [في الجامعات]، وهذا
ما يدعو إلى الفخر والاعتزاز. حيث أتذكر في بداية الثورة، وفي النصف الأول من عقد
الثمانينات، ولربما في النصف الثاني أيضاً، كان يُقدّر عدد أعضاء الهيئات التعليمية
بما يقرب من خمسة آلاف أو ستة آلاف أستاذ، وبلغ اليوم هذا العدد نحو سبعين ألف،
وهذا مبعث فخرٍ لبلدنا وثورتنا وجامعاتنا.
ولحسن الحظّ فإن قسماً عظيماً من هذه القوى الإنسانية الكبيرة والواسعة، هم اساتذة
مؤمنون ومتدينون وثوريون، وملتزمون بمبادئ الدين والثورة. وهذا أيضاً على جانب كبير
من الأهمية، وهذا أيضاً ظاهرة بحد ذاتها. ولا بد من معرفة قدر العناصر المؤمنة
والثورية في الهيئات التعليمية. وهذا ما أخاطب به مديرينا الأعزاء والمسؤولين في
وزارة التعليم العالي ووزارة الصحة والتعليم الطبي، وأقول لهم: اعرفوا قدرهم! وعلى
الوزراء الكرام والمجالس الإدارية في الوزارات أن يقدّروا قيمة حضور هؤلاء الأساتذة
المؤمنين والملتزمين بالقيم الدينية الذين ثبتوا على كلمة الحق ولم يهابوا الهجمات
الإعلامية وحالات الأذى الخفية - التي نعلم بالكثير منها - ولم يتراجعوا عن مبادئهم!
وعلى المديرين المحترمين تكريم المعلمين والأساتذة المؤمنين في الجامعات.
هذه هي النقطة الأولى حول أهمية الأستاذ. لو كان بإمكاني لقاء جميع هؤلاء الأساتذة
الأعزاء السبعين ألفاً في البلد، لقمت بذلك بكل تأكيد، ولو استطعت لقاءهم لكنت
استمعت الى أحاديثهم فرداً فرداً. ولكن من الواضح أن "العين بصيرة واليد قصيرة" عن
الوصول الى ذلك الرطب الحلو الغالي على النخيل العالي!2.
النقطة الثانية حول قضية العلم. ولحسن الحظ فقد تحوّلت النهضة العلمية اليوم في
البلد إلى تيار؛ هذا التيار الذي جرى ترسيخه في بلدنا، وهذا مما لا شك فيه. فقد بذل
أساتذتنا وعلماؤنا وشبابنا خلال الأعوام العشرة أو الخمسة عشر الماضية جهوداً مضنية
في هذا المجال، وبتنا نشاهد آثار هذه الجهود في تصاعد المرتبة العلمية للبلد. حيث
بلغنا المرتبة العلمية السادسة عشرة في العالم. وهذا أمرٌ بالغ الأهمية، إذ كانت
مرتبتنا العلمية أقل وأدنى من ذلك بكثير، فعلماؤنا وشبابنا رفعوا مستوى البلد إلى
المرتبة السادسة عشرة، وهذا غاية في الأهمية والقيمة.
سرعة التقدم العلمي؛ أضعافا..
وثمة نقاط في هذا المجال: النقطة الأولى هي أن بلوغ هذه المرتبة العلمية الرفيعة
كان ناجماً من حركة تصاعدية نوعية وطفرة من السرعة المكثفة في العمل. حيث أقرت
الإحصائيات العالمية أن سرعة التقدم العلمي في البلد تفوق ثلاثة عشر ضعفاً معدل
السرعة المتوسطة في العالم، وهذا ما أعلنته مراكز الإحصاء العلمية في العالم،
وذكرناه سابقاً عدة مرات. وقد تباطأت حالياً وتيرة هذا التسارع. وأما أن يقول البعض
إننا قد تخلّفنا عن التقدم العلمي، ويقول الآخر كلا، لم نتخلف عن ذلك، ويستدل كلٌّ
منهما بالأرقام، فيعود منشؤه إلى أننا في الظاهر لم نتراجع عن المرتبة السادسة عشرة
أو الخامسة عشرة، وهذا صحيح، ولكن كان علينا أن نرتقي هذه المرحلة، وكان على تلك
الوتيرة المتسارعة أن تواصل حركتها، ولكنها انخفضت حالياً. ليلتفت الإخوة
والمسؤولون الأعزاء في الوزارات إلى أن تلك الطفرة المتسارعة لم تعد كما كانت.
فافعلوا ما من شأنه أن لا يحدّ من سرعة التقدم العلمي وأن لا يؤدي إلى إيقاف هذه
الحركة. ونحن نعلم بالطبع أننا كلما تقدمنا إلى الأمام, تباطأت هذه الحركة
المتسارعة، فإن التخلف الكبير بالنسبة لنا يعني توافر المزيد من الإمكانيات التي لم
يجرِ استثمارها، وكلما تقدمنا إلى الأمام، قلّت هذه الإمكانيات بسبب استثمارها،
وهذا ما ندركه، ولكن لا ينبغي الحدّ من تلك السرعة الضرورية والمتناسبة للتقدم
العلمي.
تحصين البيئة العلمية
النقطة الثانية هي أن عليكم إبعاد البيئة العلمية للبلد عن إثارة المسائل الهامشية.
ولا يلتبس الأمر، فإنني لا أدعو إلى خلوّ الجامعات من المسائل السياسية - ولعل
الكثير يتذكر بأني قبل سنوات في هذا اللقاء الرمضاني نفسه، وفي حضور الأساتذة عبّرت
عن الذين يريدون ابعاد السياسة عن الجامعات ومن بين الطلبة الجامعيين تعبيراً حاداً
قاسياً ما أدى إلى معاتبة كثير من الأشخاص- كلا، بل أعتقد أن بيئة الجامعة هي بيئة
الإدراك السياسي، والتحليل السياسي، والمعرفة السياسية، والوعي السياسي، وهذا عندي
لا مانع عنه، لكني أقول بضرورة تجنب الألاعيب السياسية وتسييس القضايا العلمية
واختلاق المسائل الهامشية، فإنها تضرّ بالمهمة الرئيسية المتمثلة بالجهد والتقدم
العلمي بكل ما تنطوي عليها هذه القضية من مزايا وخصائص.
من أكثر الأعمال الخاطئة التي حدثت خلال العام أو العامين الماضيين، هي قضية المنح
الدراسية، والتي حتى وإن كانت صحيحة - وبالطبع فقد اتضح بعد التحري أنها لم تكن
صحيحة بتلك الصورة ولم تكن بالشكل الذي تلاعبت به الصحف، وهذا ما أفادته التقارير
الدقيقة والدراسات التي وصلتنا - ما كان ينبغي لنا أن نسوقها إلى المزايدات
الصحفية. حيث حصل عدد من الطلاب على بعض المخصصات خلافاً للقانون، هذا ما له طريق
حل قانوني، وهو إلغاء هذه المخصصات دون افتعال كل هذا الضجيج. فإن إثارة الأزمات
والصخب واختلاق المسائل الهامشية يعدّ سماً مهلكاً للبيئة العلمية التي يجب أن
تواصل طريقها بهدوء واستقرار. للأسف أن البعض أخذ يدسّ هذا السم إلى جامعات البلاد
بالاستناد إلى نفس تلك الرؤية الفكرية المبنية على الألاعيب السياسية، ولكن لماذا؟
علاوة على أن هذا العمل كان ظلماً للكثير من الناس، فقد كان مخالفاً للقانون،
وخلافاً للتدبير وخلاف الأخلاق أيضاً، في حين أنهم يتبجحون بالمسائل الأخلاقية."
لماذا قلما يتوب أولئك الآمرون بالتوبة؟"3 فهل كان هذا عملاً أخلاقياً؟ يجب عليكم
أن تتجنبوا المسائل الهامشية، وأن تحولوا دون وقوع بيئة التعليمات العليا أسيرة
القضايا الجانبية.
والنقطة الأخرى هي قضية العلوم الإنسانية. إننا متخلفون في هذا المجال. والأعزاء
الذين تحدثوا حول العلوم الإنسانية أكّدوا وبشكل صحيح على أهميتها حتى في الصناعة.
وهذا كلام صحيح. والإحصائيات التي قدّمها هذا الأخ العزيز ملفتة للنظر، حيث قال إن
التقدّم الصناعي يعود بنسبة أربعين أو خمسين بالمئة إلى القضايا الهندسية والتقنية،
وبنسبة خمسين أو ستين بالمئة إلى مسائل العلوم الإنساية كالإدارة والتعاون
والمثابرة. ما يقوله صحيح وبالغ الأهمية. ولحسن الحظ فقد تحدث اليوم عدد من الإخوان
واستعرضوا جملة من الأمور الجيدة في مجال العلوم الإنسانية، وهي نفسها أفكارنا
وحديث قلوبنا وبالطبع كلام ألسنتا أيضاً. وقد أشرنا سابقا الى عدد منها. وبالتالي
فإنها مسألة بالغة الأهمية.
إن التحوّل في العلوم الانسانية - والذي هو أمر واجب وضروري لأسباب كثيرة- بحاجة
إلى نهضة ذاتية واندفاع من الداخل ودعم من الخارج. لحسن الحظ فإن الاندفاع والتدفق
الذاتي موجود حالياً، وهذا ما نشهده في المجلس الأعلى للثورة الثقافية – وكذلك في
"مجلس التحوّل"[في العلوم الإنسانية] والأصدقاء هناك يبذلون جهوداً - وفي الجامعات،
وما طرحه بعض الأصدقاء حول هذا العلوم الإنسانية مما لاحظتموه اليوم، كل هذه مؤشرات
على وجود هذا الاندفاع والتدفّق الذاتي في داخل الجامعات ومن قبل الشخصيات العلمية
والفكرية البارزة. في الوقت ذاته لا بد من وجود دعم من الخارج بكل انواعه. ومن
مصاديق هذا الدعم، قيام الجامعة والوزارة بتطبيق قرارات مجلس التحول في العلوم
الإنسانية ومتابعتها لها. هناك قرارات يجري التصويت عليها وإقرارها. وقد أشار
حالياً أحد الإخوان إلى ضرورة تنفيذ ما تم التصويت عليه حتى الآن. فلا بد من تطبيق
وتنفيذ هذا المقدار من المساعي والجهود المبذولة في هذا المجال. ولا ينبغي أن تبقى
هذه القرارات أسيرة المكاتب والملفات، وعلى حد تعبيره في زوايا دهاليز الوزارة أو
المجلس الأعلى للثورة الثقافية. يجب تطبيقها عملياً على أرض الواقع، وهذا كلام صحيح
تماماً. وعلى الوزارة أن تلتفت إلى هذه النقطة. والسيد الدكتور فرهادي [وزير العلوم
والأبحاث والتكنولوجيا] حاضر في هذه الجلسة، وإني ألفت انتباهه بالخصوص لمتابعة هذا
الأمر، فإنه عملٌ كبير. ذلك أن طرف سلسلة العلم وحركة الجامعات اليوم هي بيد هؤلاء
الأخوة الأعزاء، فلا بد لهم من متابعة هذه الأمور بحرص وجدية وبكل ما للكلمة من
معنى.
والنقطة الأخرى حول قضية نسبة ميزانيات الأبحاث. علماً بأن المسائل التي أطرحها،
بحاجة إلى بعض الإيضاحات، لكن وقت الأذان قد اقترب، ولا يسعني الإسهاب في الموضوع.
إن حصة ميزانية الأبحاث مهمة، ولطالما أكدتُ عليها لسنوات عديدة في هذه الجلسة
نفسها وفي جلسات أخرى وفي اللقاءات الخاصة مع المسؤولين التنفيذيين في البلد، ولكن
المؤسف أن المعلومات والتقارير التي تصلني، تفيد بأنهم أنزلوا كلماتي هذه بمنزلة
النصيحة، نصيحة يطلقها خطيب على المنبر مثلاً. لقد نظروا إليها بهذا المنظار. الأمر
ليس كذلك. يجب العمل والسعي وبذل الجهود في هذا المجال. لقد خُصّص في "ميثاق الأفق
العشريني" 4 % بالمئة من الميزانية العامة للأبحاث، وهمتنا لا تعلو بهذا المستوى في
الخطط القصيرة المدى، ولكن لا بد من تخصيص 5/1 بالمئة أو 2 بالمئة من الميزانية
التي يمكن تنفيذها وقد جرى الحديث عنها, بيد أن الميزانية المخصصة للأبحاث حالياً
هي كسر من الأعشار في المئة. هذه مسألة هامة والقضية الأخرى هي ضرورة إنفاق المصادر
المالية للأبحاث بشكل صحيح ومبرمج وفي مواضعها.
والنقطة الأخرى هي مسألة الخارطة العلمية الشاملة، حيث استُكملت هذه الخارطة بما
بذله الأعزاء من سعي حثيث، وبلغت مستوى عالياً، وجرى إعداد وثيقة كاملة جيدة هي
فرصة متاحة للبلاد، ولاقت تأييد الخبراء بعد تهيئتها كما أفادت التقارير التي
وصلتني. وهذا يعني خلوّ هذه الوثيقة التي جرى إعدادها في المجلس الأعلى للثورة
الثقافية من الإشكالات الأساسية والكبيرة، لما لاقته من تأييد. ولكن لا بد من تطبيق
هذه الخارطة العلمية الشاملة عملياً. والخطوة الأولى لذلك هي "صناعة الخطاب"وترويج
هذه المقولة. فإني أسمع من السادة الذين يسافرون إلى المدن ويذهبون إلى الجامعات أن
الكثير من الأساتذة - فضلاً عن طلاب الجامعات - وحتى المديرين لا يمتلكون معلومات
دقيقة عن الخارطة العلمية الشاملة للبلاد. كما وقال أحد الأصدقاء هنا إن الكثير من
الناس ليس لديهم اطلاع تجاه الاقتصاد المقاوم الذي تتحدثون عنه، وهذه هي واحدة من
حالات الضعف في عملنا. فلو أردنا تحقيق مطلب، علينا في الدرجة الأولى أن نحوّل هذا
المطلب إلى خطاب رائج ومقبول. لقد كانت قضية العلم من هذا النمط، وتحوّلت إلى خطاب
وتبدّلت إلى سياق وتيار عملي بشكل طبيعي. وكذلك الحال في هذه المسألة، إذ لا بد أن
تتبدل القضايا المتعلقة بالخارطة العلمية الشاملة للبلاد إلى خطاب ويجري تطبيقها
بصورة جادة. هذه نقطة.
ومن مسائلها الجانبية التي تعد بدورها نقطة هامة أخرى هي وثيقة إعداد التعليم
العالي. فإن ما أشار إليه أحد الأصدقاء في قوله: "إذا كانت كل قضايانا ومطالبنا
المنشودة تمثل الأولوية بالنسبة لنا، فمعنى ذلك أننا لانعطي الأولوية لأي مطلب!»،
يعد كلاماً صحيحاً وسديداً. وقوله: "علينا تحديد عدد من الفروع الصناعية للتقدم
فيها واستثمارها من الناحية الإنسانية والمالية، وتوظيف كافة القدرات والطاقات
فيها"، يعتبر قولاً صحيحاً بالكامل. وفيما مضى أشرتُ إلى هذا الموضوع حول الرياضة،
وذكرت أننا يمكننا أن نحتل المرتبة الأولى أو الثانية العالمية في بعض الفروع
الرياضية، فلنتصدّ لها، وفي بعض الفروع الرياضية لا نتأمل بلوغ المرتبة الأولى أو
الثانية، وأقصد بذلك الفروع الرياضية البطولية في المسابقات العالمية. لقد بادَورا
إلى هذا الأمر، وقطعوا خطوات في هذه المجالات، وكانت بدورها مفيدة ومؤثرة، وكذلك
الحال في هذا المجال. فلننظر أيّ الفروع العلمية، وفي أيّ جامعة، وفي أي نقطة من
نقاط البلاد تحتل الأولوية. وهذا هو المراد من الإعداد العلمي على مستوى كل انحاء
البلاد. ففي أيّ جامعات يجب علينا متابعة فروع دراسية واستثمارها والمطالبة بالجواب
فيها؟ وهذه بدورها مسألة وهي ضرورة استكمال هذه الوثيقة وتطبيقها والعمل بها.
اعرفوا قدر اعمالكم!
وأقول في الختام: أيها الإخوة الأعزاء، ايتها الأخوات العزيزات، اعرفوا قدر العمل
الذي تقومون به. فلا يمكن العثور على عمل بين الأعمال المتوافرة بين أيدينا أكثر
عزة وحرمة من هذا العمل، حيث تقع على عاتقكم مهام كبيرة تنهضون بها. ولا بد من رفع
مستوى العزيمة والهمة في العمل في وزارة العلوم يوماً بعد آخر، إذا أردنا إنجاز هذه
الأعمال.
علماً بأن من الأمور التي دوّنتها هي قضية ازدياد عدد طلاب الجامعات في مراحل
الدراسات العليا. ولحسن الحظ فقد كانت هذه الزيادة ملحوظة في السنوات الأخيرة وهي
ميزة استثنائية. ولكن لا بد من توفر برمجة سليمة وتخطيط صحيح لنتائج ومخرجات هذه
الظاهرة الهامة. ففي مراحل الدراسات العليا يتصدى الطلاب إلى البحث العلمي والتدوين
وإعداد الأطروحات الجامعية، وهذا يحتاج إلى نظام وإلى رؤية شاملة وإلى توجيه عام
لإعداد ما يتسنى للبلد استثماره. وإن لم يتحقق ذلك، فنكون قد أهدرنا الموارد
والمصادر، أهدرنا الأستاذ والطالب والأموال والإدارة والإمكانيات المختلفة الأخرى.
فإن هذه الرؤية الشاملة، والبرمجة الكلية، وإيجاد الأنظمة العامة المتعلقة بوزارة
العلوم تمثل أعمالاً أساسية لا بد من إنجازها لحل المشاكل العالقة ومواجهة تحديات
البلاد إن شاء الله.
إن العمل الذي تنهضون به أنتم الأساتذة عمل هام، والإنجاز الذي تقوم به أجهزة
الإدارة العلمية في البلد - ومن أهمها الوزارات والمعاونية العلمية لرئاسة
الجمهورية - إنجاز كبير. وعليهم أن يولوا اهتمامهم بهذا العمل، وأن يعمدوا إلى
تقويمه وتقييمه بصورة حقيقية، ليقفوا على مدى أهميته.
الملف النووي واجهة العقوبات
وكما أشار بعض الأصدقاء في كلماتهم، فإن الهدف الذي يريده أعداء الشعب الإيراني هو
الحيلولة دون بلوغ هذا البلد وهذا الشعب مكانته الحضارية اللائقة به، وليس فرض
العقوبات إلا لشعورهم بانطلاق هذه الحركة في البلد. نعم فأنا أعتقد أن الهدف من
العقوبات لا يكمن في القضية النووية فقط، ولا في قضية حقوق الإنسان، ولا في مسألة
الإرهاب. قالوا: لماذا لم يبكِ فلان على مصيبة الطفل الرضيع التي ألقاها قارئ
العزاء؟ فقال: إنه بنفسه قد ذبح العشرات من أمثال علي الاصغر الطفل الرضيع، فهل
يمكنه أن يبكي على ذكر مصيبة الطفل الرضيع؟ إن هؤلاء هم أهل الإرهاب ومربّوه ومن
اعداء حقوق الإنسان، فكيف يفرضون الضغوط على بلد بسبب حقوق الإنسان؟ ليست القضية
كذلك، وإنما هي حساب يفوق هذه الأمور، وهو ظهور شعب وحركة وهوية قائمة على أساس
مصالح ومبادئ تقف على النقيض تماماً من مبادئ نظام الاستكار ونظام الظلم والجور،
ولا يريدون لها أن تبلغ الهدف المنشود.. نحن نتبوّأ مثل هذا الموقع وهذه المكانة،
وما علينا إلا مواصلة الطريق وبذل الجهود.
إن العقوبات تخلق بعض العراقيل، ولكن بالإمكان أن لا تعيق التقدم، فلا بد من
استثمار إمكانياتنا. ولكم أنتم الأساتذة دور هام في هذا الشأن، ولوزارة العلوم
والوزارات المعنية بالقضية العلمية أدوار أساسية وهامة في ذلك، فاعرفوا قدر هذه
الأدوار وتابعوها واطلبوا من الله المدد والعون. وهذه الآية التي تلاها أحد
الأعزاء:
﴿إِن تَنصُرُوا اللهَ یَنصُرکُم وَیُثَبِّت اَقدامَکُم﴾4، تدل على وعد
الله الحتمي الذي لا يتخلف.
اللهم! إنا نسألك ببركة هذه الأيام وهذه الليالي، وببركة الدم الطاهر لأمير
المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) والدماء الزاكيات التي أريقت على الأرض في درب الحق
خلال هذه الأعوام وأثمرت ظهور وتألق شهداء في بلدنا، نسألك ببركة هذه الدماء،
وببركة هذا الجهاد، وببركة هذه المقدسات، أن تمنّ على شعبنا بالاقتراب إلى حيث
السمو والرفعة والسعادة الحقيقية يوماً بعد آخر.
إلهنا! وفّق المجاهدين والناشطين في هذا السبيل، بما فيهم الأساتذة الكرام وطلاب
الجامعات ومن يبذل جهده في طريق العلم، واحشر إمامنا الخميني العظيم وشهداءنا مع
شهداء صدر الإسلام.
والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته
1- قبل كلمة الإمام القائد القى سبعة أساتذة كلمات عبروا فيها عن آرائهم
ومقترحاتهم.
2- شطر بيت شعر من ديوان حافظ.
3- ديوان حافظ الشيرازي
4- سورة محمد/7جزء آية