يتم التحميل...

نفي الصّفات عنه

نهج البلاغة

لا يختلف اثنان من المسلمين في أن اللَّه سبحانه يوصف بكل ما وصف به نفسه في كتابه العزيز، وان عظمته في الكمال والجلال كما هي لا يحدها وصف، ولا يدركها عقل، وانها أزلية أبدية تماما كذاته القدسية..

عدد الزوار: 102

لا يختلف اثنان من المسلمين في أن اللَّه سبحانه يوصف بكل ما وصف به نفسه في كتابه العزيز، وان عظمته في الكمال والجلال كما هي لا يحدها وصف، ولا يدركها عقل، وانها أزلية أبدية تماما كذاته القدسية.. وانما الكلام والخلاف في أن الصفات العليا بأي معنى تنسب اليه تعالى، وتطلق عليه: هل تنسب اليه، جلَّت عظمته على أنها شيء غير الذات، وزائدة على كنهها وحقيقتها تماما كما هي الحال في وصف الانسان بالعلم، فإن حقيقة الانسان حيوان ناطق، وحقيقة العلم الكشف عن الواقع، فإذا وصفنا الانسان بالعلم فقد وصفناه بما هو زائد وخارج عن ذاته وطبيعته، وإلا كان الانسان بما هو عالما من غير كسب واستفادة وبحث ودرس، وهذا خلاف الحس والوجدان - هل وصف اللَّه بالعلم وغيره كذلك وعلى هذه الحال، أو ان اللَّه يوصف بالعلم والقدرة بمقتضى ذاته وحقيقته، لا بشيء زائد عنها تماما كوصف الانسان بالانسانية، والشجر بالشجرية - مثلا -.

قال الأشاعرة كل صفاته تعالى غير ذاته وزائدة عليها، ومعنى هذا ان ذاته بما هي لا تقتضي العلم والقدرة ونحوهما من الكمال تماما كما أن ذات الانسان لا تقتضي العلم. وقد تخطوا بذلك حدود التوحيد حيث يلزمهم القول بتعدد القديم كما تخطوا حدود العدل في قولهم بالجبر.. وما لنا ولهم فلندعهم وشأنهم.

وذهب أهل العدل والتوحيد إلى أنه لا صفات لذات اللَّه تزيد على ذاته، وان وصفه بالعلم والقدرة تماما كوصف الانسان بالإنسانية، والشجر بالشجرية، لأن ذاته تعالى بما هي وبطبعها وحقيقتها تقتضي العلم والقدرة، بل هي عين العلم والقدرة كما أن الانسانية عين الانسان، لأن كماله تعالى ذاتي لا كسبي، ومطلق غير مقيد بشيء دون شيء، وجهة دون جهة، وانه بموجب هذا الكمال الذاتي المطلق غني عن كل شيء يزيد على ذاته وكنهه.. ولما ذا الزيادة وما هو الداعي إليها إليها ما دامت الذات القدسية كاملة بنفسها من كل الجهات وهل نحتاج إلى الزائد لنكمل به الكامل، ونتمم التام وعلى هذا إذا أطلقت صفات الكمال عليه تعالى كالعالم والقادر - فيجب ان يراد بها نفس الذات القدسية التي تقتضي القدرة والعلم، بل هي عين العلم والقدرة، تماما كما يراد من كلمة « اللَّه ». وكل وصف جاء في القرآن الكريم، وعلى ألسنة الراسخين في العلم فإن المراد هذا المعنى بالخصوص.. أما الصفات المنفية عن ذاته تعالى في كلام الإمام عليه السلام فهي الأحوال الخارجة عن الذات والزائدة عليها، وتعرض لها بسبب من الأسباب، تنفى هذه عنه لأنها من صفات المخلوقين دون الخالق.

وتسأل: كيف نتصور وحدة الذات مع تعدد الصفات وهل هذا إلا كقول من قال: الأب والابن وروح القدس إله واحد.

وأجاب البعض بأن الصفات بالنسبة اليه تعالى متعددة مفهوما متحدة مصداقا.

وهذا الجواب - كما نرى - لا يحل الإشكال، لأن صدق المفاهيم العديدة على شيء واحد يستدعي أن تكون به حيثيات عديدة، فيقال: هو عالم لصدق مفهوم العلم عليه، وقادر لصدق مفهوم القدرة.. واللَّه واحد من كل وجه لا حيثيات له وجهات.. أجل، يقال: هو علم لأن العلم ذاتي له، وهو عالم لأنه يعلم كل شيء، ولكن الجهة هنا واحدة، وهي العلم. والأولى في الجواب: انه لا مصداق ولا مفاهيم، ولا حيثيات وجهات.. لا شيء على الإطلاق إلا واجب الوجود الكامل المطلق من كل وجه، وإن التعدد إنما هو في أنواع الكمال وأقسامه، لا في ذات الكامل المطلق الذي هو المبدأ الأول لكل كمال.. وبتعبير ثان كما أن تعدد المخلوقات لا يتنافى مع وحدة الخالق كذلك تعدد الكمالات لا يتنافى مع وحدة مبدئها ومصدرها.


* في ظلال نهج البلاغة /العلامة محمد جواد مغنبة الجزء الأول /20_23.
 

2015-02-07