مهمّة في الوصيّة
أعينوا موتاكم
بعد أن بيَّنَّا كيفيّة توزيع التركة، وعرفنا مقدار حقّ الموصي في تنفيذ وصاياه، وأنّه لا حقَّ له في إلزام الورثة في تنفيذ وصاياه إلّا في حدود ثلث التركة إذا لم تكن من قبيل مصارف أصل التركة، من المهمّ أن نرجع للكلام عن الوصيّة ونستعرض أهمّ المسائل التي تكثر الحاجة إليها بصيغة سؤال وجواب.
عدد الزوار: 473
بعد أن بيَّنَّا كيفيّة
توزيع التركة، وعرفنا
مقدار حقّ الموصي في
تنفيذ وصاياه، وأنّه لا
حقَّ له في إلزام الورثة
في تنفيذ وصاياه إلّا في
حدود ثلث التركة إذا لم
تكن من قبيل مصارف أصل
التركة، من المهمّ أن
نرجع للكلام عن الوصيّة
ونستعرض أهمّ المسائل
التي تكثر الحاجة إليها
بصيغة سؤال وجواب.
1- لو أوصى بالكلام أو
بالإشارة فقط دون أن يكتب
فهل يجب تنفيذ الوصيّة أم
لا بدّ من الكتابة؟
ج - يكفي في ثبوت
الوصيّة كلّ ما دلّ عليها
من لفظ صريح أو غير صريح،
أو فعل، أو إشارة، أو
كتابة بخطّ يده، أو لا
بخطّ يده ولكن مذيّلة
بتوقيعه في كلا الموردين
بحيث يُعلم منه إرادة
العمل به بعد موته.
2- كيف تثبت الوصيّة؟
ج - تثبت الوصيّة
بشهادة عدلين من الرجال
أو شاهد ويمين أو شاهد
وامرأتين أو بشهادة أربع
نساء. وتثبت أيضاً بكلّ
ما يفيد العلم والاطمئنان
بصدورها عن الموصي، كما
لو كان هناك تسجيل بصوته
- مع صورته أو بدونها -
وعُلِم أنّه خال من
التزوير، أو كانت الوصيّة
مكتوبة بخطّ يده، أو تحمل
توقيعه بنحو يُعلم أو
يُطمأنّ بكونها له وصادرة
عنه، حتّى لو لم يكن
عليها شهود.
3 - لو أوصى، ثمّ
وجدنا وصيّة بتاريخ
متأخّر عن الأولى فهل
تبطل الأولى ويجب العمل
بالمتأخّرة، أم يجب العمل
بالسابقة، أم بكليهما ولو
عن طريق التبعيض؟
ج - إن الوصيّة
الثانية هي الّتي يجب
العمل بها؛ لأنها تُعتَبر
عدولاً عن الوصيّة الأولى،
ولا شكّ أنّه يجوز للموصي
أن يعدِل عن وصيّته
ويغيِّر ما فيها، أو
يغيّرها كلّها. وعليه فمع
وجود الثانية تعتبر
الأولى لاغية.
4-ما حكم التصرّفات
الماليّة الّتي تصدر من
المريض مرضة الموت كالبيع
والإجارة والوصيّة والهبة
وغيرها من المعاملات
الماليّة؟
ج - لا شكّ أنّ
التصرّفات الماليّة الّتي
تصدر عن المريض في مرض
الموت - كالبيع والإجارة
- إن لم تستلزم المحاباة
ونقصاً في أمواله فهي
صحيحة، ولا بدّ من
الالتزام بمضمونها. ولكن
قد يصدر عنه بعض
التصرّفات المالية كالهبة
أو البيع مثلاً بأقلّ من
القيمة السوقية لما باعه،
أو يؤجّر شيئاً بأقلّ من
الأجرة المتعارف عليها
لهذا الشيء، وهنا قد يظنّ
بعضهم أنّ الشرع قد وضع
حدَّاً للمريض في مرض
الموت، فقيَّد سلطته على
أمواله ولم يجوِّز له هذه
التصرّفات - بالزائد عن
الثلث الخاص به - لأنّها
توجب حرمان الوارث من
التركة أو تقليل حصّته
منها، ولكن هذا الظنّ ليس
صحيحاً وفي غير محلّه عند
مشهور علمائنا1
حيث إنّهم لم يقيّدوا
سلطته في أمواله، فيجوز
له أن يبيع ويشتري
ويؤجِّر ويستأجر ويهب
ويوصي كيف يشاء ولمن شاء،
طالما هو في وعيه وإدراكه
حتّى ولو كان على فراش
الموت سواء كان في ثلث ما
يملك أم زائداً عليه، نعم الوصيّة
لا تنفذ إلا في خصوص
الثلث كما تقدّم.
5- وهنا لا بدّ من
التعرّف إلى مسألة هامّة
ترتبط بالهبة لذي الرحم.
والسؤال هو أنّه هل يجوز
للواهب لابنه أو لأخيه أو
لأيّ رحم من أرحامه أن
يستردّ ما وهبه،أم لا
يجوز ويجب على الورثة
إعادتها للموهوب له لو
كان المورِّث قد استعادها
منه من دون طيب نفسه
ورضاه؟
ج - لا يجوز
استعادة الهبة إن كانت
لرحم من أرحامه، إذا لم
يكن الموهوب له راضياً
بالإرجاع. ولو استرجعها
الواهب وكانت باقية في
أمواله يجب ردّها فوراً
للموهوب له، ولا يحسبها
الورثة من تركة الميت إن
بقيت مع أمواله، ولا يحقّ
لهم أن يتذرّعوا بما
يتذرّع به عادة مَن لا
دين له بأنّها غير مسجّله
باسمه، أو ليس عنده فيها
حجّة وأوراق ملكية، ما
دام قد ثبت أن الواهب قد
وهبه إيّاها ولا يجوز
الرجوع بها شرعاً.
وإن كان الميت قد تصرَّف
بها ببيع أو هبة أو أيّ
معاملة أخرى فالمعاملة
باطلة إلّا إذا رضي
الموهوب له وأمضى
المعاملة.
إذاً لا بدّ من الالتفات
جيّداً إلى هذه المسألة
والتدقيق فيها؛ لأنّها
كثيرة الحصول في بلادنا
إمّا للجهل بالحكم الشرعيّ
أو لعدم المبالاة فيه.
6-هل يجوز تبديل
الوصيّة لشيء أنسب ممّا
أوصى به الموصي أم لا؟
ج - بكلّ تأكيد "لا".
فالناس مسَلَّطون على
أموالهم، طالما لم تخالف
الشرع ولم تستلزم الحرام.
سأل محمّد بن مسلم الإمام
الباقر عليه السلام عن
رجل أوصى بماله في سبيل
الله، قال عليه السلام :
"أعطه لمن أوصى له به وإن
كان يهوديّاً أو نصرانيّاً
إنّ الله عزَّ وجلَّ يقول:
﴿فَمَن
بَدَّلَهُ بَعْدَمَا
سَمِعَهُ فَإِنَّمَا
إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ
يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ
اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾2
"3.
7-إذا أوصى على خلاف
الشرع فهل يجب تنفيذ
الوصيّة أم أن تنفيذها
هنا محرّم ولا بدّ من
ردّها إلى المعروف من
الشرع؟
ج - قال تعالى:
﴿فَمَنْ
خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفًا
أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ
بَيْنَهُمْ فَلاَ إِثْمَ
عَلَيْه﴾4
أي يجوز تبديل الوصيّة.
بل يجب فيما لو جارَ
الموصي وظلمَ بوصيّته ولا
يجوز لأحد تنفيذ مثل هذه الوصيّة
المخالفة للدين والشرع،
كما لو أوصى بحرمان أحد
الورثة من حصّته لأسباب
نبيلة أو غير نبيلة كما
هو شائع كثيراً بالنسبة
لحرمان البنات من حقّهم
في الإرث. فبعد أن بيَّن
الله تعالى السهام في
الإرث في سورة النساء
ومنها سهم البنات
والأخوات يقول الله تعالى:
﴿تِلْكَ
حُدُودُ اللّهِ وَمَن
يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ
يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ
تَجْرِي مِن تَحْتِهَا
الأَنْهَارُ خَالِدِينَ
فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ
الْعَظِيمُ *وَمَن يَعْصِ
اللّهَ وَرَسُولَهُ
وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ
يُدْخِلْهُ نَارًا
خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ
عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾5.
وعن الإمام الباقر عليه
السلام : "من جار في
وصيّته لقي الله عزَّ وجلَّ
يوم القيامة وهو تعالى
عنه معرض"6.
ففي هذه الحالة يجب على
الوصيّ أن يردّها إلى
المعروف من الشرع في
توزيع السهام ولا يُعتبر
هذا تحريفاً للوصيّة. نعم
هو تبديل ولكن بإذن من
الشرع المقدَّس.
8-إذا عيَّنَ الموصي
وصيَّه- من الورثة أم من
غيرهم - هل يجوز تجاوز
رأيه وتجاهله في تنفيذ
الوصيّة أم أن تنفيذها لا
يجوز من دون إذنه؟
ج - إذا كان
الموصِي قد عيَّن وصيّاً
لتنفيذ الوصيّة - سواء كان
من ورثته أم لا - لا يجوز
للورثة ولا لغيرهم أن
ينفذوا الوصيّة من دون
إشرافه وإذنه، ويُعتبر
هذا العمل على خلاف
الوصيّة وغير نافذ شرعاً.
9-من هو الّذي ينفذ
الوصيّة، إذا لم يُعيِّن
الموصي وصيّاً؟
ج - الولاية حينئذٍ
للحاكم الشرعيّ، فإن
نصَّب أحداً من الورثة
فهو، وإلّا فيجب تمكين من
يختاره الحاكم لتنفيذ
الوصيّة حتّى ولو لم يكن
من الورثة.
10- هل يجوز حلُّ
النزاعات في الوصيّة
والإرث عند الدولة الّتي
لا تعتمد الشرع بل تعتمد
القانون المدنيّ الوضعيّ؟
ج - بصريح القرآن
والروايات لا يجوز للمسلم
المؤمن بربّه أن يحلَّ
النزاعات المالية وغيرها
عند غير الشرع. قال تعالى:
﴿فَلاَ
وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ
حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ
فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ
ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي
أَنفُسِهِمْ حَرَجًا
مِّمَّا قَضَيْتَ
وَيُسَلِّمُواْ
تَسْلِيمًا﴾7.
وفي رواية عن الإمام
الصادق عليه السلام : "إيّاكم
أن يحاكم بعضكم
بعضاً إلى أهل الجَور،
ولكن انظروا إلى رجل منكم
يعلم شيئاً من قضايانا
فاجعلوه بينكم فإنّي قد
جعلته قاضياً عليكم
فتحاكموا إليه"8.
ولذلك لا بدّ من حلّ جميع
نزاعاتنا عند الحاكم
الشرعيّ، طبقَ الشرع
الّذي له حكم في كلّ
واقعة وقد ألزمنا بطاعته
بكلّ تشريعاته، أوامره
ونواهيه، عباداته
ومعاملاته لا سيّما الّتي
ترجع للأموال، والّتي
منها قضايا الإرث
والوصيّة الّتي نحن بصدد
الحديث عنها.
11- ماهو المقدار
الّذي يحقّ فيه للموصي؟
أي هل إنّ تنفيذ الوصيّة
واجب بكلّ ما أوصى حتّى
ولو تجاوز ثلث التركة، أم
أنّ هناك حدّاً ومقداراً
خاصّاً يُلزم فيه الورثة
بتنفيذ الوصيّة؟
ج - يجوز للموصي
أن يوصي بكلّ ما يملك،
ولكن لا يجب على الورثة
تنفيذ الوصيّة في الزائد
عن الثلث، إلّا إذا كانت
وصايا بالديون، والحجّ
ونفقات تجهيزه على تفصيل
مرّ عند الكلام في كيفية
توزيع التركة.
نعم إذا أجازالورثة
الوصيّة في الزائد على
الثلث، ورضوا به قبل
موت الموصي أو بعد موته،
يجب عليهم تنفيذها ولا
يجوز لهم التراجع عن
إجازتهم.
قضاء الولد الأكبر عن
والده
هنا أيضاً لا بدّ من
التنبيه على أنّه يجب على
الولد الذكر الأكبر أن
يقضي عن والده الصلوات
الّتي فاتت والده، إمّا
بنفسه أو بأن يستأجر له
من ماله الخاصّ من يصلّي
عنه، هذا إذا لم يكن قد
أوصى. أمّا لو أوصى
بالقضاء وكان ثلثه الخاصّ
به يكفي للاستئجار فيسقط
عنه القضاء إن نُفِّذت
الوصيّة. وكذلك الأمر في
الصيام، إلّا أنّه إذا
فاته بعض الصوم لمرض
واستمرّ العذر إلى الشهر
اللاحق ومن السنة القادمة
يسقط القضاء عن ولده
لأنّه سقط من ذمّة الحيّ
حال حياته لاستمرار المرض.
وفي المسألة بعض
التفصيلات يُسأل عنها
المختصّون. أمّا بالنسبة
للأمّ فمع حقّها العظيم
على ولدها إلّا أنّه لا
يجب القضاء عنها إلّا إذا
أوصت وكان لها مال. ولكن
لا شكّ أنه يستحبّ9
القضاء عنها وهو من أعظم
وجوه البرّ والصلة الّتي
أكّد عليها الشرع في حياة
الوالدين وبعد مماتهما.
اعتبر من غيرك
وكن وصيّ نفسك
أخي الكريم: ما دمت
في فرصة الحياة ودار
الاختبار والعمل، فاسعَ
في فكاك نفسك ولا تطلب من
غيرك أن يعمل لك في
فكاكها، مع أنّك لا تضمن
منه ذلك، ولن يحرص عليك
مثل نفسك. إغتنم حياتك
قبل موتك، فيأتيك ملك
الموت وترى ما ترى وتدرك
أنّ الموت وما بعد الموت
ليس بنزهة فتخاطب ربّك
الّذي أمهلك ولم يهملك:
﴿رَبِّ
ارْجِعُونِ* لَعَلِّي
أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا
تَرَكْتُ﴾
فيأتيك النداء
﴿كَلَّا
إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ
قَائِلُهَا﴾10
قد أُمهلت كثيراً وأعرضت
عن كرم الله تعالى ورحمته،
حيث مدَّ بعمرك وفتح لك
باب التوبة فأعرضت عن
ذكره، وأطلتَ أملك وظننتَ
نفسك من الخالدين، فغرّك
الشيطان بالدنيا وأخلدت
إليها. وها أنت تُخدع
مرّة أخرى إن قصَّرت في
قضاء ما افترض الله عليك
ولم تؤدِّ ما أوجب الله
عليك أداءه، وتركت مصيرك
في يد غيرك. يقول الإمام
أبو عبد الله عليه السلام
: "أعدّ جهازك وقدِّم
زادك وكن وصيّ نفسك ولا
تقل لغيرك يبعث إليك بما
يصلحك"11.
إن استطعت أن ترجع ديون
الناس وحقوقهم في حياتك فيجب
عليك ردّها مباشرة وبلا
أدنى تأخير، إلّا إذا
كانت من قبيل القرض
والدين الّذي لم يحلَّ
أجله بعد. نعم لو كان
كذلك وخفت أن ينكره
الورثة وأن لا يردّوه
لأصحابه وكنت مستطيعاً
ردّه فيجب عليك ردّه قبل
حلول الأجل حتّى لا يضيع
الحقّ على صاحبه. وفي حال
علمك أنّ الورثة لا
يجحدون حقّ الدُّيان فلا
يجب دفعه فوراً إذا لم
يحلّ أجله، ولكن عليك أن
توصي به قبل كلّ الوصايا
لتحفظ لهم حقّهم. وعليك
أن توصي بحقوقهم الأخرى
الّتي لا تستطيع ردّها
الآن ولكن يمكن تحصيلها
ممّا تتركه بعد الموت.
ديون الشرع كالخمس
والزكاة والكفارات
والنذور المالية لها نفس
الحكم.
الحجّ الواجب أيض،
الّذي لم تؤدّه عصياناً
وتهاوناً بعدما وُفِّقت
للاستطاعة توصي به إن خفت
عدم إدراكه قبل الموت.
الصلاة اليوميّة، والصيام
إن كان في ذمّتك شيء
منهما يجب عليك قضاؤه
فوراً إن شعرت باقتراب
الأجل لمرض أو غيره. وإن
لم تستطع فتوصي بهما.
ولكن بما أنّ أجرة الصلاة
والصيام تؤخذ من الثلث لا
من أصل التركة. فإن كان
الثلث لا يفي بديون الشرع
وغيرها بالإضافة للواجبات
البدنية لا بدّ أن توصي
بأن تخرج الديون والحجّ
من الأصل والباقي يُخرج
من الثلث. فيُلزم الوارث
في الحالة هذه - قبل
التصرّف في التركة -
بإخراج ديونك وحجّك
الواجب، ثمّ باقي التركة
يعزل منها ثلثك الخاصّ بك
ويصرف على الصلاة والصيام
هذا كلّه بالنسبة
للواجبات المالية وغيرها.
أما غير الواجبات فتستطيع
أن توصي بما تريده من
ثلثك الخاصّ بك. وإذا
أردت فلكَ أن توصي بأكثر
من الثلث، ولكن لا بدّ أن
يجيز الورثة هذه الوصيّة
حتّى يُلزم الورثة
بتنفيذها.
الوصيّة بالثلث في غير
الواجبات
إن لم يكن عليك أيّ واجب،
لا دين للناس ولا للشرع،
ولا فريضة قد فوّتّها
فسيبقى الثلث الخاصّ بك
بالإضافة إلى الثلثين
الآخرين للورثة.
وإن كان عليك ديون للناس
أو للشرع وقد أوصيت أن
تخرج من أصل التركة
فسيبقى أيضاً الثلث الخاصّ
بك بعد إخراج تلك الديون
منها وإذا لم تستوعب
الديون تمام التركة
وتستطيع أن توصي به ما
تشاء.
ولو كان عليك بعض الديون
أو الفرائض الّتي فوّتّها
أو أوصيت بها
من الثلث، فإن بقي شيء من
الثلث، أيضاً تستطيع أن
توصي به كما تريد ما دام
ليس في معصية الله تعالى.
وهنا نضيف: تستطيع أن
توصي بالثلث أو ما بقي من
الثلث بالأمور التالية:
العبادات المستحبّة،
كالصلاة والصيام والحجّ
والعمرة وزيارة الأماكن
المقدّسة كزيارة النبيّ
صلى الله عليه وآله وسلم
وسيّدتنا فاطمة عليها
السلام ومراقد الأئمّة
عليهم السلام في المدينة
والعراق وإيران ومرقد
السيّدة زينب عليها
السلام في الشام وغيرها
من المراقد والمشاهد
المشرّفة.
الصدقة، وأفضلها الصدقة
الجارية الّتي يجري نفعها
عليك بعد الموت وتستفيد
منها بالأجر والثواب
طالما يستفيد منها
المؤمنون في الدنيا.
وسيأتي الحديث عن هذا
الموضوع بالتفصيل لا
سيّما نوع الصدقة الجارية
(الفصل القادم).
لبعض الورثة، لخصوصيّة
فيهم وأردتَ أن تميّزهم
عن غيرهم بشيء من أملاكك
وهذا حقّك الشرعيّ.
للأقارب الّذين لا يرثون
منك، وهذا مستحبّ مندوب
إليه ولذلك ورد عن أمير
المؤمنين عليه السلام : "من
لم يوصِ عند موته لذوي
قرابته ممّن لا يرث فقد
ختم عمله بمعصيته"12.
وهنا لا بدّ من الالتفات
أكثر بالنسبة لمن مات
أبوهم أو أمّهم في حياة
المورِّث وحجب أولادهم عن
الإرث بأعمامهم وعماتهم
أو أخوالهم وخالاتهم. ففي
الكثير من الأحيان يشعرون
بالحزازة حيث حُرموا نصيب
أبيهم وأمّهم مع أنّه لا
نصيب شرعاً لمن يموت قبل
مورّثه، ولكن مع هذا من
الجيد أن يُذكروا
ويُخصُّوا بشيء، لا أقلّ
بعنوان أنهم أقارب أو
فقراء وهذا بحدّ ذاته
عنوان يستحبّ مراعاته
والالتفات إليه.
استحباب الوصيّة بأقلّ
من الثلث
إنّ الشرع قد جوَّز لك أن
توصي بثلث مالك كما تشاء
وتحبّ. ولكن مع هذا نجد
أنّ الإسلام قد حثَّ على
الوصيّة بأقلّ من الثلث
حتّى لا ينقص نصيب الورثة
كثيراً لأنّهم أولى الناس
بك وهم أولى بالمراعاة من
غيرهم.
نعم لو كان عليك شيء من
الواجبات يحتاج لمقدار
الثلث كلّه أو أزيد منه،
فالأولى، بل يجب، أن
تخلّص ذمّتك ممّا افترضه
الله عليك ولو بكلّ الثلث،
بل توصي بكلّ ما عليك
حتّى مع عدم كفاية الثلث
لكلّ ما عليك من واجبات،
إذ لعلّ الورثة يجيزون
ويقيلون تنفيذ هذا الواجب
من باقي التركة أيضاً،
وينفذّون الوصيّة بكلّ ما
أوصيت. أما لو لم يكن في
ذمّتك شيء واجب، أو كان،
ولكن مقدار الثلث يفي به
ويبقى من الثلث شيء زائد
فلتترك شيئاً منه للورثة
ولا تصرفه كلّه في
المستحبّات، لا سيّما إن
كانوا فقراء والمتبقّي من
التركة لا يغنيهم.
وقد ورد في بعض الروايات
عن أحد أصحاب النبيّ صلى
الله عليه وآله وسلم -
واسمه سعد - قال: مرضت
مرضاً شديدأ فعادني رسول
الله صلى الله عليه وآله
وسلم فقال لي: "هل أوصيت؟
فقلت: نعم أوصيت بمالي
كلّه للفقراء وفي سبيل
الله، فقال صلى الله عليه
وآله وسلم : أوصِ بالعُشر.
فقلت: يا رسول الله إنّ
مالي كثير وورثتي أغنياء،
فلم يزل رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم
يناقص حتّى قال: أوصِ
بالثلث والثلث كثير"13.
وقد ورد عن أمير المؤمنين
عليه السلام : "لئن
أُوصِي بخُمس مالي أحب
إليّ أن أوصي بالربع،
ولئن أوصي بالربع أحب إليّ
من أن أوصي بالثلث ومن
وصَّى بالثلث فلم يترك
وقد بالغ..."14.
الوصيّة بأكثر من الثلث
يجوز لك أن توصي بأكثر من
الثلث ولكن لا يجب على
الورثة تنفيذ الوصيّة في
الزائد على الثلث، إلّا
إذا كانت وصيّتك بالديون،
والحجّ الواجب، والواجبات
المالية الأخرى.
أما لو كانت بغيرها من
الواجبات، أو المستحبّات
فلا يجب تنفيذها إلّا
بمقدار ثلث التركة. نعم
لو أجاز الورثة تنفيذ
الزائد يصبح حكم الزائد
حكم الثلث في وجوب العمل
بما أوصى.
الوصية لمن ليس لديه مال
من لم يكن لديه شيء من
المال لا عيناً ولا نقداً،
فأوصى بأمور ماليّة
وعباديّة وما شابه ذلك،
فلا يجب على أحد القيام
بتنفيذها. نعم إذا قبل
الوصية أحد قبل وفاة
الموصي فيجب عليه تنفيذها
حينئذٍ.
* كتاب أعينوا موتاكم، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1-كما هو رأي الإمام
الخميني قدس سره والإمام
الخامنئي دام ظله .
2-البقرة:181.
3-الوسائل، ج19، ص239.
4-البقرة:182.
5-النساء:14.
6-من لا يحضره الفقيه،
الشيخ الصدوق، ج4، ص 184.
7-النساء:65.
8-الوسائل، ج27، ص13.
9-بل على الأحوط
استحباباً، نعم بحسب رأي
الإمام الخامنئي دام ظله
الأحوط وجوباً القضاء
عنها أيضاً.
10-المؤمنون: 99 - 100.
11-الكافي، ج7، ص65.
12-تهذيب الأحكام،
الطوسي، ج9، ص174.
13-مستدرك الوسائل، ج14،
ص95.
14-الوسائل، ج19، ص271.