ذكر الله شفاء للقلوب
الأخلاق والثقافة الإسلامية
لقد منّ الله سبحانه وتعالى على الأمّة الإسلامية بأن لم يجعل لها وقتاً محدّداً ومنحصراً للاتصال به، كما ولم يحصر ذلك في مكان معيّن، وإنّما هو حبيب وجليس من ذكره، وهو مجيب من دعاه وذكره،
عدد الزوار: 132
من دعاء أبي حمزة الثماليّ: "اللهمّ أشغلنا بذكرك وأعذنا من سخطك وأجرنا من
عذابك وارزقنا من مواهبك وأنعم علينا من فضلك وارزقنا حجّ بيتك وزيارة قبر نبيّك
صلواتك ورحمتك ومغفرتك ورضوانك عليه وعلى أهل بيته إنّك قريب مجيب، وارزقنا عملاً
بطاعتك وتوفّنا على ملّتك وسُنّة نبيّك صلى الله عليه وآله وسلم ".
تمهيد:
لقد منّ الله سبحانه وتعالى على الأمّة الإسلامية بأن لم يجعل لها وقتاً محدّداً
ومنحصراً للاتصال به، كما ولم يحصر ذلك في مكان معيّن، وإنّما هو حبيب وجليس من
ذكره، وهو مجيب من دعاه وذكره، فقد ورد في الحديث أنّ جبرائيل عليه السلام قال
للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ الله تعالى يقول: أعطيت أمّتك ما لم أُعطه
أمّة من الأمم، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: وما ذاك يا جبرائيل؟ قال عليه
السلام: قوله تعالى:
﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾
ولم يقل هذه لأحد من الأمم"1.
ومن المعلوم أنّ طبيعة الإنسان تميل إلى الاجتماع، وتحبّ المؤانسة والصحبة، وتهرب
من الوحدة والفراغ، لذلك نجد الإنسان دائماً يسعى ليكون عنده صديق أو رفيق أو جليس.
ويسعد الإنسان كلّما كثر جلساؤه ورفقاؤه، ولكن عليه أن ينتبه من أنّ الجلساء على
نحوين، منهم من هو ذاكر لله سبحانه، ومنهم من هو غافل عن ذكره، وخير من نصح ابنه في
ذلك لقمان الحكيم حيث قال له: "يا بنيّ اختر المجالس على عينك، فإن رأيت قوماً
يذكرون الله عزَّ وجلَّ فاجلس معهم، فإن تكن عالماً نفعك علمك، وإن تكن جاهلاً
علّموك، ولعلّ الله أن يظلّهم برحمته فيعمّك معهم، وإذا رأيت قوماً لا يذكرون الله
فلا تجلس معهم، فإن تكن عالماً لم ينفعك علمك، وإن كنت جاهلاً يزيدوك جهلاً، ولعلّ
الله أن يظلّهم بعقوبة فيعمّك معهم"2.
أهمية ذكر الله
إنّ قيمة ذكر الله وأهميّته كبيرة جدّاً. والله تبارك وتعالى قال في محكم كتابه
العزيز:
﴿وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ﴾3.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تختارن على ذكر الله شيئاً فإنّه
يقول:
﴿وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ﴾"4.
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "ليس عمل أحبّ إلى الله تعالى ولا أنجى لعبد من
كلّ سيّئة في الدنيا والآخرة من ذكر الله".
قيل: ولا القتال في سبيل الله؟
قال صلى الله عليه وآله وسلم:" لولا ذكر الله لم يؤمر بالقتال"5.
لذا فإنّ ذكر الله تعالى بلا شكّ خير عمل نقوم به في هذه الدنيا الفانية، وهو أفضل
ما ندّخره لساعة السؤال، وأثقل ما نجده في الميزان يوم الحساب، فقد قال رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم: "ألا أُخبركم بخير أعمالكم لكم، أرفعها في درجاتكم،
وأزكاها عند مليككم، وخير لكم من الدينار والدرهم، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم
فتقتلوهم ويقتلوكم؟ فقالوا: بلى، فقال: ذكر الله عزَّ وجلَّ كثيراً"6.
أما حقيقة الذكر فقد عبّر عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: "من
أطاع الله عزَّ وجلَّ فقد ذكر الله وإن قلّت صلاته وصيامه وتلاوته للقرآن"7.
ذكر الله بُكرةً وأصيلا
وكفيل لهذا الذكر بأن يمحو السيّئات الّتي يقترفها الإنسان بين مطلع الشمس وغروبها،
وذلك ما لو ذكر الله في الصباح، وذكره أيضاً في المساء، ففي تفسير العيّاشي: عن
جابر، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: "قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: إنّ
الملك يُنزل الصحيفة أوّل النهار وأوّل الليل، يكتب فيها عمل ابن آدم، فأمّلوا في
أوّلها خيراً، وفي آخرها خيراً، فإنّ الله يغفر لكم ما بين ذلك، إن شاء الله، فإنّ
الله يقول: "فاذكروني أذكركم"8.
قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا *
وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾9،
وقال:
﴿وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾10.
بل ذكرُ الله حسنٌ على كلِّ حال، حال القيام والقعود، حال الحزن والسرور، حال الضيق
والفرج… قال تعالى:
﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ
وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ
قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِم﴾11
ومن وصايا الإمام علي عليه السلام لابنه الحسن عليه السلام - عند الوفاة - قال: "وكن
لله ذاكراً على كل حال"12.
أقم الصلاة لذكري
إنّ الذاكر بمنزلة المصلّي والقائم بين يدي الله تعالى:
﴿إِنَّنِي أَنَا اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ
الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾13.
يقول الإمام الباقر عليه السلام: "لا يزال المؤمن في صلاة ما كان في ذكر الله،
قائماً كان أو جالساً أو مضطجعاً، إن الله تعالى يقول:
﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَ...﴾14".
"اللهم.. أسألك بحقّك وقدسك وأعظم صفاتك وأسمائك أن تجعل أوقاتي من الليل
والنهار بذكرك معمورة، وبخدمتك موصولة، وأعمالي عندك مقبولة، حتّى تكون أعمالي
وأورادي كلُّها ورداً واحداً، وحالي في خدمتك سرمداً"15.
خصوصيّة ذكر الله في بعض المواقف
هناك بعض المواقف والأوضاع قد خصّها الله تعالى بذكره والاستعانة به، منها:
أ - عند لقاء العدو وقتاله، قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ
وَاذْكُرُواْ اللهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ﴾16،
وعن الإمام عليّ عليه السلام: "إذا لقيتم عدوّكم في الحرب فأقلّوا الكلام واذكر
الله عزَّ وجلَّ"17.
ب - عند دخول الأسواق والتبضّع، ورد عن الإمام عليّ عليه السلام: "أكثروا ذكر
الله عزَّ وجلَّ إذا دخلتم الأسواق عند اشتغال الناس، فإنّه كفّارة للذنوب وزيادة
في الحسنات، ولا تُكتبوا في الغافلين"18.
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "من ذكر الله في السوق مخلصاً عند
غفلة الناس وشغلهم بما فيه كتب الله له ألف حسنة ويغفر الله له يوم القيامة مغفرة
لم تخطر على قلب بشر"19.
ج - عند الهمّ والحكم والقسمة، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "اذكر
الله عند همِّك إذا هممت،وعند لسانك إذا حكمت، وعند يدك إذا قسمت"20.
د - عند الغضب، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أوحى الله إلى نبيّ من
أنبيائه: ابن آدم، اذكرني عند غضبك أذكرك عند غضبي، فلا أمحقك فيمن أمحق"21.
هـ - في الخلوات وعند اللّذّات، قال الإمام الباقر عليه السلام: "في التوراة
مكتوب:... يا موسى... اذكرني في خلواتك وعند سرور لذّاتك أذكرك عند غفلاتك"22،
وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: "شيعتنا الّذين إذا خلوا ذكروا الله كثيراً"23.
صفات أهل الذكر
1- ذكرُ الله سبحانه من سجيّة المتّقين المؤمنين وشيمهم، قال الإمام عليّ عليه
السلام: "ذكرُ الله شيمة المتّقين"24، وعنه عليه السلام: "ذكرُ
الله سجيّة كلّ محسن وشيمة كلِّ مؤمن"25.
2- المؤمن هو في ذكر دائم وتفكير مستمرّ، قال الإمام عليّ عليه السلام: "المؤمن
دائم الذكر، كثير الفكر، على النعماء شاكر، وفي البلاء صابر"26.
بل لا تلهي المؤمنين عن ذكر الله تعالى ملذّات الدنيا وهمومها، قال تعالى:
﴿رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللهِ
وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ
الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ﴾27.قال
الإمام الباقر عليه السلام: "كأنّ المؤمنين هم الفقهاء أهل فكرة وعبرة، لم
يُصمّهم عن ذكر الله ما سمعوا بآذانهم، ولم يُعمهم عن ذكر الله ما رأوا من الزينة"28.
3- الذاكرون لا يملّون من ذكره، قال الإمام الباقر عليه السلام - في صفة أبناء
الآخرة -: "لا يملّون من ذكر الله"29.
وقد يعيش المؤمن حالة الصمت الطويل إلّا من ذكر الله تعالى، قال الإمام عليّ عليه
السلام: "طوبى لمن صمت إلّا بذكر الله"30.
قال أمير المؤمنين عليه السلام، في صفة المؤمن التقيّ: "إن كان في
الغافلين، كُتب من الذاكرين، وإن كان في الذاكرين، لم يُكتب من الغافلين".
4- حبُّ مجالس الذكر والتزوّد منها، كمجالس ذكر نعم الله تعالى وعظمة إعجازه في
الخلق، فضلاً عن حضور مجالس ذكر محمّد وآل محمّد عليهم السلام الّذين هم الوسيلة
إلى ذكر الله سبحانه وطاعته، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ارتعوا في
رياض الجنّة.
قالوا: يا رسول الله، وما رياض الجنّة؟
قال: مجالس الذكر"31.
في كتاب الإرشاد: عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ الملائكة يمرّون على
حلق الذكر، فيقومون على رؤوسهم، ويبكون لبكائهم، ويؤمّنون على دعائهم، فإذا صعدوا
إلى السماء، يقول الله: يا ملائكتي أين كنتم؟ وهو أعلم، فيقولون: يا ربّنا، إنّا
حضرنا مجلساً من مجالس الذكر، فرأينا أقواماً يُسبِّحونك ويُمجِّدونك ويُقدِّسونك،
يخافون نارك، فيقول الله سبحانه: يا ملائكتي أذودها عنهم، وأُشهدكم أنّي قد غفرت
لهم، وأمنتهم ممّا يخافون، فيقولون: ربّنا، إنّ فيهم فلاناً، وإنّه لم يذكرك، فيقول
الله سبحانه: قد غفرت له بمجالسته لهم، فإنّ الذاكرين من لا يشقى بهم جليسهم"32.
مقام الذاكرين عند الله
1- إنّ الذاكر لله تعالى يكون أخصّ عباد الله المقرّبين إليه، قال رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم - وقد قال رجل أمامه: أُحبُّ أن أكون أخصّ الناس إلى الله
تعالى : قال صلى الله عليه وآله وسلم: "أكثرْ ذكر الله تكن أخصَّ العباد إلى
الله تعالى"33.
2- إنّ الذاكر لله تعالى هو من المكرّمين بل هو أكرم خلق الله جلّ جلاله، فعن
الإمام الصادق عليه السلام قال - لما سُئِل: من أكرم الخلق على الله؟:قال عليه
السلام: "أكثرهم ذكراً لله وأعملهم بطاعته"34.
3- ومن مقامات الذاكرين لله سبحانه نيلهم وسام شرف ذكر الله جبّار السموات والأرضين،
قال عليه السلام أيضاً: "يا من ذكره شرف للذاكرين، ويا من شكره فوز
للشاكرين، ويا من طاعته نجاة للمطيعين، صلِّ على محمد وآله، وأشغِل قلوبنا بذكرك عن
كلِّ ذِكر"35.
4- يُعتبر الذاكر جليس الله، قال الإمام عليّ عليه السلام: "ذاكر الله سبحانَهُ
مُجالِسُه"36 وورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله: "قال
موسى: يا ربّ،أقريب أنت فأناجيك أم بعيد فأُناديك؟ فإنّي أُحسّ صوتك ولا أراك، فأين
أنت؟
فقال الله: أنا خلفك وأمامك وعن يمينك وعن شمالك.
يا موسى، أنا جليس عبدي حين يذكرني، وأنا معه إذا دعاني"37.
وهو القائل عزَّ وجلَّ:
﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُون﴾38.
يقول الإمام زين العابدين عليه السلام - في الدعاء - "إلهي أنت قلت وقولك الحق..
﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُم﴾
فأمرتنا بذكرك ووعدتنا عليه أن تذكرنا تشريفاً لنا وتفخيماً وإعظاماً، وها نحن
ذاكروك كما أمرتنا، فأنجز لنا ما وعدتنا يا ذاكر الذاكرين"39.
آثار ذكر الله على المؤمن
1- قلوب الذاكرين هي دوماً مطمئنة، لأنّها تحيا بذكر الله تبارك وتعالى ولا تخلو
منه، قال تعالى:
﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللهِ أَلاَ
بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوب﴾40.
جاء في دعاء للإمام زين العابدين عليه السلام: "إلهي بك هامت القلوب الوالهة،
وعلى معرفتك جُمعت العقول المتباينة، فلا تطمئن القلوب إلا بذكراك، ولا تسكن النفوس
إلا عند رؤياك"41.
2- يعيش الذاكرون لذّة الذكر الإلهيّ وعشقه ومحبّته.. فهنيئاً لمن ينال هذا الأثر
العظيم، قال الإمام عليّ عليه السلام: "الذكر لذّة المحبّين"42،
وعنه عليه السلام: "ذكر الله مسرّة كلِّ متّقٍ ولذّة كلِّ موقن"43.
وعنه عليه السلام: "الذكر مفتاح الأنس"44.
وقد أوضح الأمير عليه السلام هذا الأثر بشكل عمليّ حينما قال: "إذا رأيت الله
يؤنسك بذكره فقد أحبّك، إذا رأيت الله يؤنسك بخلقه ويوحشك من ذكره فقد أبغضك"45.
وعنه عليه السلام: "يقول الله عزَّ وجلَّ: إذا كان الغالب على العبد الاشتغال
بي، جعلت بغيته ولذّته في ذكري، فإذا جعلت بغيته ولذّته في ذكري عشقني وعشقته، فإذا
عشقني وعشقته رفعت الحجاب فيما بيني وبينه، وصيّرت ذلك تغالباً عليه، لا يسهو إذا
سها الناس، أولئك كلامهم كلام الأنبياء، أولئك الأبطال حقّاً"46.
3 - إنّ في ذكر الله تعالى صلاح الروح والقلب وشفاءهما من مرض الذنوب والآثام،
فضلاً عن تحسين السلوك والأفعال، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ذكر
الله شفاء القلوب"47، وفي دعاء كميل: "يا من اسمه دواء وذكره
شفاء".
وقال الإمام عليّ عليه السلام: "من عمّر قلبه بدوام الذكر حسنت أفعاله في السرّ
والجهر"48.
وعنه عليه السلام: "أصل صلاح القلب اشتغاله بذكر الله"49.
وأيضاً عنه عليه السلام: "مداومة الذكر قوت الأرواح ومفتاح الصلاح"50.
بل من الآثار المباركة لذكر الله تعالى حياة القلوب ونورها، فعن الإمام عليّ عليه
السلام: "في الذكر حياة القلوب"51، وعنه عليه السلام: "عليك
بذكر الله، فإنّه نور القلوب"52.
4 - إنّ في ذكر الله تبارك وتعالى هداية العقول وتبصرتها نحو طريق الحقّ، قال أمير
المؤمنين عليه السلام: "الذكر جلاء البصائر ونور السرائر"53،
وعنه عليه السلام:"الذكر هداية العقول وتبصرة النفوس"54.
5- وبذكر الله سبحانه تُستنزل الرحمة الإلهية وتُفتح أبواب البركات، قال أبو
الحسنين عليه السلام: "الذكر يؤنس اللبّ ويُنير القلب ويستنزل الرحمة"55.
6- وذكر الله مَطردة للشيطان كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: "ذكر الله
مَطردة الشيطان"56.
وعن الإمام زين العابدين عليه السلام - في الدعاء -: "وجعلت لنا عدوّاً يُكيدنا...
فاقهر سلطانه عنّا بسلطانك، حتى تحبسه عنّا بكثرة الدعاء لك، فنُصبح من كيده في
المعصومين بك"57.
7- الذكر أمانٌ من النفاق والخداع، قال تعالى:
﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا
قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ
يَذْكُرُونَ اللهَ إِلاَّ قَلِيلاً﴾58.
وعن الإمام عليّ عليه السلام: "من أكثر ذكر الله فقد برئ من النفاق"59.
8- الذاكر لله تعالى لا يموت عطشانَ، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "كلُّ
أحد يموت عطشانَ إلا ذاكر الله"60.
إذاً هي كلمات صغيرة تُردّدها أيّها الإنسان العزيز، وتعيش معها بقلبك ووجدانك،
فتنتقل من عالمٍ البعد والوحشة إلى عالم القرب والمؤانسة، هو الذي وعد وهو أصدق من
يوفي، هو الذي قال اذكروني، وهو الذي وعد بأن يذكرنا، وعندما يطلب الله سبحانه من
عباده أن يذكروه، فهو يُحبّ أن يسمع صوتنا، ويرى ضمائرنا مقبلة إليه، فهو يُحبّه
هذه المجالس، وهو يُحبّ أصحابها، هي مجالس الذكر لا الغفلة، ومجالس العلم لا الجهل،
ومجالس القرب لا البعد، هي مجالس الحديث مع الله، فعن النبيّ صلى الله عليه وآله
وسلم أنّه قال: "يا ربّ وددت أنّي أعلم من تُحبّ من عبادك فأُحبّه، فقال: إذا
رأيت عبدي يُكثر ذكري، فأنا أذنت له في ذلك، وأنا أُحبّه، وإذا رأيت عبدي لا
يذكرني، فأنا حجبته، وأنا أُبغضه"61.
ما يؤدي إلى الغفلة عن ذكر الله تعالى
1- أن يعيش الإنسان طول الأمل ويتوهّم أنّه سيبقى إلى الأبد، الأمر الّذي يجعله
غارقاً في بحر الغفلة عن ذكر الله تعالى، قال الإمام عليّ عليه السلام: "إعلموا
أنّ الأمل يُسهي العقل، ويُنسي الذكر. فأكذبوا الأمل، فإنّه غرور، وصاحبه مغرور"62.
2- إرتكاب المحرّمات والذنوب والآثام يوقع الإنسان تحت سيطرة الشيطان ويُبعده عن
رضا الله تعالى، قال المولى عزَّ وجلَّ:
﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ
وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ
الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ﴾63.
3- الانشغال بملذّات الدنيا وشهواتها، وهذا ما حذّر منه المولى تبارك وتعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا
أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ
الْخَاسِرُونَ﴾64.
يقول الإمام عليّ عليه السلام: "ليس في المعاصي أشدّ من اتّباع الشهوة، فلا
تُطيعوها فتُشغلكم عن الله".
وفي دعاءٍ للإمام زين العابدين عليه السلام: "وأستغفرك من كلِّ لذّة بغير ذكرك،
ومن كلِّ راحة بغير أنسك، ومن كلِّ سرور بغير قربك، ومن كلِّ شغل بغير طاعتك"65.
تبعات الغفلة
إنّ الغفلة عن ذكر الله تعالى هي خسارة عظمى للإنسان في الدنيا والآخرة، قال رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما من ساعة تمرُّ بابن آدم لم يذكر الله فيها
إلّا حسر عليها يوم القيامة"66.
وفي الخبر: "إنّ أهل الجنّة لا يتحسّرون على شيء فاتهم من الدنيا، كتحسُّرهم على
ساعة مرّت من غير ذكر الله"67.
كما إنّه من تبعات الغفلة وأثارها السلبيّة على الإنسان الابتلاء بقسوة القلب، قال:
"أوحى الله تبارك وتعالى إلى موسى عليه السلام: "لا تفرح بكثرة المال، ولا تدع
ذكري على كلِّ حال، فإنّ كثرة المال تُنسي الذنوب، وترك ذكري يُقسّي القلوب"68.
والويل ثمّ الويل لمن اشتغل بذكر الناس وفضائلهم عليه ونسي ذكر الله وفضله، قال
الإمام عليّ عليه السلام: "من اشتغل بذكر الناس قطعه الله سبحانه عن ذكره"69.
أمّا النتيجة المترتّبة على الإعراض عن ذكر الله تعالى، فهي كما جاء في الكتاب
العزيز:
﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا
وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى
وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا
وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى﴾70.
اللهم نجِّنا برحمتك من الغفلة عن ذكرك…"اللهم صلِّ على محمد وآله، ونبّهني
لذكرك في أوقات الغفلة، واستعملني بطاعتك في أيام المهلة، وانهج لي إلى محبتك
سبيلاً سهلة أكمل لي بها خير الدنيا والآخرة"71.
* مظاهر الرحمة , سلسلة الدروس الثقافية , نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
1- مستدرك الوسائل،
الميرزا النوري، ج 5، ص 286.
2- الكافي، الشيخ الكليني، ج 1، ص 39، باب مجالسة العلماء.
3- العنكبوت:45.
4- بحار الأنوار، العلّامة المجلسيّ، ج74، 107.
5- ميزان الحكمة، الريشهري، ج2، ص965.
6- الكافي، الشيخ الكليني، ج2، ص 499.
7- بحار الأنوار، العلّامة المجلسيّ، ج74، ص87.
8- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج 5، ص 295.
9- الأحزاب:41-42.
10- الإنسان:25.
11- آل عمران:190-191.
12- أمالي الطوسي، ص 8.
13- طه:14.
14- أمالي الطوسي، ص 79.
15- من دعاء الإمام علي عليه السلام ، الذي علّمه لكميل.
16- الأنفال:45.
17- الكافي، الشيخ الكليني، ج5، ص42.
18- الخصال، الشيخ الصدوق، ص614.
19- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 86، ص130.
20- بحار الأنوار، العلّامة المجلسيّ،، ج74، ص171.
21- م. ن، ج72، ص321.
22- أمالي المفيد، ص210.
23- الكافي، الشيخ الكليني، ج2، ص500.
24- غرر الحكم، الآمدي، ح 3615.
25- غرر الحكم، الآمدي، ح 3617.
26- غرر الحكم، ح 1533.
27- النور:37.
28- بحار الأنوار، العلّامة المجلسيّ، ج70، ص36.
29- م. ن، ج75، ص166.
30- غرر الحكم، ح 3623.
31- بحار الأنوار، العلّامة المجلسيّ،، ج90، ص163.
32- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج 5، ص 289.
33- ميزان الحكمة، الريشهري، ج2، ص965.
34- بحار الأنوار، العلّامة المجلسيّ، ج75، ص247.
35- الصحيفة السجادية،الدعاء 11.
36- غرر الحكم، ح 3651.
37- ميزان الحكمة، ج2، ص968.
38- البقرة:152.
39- الصحيفة السجّاديّة، ص420.
40- الرعد:28.
41- الصحيفة السجّاديّة، ص419.
42- غرر الحكم، ح 3649.
43- م. ن، ح 3653.
44- م. ن، 3648.
45- ميزان الحكمة، الريشهري، ج2، ص970.
46- م. ن، ج2، ص972.
47- م. ن، ص970.
48- م. ن، ص969.
49- غرر الحكم، ح 368.
50- ميزان الحكمة، الريشهري، ح2، ص969.
51- غرر الحكم، ح 3643.
52- م. ن، ح 3642.
53- ميزان الحكمة، الريشهري، ج2، ص970.
54- ميزان الحكمة، ج2، ص970.
55- م. ن.
56- غرر الحكم، ح 3614.
57- الصحيفة السجادية، الدعاء 25.
58- النساء:142.
59- ميزان الحكمة، ج2، ص971.
60- بحار الأنوار، العلّامة المجلسيّ، ج78، ص240.
61- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج 5، ص 293.
62- نهج البلاغة، ج1، ص151.
63- المائدة:91.
64- المنافقون:9.
65- بحار الأنوار، العلّامة المجلسيّ، ج91، ص151.
66- كنز العمال، ح 1819.
67- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج 5، ص 288.
68- م. ن، ج 5، ص 287.
69- غرر الحكم، ح 3665.
70- طه:124 - 126.
71- الصحيفة السجادية، الدعاء 20.