الشَّفاعة والتوسُّل في الدُّعاء
في الدعاء والزيارة
التوسُّل والشَّفاعة من المفاهيم العقائدية التي درج على الاعتقاد بها جمهرة المسلمين1، وهي وإن لم تكن من أصول الدين التي يوجب عدم الاعتقاد بها الخروج من الإسلام، إلا أنّها من الأمور المهمّة في بناء العلاقة التوحيدية مع الله تعالى.
عدد الزوار: 397
التوسُّل والشَّفاعة من المفاهيم العقائدية التي درج على الاعتقاد بها جمهرة
المسلمين1، وهي وإن لم تكن من أصول الدين التي يوجب عدم الاعتقاد بها الخروج من
الإسلام، إلا أنّها من الأمور المهمّة في بناء العلاقة التوحيدية مع الله تعالى.
ويلتقي الحديث على الدُّعاء مع التوسُّل والشَّفاعة، في أنّ الكثير من الأدعية
والأذكار التي تقرأ في مناسبات مختلفة، وكذلك في أماكن مختلفة كالمساجد وقبور
المسلمين، تتضمّن التوسُّل والشَّفاعة. وبالتَّالي، سنقوم في هذا الدرس بإضاءةٍ
مركَّزة على حقيقة التوسُّل والشَّفاعة، وأهمِّيتهما في الدُّعاء إلى الله تعالى.
1- الشَّفاعة لغةً واصطلاحاً
الشَّفاعة في اللغة معناها: "الشيءُ صيّرَه شفعاً أي زوجاً" و"ضمُّ الشيء إلى مثله"2، يقال كان وتراً فشفّعهُ بآخر "أي قرنهُ به".
وأمّا التعريف الاصطلاحي فإنّه لم يخرج عن الدّلالة اللغوية كثير، إذ الشَّفاعة
هي: "عبارة عن طلبه (الشفيع) من المشفوع إليه أمراً للمشفوع له، فشفاعة النبي صلى
الله عليه وآله وسلم أو غيره عبارة عن دعائه الله تعالى لأجل الغير وطلبه منه غفران
الذَّنب وقضاء الحوائج، فالشَّفاعة نوع من الدُّعاء والرجاء"3.
فالشَّفاعة هي انضمام فردٍ ناقص إلى فردٍ أتمّ منه، وغاية الفرد المستشفِع أن ينالَ
من الشفيع تلك الوسيلة الناقصة التي تَجبُر ما لدى المستشفع من النَّقص والحاجة
والضَّرر، فيتقوَّى بها. فالشَّفاعة، من الأمور التي نستعملها "لإنجاح المقاصد،
ونستعينُ بها على حوائج الحياة، وجلُّ الموارد التي نستعملُها فيها: إمّا موردٌ
يُقصد فيه جلب المنفعة والخير، وإمّا موردٌ يطلبُ فيه دفع المضرّة والشرّ"4.
2- العناصر المكوّنة لمفهوم الشَّفاعة:
يتمحور مفهوم الشَّفاعة حول طلب الوسيلة من الشَّفيع من أجل جلب منفعةٍ أو دفع
مضرّة، ولكن لا بدَّ من أن نقفَ عندَ عددٍ من العناصر التي يتألَّف منها هذا
المفهوم:
أ- مورد الشَّفاعة:
تنفع الشَّفاعة في الموارد التي يريد فيها الإنسان أن يحصل على كمالٍ وخيرٍ مادّيّ
أو معنوي، أو يدفع عنه ضرراً مادّياً أو معنوياً، ولكنّه لا يملك المؤهّلات
والأسباب التي تسمح له بالحصول على الخير أو الأمن من الضَّرر، لتأتي الشَّفاعة
وتحقِّقَ له ذلك.
ب- ضرورة وجود اللياقة لتلقّي الشَّفاعة:
إذا كان الإنسان طالباً خيراً أو كمالاً أو هارباً من ضررٍ أو شرّ، فهو يكون مورداً
للشّفاعة، ولكن بشرط أن يتمتّع باللياقة المناسبة والشُّروط الذّاتية التي تؤهِّله
للحصول على الشَّفاعة. فالأميّ - مثلاً - "الذي يريدُ تقلُّدَ مَقامٍ علمي، أو
الجاحدُ الطَّاغي الذي لا يخضع لسيِّده أصلاً، لا تنفع عنده الشَّفاعة"5.
ج- الشَّفاعة تتمِّم الناقص:
لا تكون الشفاعة من أجل إيجاد الخير والكمال من العدم، وعند من لا يملكها بالكلّية،
وإنَّما تأتي الشَّفاعة لتتمِّم النَّاقص من الكمالات وأنواع الخير، أو لتكمّل ما
نقصَ من أسباب دفع الشرّ "فالشَّفاعة متمِّمةٌ للسَّبب لا مستقلةٌ في التَّأثير"6.
د- حكومة الشَّفاعة:
تنفعُ شفاعة الشَّفيع بعد أن يَخرجَ موضوعُ الشَّفاعة - من خيرٍ أو ضررٍ - من كونه
مورداً للحكم الأوّل ويدخل في مورد الحكم الثاني، وهذا ما يسمى بالحكومة "ونعني
بالحكومة أن يخرج مورد الحكم عن كونه مورداً بإدخاله في مورد حكم آخر، فلا يشمله
الحكم الأوّل لعدم كونه من مصاديقه، لا أن يشملَه فيبطل حكمُه بعد الشمول"7.
والذي يتحصَّلُ هنا، أنَّ الشَّفاعة إنَّما هي من تطبيقات قانون السَّببية، لأنَّها
عبارةٌ عن إدخال سببٍ جديدٍ بين السَّبب الأصلي والمسبَّب الخاص به. ومن هنا يظهر
أنَّ الشَّفاعة متى ما وقعت كان لها القدرة على التَّغيير في مجريات الأسباب
ومسبّباتها، فهي من جنس الأسباب وليست من سنخ خوارق العادة.
هـ- الشَّفاعة لا تغيِّر في إرادة الله تعالى:
قد يفهم بعض الأشخاص أن الشفاعة هي عبارة عن حملِ الشافعِ المشفوعَ عنده على فعل أو
ترك، فلا تتحقّق الشفاعة
إلا بترك الإرادة ونسخها لأجل الشفيع، والعادة تقضي أن يكون تغيّر الإرادة مترتّباً
على تغيّر العلم بالمصلحة المستجدّة. والله سبحانه وتعالى يستحيل عليه ذلك، لأنّ
إرادته على حسب علمه، وعلمه أزليّ لا يتغيّر، وبالتالي فلا صحّة للقول بالشفاعة.
والحقّ أنّ الشفاعة عنده ليست ناشئة من التغيّر في الإرادة والعلم، بل إنّما هو
تغيُّرٌ في "المراد والمعلوم، فهو سبحانه يعلم أنّ الإنسان الفلاني ستحوّل عليه
الحالات، فيكون في حين كذا على حال كذا لاقتران أسباب وشرائط خاصّة فيريد فيه
بإرادة، ثمّ يكون في حين آخر على حال آخر جديد يخالف الأوّل لاقتران أسباب وشرائط
أُخر، فيريد فيه بإرادة أخرى، وكلّ يوم هو في شأن، وقد قال تعالى:
﴿يَمْحُو اللّهُ
مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾8"9.
3- الدَّور التوحيدي للشَّفاعة:
تظهر فوائد الشَّفاعة في الدور التربوي الذي تمارسه عبر تطهيرِ النَّاس وإيقاظهِم
ودفعهِم نحو الله تعالى، فضلاً عن تحقيق الحوائج من كسبِ كمالٍ أو دفعِ مضار، لأنَّ
الشَّفاعة لا يمكن أن تحصلَ إذا لم يحصِّلْ المشفوع له المؤهّلات واللياقات
اللازمة، وسيأتي معنا مجموعة من الشروط التي ينبغي أن يتحلَّى بها الفردُ لنيلِ
الشَّفاعة. فالشَّفاعة بهذا المعنى، تمارس دوراً توحيدياً كاملاً في ربط المشفوع له
بالله سبحانه وتعالى10، وتجلية اعتقاده من كلّ مؤثّر ومسبّب سواه، وإن كان للشّفعاء
من دورٍ في هذا الأمر فإنَّما هو دور الوساطة التي لا تنفع إلا بإذن الله تعالى،
كما سوف يأتي.
4- أنواع الشَّفاعة
تنقسم الشَّفاعة باعتبار موضوعها إلى قسمين:
أ- الشَّفاعة التّكوينية: "وهي توسُّط الأسباب في التكوين"11، والذي يظهر من خلال
القرآن الكريم وجود العديد من الأسباب والوسائط التي تمارس أفعالاً وتدبيراتٍ
تكوينيةً، كإرسالِ الرياح، وبعث المطر، وتسيير الكواكب، والتدبير في الرزق، وقبض
الأرواح، وغيرها، بل إنّ كلّ تأثير في العالم المادّي أوكله الله تعالى إلى غيره
وبالخصوص الملائكة12، فهم "وسائط بينه تعالى وبين الأشياء بدءاً وعوداً على ما يعطيه
القرآن الكريم، في العالم المشهود قبل حلول الموت والانتقال إلى نشأة الآخرة وبعده.
أمّا في العود أعني حال ظهور آيات الموت وقبض الروح وإجراء السؤال وثواب القبر
وعذابه وإماتة الكلّ بنفخ الصور وإحيائهم بذلك والحشر، فوساطتهم فيها غنيّ عن
البيان"13. وكلّ ذلك بإذن الله تعالى بالتصرف والتدبير، وإلا فهم فقراء إلى الله
تعالى، والله هو الغني!
والشَّفاعة التكوينية تعد من خصوصيات أهل الشَّفاعة الذين ذكرهم الله تعالى في
القرآن الكريم في أكثر من موضع، كما في قوله جلّ وعلا:
﴿وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ
يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ
يَعْلَمُونَ﴾14،
والذين هم النَّبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وآل محمد عليه
السلام. فمن الطبيعي أن يكون التوجّه إليهم بالشَّفاعة من أجل الطلب من الله تعالى
تقديم سببٍ تكوينيٍ على سببٍ آخر، والدُّعاء لطالب الشَّفاعة عند الله تعالى بتبديل
حال ضرّه إلى منفعته، ونقصه إلى كماله. وهذا المورد هو من موارد تفسير الآية
الكريمة:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ
الْوَسِيلَة﴾15 بأهل البيت عليهم السلام16.
ب- الشَّفاعة التَّشريعيَّة: وهي عبارة عن "التوسُّط في مرحلة المجازاة التي تثبتها
الكتاب والسنّة في يوم القيامة"17، والمقصود من ذلك أنَّه بعد أن أرسل الله سبحانه
الكتب والأنبياء مبيناً للإنسان تكاليفه والشرائع التي ينبغي له أن يسير عليها،
والأوامر والنواهي، والثواب والعقاب، فلو أخطأ الإنسان وخالف ما نهي عنه أو لم يقم
بما أمر به، فهل يبقى هناك مجال لرفع تبعات المخالفة؟ بل هل من الممكن أن تزاد
درجات الثواب لمن أُمر فأطاعَ ونُهي فانتهى؟ يثبت القرآن الكريم وجود الشَّفاعة
التشريعية الرافعة للعقاب في العديد من الآيات، كمثل قوله تعالى:
﴿يَوْمَئِذٍ لَّا
تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا﴾18، وقوله:
﴿لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ
عَهْدًا﴾19.
والآيات تثبت الشَّفاعة بعد الإذن والارتضاء، وهو "تمليك ولله الملك وله
الأمر فلهم أن يتمسّكوا برحمته وعفوه ومغفرته، وما أشبه ذلك من صفاته العليا، لتشمل
عبداً من عباده ساءت حاله بالمعصية، وشملته بليّة العقوبة، فيخرج عن كونه مصداقاً
للحكم الشامل، والجرم العامل"20، أي يخرج هذا العبد المذنب - بعد قبول الشَّفاعة -
من كونه مصداقاً للعقاب، إلى حُكمٍ جديدٍ قوامه العفو ببركة الشَّفاعة.
5- على من تجري الشَّفاعة؟
قال الله تعالى:
﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ
الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ
فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ
الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ
الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ * فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ
الشَّافِعِينَ﴾21 .
تظهر هذه الآيات الكريمة، معياراً لمن يمكن أن تناله الشَّفاعة. فالأنفس، كلّ نفسٍ،
مرهونةٌ يوم القيامة بما كسبت من الذّنوب، إلا أصحاب اليمين الذين نالوا شرفَ
الفكاك من الرهن فاستقرّوا في الجنان، وكان سبب ذلك أنَّهم نزّهوا أنفسهم عن
الصِّفات التي اتَّصف بها غيرهم فكانوا مجرمين يستحقّون النار، وحُرموا الشَّفاعة،
وهذه الصفات هي:
أ- كونهم من المصلين، والمراد من الصَّلاة هنا "التوجّه العبادي الخاصّ إلى الله
سبحانه فلا يضرُّه اختلاف الصَّلاة كمّاً وكيفاً باختلاف الشَّرائع السَّماويَّة
الحقَّة"22، وبالتالي فإنّ هؤلاء المستحقّين لسقر، كانوا يرفضون التوجّه بالعبادة
إلى الله تعالى بكافّة أنواع التوجّهات، ومنها الصَّلاة والدعاء وغيرهما.
ب -إطعام المسكين، وهو عبارة عن مطلق الإنفاق على المحتاج في سبيل الله.
ج - والخوض هو الغور في ملاهي الحياة وزخارف الدنيا الصارفة للإنسان عن الإقبال على
الآخرة.
د - ذكر الحساب يوم الدين.
وعدم التلبُّس بهذه الصفات الأربع، يهدم أركان الدين، لأنّها تستلزم الخلل في بقية
الأركان كالتوحيد والنبوة وغيرها. يقول السيد الطباطبائي قدس سره مبيّناً الجهة
التي تستفيد من الشَّفاعة التشريعية انطلاقاً من الآيات الكريمة المتقدِّمة: "أصحاب
اليمين هم الفائزون بالشَّفاعة، وهم المرضيّون ديناً واعتقاداً سواء كانت أعمالهم
مرضيّة غير محتاجة إلى شفاعة يوم القيامة أو لم تكن، وهم المعنيّون بالشَّفاعة،
فالشَّفاعة للمذنبين من أصحاب اليمين، وقد قال تعالى:
﴿إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ
مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً
كَرِيمًا﴾23، فمن كان له ذنب باقٍ إلى يوم القيامة فهو لا محالة من أهل الكبائر، إذ
لو كان الذنب من الصغائر فقط لكان مكفّراً عنه، فقد بان أنّ الشَّفاعة لأهل
الكبائر من أصحاب اليمين، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إنَّما شفاعتي
لأهل الكبائر من أمتي، فأمّا المحسنون فما عليهم من سبيل 24"25.
6- الشفعاء:
وسائط الشَّفاعة التي يصحّ التوجّه إليها أصناف عدّة، ومنها:
أ - العمل الصالح: قال تعالى:
﴿وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ
الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾26.
ب - الأنبياء والرسل: قال تعالى:
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ
بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ
فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ
تَوَّابًا رَّحِيمًا﴾27.
ج - الأنبياء والعلماء والشهداء: في الخصال: عن علي عليه السلام قال: "قال رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم: ثلاثة يشفعون إلى الله عزّ وجلّ فيشفّعون: الأنبياء،
ثمّ العلماء، ثمّ الشهداء"28.
7- التوسُّل والشَّفاعة
التوسُّل من اتِّـخاذ الوسيلة، والتي هي عبارةٌ عن "ما يُتقرَّبُ به إلى الغير"29، وبالتالي يكون التوسُّل إلى جهةٍ معينة عبارةً عن اتِّخاذها وسيلةً للتقرُّب بها
إلى جهةٍ أخرى أعلى، من أجل قضاء الحوائج على اختلاف أنواعها. ولذلك نجد أنَّ معنى
التوسُّل قريبٌ جداً من معنى الشَّفاعة، وأما القول بأن الشَّفاعة مختَّصة بالعصاة30، يعارضه ما ذهب إليه السيد الطباطبائي قدس سره31 من أن الشَّفاعة التكوينية وكذلك
التشريعيَّة هما لله تعالى، ومن بعده للعديد من الجهات التي منها من لا يصدر منه
الذَّنب كالأنبياء والأئمّة مثلاً. وبالتالي، فالتوسُّل هو من أفراد الشَّفاعة،
وأحد التعبيرات المعبّرة عنها. فالتوسُّل يفيدُ فائدة الشَّفاعة في الأمور
التكوينيَّة وكذلك التشريعيَّة، بالمعنى المتقدّم آنفاً.
8- الشَّفاعة والتوسُّل في الدُّعاء
يكثر في الأدعية المرويّة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الكرام عليهم
السلام ذكر الشَّفاعة والتوسُّل، بل وفي الرِّوايات المرويَّة عنهم كذلك، ومن ذلك:
- عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "ادعُ للحج في ليالي شهر رمضان
بعد المغرب: اللهمّ بك أتوسَّل ومنك أطلب حاجتي، اللهمّ بذمة الإسلام أتوسّل إليك،
وبحرمة القرآن أعتمد عليك، وبحبّي للنبي الأمي القرشي الهاشمي العربي التهامي
المكّي المدني، صلواتك عليه وآله أرجو الزلفة لديك، فلا توحش استيناس إيماني، ولا
تجعل ثوابي ثواب من عَبَدَ سواك"31.
- ومن الأدعية المروية عن الإمام الصادق عليه السلام في أدعية يوم عرفة: "فبك أمتنع
وأنتصر، وإليك ألجأ وبك أستتر، وبطاعة نبيّك والأئمّة عليهم السلام أفتخر، والى
زيارة وليّك وأخي نبيِّك أبتدر، اللهمّ فبه وبأخيه وذريته أتوسَّل، وأسأل وأطلب في
هذه العشية فكاكَ رقبتي من النار، والمقرَّ معهم في دار القرار، فإنَّ لك في هذه
العشيّة رقاباً تعتقها من النَّار"32.
- وفي زيارة الأربعين المروية عن صفوان بن مهران قال: "قال لي مولاي الصّادق عليه
السلام في زيارة الأربعين: أنا يا مولاي عبد الله وزائرك جئتك مشتاقاً، فكن لي
شفيعاً إلى الله، يا سيّدي، استشفع إلى الله بجدِّك سيّد النبيين، وبأبيك سيّد
الوصيّين، وبأمّك سيّدة نساء العالمين، السَّلام عليك يا ابن رسول الله، السَّلام
عليك يا ابن أمير المؤمنين سيّد الأوصياء"33.
- وفي الدُّعاء ليلة النّصف من شعبان بعد أداء الركعتين: "اللهمّ صلّ على محمَّدٍ
وآل محمَّدٍ شجرةِ النُّبوَّة وموضع الرِّسالة ومختلفِ الملائكة ومعدنِ العلم وأهل
بيت الوحي، وأعطني في هذه الَّليلة أمنيتي وتقبّل وسيلتي، فإنِّي بمحمَّد وعليٍّ
وأوصيائهما إليك أتوسّل، وعليك أتوكّل، ولك أسأل"35.
وأمّا الأخبار المروية عن السلف الصالح في استشفاعهم وتوسُّلهم بالله تعالى
والأنبياء والأئمّة والصالحين، فكثيرةٌ، ويستشهد بها العديد من العلماء المسلمين
على سيرة المتشرِّعة منذ زمن الرّسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وصولاً إلى
يومنا هذا، ومن هذه الأخبار:
روى سعيد بن جبير، قال: "قال يزيد بن قعنب: كنت جالساً مع العباس بن عبد المطلب
وفريقٍ من بني عبد العزى بإزاء بيت الله الحرام، إذ أقبلت فاطمة بنت أسد - أمّ أمير
المؤمنين عليه السلام- وكانت حاملةً لتسعة أشهر، وقد أخذها الطَّلق، فقالت: ربِّ،
إنِّي مؤمنةٌ بك، وبما جاء من عندك من رسلٍ وكتبٍ، وإنّي مصدّقة بكلام جدّي إبراهيم
الخليل عليه السلام، وأنَّه بنى البيت العتيق، فبحقّ الذي بنى هذا البيت العتيق،
وبحقّ المولود الذي في بطني لما يسَّرت عليَّ ولادتي. قال يزيد بن قعنب: فرأينا
البيت قد انفتح عن ظهره، ودخلتْ فاطمة فيه، وغابت عن أبصارنا، والتصق الحائط، فرمنا
أن ينفتح لنا قفلُ الباب فلم ينفتح، فعلمنا أنَّ ذلك أمرٌ من الله تعالى، ثم خرجَت
بعد الرابع، وبيدها علي بن أبي طالب صلوات الله عليه"36.
1- السُّبحاني، الشَّيخ جعفر، التوسُّل، ص53، بيروت، دار الأضواء للطباعة والنشر
والتوزيع، 2006م، ط1.
2- الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، ص457.
3- الأمين، السيد محسن: كشف الارتياب، ص196، حسن الأمين(تحقيق)، قم، مكتبة الحرمين،
1952م، ط2.
4- الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج1، ص157.
5- الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج1، ص158.
6- م.ن.
7- م.ن، ص 159.
8- سورة الرعد، الآية39 .
9- الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج1، ص164 - 165.
10- راجع البحث المفصل حول علاقة الشَّفاعة بالتوحيد والشبهات المثارة حول ذلك:
الشيرازي الشيخ ناصر مكارم، تفسير الأمثل، ج1، ص212.
11- الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج2، ص333.
12- الحيدري، السيد كمال، الشَّفاعة، ص45، النجف الأشرف، مؤسسة الامام الجواد عليه
السلام للفكر والثقافة، 2011م، ط1.
13- الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج2، ص182.
14-سورة الزخرف، الآية 86.
15-سورة المائدة، الآية 35.
16-الحيدري، الشَّفاعة، ص47.
17-الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج2، ص333.
18-سورة طه، الآية 109.
19-سورة مريم، الآية 87.
20-الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج1، ص161.
21-سورة المدثر، الآيات 38- 48.
22-الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج20، ص97.
23-سورة النساء، الآية 31.
24- العاملي الحر، وسائل الشيعة، ج15، ص334.
25 -الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج1، ص170.
26- سورة المائدة، الآية 9.
27- سورة النساء، الآية 64.
28- الشيخ الصدوق، محمد بن علي بن الحسين بن بابويه: الخصال، ص156، علي أكبر
الغفاري(تحقيق)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم
المشرفة،1403هـ، ط2.
29- الجوهري، الصحاح، ج5، ص1841.
30- كما يذهب إليه: العقائد الإسلامية، ج4، ص251، مركز المصطفى للدراسات الإسلامية
(إعداد)، قم، مهر، 1419 هـ، ط1.
31- وهو ما يذهب إليه: الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، الأمثل في تفسير كتاب الله
المنزل، ج3، ص 696.
32- السيد ابن طاووس، رضي الدين علي بن موسى بن جعفر: إقبال الأعمال، ج1، ص87، جواد
القيومي الإصفهاني(تحقيق)، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1414هـ، ط1.
33- م.ن، ج2، ص158.
34- م.ن، ج3، ص101.
35- الشيخ الطوسي، مصباح المتهجِّد، ص833.
36- ابن حمزة الطوسي، عماد الدين أبي جعفر محمد بن علي: الثاقب في المناقب، ص198،
نبيل علوان(تحقيق)، قم، الصدر(مطبعة)، مؤسسة أنصاريان(نشر)، 1411هـ، ط1.