الاتجاه الفقهي في تفسير القرآن
دراسات في التفسير
أشار القرآن الكريم في آيات متعدِّدة إلى الأحكام التكليفية للإنسان والّتي قيل إنّها تقارب الخمسمائة آية. وكان العمل بهذه الآيات قائماً في زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وكان الصحابة يسألون النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عن أيّ إبهام حولها.
عدد الزوار: 321
نبذة تأريخية
أشار القرآن الكريم في آيات متعدِّدة إلى الأحكام التكليفية للإنسان والّتي قيل
إنّها تقارب الخمسمائة آية. وكان العمل بهذه الآيات قائماً في زمن الرسول صلى الله
عليه وآله وسلم ، وكان الصحابة يسألون النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عن أيّ إبهام
حولها.
ولمّا توفيّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أخذ الصحابة يستنبطون الأحكام من هذه
الآيات ويعملون بها، وقد يختلفون حولها.
من ذلك أنّه لمّا رفعت امرأة إلى عمر وكانت قد وَلَدَت لستّة أشهر، فَهَمّ عمر أن
يرجمها لولا أن تداركها الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وقال: "إنّ لها عذراً في
كتاب الله"، يقول تعالى: ﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ
كَامِلَيْنِ﴾1. وقال: ﴿وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرً﴾ فإذا كان الفصال
وهي مدّة الرضاع عامين، فالباقي للحمل ستّة أشهر، فاقتنع عمر بذلك وخلّى سبيلها. ثمّ
قال: "اللّهم لا تبقني لمعضلة ليس لها ابن أبي طالب"2.
وبعد نشوء المذاهب الفقهية في القرن الثاني الهجري فما بعد، قام أتباع وعلماء
المذاهب كالشيعة، والحنفية، والمالكية، والحنابلة و... بتفسير آيات الأحكام وتأليف
الكتب في هذا المجال. وقد أفرط بعضهم بتأويل الآيات المخالفة لآرائهم إلى حدّ أنّ
عبد الله الكرخي (ت: 340هـ) أحد متعصّبي المذهب الحنفي قال: "كلّ آية أو حديث يخالف
ما عليه أصحابنا فهو مؤوّل أو منسوخ"3. ومن الطبيعي فإنّ الكثير من المفسّرين
الّذين كتبوا في هذا الاتجاه لزموا طريق الإنصاف.
واليوم نحن بأشدّ الحاجة إلى كتب في تفسير آيات الأحكام تضمّ أدلّة جميع المذاهب
بصورة مقارنة.
خصائص الاتجاه الفقهي
إنّ المفسّر ذا الاتجاه الفقهي غالباً ما يهتمّ بالعناصر التالية:
1ـ تفسير الآيات الّتي تتضمّن أحكاماً فقهية تخصّ حياة الإنسان، وتبيّن تكليفه عن
طريق الواجب، المستحب، الحرام، المكروه، والمباح، في أبواب العبادات والمعاملات
والأحكام (قصاص وحدود وديات).
2ـ اهتمام المفسّر يكمن في استنباط الأحكام الشرعية الفرعية عن طريق آيات القرآن.
3ـ عادة ما يكون المفسّر لآيات الأحكام مجتهداً في الفقه، حيث يقوم ببيان رأيه في
نهاية المطاف.
4ـ عادة ما يستخدم المفسّر في هذا الاتّجاه المنهج الفقهي في التحليل ويستفيد من
الكتاب والسنّة والإجماع والعقل.
5ـ يتنوّع التفسير الفقهي تبعاً للمباني الّتي يختارها المفسّر في الفقه والأُصول،
فإذا ما ذهب المفسّر الفقيه إلى حجيّة الخبر الواحد، أو الإجماع، فإنّ نتائج
التفسير سوف تختلف عن المفسّر الّذي لا يعتقد بحجّيّتها.
الأنواع والمصادر
إنّ الاتجاه الفقهي للتفسير يختلف تبعاً لاختلاف المذاهب الفقهية، والآن نشير إلى
أهمّ هذه الاتجاهات:
1- الاتجاه الفقهي الشيعي
يتحرّك فقهاء الشيعة على أساس مذهب أهل البيت عليهم السلام ، ويفسّرون آيات الأحكام
بالاستفادة من الروايات الواردة عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت
عليهم السلام ، بالإضافة إلى القرائن العقلية والنقلية الأخرى، ويمكن ذكر بعض
التفاسير الفقهية للشيعة:
1ـ أحكام القرآن (فقه القرآن)، الراوندي (ت: 573هـ).
2ـ زبدة البيان في أحكام القرآن، المقدّس الأردبيلي (ت: 993هـ).
3ـ كنز العرفان في فقه القرآن، السيوري، المشهور بالفاضل المقداد (ت: 826هـ).
4ـ تفسير شاهي، السيّد أمير الفتوح الحسيني الجرجاني (ت: 976هـ) باللغة الفارسية.
5ـ مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام، جواد الكاظمي (توفي في القرن الحادي عشر الهجري).
6ـ تفسير آيات الأحكام، السيّد محمّد حسين الطباطبائي اليزدي (ت: 1386هـ).
2ـ الاتجاه الفقهي الشافعي
يطلق على أتباع محمّد بن إدريس الشافعي (ن: 204هـ) في الفقه لقب الشافعية، حيث
ذهبوا في تفسير آيات الأحكام طبقاً لآرائه الفقهية. ومن كتبهم في التفسير الفقهي:
1ـ أحكام القرآن، المنسوب إلى الشافعي.
2ـ أحكام القرآن، الهرّاسي (ت: 504هـ).
3ـ نيل المرام من تفسير آيات الأحكام، أبو الطيب سيّد محمّد صدّيق بن حسن خان
القنوجي البخاري (ت: 1307هـ).
3ـ الاتجاه الفقهي المالكي
يطلق على أتباع مالك بن أنس (ت: 179هـ) لقب المالكية، وقد فسّروا آيات الأحكام طبقاً
لآرائه الفقهية، ومن كتبهم في التفسير الفقهي:
1ـ أحكام القرآن، أبو بكر ابن العربي (ت: 543هـ).
2ـ الجامع لأحكام القرآن، القرطبي (ت: 671هـ).
4ـ الاتجاه الفقهي الحنفي
يطلق على أتباع أبي حنيفة النعمان بن ثابت (80 153هـ) في الفقه لقب الحنفية، حيث
كتبوا وفسّروا آيات الأحكام على أساس آراء أبي حنيفة الفقهية. ومن كتبهم في التفسير
الفقهي:
1ـ أحكام القرآن، الجصّاص (ت: 370هـ).
2ـ التفسيرات الأحمدية، أحمد بن أبي سعيد بن عبد الله (ت: 1130هـ)، المعروف باسم "ملاجيون"
الحنفي.
5ـ الاتجاه الفقهي الحنبلي
يطلق على أتباع أحمد بن حنبل (164 241هـ) في الفقه لقب الحنابلة، حيث ذهبوا في
تفسير آيات الأحكام طبقاً لآراء أحمد الفقهية، ومن كتبهم في التفسير الفقهي:
1ـ آيات الأحكام، محمّد بن الحسين بن محمّد بن الفرّاء (ت: 458هـ).
2ـ تفسير آيات الأحكام، شمس الدِّين محمّد أبو بكر الدمشقي المشهور بابن قيّم
الجوزية (ت: 751هـ).
3ـ أحكام الرأي من أحكام الآلاء، شمس الدِّين محمّد بن عبد الرحمن ابن الصايغ (ت:
776هـ).
ملاحظة (1): هناك بعض الكتب تناولت تفسير آيات الأحكام بطريقة مقارنة مثل تفسير
آيات الأحكام، محمّد علي السايس (ت: 1396هـ)؛ روائع البيان في تفسير آيات الأحكام،
محمّد علي الصابوني؛ وتفسير آيات الأحكام، الطباطبائي اليزدي (ت: 1386هـ).
ملاحظة (2): تناولت بعض الكتب آيات الأحكام على الطريقة الموضوعية مثل: أحكام
القرآن، الدكتور محمّد الخزائلي؛ آيات الأحكام، زين العابدين القرباني.
وهناك من دوّن آيات الأحكام على الطريقة الترتيبية مثل آيات الأحكام، الميرخاني؛
آيات الأحكام، السيّد محمّد حسين الطباطبائي اليزدي.
نماذج وموضوعات
ثمّة آيات مختلف في معناها في الاتجاه الفقهي، من أهمّها:
1ـ آية المتعة (النساء: 24).
2ـ آية الوضوء (المائدة: 20).
3ـ آية الخمس (الأنفال: 41).
4ـ حجّ التمتع و...
وقد صُنِّفت آيات الأحكام على أساس التقسيم الفقهي إلى العبادات (الصلاة، الصوم
و...)، العقود (النكاح و...)، الإيقاعات (الطلاق و...)، الأحكام القضائية (القصاص
و...) وهناك من أضاف إليها الأحكام الحكوميّة (الولاية، الجهاد و...)، والأحكام
الاجتماعية (الإرث، الوصية و...).
* دراسات في مناهج التفسير، سلسلة المعارف الإسلامية ، نشر: جمعية المعارف
الإسلامية الثقافية
1- سورة البقرة، الآية: 233.
2- أنظر: التفسير والمفسّرون، الشيخ محمّد هادي معرفة، ج 2، ص 808.
3- م. ن، ج 2، ص 814 815.