الإساءات الماديّة إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم
سيرة النبي الأكرم(ص)
لمّا عجزت قريش عن مواجهة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، ولم تستطع التخلّص منه بسبب حماية أبي طالب عليه السلام له، ولم تستطع الحدّ من عدد المسلمين، عمدت إلى التصفية الجسديّة واستئصالهم ليكونوا عبرةً لغيرهم،
عدد الزوار: 325
الإساءات الماديّة إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم
يقول الله تعالى في محكم كتابه: ﴿وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا وَإِذًا لاَّ
يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً﴾1.
الإساءات الماديّة
1- قتل المسلمين
لمّا عجزت قريش عن مواجهة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، ولم تستطع التخلّص منه
بسبب حماية أبي طالب عليه السلام له، ولم تستطع الحدّ من عدد المسلمين، عمدت إلى
التصفية الجسديّة واستئصالهم ليكونوا عبرةً لغيرهم، فكان أوّل شهيد وشهيدة في
الإسلام ياسر وسميّة والدا عمّار الصحابيّ الجليل رضي الله عنهم، ولكنّ الثبات على
المبدأ والاستعداد للتضحية في سبيله، أظهر قوّة الإسلام في نفوس المسلمين ممّا جعل
المتردّدين يقبلون أكثر نحو هذا الدين الجديد.
2- الإخراج من مكّة والحصار في شعب أبي طالب عليه السلام
قال تعالى: ﴿وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا وَإِذًا لاَّ
يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً﴾2، فإنّهم عمدوا إلى إخراجه صلى الله عليه
وآله وسلم والمسلمين من مكّة، ولكن ما لبثوا حتّى قتلوا ببدر3، فإنّ من يلجأ إلى
الله في الشدائد لا بدّ أن يأتيه بالفرج.
3- محاولة القتل
قال تعالى: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ
يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ
الْمَاكِرِينَ﴾4، وذلك عندما شعرت قريش بحجم الخطر فيما لو التحق النبيّ صلى الله
عليه وآله وسلم بأصحابه، خاصّة بعدما قدَّرت أنّ المدنيّين سيحمونه وينصرونه بعدما
بايعوه، فاتخذت قراراً حاسماً بالتخلُّص من النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قبل
فوات الأوان، واستطاعت أن تنتزع قراراً بمشاركة كلِّ قبائل قريش في عمليّة الاغتيال،
من أجل أن يتفرّق دمه في القبائل كلّها؛ فلا يعود بإمكان بني هاشم أن يثأروا لدمه،
ولكنّ الله تعالى أخبر رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بهذه المؤامرة، وأمره بالخروج
ليلاً من مكّة وأن يجعل عليّاً عليه السلام مكانه ليبيت على فراشه من أجل التمويه
والإيهام، وليردّ كيدهم عليهم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى غار ثور
وبات عليّ عليه السلام على فراشه تلك الليلة. وعندما اقتحم المشركون دار النبيّ صلى
الله عليه وآله وسلم وجدوا أنفسهم أمام عليّ عليه السلام، ونظراً للتضحية الكبرى
الّتي قدّمها الإمام عليّ عليه السلام، أنزل الله تعالى بحقّه قوله: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ
بِالْعِبَادِ﴾5.
4- الحرب ضد
بعد هجرة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة، أقام نواة دولة، ممّا جعل
أمر الإسلام ينتشر بين القبائل العربيّة، بعد أن كان محصوراً في قريش، بسبب التعتيم
على الدعوى
الحقّة، فرأى زعماء قريش أن لا مناص إلّا بقمع الإسلام بقوة السلاح والحرب، فصار
الصراع عسكريّاً، ولكنّ الله أنزل نصره على نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم، قال
تعالى: ﴿أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ
الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ
أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ* قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ
بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ
مُّؤْمِنِينَ﴾6، فحثّ الله المؤمنين على قتال الّذين أخرجوهم والرسول صلى الله عليه
وآله وسلم من بيوتهم، وأن لا يخشونهم، بل يخشون الله فإنّه سينصر النبيّ صلى الله
عليه وآله وسلم على أيديهم.
وقال تعالى: ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ
إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ
عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنَزلَ
اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا
لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ﴾7، فنصرهم الله وأنزل سكينته على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين، وأنزل
الملائكة، فمن ينصر الحقّ ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينصره الله ويعذّب
الكافرين.
وقال تعالى: ﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ
رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَناً
إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللّهَ مُوهِنُ كَيْدِ
الْكَافِرِينَ ﴾8، فالله هو الّذي قتل وهو الّذي رمى، وهو الّذي أوهن كيد الكافرين.
5- محاولة الاغتيال
من الأحداث المُهمَّة الّتي وقعت مع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم خلال عودته من
تبوك محاولة
اغتياله، فقد ذكرت المصادر التاريخيّة أنّه حين وصل الجيش الإسلاميّ إلى العقبة بين
المدينة والشام قال صلى الله عليه وآله وسلم: "من شاء منكم أن يأخذ بطن الوادي
فإنّه أوسع لكم" فأخذ الناس بطن الوادي وسلك هو طريق العقبة، وكان يقود ناقته عمّار
بن ياسر ويسوقها حذيفة بن اليمان، فرأى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في ضوء
القمر فرساناً قد تلثّموا ولحقوا به من ورائه في حركةٍ مُريبة فغضب صلى الله عليه
وآله وسلم وصاح بهم وأمر حذيفة أن يضرب وجوه رواحلهم؛ فتملّكهم الرعب وعرفوا بأنّ
النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قد علم بما أضمرته نفوسهم بمؤامرتهم، فأسرعوا
تاركين العقبة ليُخالِطوا الناس ولا تنكشف هويّتهم.
وطلب حذيفة من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن يبعث إليهم من يقتلهم بعدما عرفهم
من رواحلهم، ولكنّ رسول الرحمة عفا عنهم وأوكل أمرهم إلى الله تعالى9.
هذا سرد مختصر لما تحمّله قلب نبيّنا أرواحنا فداه من أذى وإساءات، ولم نذكر مثلاً
أذى اليهود واستهزاءهم بالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم من التشكيك به ومحاولة
تعجيزه، وتحريض المشركين عليه والتجسّس عليه لصالحهم، وإثارة الفتن بين المسلمين،
وتآمرهم على حياة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم مراراً، ونقض العهود والمواثيق
الّتي أبرموها معه صلى الله عليه وآله وسلم.
ولو أردنا حصرها لاستوعبت مجلّدات، فإنّه حتّى آخر عمره الشريف شهد أقسى الإساءات،
من عصيان أمره صلى الله عليه وآله وسلم بتجهيز جيش أسامة، والحيلولة دون كتابة
الوصية، والتنازع عنده واتهامه في عقله، وغير ذلك.
الخاتمة
لقد كشف لنا التاريخ أنّ مخالفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الّذين استهزأوا
به وأساءوا إليه، ما كان لهم حجّة بل حجّتهم داحضة، وفي يومنا هذا واستمراراً
لإساءات واستهزاء المشركين، يتابع الغربيون هذه المعركة.
فقد عرفوا أنّ الإسلام يملك من قوّة الحجّة، بمعجزته الخالدة القرآن الكريم
الّذي أعجز الناس على أن يأتوا بمثله ماضياً وحاضراً، وبرسوله الأعظم صلى الله عليه
وآله وسلم الّذي لا ينكر نوره وعظمته.
فلم يبق لهم في مواجهة الإسلام ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وكتابه، سوى السبّ
والشتم والإساءة، برسوم وأفلام وغير ذلك، وما أساليبهم هذه إلّا لضعف حجّتهم
ومنطقهم، فالضعيف هو من يلجأ إلى هذه الأساليب الّتي تؤكّد ضعف وضحالة مرتكزات
حضارتهم الماديّة، وهذا أذان بسقوط حضارتهم، وقرب زوالهم وهلاكهم، فإنّه ما تجرّأ
قوم على الله واستهزؤوا بأنبيائه عليهم السلام إلّا انتقم الله منهم.
قال تعالى: ﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ
سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ﴾10.
وقال تعالى: ﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ
كَفَرُواْ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ﴾11.
وقال تعالى: ﴿ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي
وَرُسُلِي هُزُوًا﴾12.
وقال تعالى: ﴿سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ
لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً﴾13.
عسى أن يبصّرنا الله سبحانه وتعالى زوالهم وفناءهم بما آذوا رسوله صلى الله عليه
وآله وسلم وأمّة رسوله، وبما تجرّؤوا على الله سبحانه وعلى نبيّه صلى الله عليه
وآله وسلم.
* كتاب إلا رحمة للعالمين، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1- سورة الإسراء، الآية: 76.
2- سورة الإسراء، الآية: 76.
3- تفسير القمّي، ج2، ص24.
4- سورة الأنفال، الآية: 30.
5- سورة البقرة، الآية: 207.
6- سورة التوبة، الآية: 13.
7- سورة التوبة، الآيتان: 25 26.
8- سورة الأنفال، الآيتان: 17 18.
9- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج21، ص247.
10- سورة الأنعام، الآية: 10.
11- سورة الرعد، الآية: 32.
12- سورة الكهف، الآية: 106.
13- سورة الإسراء، الآية: 77. 2015-01-26