صفات شباب الإسلام
حقيقة الشباب
الشباب في دين اللَّه جلَّ جلاله يتحمَّل مسؤولية كاملة تجاه بارئه تبارك وتعالى فيما يُصطلح تسميته "بالتكليف الشرعي"، فيُصبح موضع توجهٍ للقيام ببعض الأمور وترك بعضها على سبيل الإلزام، على أن يُعاقب في حال المخالفة، دنيوياً وأخروياً،
عدد الزوار: 437
الشباب في الإسلام
الشباب في دين اللَّه جلَّ جلاله يتحمَّل مسؤولية كاملة تجاه بارئه تبارك وتعالى
فيما يُصطلح تسميته "بالتكليف الشرعي"، فيُصبح موضع توجهٍ للقيام ببعض
الأمور وترك بعضها على سبيل الإلزام، على أن يُعاقب في حال المخالفة، دنيوياً
وأخروياً، ومن جملة ذلك، القيام بالأدوار الاجتماعية المختلفة، والعبادية،
والإنقاذية، والتطوعية، والسياسية، والجهادية، وطلب العلم، والمؤازرة، وسائر أنواع
ما يُمكنه تحمُّله تحت عنوان "التكليف الشرعي" في حال البلوغ والقدرة وسائر الشروط
الأخرى...
من هنا يُمكن للمتمعِّن والضليع في الأحكام الإسلامية الإلهية أن يرى بوضوح وتمييز
أن الشاب، من وجهة نظر إسلامية، ليس طفلاً صغيراً ساذجاً تافهاً مهمَّشاً، همُّه
بطنه وطلباتُه ولِعَبُهُ وعبثه "وتضييعُ وقته" ومَنْ يُسيِّر شؤونه، وبتعبيرهم
"مراهقاً"، يعيش على هامش تطورات وأخطار الحياة، ومصير أمَّته.
بل على العكس تماماً، الشباب في الإسلام، له دوره الفاعل والحاسم والمتقدِّم، فنراه
دائماً في الطليعة الجهادية، والمقدَّمة الميدانية، يُحيط بقضايا الأمة الأساس، كما
كان ذلك في الرعيل الأول، وكلِّ تاريخ الإسلام والأولياء والصلحاء، إلى يومنا هذا،
حيث شهدنا حضور الشباب الذي شكل العمود الفقري للمقاومة الإسلامية الميدانية منذ
أواسط الثمانينات، وفي عمليَّاتها الفاصلة، وحتى أيامنا هذه بعد التحرير والظفر
وأيضاً من خلال حضور الشباب في كافة أشكال ووجوه صيانة الإسلام.
وليس هذا مستغرباً إلاَّ لِمَن يجهل الإسلام، أو مُستنكراً إلاّ لِمَنْ يُبغض دينَ
اللَّه تبارك وتعالى.
والشاب الذي يريد بنائه الإسلام هو:
1- المتَّزن، المنضبط، الجاد، الهادىء، الحكيم، الذي لا ينصرف إلى شكله ومظهره
وشعره، والحركات المشبوهة، والتصرفات المستنكرة... كما هو شائع، بل ومطلوب في عالم
اليوم، المتخم بوهم التحرر، إلى حدِّ الانتحار! حتى غدا التحرر عبثاً ولهواً
ومجوناً وعبودية لكل شيء إلا اللَّه.
وقد ورد في الحديث عن قدوة شبابنا رسول اللَّه محمد صلى الله عليه وآله وسلم قوله:"خير
شبابكم مَنْ تشبَّه بكهولكم".
2- الملتزم، المتعبِّد، الساعي إلى رضا اللَّه جلَّ جلاله، الذي يقضي وقته فيما
يُفتخر به في الآخرة، ولا يُخجل منه في الدنيا.
في الحديث عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم:"ما من شاب يَدَعْ للَّه
الدنيا ولَهْوَها، وأهرم شبابَه في طاعة اللَّه، إلاَّ أعطاه اللَّه أجر اثنين
وسبعين صدِّيقاً".
وعندما أظهر أمير المؤمنين عليه السلام أَلَمَهُ من فساد الزمان، أشار إلى الشباب
السيِّء الخُلُق، تماماً كزماننا هذا، كمظهرٍ للانحراف المضيِّع للطاقات والدور
المأمول، فهو زمان"القائلُ فيه بالحق قليل، واللِّسان عن الصدق كليل... أهلُهُ
معتكفون على العصيان، مصطلحون على الادهان، فتاهم عارم" (شرس سيِّء الخلق).(قارن
كلام الإمام عليه السلام بما نحن فيه اليوم)1.
3- المقبل على التفقه، المحصِّلُ للعلم النافع الذي يحتاجه في سائر مواقع حياته، عن
أمير المؤمنين عليه السلام:
"فالعلم في الصغر، كالنقش في الحجر".والشاب الذي لا يتعلَّم2،
يُنكِرُ الإسلام عليه ذلك، فالشاب المسلم إما طالبٌ للعلم وإمَّا معطٍ له إنْ كان
أهلاً لذلك.
رُوي عن الإمام الباقر عليه السلام قوله:"لو أُتيتُ بشاب من شباب الشيعة لا
يتفقَّه، لأدَّبْتُه".
وعن مولانا الصادق عليه السلام:"لستُ أُحبُّ أن أرى الشاب منكم إلاَّ غادياً في
حالين: إمَّا عالماً أو متعلِّماً، فإنْ لم يفعل فرَّط، فإنْ فرَّط ضيَّع، فإنْ
ضيَّع أَثِم، وإنْ أثم سكن النار، والذي بعث محمداً بالحق".
4- المُسخِّر لطاقته وحيويَّته ونشاطه وقوته في سبيل اللَّه تبارك وتعالى، وهذا
دليل إدراكٍ لمعنى الشكر الحقيقي الذي ليس هو لَقْلَقَهُ لسان فقط كما يظن البعض،
بل أعلى درجات الشكر الذي يُديم النِّعم، ألا وهو استعمالُ كلِّ العطايا الربانية
في ما يُرضي اللَّه عزَّ وجلَّ.
وهذا من علامات عمق الإيمان، فكُلَّما ابتعد الشاب عن المعصية والتزم بما يرضى
الخالق تعالى ويُحب، كُلَّما كان كبير الإيمان ثابت الجنان.
رُوي عن مولانا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم:"إنَّ اللَّه يُحبُّ الشاب
الذي يُفني شبابه في طاعة اللَّه".
فالعبارة لم تذكر استخدام الشباب فقط بل افناؤه في سبيل اللَّه.
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم:"إنَّ أحبَّ الخلائق إلى اللَّه عزَّ وجلَّ شابٌ
حَدَثُ السِّن في صورةٍ حسنة، جعل شبابه وجماله للَّه وفي طاعته، ذلك الذي يباهي به
الرحمن ملائكته، يقول: هذا عبدي حقاً".صحيح أن الرواية ذكرت حسن المظهر والمنظر
الذي لا ينكر محبوبيته ولكنها ركزت على جعله للَّه.
5- الغيور، الشاب المسلم غيور لا يرضى الاعتداء على مقدَّساته وحرماته ثم يجلس
ساكتاً لا يُحرِّك ساكناً، فضلاً عن أن يكون راضياً أو مبتسماً... كما يحدث في
المجتمع في هذا الزمان.
فالشاب المسلم لا يغضُّ الطَرْف عن العدوان، خاصة على المقدَّسات والأعراض... وفي
هذا المجال، معروفةٌ فتوى العلماء رضوان اللَّه عليهم، في مَنْ مات دون ذلك فهو
شهيد.
رُوي عن سيدنا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم:"إنَّ اللَّه ليُبْغِضُ
الرجلَ يُدْخَلُ عليه في بيته فلا يُقاتل".
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم:"كان إبراهيم أبي غيوراً، وأنا أغير منه، وأرغم
اللَّه أنف مَنْ لا يغار من المؤمنين".
وهذا كلُّه من علامة أهل الإيمان، وفي النص الشريف:"إنَّ الغيرة من الإيمان".
وربَّما يجهل الكثيرون، خاصةً في هذه الأيام، أنَّ الغَيْرة واجبةٌ على الرجال3،
وهذا للأسف ناتج عن حالة التفلُّت التي نراها عبر وسـائل الإعـلام، وكـثرة
الاعتداءات والشواذات، واعتياد المفاسد، وشياع الاختلاط والمفاكهة بين الرجال
والنساء، في الجلسات المنزلية أو العامة، بل في وسائل الإعلام كذلك، مع تحفُّظ
الإسلام على ذلك.
6- الحياء، من خير صفات الشاب المسلم، وهو من أبرز صفات سيدنا رسول اللَّه صلى الله
عليه وآله وسلم، خاصة في الكلام واللِّباس، وهما أمران يستحبَّان اليوم بشكل
أكيد.فمخالفة الحياء قولاً شائع من خلال السُّباب والشتائم والكلمات المحرَّمة التي
تُطلق علناً في الشوارع والأماكن العامة وبصوت عالٍ، دون خجل. مع أن الرواية تصرح:"ولا
إيمان لِمَنْ لا حياء له".
ومن جملة ابتلاءاتنا، أنَّ بعض هذه الكلمات آخذةٌ بالانتشار والشياع في بعض البرامج
التلفزيونية والنشاطات المسرحية، حيث تُسمى الأشياء بأسمائها، تحت عنوان الحرية
والانفتاح وإضحاك الجمهور... ويُنسب منكرُ ذلك إلى "التزمُّت والظلامية"!
أما مخالفة الحياء في اللباس، فمن جملة مظاهره لبس "الشورت" للشباب والتجوُّل به في
الأسواق، أو الوقوف على الشرفات، أو إظهار أكثر الجسم، أو لبس الثياب الضَّيِّقة
الشفَّافة، أو فتح الأزرار ليُظهر الصدر..." ومَنْ لم يستحِ من النَّاس، لم يستح
من اللَّه سبحانه".
فالحياء من صفات الشاب المسلم، لأنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم كان
أشدَّ حياءً من الفتاة في خدرها، وإنْ كنا في زمان يعتبر البعض الحياء "عقدة
نفسية"، وتركه انفتاح وجرأة!
وصدق اللَّه العظيم القائل:
﴿وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيم﴾
4.
7- نُصرة الإسلام، هي القضية الأساس والهدف الأسمى للشاب المسلم الذي يكون دوماً
مستعداً للتضحية والجهاد في سبيل اللَّه، وهو يعلم أنَّه بقدر ما نكون أقوياء بقدر
ما نحافظ على وجودنا وحقوقنا واستقلالنا... وفوق كل شيء ديننا. وفي مرحلة الشباب
لدينا فرصة لإعداد أنفسنا للجهاد والدفاع.
رُوي عن أمير المؤمنين عليه السلام:"تسلَّحوا ولو بشبر من حديد".
وقد قيل إن لعلي عليه السلام بيتاً ليس فيه إلا مصحف... وسيف.
8- يُحبُّ المستحبات والسُّنن، ويتقيَّد بها ويحرص عليها، وهذا تعبير عن حبِّه
لرسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم، وإنْ لم يلتزم شبابُ الإسلام بها، فَمَنْ
يكون لها؟!
وفي الحديث الشريف:"ومَنْ أحيا سنَّتي فقد أحياني، ومَنْ أحياني كان معي في
الجنَّة".
والسُّنة والآداب تكون في قيامه وقعوده، وعند نومه، وفور استيقاظه، وعند
طعامه وجلساته ومشيته وعباداته... وأن يبقى دوماً على وضوء، ويُصلِّي الصلاة في أول
وقتها5. أوليس الخير عادة فمتى يا ترى نبدأ بتعويد أنفسنا على الخير وترك السوء
والشر.
رُوي عن مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال:"... واقتدوا
بهَدْي نبيِّكم، فإنَّه أفضل الهدي، واستنُّوا بسُنَّته، فإنَّها أهدى السُّنن"6.
ويقول عليه السلام:"أوِّه على إخواني الذين تَلَوُا القرآن فأحكموه، وتدبَّروا
الفرض فأقاموه، أحيوا السُّنَّة، وأماتوا البدعة، دُعُوا للجهاد فأجابوا، ووثِقوا
بالقائد فاتَّبعوه"7.
هذه بعض صفات الشباب المسلم الذين نأمل أن يفتح اللَّه على أيديهم الفتح المبين،
وأن يُنجيِّ الضالين منهم من كيد الكافرين وعاداتهم ومسلكهم.
الشباب ذخيرة المجتمع,سلسلة الانشطة الصيفية, نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية*
1- نهج البلاغة،
الخطبة 223.
2- مفهوم العلم المقصود في كتاب اللَّه عزَّ وجلَّ والأحاديث الشريفة، مختلف تماماً
عمَّا هو شائع اليوم، وما يُستشهد به في المناسبات... والأمر بحاجة إلى حديث مستقل.
ونفس الكلام يَرِدُ في مفهوم العقل، التمدُّن، الحضارة، التجديد، الحداثة...
3- انظر وسائل الشيعة الجزء 14، ص107، باب 77.
4- النور: 15.
5- يُراجع مستحبات وسُنن وأخلاق النَّبي وآداب السلوك وهي موجودة في المكتبات.
6- نهج البلاغة المبارك، الخطبة 110.
7- المصدر نفسه، الخطبة 182.