مصادر نهج البلاغة
نهج البلاغة
أن احد الأسئلة المطروحة حول كتاب نهج البلاغة، هو أن الشريف الرضي لم يعرض إلي ذكر أسانيد الخطب والرسائل، مما يجعل اعتبارها في مهب الشك والتردد، حتى قيل: إن نهج البلاغة كتاب مرسل ولا يمكن الاعتماد عليه فقهياً(1).
عدد الزوار: 144أن احد الأسئلة المطروحة حول كتاب نهج البلاغة، هو أن الشريف الرضي لم يعرض إلي ذكر أسانيد الخطب والرسائل، مما يجعل اعتبارها في مهب الشك والتردد، حتى قيل: إن نهج البلاغة كتاب مرسل ولا يمكن الاعتماد عليه فقهياً(1).
علي أثر ذلك، بذل المحققون جهوداً حثيثة ومشكورة بغية الإجابة عن هذا السؤال،
وقاموا باستخراج مصادر نهج البلاغة التي دونت قبل الرضي وبعده.
ونستعرض هنا تلك الجهود بنحو موجز.
1- استناد نهج البلاغة، امتياز علي خان العرشي.
و هو أول من طرح كيفية جمع نهج البلاغة، وارجاع كلمات نهج البلاغة إلى الإمام(عليه
السلام)، وأجاب فيه عن الشبهات المثارة حول النسبة الكتاب إلى أمير المؤمنين(عليه
السلام)، ومن ثم تعرض إلي مصادر نهج البلاغة التي دونها كلا الفريقين قبل السيد
الرضي.
و قد نقل السيد مرتضى أية الله زاده الشيرازي الكتاب المذكور إلى الفارسية، وعنيت
منشورات أمير كبير بطبعة عام 1362 ﻫ.
2- اسناد ومدارك نهج البلاغة، محمد الدشتي ( المتوفى 1422 ﻫ).
ذكر فيه (283) مصدراً لنهج البلاغة، وبين مصادر كلام الإمام (عليه السلام) وفق
ترتيب نهج البلاغة.
يشكّل هذا الكتاب الجزء الرابع من مجموعة صنفها المؤلف نحت عنوان «آشنايى با نهج
البلاغة» (بالفارسية) تقع في سبعة أجزاء.
3- مصادر نهج البلاغة وأسانيده، السيد عبد الزهراء الحسيني الخطيب.
طبع الكتاب في أربعة أجزاء، وقسّم المؤلف مصادر نهج البلاغة إلى اربعة اقسام:
آ- المصادر المؤلفة قبل عام (400 ﻫ)، وهي متوفرة اليوم.
ب- المصادر المؤلفة قبل الكتاب نهج البلاغة، وقد نقل عنها بالواسطة.
ج- المصادر المدوّنة بعد السيد الرضي، لكنها نقلت كلام الإمام (عليه السلام)
بأسانيد متصلة دون أن يقع في طرقها السيد الرضي.
د- المصادر المدوّنة بعد السيد الرضي، ونقلت كلام الإمام علي (عليه السلام) مع بعض
الاختلافات عما جاء في نهج البلاغة.
وقد نقل المصنف أسماء (114) مصدراً، واختص الجزء الأول إلى نصفه بذكر أمور عامة حول
نهج البلاغة ومؤلفه. ويتخلص أسلوب الكاتب بنقل متن نهج البلاغة، ثم يردفه بذكر
الكلمات الغامضة، ثم يتبعه بالمصادر، كما أنه يشير إلي الشروح المستقلة إن توفرت.
4- مدارك نهج البلاغة ودفع الشبهات عنه، هادي كاشف الغطاء. مكتبة الأندلس، بيروت.
وقد طبع هذا الكتاب بمعية كتاب آخر للمؤلف، هو مستدرك نهج البلاغة.
يتناول فيه المؤلف الشبهات التي أثيرت حول نسبة نهج البلاغة إلى أمير المؤمنين
بالنقد والنحليل، ويتعرض إلى مصادر بعض كلمات الإمام (عليه السلام).
5- بحث مقتضب حول نهج البلاغة ومداركه (بالفارسية)، رضا الأستادي.
6- العذيق النضيد بمصادر ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة، مطبعة العاني، بغداد،
1987م – 1407 ﻫ.
7- الإنسان الكامل في نهج البلاغة، حسن زاده الآملي.
بذل المؤلف جهوداً كبيرة في هذا المضمار، ويقول في مقدمة كتابه:
لقد اطلعت على مصادر هائلة لنهج البلاغة من الجوامع الروائية، وكتب السير والغزوات،
ومجاميع حديثية، وسفن علمية ( إشارة منه إلى سفينة البحار)، وكان دأبي العثور على
مصادر ومنابع دونت قبل السيد الرضي، حتى حالفني التوفيق في الوصول إلى ثلثي تلك
المصادر.
و نقلت قسماً منها في ثنايا تكملة منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة المطبوع في
خمسة أجزاء(2).
8- المعجم المفهرس لألفاظ نهج البلاغة.
سرد في قسم منه مصادر الخطب والرسائل وفق ترتيب نهج البلاغة(3).
ومع وجود هذه المصادر والمراجع الهائلة، لا يبقى مجال للشك حول نسبة نهج البلاغة
إلى الإمام (عليه السلام)، إضافة إلى أن محتوى الكثير من الخطب والرسائل يشهد على
صحة صدورها منه (عليه السلام).
وختاماً، نودّ أن ننقل هنا تعليقاً لابن أبي الحديد، قاله بعد نقله خطبه لإبن أبي
الشخباء العسقلاني ( المتوفّى 482 ﻫ).
هذه أحسن خطبة خطبها هذا الكاتب، وهي كما تراها ظاهرة التكلف، بيّنة التواليد، تخطب
على نفسها، وإنما ذكرت هذا، لأن كثيراً من أهل الهوى يقولون إن كثيراً من نهج
البلاغة كلام محدث، صنعه قوم من فصحاء الشيعة وربما عزوا بعضه إلى الرضي أبي الحسن
وغيره، وهؤلاء أعمت العصيبة أعينهم، فضلوا عن النهج الواضح، وركبوا بنيّات
الطريق(4) ضلالاً وقلّة معرفة بأساليب الكلام، وأنا أوضح لك بكلام مختصر ما في هذا
الخاطر من الغلط.
ثم يقول:
لا يخلو أما أن يكون كل «نهج البلاغة» مصنوعاً منحولاً، أو بعضه، والأول بالضرورة،
لأنا نعلم بالتواتر صحة اسناد بعضه إلى أمير المؤمنين(عليه السلام)، وقد نقل
المحدثون كلهم أوجلهم، والمؤرخون كثيراً منه، وليسوا من الشيعة لينسبوا إلى غرض في
ذلك، والثاني يدل على ما قلناه، لأن من قد أنس بالكلام والخطابة، وشدا طرفاً من
العلم البيان، وصار له ذوق في هذا الباب لابد أن يفرق بين الكلام الركيك والفصيح،
وبين الفصيح والأفصح، وبين الأصيل والمولد، وإذا وقف على كرّاس واحد يتضمن كلاماً
لجماعة من الخطاء أو لاثنين منهم فقط، فلابد أن يفرق بين الكلامين ويميز بين
الطريقتين.
وأنت إذا تأملت «نهج البلاغة» وجدته كله ماءً واحداً، ونفساً واحداً، أسلوبأ
واحداً، كالجسم البسيط الذي ليس بعض من أبعاضه مخالفاً لباقي الأبعاض في الماهية،
وكالقرآن العزيز أوله كأوسطه، وأوسطه كآخره، وكل سورة منه وكل آية منه مما ثلة في
المأخذ والمذهب والفن والطريق والنظم لباقي الآيات والسور، ولو كان بعض «نهج
البلاغة»، منحولاً وبعضه صحيحاً لم يكن ذلك كذلك(5).
1- تعرّض العلامة الأميني في الغدير: 4/193- 198 إلى هذه الإشكال وتصدى للإجابة
عنه.
2- الإنسان الكامل في نهج البلاغة (بالفارسية): 36.
3- المعجم المفهرس لألفاظ نهج البلاغة: 1377- 1424.
4- يقال: ركب ينيّات الطريق، أي ضلّ.
5- شرح ابن أبي الحديد: 10/126- 128، ط. دار إحياء الكتب العربية. تأليف الشهيد
مرتضى مطهري.