يتم التحميل...

لِمَ ادّعى البعض تحريف القرآن؟ وما هو الردّ عليه؟

مقدمات قرآنية

رغم الأدلّة الواضحة التي مرّت على عدم تحريف القرآن بالزيادة والنقيصة، فقد ادّعى بعض من شذّ من أهل السنّة والشيعة أنّ القرآن الكريم قد نقص منه بعض الآيات القرآنية.

عدد الزوار: 487

رغم الأدلّة الواضحة التي مرّت على عدم تحريف القرآن بالزيادة والنقيصة، فقد ادّعى بعض من شذّ من أهل السنّة والشيعة أنّ القرآن الكريم قد نقص منه بعض الآيات القرآنية.
وسبب ذلك يعود إلى وجود روايات في كتب المسلمين سنةً وشيعةً قد فُهِم منها أنّ القرآن قد نقص منه بعض ما أنزله الله تعالى.

فقد خرج من بين علماء أهل السنّة ابن الخطيب محمد محمد عبد الخطيب، وهو من علماء مصر، وألّف كتابًا في تحريف القرآن سمّاه "الفرقان"، وذلك سنة 1948م، وقد حشاه بالروايات التي فُهم منها تحريف القرآن الكريم ناقلاً لها عن المصادر المعروفة عند أهل السُنّة. وكذا خرج من بين علماء الشيعة المحدّث النوريّ، وألّف كتابًا سمّاه "فصل الخطاب" يشابه كتاب ابن الخطيب.

وقد هبّ علماء الأزهر، واتخذوا موقفًا حازمًا من كتاب الفرقان، كما هبّ علماء الشيعة بحزم شديد ضدّ كتاب "فصل الخطاب" ومؤلّفه، وقد وصف السيد هبة الله الشهرستاني مدينة النجف الأشرف، حين صدور هذا الكتاب، بأنّها كانت تموج ثائرةً على نزيلها المحدّث النوري بشأن تأليفه كتاب (فصل الخطاب)، قال: "فلا ندخل مجلسًا في الحوزة العلمية إلا ونسمع الضجّة والعجّة ضدّ الكتاب، ومؤلّفه، وناشره، يسلقونه بألسنة حداد"1.

وقد تأثّر هذان العالمان بجملة من الروايات الموجودة في كتبٍ منسوبة إلى المذهبين، من دون توجيهها وحملها على محمل يتواءم مع التنزيه.
ولأجل توضيح هذا، أعرض جملة من روايات التحريف في كتب أهل السُنّة، ثم ألحقها بجملة من روايات التحريف في كتب الشيعة، لكن قبل ذلك أرى من الضروريّ توضيح قاعدة أساسيّة في المنهجيّة المعتمدة في الفكر الشيعيّ.

الموقف من النصّ أمام العقل القطعي

ذكرتُ في كتاب "يسألونك عن الله" أنّ الشيعة يعتقدون أنّ العقل الإنساني يمكن له أن يدرك حسن الأشياء وقبحها، كما مرّ - أيضًا- في ذلك الكتاب أنّ العقل القطعي هو الذي دلّنا على وجود الله تعالى، وعلى صفاته التي من ضمنها الحكمة، وعلى أساس الاعتقاد بكون الله تعالى حكيمًا، أثار العقل سؤالاً حول الهدف من خلق الإنسان، وقد قادنا هذا السؤال في هذا الكتاب إلى البحث عن الرسول الإلهيّ، وبالتالي أدّى إلى الإيمان بنصّ القرآن الكريم باعتباره المعجزة الخالدة.

إذًا، العقل القطعيّ هو الذي أوصلنا إلى النصّ القرآنيّ.

كما أشرنا سابقًا إلى أنّ الآيات القرآنية أعطت الحجّية لأقوال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من خلال أمرنا بالرجوع إليه، ﴿مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا2، هذا إضافة إلى ما يأتي من دلالة العقل القطعي على عصمة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، ممّا يؤدّي إلى الاعتقاد بصدق أقواله، وكونها بابًا للواقع.

والنتيجة أنّ العقل القطعيّ هو المعتمد الأساس للإيمان بالنصّ القرآنيّ، والنصّ النبويّ.
وهنا ينبغي ملاحظة أنّ النصّ القرآنيّ هو نصّ قطعيّ على مستوى السند، كما ثبت سابقًا، إلاّ أنّ الأمر ليس كذلك دائمًا في دلالة النصّ الذي لا بدّ أن يدرس جيدًا, لتحديد معناه المراد، وفي حال تعارضت دلالة النصّ القرآنيّ كما قد يُفهم منه، مع دليل العقل القطعيّ، فلا بدّ من تفسير ذلك النصّ القرآنيّ بما يتواءم مع العقل القطعيّ، كما حصل ذلك في توجيه الآيات التي قد فُهم منها أنّ لله جسمًا، كالآيات الحاكية عن يدَي الله، ووجهه، وعينه، والساق، والعرش، والكرسيّ، فقد فسّرنا هذه المفردات بعيدة عن الجسمية بما يتواءم مع اعتقادنا القطعيّ بكون الله تعالى لا جسم له.

أمّا النصّ النبويّ فإنّ أغلب الروايات الواردة على أنّها حاكية عن هذا النصّ هي غير قطعيّة السند، وكذلك هي غير قطعيّة من ناحية الدلالة.
لذا حينما تتعارض الرواية غير القطعيّة مع العقل القطعيّ، فإنّنا لا بدّ أن نؤوّل الرواية بما ينسجم مع ذلك الدليل العقليّ القطعيّ، وفي حال عدم إمكانيّة تأويلها، فإنّ مصيرها سيكون الرفض، ومن باب الأدب نردُّها إلى أهلها، لأنّنا قد نكون قاصرين عن فهمها، إلاّ أنّ احتمال هذا القصور لا يبرّر اعتمادها طالما هي متعارضة مع الدليل العقليّ القطعيّ.

وكذلك فإنّ الروايات الواردة حينما تتعارض مع الوضوح القرآني، فإنّنا لا بدّ من توجيهها بما يتواءم مع ذلك الوضوح، وإلاّ فإنّ الوضوح القرآنيّ هو المقدَّم.

تطبيق المنهجيّة على روايات تحريف القرآن
بناءً على ما تقدّم، فإنّ الدليل العقليّ القطعيّ قادنا إلى عدم تحريف القرآن بالزيادة، وهذا ما أدّى إلى الاعتقاد القطعيّ بالآيات القرآنيّة العقليّة التي دلّ بعضها بوضوح على عدم تحريف القرآن الكريم، وعليه، فإنّ ما قد يفهم من روايات مرويّة من تحريف القرآن الكريم لا بدّ من تأويله بما ينسجم مع الآيات التي تنزّه القرآن عن التحريف، وإن لم يمكن تأويل ذلك، فإنّ مصير هذه الروايات سيكون الرفض وعدم القبول بها.

بعد هذا التوضيح للمنهجيّة التي نعتمدها في تعارض النصّ مع العقل القطعيّ، نطلّ على جملة من الروايات الواردة في كتب أهل السُنّة والشيعة حول تحريف القرآن الكريم.

روايات التحريف عند أهل السُنّة
ورد في كتب أهل السُّنّة روايات عديدة تفيد وجود مصاحف لبعض زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وبعض الصحابة، فيها زيادات عن القرآن الموجود بين أيدينا، إضافةً إلى روايات أخرى تفيد نقص القرآن الفعليّ لبعض الآيات أو الكلمات، ممّا أوهم البعض أنّ القرآن قد حُرّف بالنقيصة، ومن تلك الروايات:
1- مصحف عائشة
نقل السجستاني في كتابه "المصاحف" عن ابن أبي حميد قال: أخبرتني حميدة: "أوصت لنا عائشة بمتاعها، فكان في مصحفها "إنّ الله وملائكته يُصلّون على النبيّ والذين يصلّون في الصفوف الأولى" وقالت: "قبل أن يغيِّر عثمان المصاحف". كما ورد أنّه قد كُتب في مصحف عائشة "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر"3.

2- مصحف حفصة

ورد في بعض كتب أهل السُنّة أن زوجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم حفصة وافقت عائشة وكتبت بيدها "وصلاة العصر" بعد قوله تعالى ﴿حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى4.

3- مصحف أم سلمة

نسبت بعض كتب أهل السُّنة إلى زوجة النبيّ أم سلمة أنّها كانت، أيضًا، تأمر أن يكتب في مصحفها بعد الصلاة الوسطى: "وصلاة العصر"5.

4- مصحف عبد الله بن مسعود

نقل السيوطي، بسند اعتبره صحيحًا، خبرًا هو أنّ الصحابي ابن مسعود كان يرى أنّ المعوّذتين ليستا من القرآن، لذا كان يحكّهما من المصحف6.

5- مصحف أُبيّ بن كعب

ذكر السجستاني أنّ مصحف أُبيّ بن كعب كان فيه سورتان ليستا الآن موجودتين في قرآننا، وقد ذكر السيوطي هاتين السورتين وهما:
(بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم إنا نستعينك، ونستغفرك، ونثني عليك، ولا نكفرك، ونخلع، ونترك من يفجرك).
(اللهم إياك نعبد، ولك نصلي، وإليك نسجد ونحفد، نرجو رحمتك، ونخشى نقمتك، إنّ عذابك بالكافرين ملحق)7.

6- آية الرجم

نقلت عدّة كتب لأهل السُّنّة أنّ عمر بن الخطاب كان يصرّ على وجود آية الرجم في القرآن، وهي: "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة"، وكان عمر يقول: "لولا أن يقول الناس: إنّ عمر زاد في كتاب الله، لكتبت آية الرجم بيدي"8.

7- آية ولاية علي

ذكر السيوطي في الدرّ المنثور عن ابن سعود قوله: "كنا نقرأ على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربك (أنّ عليًّا) مولى المؤمنين وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته، والله يعصمك من الناس"9.

8- القرآن: 1027000 حرف

روى الطبرانيّ بإسناده عن عمر بن الخطاب أنّه قال: "القرآن ألف ألف حرف وسبعة وعشرون ألف حرف، فمن قرأه صابرًا محتسبًا كان له بكل حرف زوجة من الحور العين"10.
في حين أنّ حروف القرآن الواقعية، وهو المأثور عن ابن عباس هي 323671 حرفًا.

الردّ

ما أسّسناه من منهجيّة سابقة تقتضي توجيه الروايات التي يمكن توجيهها إلى معنى آخر يتواءم مع تنزيه القرآن الكريم، وعدم تحريفه، وإلاّ فإنّ مصيرها هو الرفض.
بناءً عليه، نحمل البعض منها على إرادة بيان مورد نزول الآية، كالرواية الواردة عن ابن مسعود (بلِّغ ما أنزل إليك من ربك (أنّ عليّاً) مولى المؤمنين)، لا أنّه يراد كون هذه الألفاظ جزءً من القرآن الكريم، وقد حُذِفت.

ونحمل البعض الآخر منها على إرادة الدعاء، كالرواية الواردة حول مصحف أبي بن كعب، فلعلّ المقطعين السابقين لا يراد أنّهما سورتان، بل كان أُبيّ قد كتبهما في مصفحه كدعاء يدعى به الله تعالى، فاختلط الأمر على بعض الناس.

أمّا الروايات التي لا تتحمّل معنى يتواءم مع عصمة القرآن من التحريف، فإنّنا نرفضها كما ذكرنا.

روايات التحريف في كتاب الشيعة
ورد في كتب الشيعة بعض الروايات التي يمكن حملها على مورد النزول، كتلك الرواية الشبيهة برواية ابن مسعود المتقدّمة، وهي أنّ آية التبليغ كانت تقرأ هكذا: "يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك (في علي)"11.

وما يؤكّد صحة هذا الحمل هو ما ورد في صحيحة أبي بصير: سألت أبا عبد الله عن قول الله تعالى: ﴿أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ12. قال عليه السلام: "نزلت في عليّ بن أبي طالب والحسن والحسين، فقلت له: إنّ الناس يقولون: فما له لم يسمِّ عليًّا وأهل بيته في كتاب الله، قال عليه السلام: "قولوا لهم: إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نزلت عليه الصلاة، ولم يسمِّ الله لهم ثلاثًا ولا أربعًا، حتى كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي فسّر ذلك لهم"13.

وهكذا فإنّنا نحمل ما ورد عن الإمام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء، وهو قوله عليه السلام: "إنّما أنتم من طواغيت الأمّة، وشذّاذ الأحزاب، ونبذة الكتاب، ونفثة الشيطان، وعصبة الآثام، ومحرِّفي الكتاب"14، على التحريف المعنويّ لا التحريف اللفظيّ، وقد ذكرنا في بداية هذه الإجابة أنّ التحريف المعنوي قد وقع في القرآن الكريم من دون أن يكون له أيّ أثر على إعجازه.

* كتاب يسألونك عن الأنبياء، سماحة الشيخ أكرم بركات.


1- معرفة، محمد هادي، صيانة القرآن من التحريف، تحقيق ونشر مؤسسة النشر الإسلامي، قم، ص115.
2- سورة الحشر، الآية 7.
3- الصنعانيّ، المصنّف، تحقيق الأعظمي، ط2، المجلس العلمي، 1413هـ، ج1، ص587.
أنظر بركات، أكرم، حقيقة مصحف فاطمة عند الشيعة، ص 118.
4- الصنعانيّ، المصنف، ج1، ص578.
5- المصدر السابق، ص579.
6- السيوطي، جلال الدين، الدر المنثور، (لا،ط)، بيروت، دار المعرفة، (لا،ت)، ج6، ص416.
7- السيوطي، جلال الدين، الإتقان، بيروت، دار الفكر، ج1، ص67.
8- ابن حنبل، احمد، مسند أحمد بن حنبل، ج1، ص23.
ابن انس، مالك، الموطأ، تحقيق الباقي، بيروت، دار إحياء الكتب العربية، ج2، 824.
9- السيوطي، جلال الدين، الدر المنثور، ج2، ص 298.
10- السيوطي، جلال الدين، الإتقان، ج2، ص25.
11- الطباطبائي، محمد حسين، تفسير الميزان، ج12، ص112.
12- سورة النساء، الآية 59.
13- الكليني، محمد، الكافي، ج1، ص286.
14- المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج45، ص 8.

2015-01-29