يتم التحميل...

علي والسياسة

نهج البلاغة

يجيب بهذا عن قول من قال: ان عليا لا يعرف السياسة، ويتلخص جوابه بأنه يعرف الفرص والوسائل إلى بلوغ الملك والسلطان، ولكنه لا ينتهزها على حساب دينه وضميره. وقال في مكان آخر من النهج:

عدد الزوار: 236

(قد يرى الحوّل القلَّب وجه الحيلة، ودونها مانع من أمر اللَّه ونهيه).

يجيب بهذا عن قول من قال: ان عليا لا يعرف السياسة، ويتلخص جوابه بأنه يعرف الفرص والوسائل إلى بلوغ الملك والسلطان، ولكنه لا ينتهزها على حساب دينه وضميره. وقال في مكان آخر من النهج: "واللَّه ما معاوية بأدهى مني، ولكنه يغدر ويفجر، ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس". وقال أيضا: "أتأمروني ان أطلب النصر بالجور فيمن وليت عليه". إن عليا لا يفهم من كلمة النصر والنجاح إلا مرضاة اللَّه، والعمل بالحق والعدل، وهو مستعد لأن يضحي بالنفس والملك وبكل عزيز ليبلغ هذه الغاية، أما ألاعيب معاوية فهي شر ووبال.

وقال جورج جرداق: "ان الذين قالوا: علي لا يعرف السياسة يريدون من علي أن يكون معاوية بن أبي سفيان، ويأبى علي إلا أن يكون ابن أبي طالب".

وقال طه حسين: "حارب أبو سفيان النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأظهر في حربه قوة وقسوة وكيدا ومكرا ودهاء.. ثم أسلم حين لم ير من الاسلام بدا.. وورث معاوية عن أبيه قوته وقسوته ومكره وكيده ودهاءه، ولم تكن أم معاوية بأقل من أبيه تنكرا للاسلام، وأسلمت كرها كما أسلم زوجها كارها.. وكان الطامعون يجدون عند معاوية ما يريدون، فضم اليه كل من كان له أرب في الدنيا.. وكان علي لا يدهن في الدين، ويبغض المكر والكيد، كان يرى الحق فيمضي اليه مصمما، ويرى الباطل فيعرض عنه عازما.. وما رأيك في رجل جاءه أخوه عقيل مسترفدا فلم يجد عنده ما يريد.. وما رأيك في رجل آخر - أي معاوية يأتيه عقيل هذا نفسه، فيعطيه من بيت المال مئة ألف". وهذه الحادثة وحدها كافية وافية لتفسير الفرق بين سياسة الرحمن وسياسة الشيطان.

وأخيرا قرأت للأستاذ الكبير أحمد عباس صالح كلمة في هذا الموضوع بمجلة الكاتب المصرية عدد نيسان سنة 1965 قال فيها: "قاد معاوية جيش الشام، وهو الرجل الذي يمثل النقيض من علي تماما، هو شخصية فريدة، جمعت فيه كل خصائص الرجل الذي لا تشل حركته أية قيمة من القيم الدينية والانسانية، انه ابن أبي سفيان الشهير، وابن تلك المرأة التي مضغت كبد حمزة عم النبي حين سقط قتيلا.. ان في نفس معاوية إرادة الانتصار الشخصي والغلب.. ان فيه قسوة الاعصار، وعبقرية القدر الغاشم.. انه قطب السلب المطلق الذي يصطرع في قلب الانسان كما يصطرع في قلب الكون، والسلب في الكون يتجه إلى الشر، والإيجاب يتجه إلى الخير، وقد تصادم القطبان: - علي ومعاوية - الموجب والسالب بقدر ما يتيح الإنسانية أن تكون سلبا مطلقا أو إيجابا مطلقا" ثم قال الأستاذ صالح "ولو لم يسر علي سيرته المثالية أكانت تبقى تلك الجذوة - أي جذوة الحق - مشتعلة كامنة في النفوس وكأن دور علي الوحيد أن يكون مثالا في التأريخ كأنه علامة من علامات الطريق".

وهذه الكلمة القصيرة الكبيرة لا تصور سياسة علي فحسب، وإنما ترسم شخصيته في واقعها، انها تجمع خير الكون بأسره كما تجمع شخصية معاوية شر الكون بكامله، انها الدليل والعلامة على الحق، ولولاها لم يكن له "جذوة مشتعلة كامنة في النفوس" ولا نطمس الحق وأثره في عهد علي، وبالتالي من بعده في كل عهد - حيث يحتج الكبير والصغير لاحتياله على الحق بعمل علي بن أبي طالب - ولكن عليا كان وسيبقى إلى آخر يوم حجة دامغة على من يحيد عن الحق أو يحتال عليه، وما ترك لأحد على الاطلاق معذرة ولا وسيلة.


* في ظلال نهج البلاغة / العلامة محمد جواد مغنية /1/257_258.

2015-03-16