يتم التحميل...

حول الدين

نهج البلاغة

وتسأل: ان أكثر الشعوب والأمم في شرق الأرض وغربها كانت متخلفة في شتى الميادين، ثم تطورت وتقدمت ماديا ومعنويا دون أن يأتيها نبي من الأنبياء، أو ينزل عليها كتاب من السماء، وإذن فليس من الضروري لكي يتقدم الانسان في هذه الحياة أن يكون ملتزماً بدين.

عدد الزوار: 114

إن اللَّه بعث محمداً صلى الله عليه وآله وسلم نذيراً

وتسأل: ان أكثر الشعوب والأمم في شرق الأرض وغربها كانت متخلفة في شتى الميادين، ثم تطورت وتقدمت ماديا ومعنويا دون أن يأتيها نبي من الأنبياء، أو ينزل عليها كتاب من السماء، وإذن فليس من الضروري لكي يتقدم الانسان في هذه الحياة أن يكون ملتزماً بدين.

الجواب:

1- نحن لا ندعي ان التقدم في الصناعة والزراعة وغيرهما من مظاهر الحضارة وقف على المتدينين، ولا ننسب هذه الدعوى إلى انسان، والغرض الأول هو الإشارة إلى أن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم قد أخرج الناس من الظلمات إلى النور، وتقدم بالحياة مئات السنين. ولا يختلف في ذلك اثنان بصرف النظر عن الدين.. على أن التقدم في أي ميدان من ميادين العلم وغيره ما هو بشيء إذا لم يكن لصالح الانسان وأمنه، والقضاء على ضعفه وفقره. ولا نعرف عصرا من العصور تجرّد فيه الأقوياء عن انسانيتهم، وأصبحوا أشد خطرا على البشرية من الأفاعي والوحوش كالعصر الذي نعيش فيه، والسبب الأول هو تقدم الآلة، وتطور الأسلحة، وتعاظمها في شأنها وأثرها.

2- إن الاسلام يدعو إلى كل خير ويباركه حتى ولو كان فاعله من الملحدين، وينهى عن كل شر ويبرأ منه ومن صاحبه وان آمن باللَّه ورسله وكتبه. قال الإمام عليه السلام: "ان اللَّه يحب العبد- المؤمن- ويبغض عمله، ويحب العمل- الصالح من الكافر- ويبغض بدنه" أي كفره، وعليه فكل خطوة يخطوها الانسان إلى حياة أفضل فهي من الدين في الصميم، مسلما كان أم غير مسلم. ومن يقف ضد العلم النافع أو أي عمل يصلح الحياة بجهة من الجهات فهو عدو للَّه ودين اللَّه، أراد ذلك أم لم يرد. كيف والاصلاح هو الغاية الأولى من رسالة الرسل والأنبياء.

3- كل الناس يقدسون المعاني الانسانية النبيلة، ولكن الفرق بعيد بين أن يكون هذا التقديس دينا وعقيدة ينبع من العقل والقلب، ويختلط باللحم والدم مع الشعور بأن هذه المعاني كما هي نبيلة في ذاتها فإن الإنسان مسؤول عنها أمام قوة قادرة عادلة تراقب وتحاسب، وتثيب وتعاقب، الفرق بعيد جدا بين هذا وبين أن يكون تقديس المعاني الانسانية لمجرد انها نبيلة، وان الانسان يفعلها لمحض انه طيب ومهذب وحسن المعاملة، دون أن يكون مسؤولا عن تركها وإهمالها أمام قوة تعلم الغيب وتحاسب من أهمل وتجاهل.. وأية جدوى من الخير في ذاته ومن الشر في ذاته إذا لم يشعر الانسان انه مسؤول عن كل ذرة منهما أمام من لا يغادر كبيرة ولا صغيرة إلا أحصاها، وسأل عنها، وكافأ من أحسن بالحسنى، ومن أساء بما يستحق قال أديب معاصر: "ان من قال: لسنا في حاجة إلى القرآن لنكون على أخلاق هو أشبه بالبقال الذي اكتشف ان حسن المعاملة بضاعة رابحة في حد ذاتها، وانها تكسب له قلب الزبون وجيبه".


* في ظلال نهج البلاغة / العلامة محمد جواد مغنبة /1/178_179.

2015-02-16