من يخاطبهم القرآن
التعرّف على القرآن
من النقاط الأخرى التي ينبغي استنباطها من معرفة القرآن هي معرفة الذين يخاطبهم. إننا نجد في القرآن تعابير مثل: "هدى للمتقين"، و"هدى وبشرى للمؤمنين". و"ولينذر من كان حيا حي".
عدد الزوار: 313
من النقاط الأخرى التي ينبغي استنباطها من معرفة القرآن هي معرفة الذين يخاطبهم.
إننا نجد في القرآن تعابير مثل: "هدى للمتقين"، و"هدى وبشرى للمؤمنين". و"ولينذر من
كان حيا حي".
وهنا نتساءل: إن الهداية لا لزوم لها للمتقين. لانهم متقون. ومن جهة أخرى نجد
القرآن يعرف نفسه قائلا:
﴿إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ * وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ
بَعْدَ حِينٍ
﴾.
اذن، هل نزل الكتاب لكل الناس أم للمؤمنين دون غيرهم؟ وفي آية أخرى يخاطب الله
رسوله فيقول:
﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ
﴾.
سيأتي توضيح ذلك مفصلا عند الكلام على التاريخ في القرآن. ولكننا هنا نجمل قائلين
إن الآيات التي تخاطب أهل العالم كلهم، يقصد منها القول في الواقع بأن القرآن لا
يختص يقوم أو بجماعه بعينها، فمن يقترب صوب القرآن ينج.
أما الآيات التي تخاطب المؤمنين والمتقين، فالمقصود هو الإشارة إلى نوع الناس الذين
سيجتذبهم القرآن إليه، والنوع الذي سيبتعد عنه في نهاية الأمر. والقرآن لا يشير إلى
قبيلة بعينها أو قوم معينين على أنهم عن المرتبطين به والمؤيدين له.وهو لا يقول إنه
يختص بقوم دون قوم، ولا هو يضع إصبعه على منافع طبقة معينة كما تفعل باقي المذاهب،
فلا يقول إنه جاء لحماية مصالح الطبقة الفلانية فحسب. إنه لا يقول مثلا إنه جاء
ليحمي مصالح الطبقة العاملة دون غيرها، أو لتأييد طبقة الفلاحين فقط.بل إنه يؤكد
كونه كتابا جاء ليبسط العدل.
ويقول بشأن الرسل:
﴿وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ
بِالْقِسْطِ
﴾
يريد القرآن القسط والعدالة لكل المجتمعات الإنسانية لا لهذه الطبقة أو لتلك، أو
لقوم دون قوم. يريد القرآن، بخلاف بعض المذاهب، كالنازية، أن يجتذب الناس، فيضع
اصبعه على مواطن عصبيتهم. وكذلك هو، بخلاف الماركسية مثلا، لا يستند إلى ما في
الإنسان من روح النفعية والمصلحية، ولا يحركه عن طريق منفعته .
وكما إن القرآن يقول بأصالة الإنسان العقلية. يقول أيضا بأصالته الوجدانية والفطرية.
وإن فطرة البحث عن الحق والعدالة هي التي تحمل الإنسان على السير والحركة.
لذلك فرسالة الرسول ليست موجهة إلى العمال أو الفلاحين أو المحرومين أو المستضعفين.
إن القرآن يخاطب كلا الظالم والمظلوم، يدعوهما إلى طريق الحق.
موسى يبلغ رسالته لبني إسرائيل ولفرعون كليهما، ويطلب منهما الإيمان بالله والمسير
في طريقه.كذلك عرض محمد صلى الله عليه واله رسالته ودعوته على سراة قريش، وعلى امثال أبي ذر وعمّار.
يورد القرآن نماذج عديدة لتحريض الفرد على التمرد على ذاته، والرجوع عن طريق الضلال
والفساد إلى طريق التوبة.لا شك إن القرآن ذاته يعلم أن توبة الذين كانوا يعيشون في
رفاه ونعيم أصعب بكثير من توبة المحرومين والمظلومين، فهؤلاء يسيرون بمقتضى الطبع
في طريق العدالة.
أما الأولون فعليهم أن يتنازلوا عن مصالحهم الشخصية وامتيازاتهم القبلية وأهوائهم.
يقول القرآن إن اتباعه هم ذووا الارواح الطاهرة النقية.وإن تبعية هؤلاء للقرآن
متأتية من حبهم الفطري للبحث عن الحقيقة والعدالة، وليس لميولهم الدنيوية ومنافعهم
المادية وأهوائهم الخاصة.
* معرفة القرأن/ العلامة الشهيد مرتضى مطهري
2015-04-20