كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في لقائه مسؤولي الدولة وضيوف مؤتمر الوحدة الإسلامية
2015
أبارك لكل الحضور المحترمين الميلاد السعيد لسيدنا نبيّ الإسلام الكريم وميلاد الإمام الصادق (عليهما الصلاة والسلام). مسؤولو البلاد حاضرون هنا، وضيوف أسبوع الوحدة الأعزاء حاضرون هنا، وسفراء البلدان الإسلامية المحترمون حاضرون في هذه الجلسة،
عدد الزوار: 76كلمته في لقائه مسؤولي الدولة وضيوف مؤتمر الوحدة الإسلاميّة بمناسبة ولادة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم _09/01/2015
بسم الله الرحمن الرحيم
أبارك لكلّ الحضور
المحترمين الميلاد السعيد لسيّدنا نبيّ الإسلام الكريم وميلاد الإمام الصادق (عليهما
الصلاة والسلام). مسؤولو البلاد حاضرون هنا، وضيوف أسبوع الوحدة الأعزّاء حاضرون
هنا، وسفراء البلدان الإسلاميّة المحترمون حاضرون في هذه الجلسة، فمبارك لكم جميعاً
هذا العيد السعيد الكبير. كما أبارك لعموم شعب إيران والشعوب المسلمة والأمّة
الإسلاميّة وكذلك لكلّ أحرار العالم الذين تهمّهم قضيّة التحرّر والإنسانيّة ولها
قيمتها عندهم، فهذا اليوم هو يوم ميلاد رسول العلم؛ رسول العلم ورسول العقل ورسول
الأخلاق ورسول الرحمة ورسول الوحدة ورسول كلّ الخصال الإنسانيّة الكبرى. كلّ من
يهتم بهذه الخصال الإنسانيّة سيعشق رسول الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم ويشعر
بالانجذاب إليه.
العلم، التعقل، الاخلاق؛ والأولويّة للوحدة
أنا وأنتم مسلمون ندّعي اتّباع ذلك الإنسان العظيم، ونفخر بذلك، ومستعدّون للثبات
على هذا السبيل، وبذل أرواحنا وأموالنا في هذا الدرب، ونحتاج أن نُفهم أنفسنا أنّنا
أتباع هذه التعاليم - التي تحتويها رسالة الإسلام، أي العلم والعقل والحكمة والرحمة
والوحدة والأخلاق والخصال الإنسانيّة التي تضمنّتها رسالة رسول الإسلام صلى الله
عليه وآله وسلم وبذل سيّدنا أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه الصلاة والسلام)
أوسع الجهود لنشرها وتحقيقها - ونسعى من أجلها. هذا هو اليوم واجب كل المسلمين.
طبعاً جماهير الناس تتبع مسؤولي البلاد؛ فالحكومات والنخب والمستنيرون والعلماء
والساسة وشخصيات من هذا القبيل هم الذين يتحملون الواجب الأساسي في هذا الميدان
الواسع. حينما أنظر اليوم إلى قضايا مجتمعنا وقضايا العالم الإسلامي أجد مع أنّ كلّ
هذه المضامين الكبيرة مهمة - فالعلم مهم للعالم الإسلامي، وكذلك التعقل مهم، وكذلك
الأخلاق - لكن الأهم وما هو بالدرجة الأولى من الأولويّة للعالم الإسلامي یتمثل في
الوحدة. نحن المسلمون ابتعدنا كثيراً عن بعضنا. نجحت للأسف السياسات التي سعت للفصل
بين المسلمين وتفریق قلوب الجماعات المسلمة بعضها عن بعض. نحتاج اليوم إلى الوحدة.
لو تقاربت شعوب البلدان الإسلامية في كل هذه المنطقة الواسعة - والذين يشكلون جزءاً
كبيراً جداً من سكان العالم - لا في التفاصيل والجزئيّات بل في التوجّهات الكليّة
العامّة بعضها مع بعض لوصل العالم الإسلامي إلى ذروة الرقيّ والرفعة. أن يروا بعضهم
إلى جانب بعض في القضايا الكليّة فهذا المنظر الذي يظهرهم إلى جانب بعضهم له بحد
ذاته تأثيره. وأن يتحدّث رؤساء البلدان الإسلاميّة أو مستنيرو البلدان الإسلاميّة
بعضهم ضد بعض - حتى لو كان مجرّد كلام - فهذا ما يبعث الجرأة والأمل في نفس العدو،
وهذا هو الواقع اليوم. لو ظهرنا إلى جانب بعضنا حتى ولو بمقدار التصريحات فهذا ما
يمنح العظمة والهيبة للعالم الإسلامي وللأمّة الإسلاميّة. أين ما شاهدنا نماذج لهذا
الاجتماع والاتّحاد، حتى لو كان على مستوى الأجسام التي تقف إلى جانب بعضها في صف
واحد، وجدنا أنّ انعكاسات ذلك في العالم كانت مبعث شرف وسمعة حسنة للإسلام
والمسلمين ولرسول الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم .
الوحدة عزّةُ المسلمين
عندما نصلّي صلاة العيد نقف إلى جوار بعضنا ونقول: "اَلَّذي جَعَلتَهُ لِلمُسلِمينَ
عيداً ولِمُحَمَّدٍ صلّى الله عليه وآله ذُخراً وشَرَفاً وكرامَة ومَزيداً"1.
مجرّد وقوف الأجسام بعضها إلى جانب بعض في الصلاة مبعث شرف لرسول الإسلام صلى الله
عليه وآله وسلم وسبب عزّة واحترام للأمّة الإسلاميّة. هكذا هو تجمّع المسلمين في
الحج. وقد لاحظتم هذه السنة في أربعينيّة الإمام الحسين عليه السلام أنّ ملايين
البشر اجتمعوا إلى جانب بعضهم، وهذا التحرّك العظيم لجماعة من المسلمين بحدّ ذاته -
ولم يكن الأمر خاصّاً بالشيعة بل كان السنّة أيضاً موجودين - الذي انعكس في العالم،
أثار إعجاب العالم واحترامه لهم، واعتبروه أعظم تجمّع في العالم؛ من هم؟ الذين
يرصدون القضايا والشؤون الإسلامية.
وأرى من المناسب واللازم هنا بمناسبة ذكر ذلك التجمع الهائل أن أتقدم بالشكر لحكومة
العراق وشعب العراق وعشائر العراق الذين ضحّوا في هذا الامتحان البالغ الأهمية
وقدموا الخدمة وأبدوا الکرم والمروءة. كان حدثاً عجيباً حدث الأربعينية في كربلاء
هذه السنة. لقد تصور أعداء الإسلام وأعداء أهل البيت عليه السلام أنهم سدوا هذا
الطريق، ولكم أن تلاحظوا أيّ تحرك عظيم حصل!
عندما تصطف حتى الأجسام بعضها إلى جانب بعض فستكون لذلك انعكاسات بهذا الشكل. إذا
كنّا مع بعضنا وكانت قلوب البلدان والشعوب الإسلاميّة - من سنّة وشيعة ومختلف فرق
التسنّن والتشيّع - نقيّة بعضها تجاه بعض، ولا تحمل سوء ظن أو سوء نيّة بعضها لبعض،
ولا يهين بعضهم بعضاً، لاحظوا أيّ حدث سيقع في العالم، وأيّة عزة ستحصل للإسلام!
الوحدة الوحدة.
الجمهوريّة الإسلاميّة رفعت شعار الوحدة
ثمة اليوم أيادٍ بين أهل السنّة وبين الشيعة تعمل للفصل والتفرقة بينهم، وإذا
دقّقتم وبحثتم فستجدون أنّ كلّ هذه الأيدي متّصلة بمراكز التجسّس والاستخبارات
التابعة لأعداء الإسلام، لا أعداء إيران أو أعداء الشيعة فحسب، بل أعداء الإسلام.
ذلك التشيّع المرتبط بـ MI6 البريطاني، وذلك التسنّن المرتزق للـ CIA الأمريكي، لا
هو بتشيّع ولا بتسنّن، فكلاهما ضدّ الإسلام. إنّنا في الجمهوريّة الإسلاميّة منذ 35
عاماً نرفع هذا الشعار ونصرّح به، ولا نتكلّم فقط بل نعمل. فالمساعدات والعون الذي
قدّمته الجمهوريّة الإسلاميّة لإخوانها في العالم الإسلامي لحدّ اليوم، كانت في
الغالب مساعدة للإخوة من أهل السنّة. لقد وقفنا إلى جانب الفلسطينيّين وإلى جانب
الجماهير المؤمنة في بلدان المنطقة، لأنّنا كنّا نعلم أنّ قضيّة الوحدة هي في الوقت
الراهن على رأس القضايا الإسلاميّة. إنّني أوصي وأصرّ على العلماء الأعلام
والمستنيرين في العالم الإسلامي وعلى ساسة العالم الإسلامي أن لا يتحدّثوا عن
التفرقة إلى هذا الحدّ. ثمّة في العالم من ينفقون الأموال من أجل التخويف من
الإسلام ولتشويه وجه الإسلام في العالم، وإذا بنا في الداخل نعمل على تشويه وجوه
بعضنا وتخويف الناس بعضهم من بعض! هذا بخلاف الحكمة والسياسة.
سمعتُ أنّ بعض حكومات المنطقة بنت سياستها الخارجية على أساس معارضة إيران! لماذا؟
هذا بخلاف العقل والحكمة، هذا فعل أبله. لماذا يرتكب الإنسان مثل هذا الخطأ الكبير؟
نحن على العكس، أقمنا سياستنا الخارجيّة على الصداقة والأخوة والارتباط بكلّ
البلدان المسلمة وبلدان المنطقة من جيران وغير جيران. هذه هي سياستنا، وعملنا على
هذه الشاكلة وسنعمل على هذا النحو في المستقبل أيضاً.
إنّ الشعب الإيراني في الوقت الحاضر يتحلّى، والحمد لله، بهذه البصيرة وهذا الوعي
وهذه المعرفة السامية بحيث يعلم أنّ مصلحة مستقبل بلاده منوطة بالاتّحاد الإسلامي
وبالشعوب المسلمة وبالبلدان الأخرى. طبعاً يحاول أشخاص ويعملون ويسعون لإيجاد حالات
خلل وإرباك وسوء ظنّ ويحاولون الوسوسة، لكنّ الشعب والحمد لله أدرك هذا الأمر في
الوقت الحاضر. لقد فعل نداء وشعار إمامنا الخميني الجليل - منذ ما قبل انتصار
الثورة وإلى ما بعد ذلك عند تأسيس النظام الإسلامي - فعله بخصوص قضيّة الوحدة، وصار
شعبنا واعياً، وهذا واجب الجميع.
أشدّاءٌ، رُحماء
على جميع المسلمين اليوم من أقصى أنحاء العالم إلى أقصاها أن يفكّروا بالأمّة
الإسلاميّة وبالوحدة الإسلاميّة. إذا فكّرنا بالأمّة الإسلاميّة فسوف تتأمّن مصالح
بلداننا أيضاً. وإنّ مصلحة العدو هي أن يفصلنا بعضنا عن بعض، وأن يهاجم بلداً ويكسب
الحلفاء له من بلد آخر، مصلحة العدو تكمن في هذا ويجب علينا أن لا نسمح بذلك.
من هو العدو؟ العدو هو الرأسماليّة الأمريكيّة والاستكبار العالمي الذي تقف على
رأسه اليوم أمريكا والصهاينة والحكومة الصهيونيّة في فلسطين المحتلّة جزء من تلك
المجموعة الخطيرة وذلك السرطان الفتّاك الذي أوجده الصهاينة في العالم. يجب الوقوف
بوجه هؤلاء وينبغي في مواجهتهم العودة إلى الإسلام وإلى نصوص القرآن الکریم.
أحياناً يرى الإنسان أشياء ويسمع أقوالاً ويقرأ كتابات لم تكتب في ضوء الآيات
القرآنيّة. يقول القرآن الكريم: "قولوا ءامَنّا بِاللهِ ومآ اُنزِلَ اِلَينا وما
اُنزِلَ إلى اِبراهيمَ واِسماعيلَ و... وما اوتِي موسى وعيسىوما أوتِي
النَّبيون"2. بعد أن يذكر كل تلك الشرائع السابقة التي من واجب المسلمين الإيمان
بها، يقول: "فَاِن ءامَنوا بِمِثلِ مآ ءامَنتُم بهفَقَدِ اهتَدَوا"3. الإسلام لا
يوافق التعددية4. الذين يروّجون لفكرة أنّ الإسلام يوافق التعدّدية لأنّه يثني على
النبي موسى والنبي عيسى، فليراجعوا القرآن وليلاحظوا النصوص الإسلاميّة، ولا
يقُولوا شيئًا عن غفلة وعدم اطّلاع. هذا هو الإسلام: "فَاِن ءامَنوا بِمِثلِ مآ
ءامَنتُم بهفَقَدِ اهتَدَوا واِن تَوَلَّوا فَاِنَّما هُم في شِقاقٍ فَسَيكفيكهُمُ
الله"5. هذا هو معنى القرآن الكريم. ثم إنّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بين
المسلمين "حَريصٌ عَلَيكم"6. يقول حول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم : "حَريصٌ
عَلَيكم بِالمُؤمِنينَ رَءوفٌ رَحيم"7. إنّه رؤوف بالمؤمنين لكن "اَشِدّاءُ على
الكفّارِ رُحَمآءُ بَينَهُم"8. كونوا أشداء مقابل الأعداء ومن هو عدوكم. لا تكونوا
مقابل العدو كالساتر الرخو المرن فيستطيع التغلغل فيكم من أين ما شاء، بل كونوا
أشداء صلدين ثابتين، ولكن "رُحَمآءُ بَينَهُم"، كونوا في ما بينكم رحماء، ولتكن
قلوبكم نقية بعضكم تجاه بعض وعطوفين بعضكم على بعض، بحيث لا تستطيع الأسماء فصلكم
عن بعضكم، ولا تستطيع الحدود الجغرافية تفريقكم بعضكم عن بعض، ولا تستطيع الحدود
الجغرافية وضع الشعوب بعضها في وجه بعض.
هذا من دروس ذلك الرسول صلى الله عليه وآله وسلم . من المناسب في هذا اليوم - وهو
يوم ولادة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم - أن نستلهم الدروس، فمجرد تكريم
الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومدحه والثناء عليه ليس العمل الذي يتوقع منا وحسب،
بل يجب أن نستلهم الدروس وأن نريد تحقيق ما بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم من
أجله، وذكرتُ أن أولوية العالم الإسلامي اليوم هي الاتحاد. نتمنى أن يوفقنا الله
تعالى جميعاً للعمل بما نقول. اللهم زد في قوة العالم الإسلامي والأمة الإسلامية
وشموخهما يوماً بعد يوم.
والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
1- الإقبال، ص289، من دعاء
القنوت في صلاة عيد الفطر.
2- سورة البقرة، شطر من الآية 136 .
3- سورة البقرة، شطر من الآية 137.
4- التعدّديّة الدينيّة تقول أنّه ليس بالضرورة أن يكون دين الشخص الواحد هو مصدر
للحقيقة المطلقة وبالتالي افتراض وجود بعض الحقيقة في جميع الأديان الأخرى.
5- سورة البقرة، شطر من الآية 137.
6- سورة التوبة، شطر من الآية 128.
7- سورة التوبة، شطر من الآية 128.
8- سورة الفتح، شطر من الآية 29.