يتم التحميل...

كلمة الامام الخامنئي دام ظله في بداية العام الهجري الشمسي 1394عيد النوروز

2015

لقد تمكّن الإيراني المسلم بوعيه وفطنته من إخراج "عيد النوروز" من الشكل الذي كان عليه في سالف الأيام إلى الشكل والإطار الذي يرتضيه ويجده مناسبًا لمعتقداته وما يؤمن به، فقام بالمحافظة على هذا اليوم على مستوى العنوان مبدّلا المحتوى والمضمون.

عدد الزوار: 104

كلمة الامام الخامنئي(دام ظله الشريف) في بداية العام الهجري الشمسي 1394(عيد النوروز) في حرم الإمام الرضا(ع)_ 21-3-2015

عام "الشعب والحكومة: التعاطف ووحدة الكلمة"

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمّد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديّين المعصومين المكرّمين لا سيما بقية الله فی الأرضين.

 اللّهمّ صلّ علی فاطمة بنت نبيّك وزوجة وليّك وأمّ السبطين الحسن والحسين سيّدي شباب أهل الجنّة، الطّهر الطّاهرة المطهّرة التّقيّة النّقيّة الزّكيّة سيّدة نساء أهل الجنّة أجمعين.

 اللّهمّ صلّ علی وليّك عليّ بن موسی عدد ما في علمك صلاةً دائمةً بدوام ملكك وسلطانك. اللّهمّ سلّم علی وليّك عليّ بن موسی عدد ما في علمك سلاماً دائماً بدوام مجدك وعظمتك وكبريائك.

نشكر الله تعالى أن منّ علينا مع بداية هذا العام الجديد ووفّقنا للقاء الإخوة والأخوات الأعزّاء من الزوّار والمجاورين لهذا الحرم المقدّس في فناء ومحضر أبي الحسن الرضا عليه الصلوات والسلام.
 
نوروزٌ بمضمون إسلاميّ
لقد تمكّن الإيراني المسلم بوعيه وفطنته من إخراج "عيد النوروز" من الشكل الذي كان عليه في سالف الأيام إلى الشكل والإطار الذي يرتضيه ويجده مناسبًا لمعتقداته وما يؤمن به، فقام بالمحافظة على هذا اليوم على مستوى العنوان مبدّلا المحتوى والمضمون.

لقد كان النوروز في الماضي يومًا للملوك، كان فرصة للسلاطين والحكّام المستبدّين لإبراز مظاهر التفاخر وإظهار العظمة أمام الشعوب، كانوا يقيمون المجالس ويستقبلون الهدايا من الناس، وحتى في زمن الحكم الأموي والعباسي وعندما دخل النوروز إلى بلاطهم ومراكز حكمهم، تابع الحكّام الاحتفال بهذا اليوم على النهج نفسه الذي سار عليه الملوك والحكام الفرس قديمًا خلال احتفالهم بهذا العيد.

أمّا الإيراني المسلم فقد قام بتغيير هذا النمط إلى ما ينسجم مع هويّته ويخدم أغراضه وتطلّعاته.

صحيح أنّ هذا التغيير لم يحصل دفعة واحدة، لكنّكم اليوم وبعد مضي قرون من الزمن تشاهدون كيف بات النوروز وسيلة لتعزيز العلاقة والارتباط بين الإنسان وبين مبدأ العزة والعظمة؛ أي الذات الإلهيّة المقدّسة.

إنّ النوروز في إيران اليوم هو في الحقيقة مناسبة شعبيّة عامة، يقوم الناس فيها بالتواصل بعضهم مع بعض في جو من الصفاء والمودّة، يهنّئون بعضهم البعض ويقومون بتبادل الهدايا فيه.

اليوم، وبعد مضي هذه السنوات والقرون المديدة، لم يعد هناك وجود لتلك العادات والتقاليد "الملكية" التي كانت سائدة في مثل ذلك اليوم.

في النوروز اليوم مع بدء السنة الجديدة, تجد أنّ أكثر الأماكن ازدحامًا في أطراف بلدنا المترامية هي المراقد المقدّسة للأئمّة الأطهار وأولاد الأئمّة عليهم السلام.

لقد كان هذا المكان بالأمس، وفي منتصف الليل، يعجّ بمئات الآلاف من المؤمنين الذين توجّهوا بقلوبهم النقيّة نحو مركز القدرة والعظمة، يناجون خالقهم، يطلبون من محوّل الأحوال تحويل حالهم إلى أحسن الأحوال، ينظّمون ويشاركون في الاحتفالات الدينيّة.
 
نوروزٌ فاطميّ
إذًا، مناسبة النوروز في إيران اليوم مختلفة عن النوروز القديم، النوروز في إيران اليوم هو نوروز الإيرانيّين المسلمين الذي تمكّنوا من تبديل طبيعة الاحتفال بهذه المناسبة من النحو والإطار القديم إلى إطار يستثمرونه في تحقيق الأهداف التي ينشدونها.

نسأل الله تعالى أن يأخذ بيد الشعب الإيراني العظيم للمزيد من هذه الإبداعات الإسلاميّة الخلّاقة في شتّى الشؤون والمجالات.

عطفًا على ما تقدّم وحيث إنّ أيّام النوروز هذا العام جاءت مصادفة لأيّام شهادة السيدة الزهراء عليها السلام، هذه المرأة العظيمة في دنيا الإسلام، لا ينبغي بحال من الأحوال أن يرافق الاحتفال بهذه المناسبة أي مظهر من المظاهر التي قد تتنافى مع تكريم واحترام ذكرى هذه السيدة العظيمة. ومن المؤكّد أنّه لن يحصل مثل هذا الأمر إن شاء الله.

لقد اخترتُ اليوم عددًا من المسائل التي سأتحدّث بها مع الإخوة والأخوات الأعزّاء الحاضرين في هذا المحفل الكريم ومع سائر أبناء الشعب الإيراني.
 
شروط النصر؛ ركائز النظام الاجتماعي
بدايةً أودّ التعرّض لبحث قرآني؛ لقد وضع الله سبحانه لعباده الذين وعدهم بالنصر شرطًا حيث يقول تعالى ﴿وإنّ الله على نصرهم لقدير[1] ثم قيّد تعالى تلك النصرة لعباده بشرط: ﴿الذين إن مكنّاهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور[2].

حدّد الله تعالى - من خلال هذه الآية الشريفة- أربع صفات وعلائم لأولئك المؤمنين الذين سيمكّنهم في الارض ويخرجهم من تحت سلطة القوى المتكبّرة والجائرة، ووعدهم بالنصر "إنّ الله على نصرهم لقدير"؛ وسينصرهم حتمًا.

أحد هذه الشروط الأربعة إقامة الصلاة, والآخر إيتاء الزكاة والثالث الأمر بالمعروف والرابع النهي عن المنكر؛ وكلّ واحد من هذه الخصوصيّات والعلائم الأربع فيه جهة فرديّة وشخصيّة؛ لكن إلى جانب ذلك يوجد في كلّ واحد منها بعد اجتماعي وله تأثير في تشكيل النظام الاجتماعي.
 
- الشرط الأول: الصلاة
 الصلاة هي كذلك؛ فعلى الرغم من كلّ تلك الأسرار والرموز التي تنطوي عليها حقيقة الصلاة بحيث كانت "معراج المؤمن"، و"قربان كلّ تقي"[3]، ووسيلة للفلاح والسعادة وكانت أفضل الأعمال وأعلاها شأناً؛ على الرغم من ذلك كلّه فإنّ للصلاة أيضًا بعداً اجتماعيّا، حيث ترى المسلمين حين يقفون لأدائها تكون وجهتهم جميعًا وجهة واحدة، عندما يحين وقت الصلاة تتعلّق قلوبهم جميعًا وحيث كانوا في هذا العالم الواسع، بمقصد واحد وجهة واحدة.

إنّ هذا التعلّق وهذا التوجّه من قبل المسلمين جميعًا نحو جهة واحدة ومركز واحد هو أمر ذو بعد اجتماعي، أمرٌ يؤثّر في تشكيل النظام الاجتماعي، يؤثّر في تحديد ورسم هندسة النظام الإسلامي.
 
- الثاني: الزكاة
الزكاة التي لها جوانب فرديّة؛ إذ تربّي الإنسان على التخلّي عن ماله وعلى إعطاء ما يحبّ, وهذا في نفسه امتحان بالغ الأهميّة، لكن لها أيضًا ترجمة اجتماعيّة.

 الزكاة في الاستعمال القرآني تعني مطلق الإنفاق وهو أعمّ من المعنى الاصطلاحي للزكاة الذي تحدّثت عنه الآية الشريفة ﴿خذ من أموالهم صدقة[4]، إذًا الزكاة تعني مطلق الإنفاق المالي، أما الجنبة الاجتماعيّة والترجمة الاجتماعيّة للزكاة المؤثرة في تشكيل النظام الاجتماعي، فهي أنّ الإنسان حينما يحصل على شيء من مال الدنيا يرى نفسه مسؤولاً عن هذا المال تجاه مجتمعه ومحيطه، وأنّ هذا المال دينٌ في رقبته، هو لا يرى نفسه دائنًا للمجتمع بل مدينًا له وعليه أداء هذا الدين إلى الفقراء وفي سبيل الله؛  فالزكاة من هذه الناحية هي حكم وعامل مؤثر في تشكيل النظام الاجتماعي.
 
- الثالث والرابع: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
أمّا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو القاعدة الأساسيّة التي ترتكز عليها كلّ الحركات الإجتماعية في الإسلام "بها تقام الفرائض"[5] فالأمر بالمعروف يعني أنّه يجب على جميع المؤمنين في سائر أنحاء العالم المساهمة في توجيه المجتمع نحو الخير والمعروف وسائر الأعمال الحسنة، وكذلك بالنسبة للنهي عن المنكر حيث يجب على كلّ مؤمن أن يعمل على نهي الآخرين عن المساوئ والأمور الدنيئة. وعليه فإن كل واحدة من هذه المؤشرات والمعالم الأربع, بنحوٍ أو بآخر, هي ترجمة لبنية النظام الإسلامي وهندسته.
 
أعظم معروف: إيجاد النظام الإسلامي والحفاظ عليه
أستطرد هنا لأقول؛ يجب أن لا نحصر هذا المعنى المهم للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمسائل الأقل أهمية، يتصوّر البعض أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قضيّة محصورة بنهي فلان أو فلانة عن المخالفة التي تُرتكب على مستوى فرع من فروع الدين؛ طبعًا هذا أمر بالمعروف ونهي عن المنكر؛ لكنّه ليس أهم عناوين وأبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. إنّ أهم عنوان وباب في مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الأمر بأعظم معروف والنهي عن أعظم منكر، وأعظم معروف يأتي في المرتبة الأولى [من حيث لزوم الأمر به] هو إيجاد النظام الإسلامي والحفاظ عليه، هذا أمر بالمعروف.

ليس عندنا معروف أعظم وأولى من إيجاد النظام الإسلامي والحفاظ عليه؛ كلّ من يسعى في هذا السبيل هو آمر بالمعروف؛ إنّ حفظ عزّة وهيبة الشعب الإيراني هو من أعظم المعروف.

المعروف هو: نشر الثقافة وتعزيزها، سلامة المحيط على المستوى الأخلاقي, سلامة المحيط الأسري، زيادة النسل وتربية جيل الشباب ليكون قادرًا على النهوض بالبلد، العمل على تحقيق الازدهار الاقتصادي وزيادة الإنتاج، نشر وتعميم الأخلاق الإسلامية، تنمية ونشر العلم والثقافة، تثبيت العدالة القضائية والاقتصادية، الجهاد والسعي لاقتدار إيران ومن خلفها وأكثر من ذلك اقتدار الأمة الإسلامية والعمل والسعي للوحدة الإسلامية؛ هذه من أهم أعمال المعروف, والسعي نحو تحقيق هذه القضايا تكليف يقع على عاتق الجميع.

من جهة أخرى، فإنّ الأمور التي تقابل هذه القضايا تعتبر من المنكرات. فالابتذال الأخلاقي منكر، مساعدة أعداء الإسلام منكر، إضعاف النظام الإسلامي منكر، إضعاف الثقافة الإسلاميّة منكر، إضعاف الاقتصاد منكر، إضعاف المستوى العلمي والتقني منكر، ويجب النهي عن هذه المنكرات.
 
الله ورسوله أوّل الآمرين بالمعروف
إنّ أول آمر بالمعروف هو ربنا تعالى حيث يقول: ﴿إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي[6]؛ الله تعالى آمرٌ بالمعروف وناهٍ عن المنكر، أعمال المعروف محدّدة، المنكرات معلومة، وكذلك النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله هو أفضل وأوّل من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، جاء في الآية القرآنيّة: ﴿يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر[7]، والأئمة عليهم السلام هم أعظم الآمرين بالمعروف والنّاهين عن المنكر؛ نقرأ في الزيارة: "أشهد أنك قد أقمت الصلاة وآتيت الزكاة وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر"[8]، المؤمنون والمؤمنات في جميع أنحاء العالم الإسلامي هم آمرون بالمعروف وناهون عن المنكر، قال تعالى: ﴿والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة[9].

 هذه هي الركائز الأربعة الأساسية في تشكيل النظام الاجتماعي ولكل واحدة منها فروع تتفرّع عنها.
 
الشعب والحكومة: وحدة القلب واللسان
يُبنى النظام الإسلامي على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أي على الانسجام والترابط الاجتماعي والقلبي بين أفراد المجتمع في النظام الإسلامي.

أريد خلال هذا اللقاء أن أخلص إلى نتيجة من هذا البحث ترتبط بشعار هذا العام الذي أتيتُ على ذكره خلال حديثي منتصف الليلة الماضية (الشعب والحكومة؛ التعاطف ووحدة الكلمة)

إنّ الإسلام يدعونا جميعًا في هذا المجتمع وفي هذا البلد العزيز والمترامي الأطراف على اختلاف أصولنا وخلفيّاتنا الاجتماعيّة، إلى الانسجام في ما بيننا؛ يدعونا إلى مساعدة بعضنا بعضًا، إلى مؤازرة أحدنا للآخر.

 كذلك على الشعب في الجمهورية الإسلامية أن يدعم الحكومات القائمة، حتى أولئك الذين لم يصوّتوا لفرد معين في الحكومة لا بدّ لهم من دعم تلك الحكومة، هذا هو المعنى الحقيقي وجوهر الانسجام الاجتماعي والشعبي في هذا البلد الإسلامي. علينا جميعًا أن نكون يداً واحدة خلف الحكومة القائمة والمتصدّية لإدارة البلاد وأن نمدّ يد العون لها؛ خصوصًا حينما يواجه البلد استحقاقات وتحدّيات مهمّة، وسوف آتي على ذكر بعض المسائل في هذا الخصوص.

اليوم على أبناء هذا الشعب فردًا فردًا دعم المسؤولين في هذا البلد وفي هذه الحكومة، وهذا أمر لا يختصّ بالحكومة الحالية بل هو أمر مطلوب اتجاه سائر الحكومات وهو ما ينبغي أن يكون عليه الحال اتجاه الحكومات التي تتولى إدارة البلاد في المستقبل.
ما يملي علينا عدّة أمور:

أولاً: لأنّ الهم الأساسي الذي يشغل بال جميع الحكومات هو معالجة مشاكل الناس؛ طبعًا هذا لا يمنع من وجود فروقات في الطاقات والإمكانات وأنّ الحكومات ليست جميعًا سواء وفي ومرتبة واحدة.

ثانيًا: يمكن أن تختلف الرؤى وأساليب العمل بين حكومة وأخرى، لكنّهم اتّحدوا جميعًا على هدف واحد وهو أن تقوم كل حكومة خلال فترة حكمها ببذل كل جهد ممكن من أجل علاج المشكلات التي تواجه البلد.

إنّ كل حكومة تصل إلى الحكم طبق المسار الذي يعيّنه الدستور هي حكومة شرعية قانونية. ليس مهمًّا كم نال هذا الرئيس أو ذاك من أصوات الناخبين؛ فارتفاع نسبة الناخبين أو انخفاضها راجع إلى مقدار محبّة الناس لهذا الشخص أو ذاك، لكنّه غير مؤثّر في شرعية وقانونيّة تولّي الرئيس المنتخب لسدّة الحكم.

كلّ من يصل إلى الحكم, من خلال حصوله على أكثريّة الآراء طبق ما يقرّره الدستور, هو رئيس شرعي وحكومته حكومة شرعيّة وعلى الناس أن يتعاملوا معه على هذا الأساس وأن يقوموا بدعمه ما أمكنهم ذلك؛ طبعًا الحقوق هنا متبادلة بين الحكومة والشعب.
 
مراقبة أداء الحكومة بنقدٍ منطقي
من الطبيعي أن يكون لكلّ حكومة منتقدوها، هذه الحكومة لها منتقدوها أيضًا، الحكومات السابقة كذلك كان لكلّ منها منتقدون، وليس في هذا أي مشكلة، البعض لا يعجبه هذا الأسلوب، البعض لا يوافق على هذا السلوك، لا يرضى بهذا الكلام، لا يؤيّد هذه السياسة، ليس هناك مانع من وجود منتقدين وإبداء هذه الانتقادات، لكن ما ينبغي أخذه بعين الاعتبار أن تكون تلك الانتقادات في إطارها المنطقي وفي إطارها السليم.

أنا نفسي كان لي انتقادات على الحكومات المختلفة وكنت على الدوام أذكر وأبيّن تلك الانتقادات، لم أكن أمتنع في حال من الأحوال عن بيان الأخطاء والانتقادات التي كنت أعتقد بوجودها، لكنّي كنت أتناول تلك المسائل في الظرف المناسب والموقع المناسب والشكل المناسب [وفي الزمان والمكان المناسبين]؛ فتارةً كنت أبعث بكتاب، وأخرى من خلال الحضور المباشر، أو من خلال التأكيد والإصرار [في حالات معيّنة].

 إذًا التنبيه إلى بعض الأمور في نفسه ليس فيه مشكلة، لكن ينبغي أن يتمّ ذلك على نحوٍ لا يؤدّي إلى تزلزل ثقة الناس بالقيّمين على الأمور، لا بدّ أن نجتنب في انتقادنا توجيه الإهانات، ينبغي اجتناب التشنّج والعصبيّة؛ علينا أن ننظر جميعًا إلى العلاقة بين الحكومة والشعب على قاعدة الأخوّة الإسلاميّة، وأن تكون هذه الأخوّة هي الحاكمة على سلوكنا.

طبعًا، هذا يشمل كلا الجانبين، فكما أوصي الناس باعتماد خطابٍ ودودٍ ولهجةٍ متعاطفةٍ مع الحكومة وبخلفيّة المساعدة ومد يد العون في تعاطيهم معها، كذلك أوصي المسؤولين في البلاد – في السلطات الثلاث – اعتماد الأسلوب المناسب مع منتقديهم، لا ينبغي توجيه الإساءة إليهم أو إهانتهم وتحقيرهم، إنّ إهانة المسؤولين لمعارضيهم أمر مخالف للتدبير والحكمة.

أنا لا أدعو شعبنا العزيز إلى عدم المبالاة بالشأن العام، أو إلى التخلي عن دوره في متابعة ما تقوم به الحكومة ومراقبة أدائها، كلا، أنا أدعو الناس إلى الاهتمام بالمسائل التي تعني البلد، لكن أؤكّد على أنّ سلوك الناس مع المسؤولين وسلوك المسؤولين مع الناس لا ينبغي أن يتّسم بالتخريب والتحقير أو الإهانة.

يمكن أحيانًا أن يعتري البعض القلق اتجاه قضية ما؛ أن يتملك الإنسانَ هاجسٌ ما أو أن يعتريه القلق ليس جرمًا، يمكن للمرء أن يعيش القلق اتجاه قضية وطنيّة حسّاسة، لا مانع من ذلك، لكن ليس من الصحيح أن يشكّل ذلك منصّة لاتّهام الآخرين أو لنكران ما يقومون به من جهد أو يقدّمونه من خدمات.

في الوقت نفسه، على الحكومة والمؤيدين لها عدم الإقدام على إهانة أولئك الذي يبدون هواجسهم ويعبّرون عن قلقهم.

أتوجّه إلى شعبنا العزيز لأقول بوضوح وصراحة – وقد قلت ذلك سابقا –: لقد كنتُ داعمًا لجميع الحكومات التي تناوبت على الحكم طوال مدة تحملي للمسؤولية، وكذلك أنا أدعم الحكومة القائمة اليوم، لكنّي وفي الوقت عينه أنبّه إلى بعض الأمور كلّما وجدت ضرورة لذلك؛ طبعًا أنا لا أدعم أحدا بالمطلق و"لا أوقّع لأحد على بياض"[10]، وإنّما أحكم على الأمور بناءً على الأداء والإنجازات، وبعون الله تعالى  وتوفيقه سأقوم بما يلزم القيام به كلّما وجدت ذلك ضروريًّا وبناءً على الأداء والإنجازات أيضًا.

إذًا، الأمر الأوّل في كلامي كان حول توضيح المراد بالشعار الذي اعتمد لهذا العام أي "وحدة القلب واللسان بين الحكومة والشعب"؛ على الحكومة والشعب أن يكونا قلباً واحداً ولساناً واحداً, ولا بد أن يتعاونا وأن يعملا جنبًا إلى جنب لأجل القضاء على المشكلات القائمة.
 
الإنسان المبدع هو الفرصة العظيمة
كما ذكرت، نحن نعيش مرحلة مهمة تتوفّر فيها فرص كبيرة كما نتوقّع أن نواجه خلالها تحدّيات كبيرة، اليوم أيضًا تتوفّر مثل هذه الفرص كما تنتظرنا تحدّيات ينبغي مواجهتها واستغلال الفرص المتاحة للتغلّب على تلك التحدّيات كي نحقّق النصر بتوفيق من الله تعالى.

إذًا نحن اليوم نملك فرصًا كبيرة؛ وواحدة من أهم تلك الفرص تعود إلى الإنسان في هذا البلد، هذا الإنسان الكفوء والمبدع؛ فبحمد الله تعالى العناصر الكفوءة والمبتكرة لا سيما جيل الشباب المفعم بالحيوية والمعنويات متوفرة بكثرة في هذا البلد.
من أهم تلك الفرص أيضاً وقوف الناس والشباب مع هذا النظام وأهداف هذا النظام ومع الإمام الراحل. أدعوكم أيها الإخوة والأخوات الأعزاء إلى مشاهدة إلى هذه المسيرات التي تخرج في يوم القدس وفي الثاني والعشرين من بهمن[11]، ستلاحظون عندئذٍ أنّ عمدة هذه التظاهرات هم من الشباب؛ هؤلاء الشباب أنفسهم الذي يتعرّضون ليلاً ونهارًا إلى قصف تدميري من خلال وسائل الإعلام الإذاعيّة والتلفزيونيّة ومن خلال الانترنت.

 لقد امتلأت الدنيا بالضجيج، في العالم الافتراضي، في عالم وسائل الإعلام الصوتيّة والتصويريّة، هناك المئات – بل الآلاف إذا نظرنا من زاوية اخرى – من هذه الوسائل التي تعمل على استهداف أفكار شبابنا؛ بعضها يسعى لدفعهم نحو التخلّي عن الدين، بعضها يسعى لإبعادهم عن النظام، بعضها الآخر يسعى لبث روح الفرقة والخلاف في ما بينهم، بعض منها يسعى لاستخدامهم في تحقيق أهدافه الخبيثة، بعض يسعى إلى دفع الشباب نحو اللامبالاة وعدم الاهتمام بالقضايا العامة؛ شبابنا يتعرّضون لهذا الهجوم والاستهداف على نحو دائم عبر هذه الأدوات ووسائل الاعلام الصوتية والتصويرية وعبر الانترنت.

لكن برغم هذا كلّه تجد عشرات الملايين من هؤلاء الشباب وعلى امتداد البلاد ينزلون في الثاني والعشرين من بهمن إلى الشارع يردّدون الشعارات، يعبّرون عن أنفسهم ومشاعرهم، وعن ولائهم للإمام، للإسلام، للنظام الإسلامي. هذا ليس بالأمر العابر والبسيط هذه فرصة عظيمة.
 
التقدّم العلمي فرصةٌ أيضًا
إحدى هذه الفرص: التقدّم العلمي الذي تحقق خلال مرحلة العقوبات والحظر. فبينما تتلقّى دولٌ الدعم والمعونة من القوى والدول العالميّة وتحصل على الأموال والمساعدات؛ تتعرّض دولةٌ إلى الحصار وتغلق في وجهها جميع الأبواب ثم تتمكّن من تحقيق إنجازات كبرى في مجالات مختلفة، فهذا ما تشاهدونه اليوم وهو أمر مهم لا ينبغي التقليل من أهميّته.

إن افتتاح المرحلة الثانية عشرة من حقل "بارس الجنوبي"  قبل عدة أيام بيد رئيس الجمهورية هو مشروع صناعي معقد وبالغ الأهميّة يمكن أن يساهم في نمو الاقتصاد وزيادة الانتاج العام في البلاد بصورة ملحوظة. لدينا الكثير من الأمثلة المشابهة، لقد لاحظتم خلال العرض العسكري للقوّات المسلحة أنّه تمّ عرض وسائل قتالية جديدة أدهشت الأعداء لمجرّد رؤيتها. وهم أنفسهم يعبّرون عن اندهاشهم- ولسنا نحن من يخمّن ذلك- هم أنفسهم يبدون دهشتهم.
 
العقوبات تستبطن فرصة عظيمة!
كل هذه الإنجازات حصلت خلال فترة العقوبات. هذا ليس بالشيء البسيط، هذه فرصة عظيمة جداً، لقد تحقّقت هذه الإنجازات خلال سنوات متمادية من الحصار والعقوبات على يد شبابنا، على أيادٍ مبدعة، أي خلال الأعوام 89 و90 و91 و92 ه.ش[2010حتى 2013م] التي ظنّ أعداؤنا أنّها كفيلة بشلّ هذا البلد. 

هذه فرصة كبيرة جدًّا لهذا البلد، إذًا حتى العقوبات تشكّل فرصة، وسوف أتعرّض باختصار لذكر هذا الأمر في سياق الحديث، وسوف أشير إلى أنّ هذه العقوبات من جهة معينة تعتبر فرصة؛ صحيح أنّها خلقت بعض الصعوبات؛ لكنّها في الوقت نفسه يمكن أن تشكّل فرصة. وهذا ما سآتي على ذكره.

إنّ من أكبر التحدّيات والاستحقاقات التي تواجهنا اليوم الوضع الاقتصادي الراهن في البلد، إنّ الناس تتوقّع – وهذا من حقّها – أن تعيش في وضع اقتصادي مزدهر، أن تعم الرفاهية الجميع، أن تخرج الطبقة المستضعفة من الوضع غير المقبول الذي تعاني منه، أن تتخلّص من المشكلات التي تواجهها، هذا ما يتوقّعه الناس ويحق لهم توقع ذلك.

إنّ اقتصاد البلد يحتاج إلى حركة جدية وإلى جهد كبير وسوف أذكر بعض الخصوصيات التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار في هذا المجال، منذ سنوات وأنا أتحدث حول الوضع الاقتصادي، قبل سنوات وفي هذا المكان نفسه وفي هذه المناسبة نفسها توقعت ما يحصل اليوم وحذرت من أنّ الأعداء سيركزون جهودهم على مسألة الاقتصاد وأنّه على المسؤولين بحث هذه القضيّة وتهيئة أنفسهم لمثل هذا اليوم، وأنّ عليهم الاستعداد والتجهّز لمواجهة مكائد الأعداء وسياساتهم العدائيّة المتمحورة حول اقتصاد البلاد.
 
هدفُ حصارهم سياسيّ
والآن سأتحدّث ببضع مسائل في ما يتعلّق بالاقتصاد؛ لقد أطلقنا قبل سنوات تسمية "العدالة والتقدم" على العقد الحالي وها قد مضى أكثر من نصفه، كذلك أصبحنا في منتصف العشرين عامًا[12] التي تم رسمها على مستوى التخطيط ووضع السياسات، فقد مضى منها عشر سنوات حتى الآن ولا زالت تنتظرنا عشر سنوات أخر، هذه مسائل ذات أهمية، بالنظر إلى الواقع الذي نحن فيه تصبح حساسية المسائل الاقتصادية أكبر.

يعلن الأعداء صراحة أن هدفهم من وراء الضغوطات الاقتصادية التي يمارسونها على الجمهورية الإسلامية هدف سياسي. الهدف الذي ينشدونه من وراء ذلك هو وضع الشعب الإيراني في مواجهة النظام الإسلامي [وهنا انطلقت هتافات مدوية] [13]، نعم "الموت لأمريكا" شعار نرفعه لأنّ أمريكا هي المحرّك الأساسي لهذه الضغوطات، وهم الذين يصرّون على استهداف اقتصاد شعبنا العزيز، ما هو هدفهم من وراء ذلك؟ هدفهم وضع الناس في مواجهة النظام، هم يصرّحون بذلك، يقولون: نريد استخدام الحصار الاقتصادي كي يعيش الناس أوضاعًا سيّئة مما يضطّرهم ويدفعهم لمعارضة الحكومة ومعارضة النظام الإسلامي، هذا ما يعبّرون عنه صراحة.

طبعاً، أحيانًا يدّعون كذبًا أنّهم إلى جانب الشعب الإيراني، وهذه ادّعاءات كاذبة لا يمكن تصديقها، لا يمكن للمرء أن يركن إلى أعدائه، لكن هدفهم الحقيقي هدف سياسي، يريدون ومن خلال الناس أنفسهم أن يقضوا على الاستقرار الأمني الذي تعيشه البلاد، هذا الاستقرار الذي ليس له مثيل في منطقة غرب آسيا التي نشكّل جزءًا منها، لن تجدوا اليوم بلدًا في شرقنا أو غربنا أو جنوبنا أو شمالنا ينعم بالأمن والاستقرار الذي ينعم به بلدنا. يريدون خلق الاضطراب والبلبلة في البلاد على أيدي الناس من خلال دفعهم إلى تشكيل حركات احتجاجيّة في البلاد؛ هم يشجّعون ذلك ويبذلون في سبيله أقصى جهودهم، ويضعون البرامج للوصول إلى ذلك، ويواصلون هذا العمل بتمام الجدّيّة والقوة.
 
 تقوية الاقتصاد: جهاد!
حسنٌ، هذه ظروف مهمة، وهذا تحدّ كبير. وعندما يواجه البلد مثل هذا التحدّي لا بد أن يقف الجميع جنبًا إلى جنب، لا بدّ أن يعملوا سويًّا، لا بدّ أن يأخذوا المسألة الاقتصاديّة بالجديّة اللازمة.

أودّ هنا أن أذكر عدّة نقاط ترتبط بالوضع الاقتصادي، النقطة الأولى هي أنّ السياسات العدائيّة لأمريكا جعلت من الميدان الاقتصادي اليوم ميدان اشتباك وحرب، حرب من نوع خاص. وإن كل مساهمة في هذا الميدان تعود بالنفع على البلد تعدّ جهادًا، كل شخص يساعد في تحسين الاقتصاد في البلاد إنّما يمارس حركة جهاديّة، هذه الأعمال تعدّ جهادًا، لكنّه جهاد له أدواته الخاصة وأساليبه الخاصة، وعلى الجميع أن يشاركوا فيه من خلال أساليبه وأسلحته الخاصة هذا الأمر الأول.

النقطة الثانية: يوجد رؤيتان في ما خص اقتصاد البلاد – وآمل من النقّاد وأصحاب الرأي والشباب خصوصًا ومن الناس عمومًا أن يلتفتوا إلى هذه المسألة – هناك وجهتا نظر حول سبل تحقيق الازدهار والتقدّم الاقتصادي:

- الاولى: الاعتماد على الطاقات الداخلية
وجهة نظر تقول إنّه علينا تحقيق التقدّم الاقتصادي من خلال الاعتماد على الطاقات والإمكانات الموجودة في البلد وبالاتّكاء على أبناء البلد أنفسهم، فهناك الكثير من الإمكانات والطاقات الموجودة في البلاد والتي لم تتم الاستفادة منها أو استفيد منها ولكن ليس على نحو مجد، فلنعمل على الاستفادة من هذه الموارد بالشكل المناسب ونصنع من خلالها اقتصادنا الذاتي، اقتصاد مصدره داخل البلاد، اقتصاد يصنع من خلال قدرات أبناء هذا البلد وإمكاناتهم.

إذًا النظرة الأولى تقول: لأجل تحقيق الازدهار الاقتصادي في البلاد علينا التعرف على الإمكانات والطاقات والمواهب المتوفرة داخل البلاد، لنقوم بعد ذلك بتوظيف تلك الإمكانات والطاقات بالنحو المناسب، مما يحقق النمو الاقتصادي، هذه إحدى وجهتي النظر.

- الثانية: مهادنة المستكبر
أما وجهة النظر الأخرى فتقول إنّه ولأجل تحقيق التقدم الاقتصادي لا بد من اللجوء إلى خارج الحدود لطلب العون والمساعدة، تقول وجهة النظر هذه إنّه: علينا أن نعمد إلى تغيير سياستنا الخارجيّة كي يتحسّن الوضع الاقتصادي في البلاد، علينا أن نهادن "المستكبر الفلاني" حتى نتمكّن من الحصول على ازدهار على مستوى الاقتصاد، علينا الخضوع للقوى المستكبرة وقبول ما تمليه علينا في المجالات المختلفة كي نحقّق الازدهار لاقتصادنا، هذه هي النظرة الثانية.

لكنّنا اليوم ومن خلال التأمّل في الأوضاع والظروف التي تعيشها البلاد ندرك أنّ النظرة الثانية هي نظرة خاطئة وعقيمة تمامًا ولا تعود علينا بأيّة فائدة[14]، فهذه العقوبات نفسها المفروضة اليوم على الشعب الإيراني دليل محكم ومتقن على خطأ وجهة النظرة هذه، عندما تنتظرون القوى الخارجيّة كي تأتي وتحقّق لكم الازدهار الاقتصادي، حينما تخضعون لشروط تلك القوى كي يحقّقوا لكم ذلك فأنتم بذلك تثيرون طمع هؤلاء فيكم أكثر فأكثر, فلا يقفون عند حد معين، عندما يكون اعتمادكم على الخارج ستعترضكم قضيّة كقضيّة انخفاض قيمة النفط؛ فجأة تخلص القوى المستكبرة ومعها بعض أياديها في المنطقة إلى ضرورة خفض قيمة النفط إلى النصف أو أقل من ذلك أحياناً، ستواجهون مثل هذه المشكلة، هذا ما سيكون الحال عليه عندما تقررون الاعتماد على الخارج. أما حينما يكون اعتمادنا على مقدراتنا الداخلية سيكون الأمر مختلفًا. فاليوم، يسعى الخارج ورؤساء القوى المستكبرة إلى نشر وتعزيز وجهة النظر هذه بين الناس.
 
رسالة اوباما: محاولة إملاء
لقد اطلعتُ على الرسالة التي وجهها الرئيس الأمريكي إلى الشعب الإيراني بمناسبة عيد النوروز؛ هو يقول من خلال هذه الرسالة عليكم أيها الإيرانيون أن تقبلوا ما نعرضه عليكم، إنه يقول من خلال هذه الرسالة: عليكم أيها الإيرانيون أن تقبلوا بكل ما نمليه عليكم في المسألة النووية حتى تتمكنوا من استقطاب رؤوس الأموال والاستثمارات الخارجية إلى بلادكم، حتى تتحرك العجلة الاقتصادية في بلادكم.

هذه هي وجهة النظر الثانية نفسها[15]، وهي نظرة لن تفضي أبدًا إلى أي نتيجة، علينا التوجه إلى داخل البلاد، فالطاقات داخل البلاد موجودة بكثرة، وهذا هو مرادنا من الاقتصاد المقاوم الذي دعونا إليه - ولحسن الحظ مورد تأييد وقبول وترحيب من جميع الاقتصاديين وأصحاب الرأي بحيث لم نعلم أن أحدًا منهم رفض ما قمنا بطرحه تحت عنوان سياسات الاقتصاد المقاوم -، الاقتصاد الذي يعتمد على المقدرات الداخلية للبلاد.

عندما تمنع من جر المياه إلى أرضك عليك بحفر بئر داخلها لتستخرج منها المياه فلا تبقى محتاجًا لمياه جارك البخيل؛ علينا استمداد القوة من داخلنا والتقدّم إلى الأمام. هذه النقطة الثانية.
 
الاستثمار في الإنتاج المحلي
أمّا النقطة الثالثة: فمن المعلوم أنه من دون وجود أهداف محددة لا يمكن السير قدماً في أي برنامج اقتصادياً كان أو غيره، لا بد من وضع الأهداف، إن أي مسار يسلكه المسؤولون الحكوميون في أي مجال من المجالات دون أن يكونوا قد حددوا له أهدافًا معيّنة سيأتي عليه يوم وينتهي إلى طريق مسدود، فلا يمكن الوصول إلى نتائج من خلال هذا الطريق.

لا بدّ من وجود هدف ثابت ومحدّد حتى تسير جميع المؤسّسات والأجهزة باتجاه ذلك الهدف وتُعبَّأ كل الطاقات والإمكانات في هذا السبيل. وبرأيي الهدف الذي ينبغي أن نضعه نصب أعيننا هذا العام والأعوام القادمة هو الاستثمار في الإنتاج والصناعة المحليّة.

ينبغي تكاتف الجميع وتوحيد الجهود من أجل تقوية وتعزيز الإنتاج الداخلي والصناعة المحلية. لا بد من مطالبة جميع المسؤولين العاملين في المجال الاقتصادي ودعوة الناس جميعاً للمساهمة في تقوية الإنتاج المحلي.

طبعًا هناك سبل كثيرة للمساعدة في هذا المجال: أحد أهم الأعمال التي يمكن القيام بها دعم شركات الإنتاج المتوسطة والصغيرة، أحد تلك الأعمال تعزيز النشاطات العلمية وتقوية المؤسسات البحثية والشركات العلمية، إنّ تأكيدنا على الاهتمام بالعلم والتكنولوجيا ليس لأجل احتلال مراتب أعلى على المستوى العلمي فحسب، بل لأن التقدم العلمي والتكنولوجي يساهم في التقدم الاقتصادي، الشركات القائمة على العلم والمعرفة يمكن أن تساعد على تقدم الاقتصاد، من تلك الأمور التي يمكن القيام بها العمل الجدي على الحد من بيع النفط الخام، عندما اعترضت قبل مدة خلال أحد الخطابات على استمرار ربط اقتصاد البلاد بالنفط كنت أشير إلى هذه المسألة. لا بد لنا أن نقوم بما يمكننا من الحد من بيع النفط الخام تدريجياً، حتى نصل إلى مرحلة نتمكن فيها من التوقف عن بيعه كلياً. لا بد من البحث عن موارد جديدة.
 
للمصارف دورها
يمكن للمصارف كذلك أن يكون لها دورها المؤثر، يمكن لها أن تنهض بدور مساعد كما يمكن لها أن تقوم بدور هدّام، على المسؤولين الكبار في القطاع المصرفي للبلاد التنبّه لهذا الأمر، بعض المصارف قامت من خلال أساليب خاصة بإغلاق بعض المصارف الاقتصادية على امتداد البلاد، قضوا عليها، يمكن للمصارف أن تكون عاملاً مساعدًا ويمكن أن تكون عاملاً هدّامًا.

من الأعمال الأساسيّة التي يمكن القيام بها تسهيل عمليّة الاستثمار، من الأعمال الأساسيّة الحدّ من استيراد السلع الاستهلاكيّة، من هذه الأعمال محاربة التهريب. هناك الكثير من الأمور التي يمكن للمسؤولين القيام بها، وما أتيتُ على ذكره هنا بعض من تلك الأمور.
 
إشتروا البضائع المحلية!
طبعًا القيام بهذه الأمور ليس بالأمر السهل، يسهل ذكر هذه الأمور لكن تنفيذها أمر صعب، لكن ولأهمية ذلك ينبغي على المسؤولين القيام بهذه الأعمال على صعوبتها، يمكن للناس أيضًا أن يقوموا بدور في هذا المجال، فالأشخاص القادرون على الاستثمار عليهم أن يتوجّهوا نحو [الصناعة] والإنتاج والاستثمار في هذا المجال، على المستهلكين – والشعب بأسره مستهلك في الواقع – عليهم بشراء المنتجات المحلية وقد أكدت على هذا الأمر مرارًا وتكرارًا.

واليوم أيضًا أعيد التأكيد على هذا الأمر، على الجميع التوجه نحو شراء المنتجات المحلّية، أن يدعم العامل الإيراني، عندما نقوم بشراء منتجات المصانع والورش المحلية نحن نساهم من خلال ذلك في تطوّرها.

ينبغي تجنّب الإسراف، فليعلم المسرفون أنّ هذا الإسراف والإفراط والتفاخر – وجميع ذلك كان محل مكروه ومذموم في الإسلام – سيحدّد مصير الاقتصاد في البلاد. إنّ تجنّب الإسراف والتبذير والتفاخر في الممتلكات والأموال الشخصية، -سواء في الماء أو الخبز أو المظاهر الاحتفالية خلال الولائم وإجراء العقود أو الزواج وغيرها من المحافل أو الأمور الأخرى- يدعم الاقتصاد في البلاد، وإنّ الأشخاص الذين يعملون في التجارة الخارجية يمكن أن يلعبوا دوراً ايضاً، دورهم هو الاستقامة في العمل ليحافظوا على سمعة الشعب الإيراني، هذه كانت النقطة الثالثة.
 
الحدّ من آثار العقوبات
النقطة الرابعة في المجال الاقتصادي هي أنّ العقوبات تشكّل الوسيلة الوحيدة التي يمتلكها الأعداء، فليعلموا ذلك. الأداة الوحيدة التي يمكن للأعداء أن يواجهوا الشعب الإيراني من خلالها هي العقوبات؛ فإن أحسنّا التصرّف وعملنا بتدبير يمكن لنا أن نلغي آثار العقوبات ونجعلها بلا فائدة. كما ذكرت، فإنّ هذه الآلات والمعامل الإنتاجيّة والصناعيّة والتي يتمّ لحسن الحظ افتتاحها من قبل المؤسّسات الحكوميّة – ومن جملتها المرحلة الثانية عشرة في حقل "بارس الجنوبي" التي أشرت لها سابقا، كذلك التقدّم العسكري والمجمّعات العلميّة والتكنولوجية وأمثال ذلك – أمور يمكن لها أن تقضي على مثل هذه العقوبات، فهي تحدّ بداية من أثر العقوبات وفي نهاية المطاف تقوم بإنهائها. لقد خلقت لنا العقوبات مشاكل لكنها كانت ذات منافع وبركات لنا.

لقد أظهرت العقوبات أنه ينبغي علينا الاعتماد على أنفسنا، كما أثبتت لنا أنّ باستطاعتنا الاستفادة من مواردنا الداخليّة. إن قام المسؤولون الحكوميون وسائر أبناء الشعب لا سيّما العاملون في القطاعات الاقتصاديّة ببذل الجهد وشمّروا عن ساعد الهمّة، وقامت الوسائل الإعلاميّة بالمساعدة في هذا المجال – وسوف أشير إلى ذلك – سنشاهد إن شاء الله كيف أنّ العقوبات لن تتمكّن من إيقاف تقدّم الشعب الإيراني[16].

هناك أمر يتعلق بالملف النووی سأتعرض إليه؛ بالتأكيد هناك نقاط أخرى في هذا الموضوع ولكن لا أريد الآن أن الغوص كثيراً في هذا الأمر, وببضعة جمل أقول: أولاً في مجال القضايا النووية فإن الأعداء الذين يواجهون الشعب الايراني – وأهمهم أمريكا – يتحركون بتدبير وتخطيط سياسي دقيق. نحن منتبهون لهذا الأمر بشكل كامل، فهم يعلمون ماذا يفعلون؛ إنهم بحاجة إلى هذه المفاوضات، أمريكا حاجتها ماسة جداً الى المفاوضات النووية. أما الخلافات التي تشاهدونها بين الامريكيين؛ بحيث يتصرف مجلس الشيوخ بإسلوب والحكومة بإسلوب آخر، فهي لا تدل أبداً على عدم حاجتهم؛ كلا، فالتيار المعارض للحكومة لا يرغب أن تسجل المكاسب الناتجة عن المفاوضات بإسم خصمه "الحزب الديموقراطي"؛ هم يسعون لهذا الأمر. هم بحاجة لهذه المفاوضات ويعتبرونها ضرورة لهم ولكنهم يتظاهرون بالإستغناء.
 
أكاذيب الرئيس الأمريكي!
في خطاب النوروز للرئيس الأمريكي للأسف يوجد كلام غير صادق. على الرغم من التظاهر بالمودة  للشعب الإيراني الا ان الإنسان يلاحظ بوضوح كامل أن هذه الإدعاءات غير صادقة. من جملتها ما قيل أن في ايران من لا يوافق على الحل السلمي للقضية النووية؛ هو يقول هذا. يقول بأن هناك اشخاص لا يريدون للقضية النووية أن تحل وتعالج بالمفاوضات الديبلوماسية؛ هذا كذب! لا يوجد في ايران من لا يريد الحل السلمي للملف النووي بالمفاوضات. ما لا يريده الشعب الايراني هو القبول بتسلط امريكا وهيمنتها؛ هذا ما يرفضه الشعب الايراني ويقاومه ولا يمكن أن يقبله من الطرف الآخر. إنهم (الغربيون) يقولون لنا تعالوا نتفاوض وعليكم أن تقبلوا بكل ما نقوله لكم! هذا ما يقولونه. شعبنا صامد ثابت في مواجهة هذا المنطق وباليقين لا مسؤولينا ولا الوفد المفوّض ولا الشعب الايراني من خلفهم سيقبلون بهذا مطلقاً. أمر آخر يتعلق بالقضايا النووية هو أن المفاوضات الجارية مع الدول الاوروبية وامريكا هي مفاوضات تتعلق بالملف النووي فقط ولا غير، فليعلم الجميع هذا الأمر. نحن لا نتفاوض مع امريكا حول القضايا الاقليمية؛ أهداف امريكا في القضايا الاقليمية هي في مقابل اهدافنا وبعكسها بشكلٍ واضح. نحن نريد الأمن والهدوء في المنطقة ونريد أن تقرر الشعوب مصيرها وتحكم نفسها بنفسها؛ بينما تعتمد سياسة امريكا على إيجاد الصراعات والتوتر في المنطقة. انظروا الى مصر، الى ليبيا، الى سوريا! لقد بدأت القوى الاستكبارية وعلى رأسها امريكا بهجومٍ مضادٍ لمواجهة الصحوة الإسلامية التي قامت بها الشعوب وهذا الهجوم مستمر وهم يجرّون الويلات على شعوب المنطقة؛ هدفهم هو هذا؛ وهو مخالف بالمطلق لأهدافنا. نحن لا نتحدث ولا نتفاوض مع امريكا مطلقاً حول القضايا الاقليمية ولا حول المسائل الداخلية ولا حول التسليح والسلاح؛ المفاوضات فقط وفقط حول القضية النووية وكيفية الوصول الى نتائج لحل الملف النووي بالطرق الديبلوماسية.

الأمر الثالث هو ما يكرره الامريكيون "بأننا نعقد اتفاقاً مع ايران، ثم ننظر فإذا التزم الايرانيون بالإتفاق نرفع الحظر والعقوبات" هذا الكلام غلط ولا يمكن قبوله ابداً؛ نحن لا نقبل بهذا. إن رفع العقوبات هو من مواضيع المفاوضات وليس نتيجة لها؛ والضالعون في هذه المسائل يدركون جيداً الفرق بين هاتين المسألتين. إنها خدعة أن يقول الامريكيون نحن نعقد اتفاقاً ثم نراقب التصرفات وبعدها نرفع الحظر! الامر ليس كذلك؛ بل كما صرّح مسؤولونا بشكلٍ صريحٍ وكما قال رئيس جمهوريتنا المحترم بصراحة إن رفع الحظر والعقوبات يجب ان يتم فور الوصول الى اتفاق دون أي تأخير، أي ان رفع الحظر هو جزء من التوافق وليس تابعاً للتوافق.

يوجد نقطة اخرى وهي ما يكرره الامريكيون بأن على ايران أن تتعهد بعدم الرجوع مطلقاً عن أي قرار تتخذه او توافق عليه! هذا أمر لا نقبله. فإن كان الطرف الآخر يستطيع وتحت اي ذريعة أن يعود لفرض العقوبات والحظر على الشعب الايراني، فلا معنى لأن يقبل الوفد المفاوض بالتعهد بعدم التراجع أبداً عن الاتفاقيات بأي وجه من الوجوه. أبداً فهذه الطاقة النووية هي صناعة شعبية ووطنية وهي ملك للناس، علمها وتقنيتها ملك للشعب، ويجب ان تتطور وتتقدم؛ هذا التقدم جزء لا يتجزأ من اي صناعة وتقنية. إنهم يتذرعون بطرح بحث القنبلة النووية، حسن، هم أنفسهم يعرفون بأننا لا نسعى لامتلاك السلاح النووي. لكنها ليست سوى ذريعة واهية للضغط على الشعب الايراني. لقد كنا في هذه المفاوضات ملتزمين بكل التعهدات الدولية وكنا ملتزمين بالتعهدات الاخلاقية السياسية – الاسلامية، لم ننقض العهود ولم نتكلم بطريقتين، لم نتلوّن ونمارس الازدواجية؛ في المقابل كان الامريكيون يقفون بوجهنا، نقضوا العهود ومارسوا التلوّن والتزوير والتلاعب. إن سلوكهم هو مصدر لأخذ العبر عند شعبنا؛ لينتبه اولئك الذين لم يلتفتوا حتى الآن وهم من الطبقة المثقفة في البلاد وليعرفوا من هو الطرف الآخر، من هي أمريكا، فليمعنوا النظر في هذه المفاوضات ليفهموا طبيعة من يواجهون وماذا تفعل أمريكا حالياً في العالم.
 
شعبنا صامد وسينجز الأعمال الكبرى
إن التهديدات التي يطلقونها لا تأثير لها؛ حيث يهددون بعقوبات أكثر أو يلمحون في كلامهم الى حركة عسكرية ما، هذه التهديدات لا تخيف الشعب الايراني؛ الشعب الايراني صامد وثابت وإن شاء الله سيخرج من هذا الامتحان بنجاح باهر؛ بالتأكيد إن التوفيقات الإلهية يمكنها ان تنصر شعبنا في هذا الطريق.  

هناك مسائل مهمة أخرى ولكن لا مجال لطرحها الآن؛ بالتأكيد هناك أعمال كبرى تقع على عاتق الشعب والحكومة؛ قضية الإتحاد الإسلامي، مسألة دعم الشعوب المستضعفة، نشر النفوذ المعنوي للإسلام في المنطقة حيث يحمل رايته اليوم الشعب الايراني، هي أعمال كبرى، وإذا شمل الله تعالى بتوفيقاته شعبنا العزيز – إن شاء الله سيشمله ببركة أدعيتكم وببركة هممكم وجهودكم وخاصة الشباب منكم- فإن هذه الاعمال الكبرى ستتحقق إن شاء الله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


1- سورة الحج، جزء من الآية 39
2- سورة الحج؛ الآية 41
3- من لا يحضره الفقيه؛ ج1، ص210
4- سورة التوبة؛ جزء من الآية 103
5- الكافي، ج5، ص56
6- سورة النحل؛ جزء من الآية 90
7- سورة الأعراف؛ جزء من الآية 157
8- الكافي، ج4، ص 570.
9- سورة التوبة؛ جزء من الآية 71.
10- هتافات مدويّة: الله أكبر، خامنئي قائد، الموت لأمريكا
11- شباط ذكرى انتصار الثورة
12- المقصود: خطّة الأفق العشريني(افق 1404هـ. ش) التي وُضعت قبل عشر سنوات.
13- (هتافات : الموت لأمريكا)
14- هتافات التكبير والموت لأمريكا ولإسرائبل
15- هتافات الموت لإسرائيل
16- هتافات مدوبّة: الله أكبر، خامنئي قائد.

2015-03-27