أنواع الزِّيارة وفوائدها
في الدعاء والزيارة
إنّ زيارة قبور الأولياء عليهم السلام عن قرب من المستحبّات الأكيدة، وقد جاءت الروايات الكثيرة في فضل الزِّيارة عن قرب، وفي الآداب الواجب اتّباعها قبل الدخول إلى المراقد المشرّفة وأثناء ذلك وحين الخروج منها.
عدد الزوار: 174
إنّ زيارة قبور الأولياء عليهم السلام عن قرب من المستحبّات الأكيدة، وقد جاءت
الروايات الكثيرة في فضل الزِّيارة عن قرب، وفي الآداب الواجب اتّباعها قبل الدخول
إلى المراقد المشرّفة وأثناء ذلك وحين الخروج منها. ولكن، حثّت الروايات على
المداومة على زيارة الأولياء عليهم السلام، ولو كان عن بعد، في حال عدم القدرة على
السفر أو وجودها، إذ إنّ التواني عن الزِّيارة بقسميها من علامات الجفاء.
فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله: "مَن زارَ قَبري بَعدَ
مَوتي، كانَ كَمَن هاجَرَ إلَيَّ في حَياتي، فَإِن لَم تَستَطيعوا، فَابعَثوا إلَيَّ
بِالسَّلامِ فَإِنَّهُ يَبلُغُني"1.
وقد قال الكفعمي رحمه الله: "يستحب زيارة المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف في
كلّ مكان وزمان، والدعاء بتعجيل فرجه صلوات الله عليه (...) ويستحبّ زيارة النبي
صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام كلّ جمعة، ولو من البعد"2.
وروي كذلك عن الباقر عليه السلام قال: "من زار الحسين بن عليّ عليه السلام في
يوم عاشوراء من المحرّم، يظلّ عنده باكياً، لقى الله عزّ وجلّ يوم يلقاه بثواب ألفي
حجّة وألفي عُمرة وألفي غزوة كثواب من حجّ واعتمر وغزا مع رسُول الله صلى الله عليه
وآله وسلم ومع الأئمّة الرّاشدين، قال: قلت:جعلت فداك، فما لمن كان في بعيد البلاد
وأقاصيها، ولم يمكنه المسير إليه في ذلك اليوم؟ قال: إذا كان كذلك، برز إلى
الصّحراء أو صعد سطحاً مرتفعاً في داره، وأومأ إليه بالسّلام، واجتهد في الدُّعاء
على قاتليه، وصلّى من بعد ركعتين، وليكن ذلك في صدر النّهار قبل أن تزُول الشّمس،
ثمّ ليندب الحسين عليه السلام ويبكيه ويأمر من في داره ممّن لا يتّقيه بالبكاء عليه،
ويقم في داره المُصيبة بإظهار الجزع عليه، وليعزِّ فيها بعضهم بعضاً بمصابهم
بالحسين عليه السلام"3.
فوائد الزِّيارة
إنّ كلّ الأهداف المتعلّقة بالزيارة هي مستفادة بشكل مباشر من السنّة النبوية
المطهّرة، ومن ذلك يمكن أن نجمل هذه الأهداف بما يأتي:
1- الخشوع وتذكّر الموت والآخرة: لا شكّ في أن
الوقوف بين القبور بتأمّل، أو عند قبر خاصّ، له أكبر الأثر في القلوب. فقد روي عن
أبي ذر رضي الله عنه: "قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يا أبا ذر،
أوصيك فاحفظ، لعلّ الله ينفعك به: جاور القبور تذكر بها الآخرة، وزرها أحياناً
بالنّهار، ولا تزرها بالليل"4.
2- الدُّعاء للميت: وهو سلوك أخلاقي رفيع، يحفظ كرامة المسلم في مجتمعه
حتى بعد موته، ويربّي في المسلمين روح الإخاء والحبّ والمودّة وأداء حقوق الآخرين،
التي لا تنقطع برحيلهم من الدنيا، لهو واحد من الجوانب التربوية والاجتماعية
الراقية التي تميّز بها نظام الأخلاق في الإسلام. ينقل عن أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب عليه السلام أنَّه إذا دخل المقبرة قال: "السلام عليكم يا أهل الديار الموحشة،
والمحالّ المقفرة، من المؤمنين والمؤمنات... اللّهمّ اغفر لنا ولهم، وتجاوز بعفوك
عنّا وعنهم..."5.
3- أداء حقوق الموتى: وهذا ما نلحظه بوضوح في
فحوى الخطاب في الحديث النبوي الشريف: "ألا فزوروا إخوانكم، وسلّموا عليهم"6، ففيه
إشارة في غاية الوضوح إلى أنّ لإخواننا الموتى حقوقاً علينا، ينبغي علينا أداؤها
بزيارتهم والتسليم عليهم. وهذا ما أكّده حديث أهل البيت عليهم السلام في هذا الشأن:
فعن الإمام الرض عليه السلام قوله: "إنّ لكلِّ إمام عهداً في عنق أوليائهم وشيعتهم،
وإنّ من تمام الوفاء بالعهد وحسن الأداء، زيارة قبورهم"7.
4- اكتساب الأجر ورضا أهل البيت عليهم السلام:
فعن داود الصرمي قال: "قلت له (يعني أبا الحسن العسكري عليه السلام): إنّي زرت أباك،
وجعلت ذلك لكم، فقال "لك من الله أجر وثواب عظيم، ومنّا المحمدة"8.
5- الحفاظ على الأضرحة وعمارتها: وهو من
الأمور المهمّة في أداء واجب المحبّة والولاية لله تعالى وللرسول وأهل بيته عليهم
السلام والمؤمنين، ومن ذلك ما رواه عن أبي عامر الساجي واعظ أهل الحجاز، قال: أتيت
أبا عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام فقلت له: يا ابن رسول الله، ما لمن زار
قبر أمير المؤمنين وعمَّر تربته؟ قال: "يا أبا عامر، حدّثني أبي عن أبيه عن جدّه
الحسين بن علي عليهما السلام: إنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له: والله،
لتقتلنّ بأرض العراق وتدفن بها، فقلت: يا رسول الله، ما لمن زار قبورنا وعمّرها
وتعاهدها؟ فقال لي: يا أبا الحسن، إنّ الله جعل قبرك وقبر وُلدِك بقاعاً من بقاع
الجنّة، وعرصة من عرصاتها، وانّ الله جعل قلوب نجباء من خلقه وصفوته من عباده تحنّ
إليكم، وتحتمل المذلّة والأذى فيكم، فيعمرون قبوركم ويكثرون زيارتها تقرّباً منهم
إلى الله، مودّةً منهم لرسوله، أولئك يا علي المخصوصون بشفاعتي، والواردون حوضي،
وهم زواري غداً في الجنّة"9.
6- غفران الذّنوب: فعن الإمام الرض عليه
السلام: "ما من عبد زار قبر مؤمن فقرأ عنده "إنّا أنزلناه في ليلة القدر" سبع مرات
إلا غفر الله له ولصاحب القبر"10. وروي كذلك عن الإمام الباقر عليه السلام: "من زار
قبر أخيه المؤمن فجلس عند قبره واستقبل القبلة، ووضع يده على القبر، فقرأ "إنا
أنزلناه في ليلة القدر" سبع مرات أمن من الفزع الأكبر"11.
7- نيل الشَّفاعة: يوم القيامة، إذ روي عن
الباقر عليه السلام أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "من زارني حيّاً وميّتاً،
كنت له شفيعاً يوم القيامة"12.
8- تخفيف العذاب عن الموتى: روي عن رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: "من دخل المقابر وقرأ سورة "يس" خفّف الله عنهم
يومئذٍ العذاب، ورفعه"13.
9- إسعاد الموتى: روي عن الرسول صلى الله عليه
وآله وسلم أنَّه سُئِل: "يا رسول الله، إنّا نتصدّق عن موتانا، ونحجّ عنهم، وندعو
لهم، فهل يصل ذلك إليهم؟ فقال: "نعم، لَيَصِل ذلك إليهم، ويفرحون به كما يفرح أحدكم
بالطبق إذا أهدي إليه"14.
1- الشيخ المفيد،
المقنعة، ص457.
2- الشيخ الكفعمي، البلد الأمين والدرع الحصين، ص309، علي أكبر الغفاري (تحقيق)،
طهران، مكتبة الصدوق، 1387هـ، ط1.
3- الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج10، ص308.
4- الراوندي، الدعوات، ص277.
5- الشريف الرضي، نهج البلاغة، ص492.
6- الراوندي، الدعوات، ص259.
7- الشيخ الطوسي، أبو جعفر محمد بن الحسن: تهذيب الأحكام في شرح المقنعة للشيخ
المفيد، ج6، ص79، السيد حسن الموسوي الخرسان(تعليق)، طهران، دار الكتب الإسلامية،
1390هـ، ط3.
8- الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام، ج6، ص111.
9- م.ن، ج6، ص22.
10- الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج3، ص227.
11- م.ن، ج3، ص227.
12- الشيخ الصدوق، أبو جعفر محمد بن علي: ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، ص83، السيد
محمد مهدي السيد حسن الخرسان (تقديم)، قم، منشورات الشريف الرضي، 1368هـ.ش، ط2.
13- الشاهرودي، الشيخ علي النمازي: مستدرك سفينة البحار، ج9، ص465، الشيخ حسن بن
علي النمازي (تحقيق)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم
المشرفة، 1418هـ، ط1.
14- نقله: الأميني، عبد الحسين أحمد النجفي: الغدير في الكتاب والسنة والأدب، ج5،
ص177، بيروت، دار الكتاب العربي، 1977م، ط4.