الأئمة عليهم السلام والشيعة
الإمام الخامنئي دام ظله
كما أن الإسلام هذا الدين العظيم للناس كافة، وكما أن القرآن الحكيم للناس كافة، وكما أن الرسول محمَّداً صلى الله عليه وآله وسلم للناس كافة، كذلك أئمة أهل البيت عليهم السلام هم للنّاس كافة، وليسوا لفئةٍ دون أخرى.
عدد الزوار: 252
الأئمة عليهم السلام للناس جميعاً
كما أن الإسلام هذا الدين العظيم للناس كافة، وكما أن القرآن الحكيم للناس كافة،
وكما أن الرسول محمَّداً صلى الله عليه وآله وسلم للناس كافة، كذلك أئمة أهل البيت
عليهم السلام هم للنّاس كافة، وليسوا لفئةٍ دون أخرى.
﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ﴾1.
والأئمة عليهم السلام أيضاً ليسوا مختصين بنخبة من الناس أو بشريحة دون أخرى وهذا
ما يظهر من سيرة وأقوال الأئمة عليهم السلام وكمثال على ذلك نشاهد الإمام السجّاد
عليه السلام ينوِّع خطاباته إلى الجهات المخاطبة، يقول سماحة القائد دام ظله:
"... ما سنقوم بدراسته هنا هو كلمات الإمام السجاد عليه السلام الواردة في كتاب "تحف
العقول" حيث نشاهد عدّة أنواع من الأسلوب المذكور والتي تشير إلى طبيعة الجهات
المخاطبة. أحد تلك الأنواع، البيانات الموجّهة لعامة الناس والتي يظهر فيها أن
المستمع ليس من الجماعة المقرّبة والخاصة للإمام أو من الكوادر التابعين له...
فالخطاب يبدأ هكذا:
"أيها الناس، اتقوا اللَّه واعلموا أنكم إليه راجعون"2.
ثم يتطرق الإمام عليه السلام إلى العقائد الإسلامية ويوجِّه الناس إلى ضرورة فهم
الإسلام الصحيح... يريد بذلك إيقاظهم من غفلة الجهل إلى معرفة الإسلام وتعاليمه...".
البكاء
هل البكاء علامة ضعف الإنسان؟ وإذا كان كذلك، فهل يعني هذا أن شيعة أهل البيت عليهم
السلام الذين يبكون مظلوميتهم وغربتهم وخاصة غربة ومظلومية سيد الشهداء ومن كان معه
في كربلاء ضعفاء؟
هل البكاء يعني الانهزام النفسي؟
في الحقيقة إن المتأمِّل في حقيقة البكاء، يرى أنه على أنواع من حيث دوافعه، فقد
يكون البكاء علامة ضعف، وقد يكون علامة قوّة، وهذا ما دعا إليه أهل البيت عليهم
السلام.
يقول القائد دام ظله:
"... نجد أن الإمام الباقر عليه السلام استمر في جهاده، وذلك في إقامة مجالس العزاء
في منى. وحتى أنه أوصى أن يقام له العزاء، ولمدّة عشرة سنوات في منى.
"تندبني النوادب بمنى عشر سنين".
فهذا استمرار للجهاد. لماذا البكاء على الإمام الباقر في منى، وما هو الهدف منه؟
فمن خلال حياة الأئمة عليه السلام نلاحظ التأكيد والحث على مسألة البكاء. ولقد ظهر
هذا التأكيد في الروايات التي ذكرت فضل وأهميّة البكاء على ما جرى في حادثة كربلاء.
ولدينا روايات صحيحة ومعتبرة في هذا المجال ولا أذكر أنه قد أكّد على البكاء في
حادثة أخرى غيرها، إلا في زمن الإمام الرضا عليه السلام، عندما عزم الإمام الرضا
عليه السلام على الرحيل واقتربت منيته قام بجمع أهله ليبكوا عليه، فهذه الحركة لها
دلالة ومعنى سياسياً يتعلق بالفترة التي سبقت سفره وشهادته عليه السلام.
فقط في زمن الإمام الباقر عليه السلام أمر بالبكاء وحتى أنه أوصى بعد شهادته، ووضع
800 درهم من ماله لإنجاز هذه الوصية في "منى" . "فمنى" تختلف عن منطقة عرفات
والمشعر وحتى مكة. ففي مكة الناس متفرقون وكل واحد منهم مشغول بعمله وعرفات لا يكون
المكوث فيها إلا من الصباح حتى وقت (بعد الظهر) وعندما يأتي الناس إلى عرفات يأتون
بعجلة ويسرعون بالرحيل بعد الظهر أيضاً؛ وذلك ليلتحقوا بأعمالهم.
وأما المشعر فلا يدوم المكوث فيه إلا عدّة ساعات، فهو ليس إلا ممرّاً في طريق منى.
أما في منى فالمكوث يدوم فيه ثلاث ليالٍ متتالية. فقليل من الناس خلال هذه الليالي
الثلاث من يذهب إلى مكة ويرجع ثانية.
بل أكثر الناس يمكثون الأيام الثلاثة وبصورة مستمرة في منى، وخاصة في ذاك الزمان
ومع بساطة الوسائل المتوفرة، حيث يجتمع الآلاف من الناس الذين يأتون من جميع أنحاء
العالم ويمكثون ثلاث ليالٍ، وكل شخص يعلم أن هذا المكان هو المناسب لإيصال أي نداء
إلى العالم، وخاصة في تلك الأيام التي تنعدم وسائل الأعلام كالراديو والتلفزيون
والجرائد وغيرها من الوسائل الأخرى، فعندما يبكي جماعة على آل الرسول صلى الله عليه
وآله وسلم فمن المؤكد أن يسأل الجميع عن سبب البكاء. فلا أحد، عادة، يبكي على ميّت
عادي وبعد مرور سنين طويلة. إذن فهل ظُلم؟ أو قُتِل؟ ومن الذي ظلمه؟ ولماذا ظُلم؟
تُطرح أسئلة كثيرة من هذا القبيل. إذن فهذه (أي الأمر بالبكاء) حركة جهادية دقيقة
ومخطط لها...".
أيها الموالون لا تيأسوا
إذن البكاء الذي دعا إليه أهل البيت عليهم السلام ليس ضعفاً، إنما هو قوّ وجهاد،
وإظهار للمظلومية بأسلوب الحزن والبكاء. فهم لا يدعون إلى اليأس والانهزام النفسي،
بل إلى الأمل والطمأنينة إلى مستقبل زاهر يحكمه الإسلام الأصيل، إسلام محمد وعلي
وأهل بيته عليهم السلام.
يقول القائد دام ظله مشيراً إلى دور أهل البيت عليهم السلام في تقوية قلوب شيعتهم
وتأميلها بالمستقبل:
"ومع كل ذلك، يتجنّب الإمام الباقر عليه السلام أي مواجهة حادة ومجابهة مباشرة مع
الجهاز الحاكم...
ولكن هذا الأسلوب لم يكن يمنع الإمام عليه السلام من توضيح "حركة الإمامة" لأتباعه
الخلّص. وإذكاء أمل الشيعة الكبير، وهو إقامة النظام السياسي بمعناه الصحيح العلوي
في قلوب هؤلاء، بل يعمد أحياناً إلى إثارة عواطفهم بالقدر المطلوب على هذا الطريق،
والتلويح بمستقبل مشرق هو أحد السبل التي مارسها الإمام الباقر عليه السلام مع
أتباعه. وهو يشير أيضاً إلى تقويم الإمام عليه السلام للمرحلة التي يعيشها من
الحركة.
يقول الحكم بن عيينة:
"بينا أنا مع أبي جعفر عليه السلام والبيت غاص بأهله، إذ أقبل شيخ يتوكأ على عنزة
(عكازة) له حتى وقف على باب البيت فقال: السلام عليك يا ابن رسول اللَّه ورحمة
اللَّه وبركاته. ثم سكت فقال أبو جعفر: وعليك السلام ورحمة اللَّه وبركاته.
ثم أقبل الشيخ بوجهه على أهل البيت وقال: السلام عليكم، ثم سكت حتى أجابه القوم
جميعاً، وردّوا عليه السلام.
ثم أقبل بوجهه على الإمام عليه السلام وقال: يابن رسول اللَّه أدنني منك جعلني
اللَّه فداك. فواللَّه إني لأحبكم وأحب من يحبكم، وواللَّه ما أحبكم وأحب من يحبكم
لطمع في الدنيا، وإني لأبغض عدوكم وأبرأ منه، وواللَّه ما أبغضه وأبرأ منه لوترٍ
كان بيني وبينه. واللَّه إني لأحلّ حلالكم وأحرّم حرامكم، وانتظر أمركم، فهل ترجو
لي جعلني اللَّه فداك؟
فقال الإمام عليه السلام: إليّ إليّ، حتى أقعده إلى جنبه ثم قال عليه السلام:
"أيها الشيخ، إن أبي علي بن الحسين عليه السلام أتاه رجل فسأله عن مثل الذي سألتني
عنه، فقال له أبي عليه السلام: " إن تمت ترد على رسول اللَّه صلى الله عليه وآله
وسلم وعلى عليّ والحسن والحسين وعلى عليّ بن الحسين، ويثلج قلبك، ويبرد فؤادك، وتقر
عينك، وتُستقبل بالروح والريحان مع الكرام الكاتبين... وإن تعش ترى ما يقر اللَّه
به عينك، وتكون معنا في السنام الأعلى" .
قال الشيخ وهو مندهش من عظمة البشرى: كيف يا أبا جعفر؟ فأعاد عليه الكلام، فقال
الشيخ: اللَّه أكبر يا أبا جعفر، إن أنا متُّ أرد على رسول اللَّه صلى الله عليه
وآله وسلم وعلى علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين وتقر عيني ويثلج قلبي ويبرد
فؤادي وأُستقبل بالروح والريحان مع الكرام الكاتبين، لو قد بلغت نفسي ها هنا. وإن
أعش أرى ما يقر اللَّه به عيني، فأكون معكم في السنام الأعلى؟ ثم أقبل الشيخ ينتحب
حتى لصق بالأرض. وأقبل أهل البيت ينتحبون لما يرون من حال الشيخ. ثم رفع الشيخ رأسه
وطلب من الإمام أن يناوله يده فقبّلها ووضعها على عينه وخدّه، ثم ضمّها إلى صدره
وقام فودّع وخرج والإمام ينظر إليه ويقول: "من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل الجنّة
فلينظر إلى هذا"3.
مثل هذه التصريحات، تزكي روح الأمل في قلوب تعيش جو الاضطهاد والكبت، فتكسبها زخماً
ودفعاً نحو الهدف المنشود المتمثل في إقامة النظام الإسلامي العادلة".
لا تكفي العاطفة
إن محبَّة أهل البيت عليهم السلام مطلوبة وهذا ما أكّده القرآن الكريم:
﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾4.
ولكن في نفس الوقت يحدِّد القرآن الحكيم معنى للمحبَّة تتجاوز القلب إلى شيء آخر
وهو الإتباع والعمل.
"إن كنتم تحبّون اللَّه فاتبعوني يحببكم اللَّه..."5.
فلا يكفي حبّ اللَّه تعالى دون الاتباع، ولا يكفي حب الرسول صلى الله عليه وآله
وسلم والأئمة عليهم السلام دون الإتباع أيضاً، يقول القائد دام ظله: "... وقد صوّر
الإمام الصادق عليه السلام وضع الإمام الرابع ودوره الرائد يقول عليه السلام:
"ارتدّ الناس بعد الحسين عليه السلام إلا ثلاثة: أبو خالد الكابلي، ويحيى بن أم
الطويل، وجبير بن مطعم، ثم إن الناس لحقوا وكثروا، وكان يحيى بن أم الطويل يدخل
مسجد رسول اللَّهصلى الله عليه وآله وسلم ويقول: " كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم
العداوة والبغضاء"6.
هذه الرواية تصوِّر حالة المجتمع الإسلامي بعد مقتل الحسينعليه السلام، إنها حالة
الهزيمة النفسية الرهيبة التي عمّت المجتمع الإسلامي إبان وقوع هذه الحادثة، فمأساة
كربلاء كانت مؤشراً على هبوط معنويات هذا المجتمع عامة، حتى شيعة أهل البيت عليهم
السلام؛ هؤلاء الشيعة الذين اكتفوا بارتباطهم العاطفي بالأئمة عليهم السلام، بينما
ركنوا عملياً إلى الدنيا ومتاعها وبريقها... ومثل هؤلاء كانوا موجودين على مرِّ
التاريخ، وليسوا قليلين حتى يومنا هذا.
فمن بين الآلاف من مدّعي التشيّع في زمن الإمام السجاد عليه السلام بقي ثلاثة فقط
على الطريق! ثلاثة فقط لم يرعبهم الإرهاب الأموي، ولا بطش النظام الحاكم، ولم يثن
عزمهم حب السلامة وطلب العافية، بل ظلّوا ملبّين مقاومين يواصلون طريقهم بعزم
وثبات.
هؤلاء لم ينجرفوا مع تيار المجتمع المنجر كالرعاع وراء إرادة الحاكم الظالم، بل كان
يقف الواحد منهم وهو يحيى بن أم الطويل في مسجد المدينة ويخاطب مدّعي الولاء لأهل
البيت عليهم السلام، معلناً براءته منهم... ويستشهد بما قاله إبراهيم عليه السلام
وأتباعه، لمعارضي زمانه:
﴿كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء﴾7.
أراد ابن أم الطويل بتلاوته هذه الآية المباركة أمام مدّعي الولاء لأهل البيت عليهم
السلام أن يعلن الانفصال التام بين الجبهتين: جبهة الرساليين الملتزمين، وجبهة
الخلود إلى الأرض والانحطاط إلى مستوى الأماني الرخيصة والانشدادات المادّية
التافهة، وهو انفصال يرافق كل الدعوات الإلهية. والإمام الصادق عليه السلام عبّر عن
هذا الانفصال بين الجبهتين بقوله: "من لم يكن معنا كان علينا" أي من لم يكن في جبهة
التوحيد كان في جبهة الطاغوت، وليس ثمة منطقة وسط بين الاثنين، ولا معنى للحياد في
هذا الانتماء.
إن يحيى بن أم الطويل هذا المسلم والموالي الحقيقي لأهل بيت رسول اللَّه صلى الله
عليه وآله وسلم بصرخته هذه يعلن الانفصال بين الذين يُرضون أنفسهم بالولاء العاطفي
بينما هم قابعون في قوقعة مصالحهم الشخصية وغارقون في مستنقع ذاتياتهم الضيقة، وبين
أولئك الملتزمين فكراً وعملاً بالإمام...".
ويقول دام ظله أيضاً حول هذه النقطة في حديثٍ آخر:
"... نحن اليوم نفهم الولاية بمعناها الحقيقي والواقعي، ولكن سابقاً (أي زمن الإمام
الصادق عليه السلام) كانوا يفسرون الولاية بالمحبة، وهذا يعني أنهم كانوا يدعون
الناس إلى الولاية، أي إلى محبة جعفر بن محمد عليه السلام، فهل يصح هذا؟ فهذا ليس
من شؤون الدعوة، فالمحبة لفرد ليست هي الشيء الذي يُدعى إليه المجتمع، إضافة إلى
أنه إذا فسرنا الولاية بالمحبّة لا يكون لبقية الحديث معنى، حيث قال عليه السلام:
"ففرقة أطاعت وأجابت، وفرقة جحدت وأنكرت ومن الذي ينكر ويرد محبّة أهل البيت عليهم
السلام في العالم الإسلامي وفرقة ورعت ووقفت"8.
وإذا فسرت الولاية بالمحبة فلا تتناسب هنا مع مسألة التورع والتوقف. وهذه قرينة إلى
أن الولاية لها معنى آخر غير المحبة، بل هي الحكومة...".
* خطوط عامة من سيرة الأئمة عليهم السلام، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1- سبأ:28.
2- تحف العقول، ص249.
3- الكافي، ج8، ص7775.
4- الشورى:23.
5- آل عمران:31.
6- بحار الأنوار، ج46، ص144، ط الدار الإسلامية.
7- الممتحنة:4.
8- بصائر الدرجات، ص264.