أسماء القرآن
مقدمات قرآنية
اختلف الباحثون في علوم القرآن في عدد أسماء القرآن، وتفاوتت تحديداتهم في هذا الصدد، حيث حصر بعضهم أسماء القرآن في اسم "القرآن" فقط، وعدّ الأسماء الأخرى المتداولة مجرّد صفات للقرآن وليست أسماء له، وذهب آخرون إلى أنّ للقرآن 55اسماً، وآخرون إلى أنّ له 95 اسماً...
عدد الزوار: 389
اختلف الباحثون في علوم القرآن في عدد أسماء القرآن، وتفاوتت تحديداتهم في هذا
الصدد، حيث حصر بعضهم أسماء القرآن في اسم "القرآن" فقط، وعدّ الأسماء الأخرى
المتداولة مجرّد صفات للقرآن وليست أسماء له، وذهب آخرون إلى أنّ للقرآن 55اسماً،
وآخرون إلى أنّ له 95 اسماً...
ولعلّ السبب في هذا الاختلاف راجع إلى وجود خلل في التمييز بين أسماء القرآن وصفاته،
أو إلى تباين الأذواق والمعايير المعتمدة في تحديد الأسماء والصفات. واسم الشيء، هو
تعريفه وتشخيصه في الخارج ضمن أبعاد وحدود تحكي ماهيّة المسمّى ويُعرَف بها. وأمّا
الصفة فهي تحكي خاصيّة معيّنة من المسمّى وعليه، فأسماء القرآن هي خصوص المعرّفات
والمشخّصات التي تحكي عن القرآن في الخارج من أنّه كلام الله تعالى المنزل على
نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم بالإعجاز. وأمّا صفات القرآن فهي تحكي عن خاصيّة
معيّنة يشتمل عليها القرآن من قبيل: الهداية، التبشير، الإنذار....
والمشهور من الأسماء، هو التالي:
أ- القرآن: وردت مفردة "قرآن" 68 مرّة في
القرآن الكريم(قرآن: 58 مرّة/ قرآناً: 10 مرّات). وأُريد بها: تارة مجموعة من
الآيات، كما في قوله تعالى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء
وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ...﴾، وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ
فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾. وتارة أخرى مجموع
الكتاب (أي ما بين الدفّتين)، كما في قوله تعالى: ﴿وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ
لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيل﴾.
ب- الفرقان: وردت مفردة "فرقان" 6 مرّات في
القرآن الكريم. والفرقان من الفرق والتفرقة، ويُراد بها ما يفرق بين الحقّ والباطل.
وروي أنّه سُئِلَ الإمام الصادق عليه السلام عن القرآن والفرقان أهما شيئان أم شيء
واحد؟ فقال عليه
السلام: "القرآن جملة الكتاب، والفرقان الحكم الواجب العمل به".
ج- الذِكْر: وردت مفردة "ذِكْر" 52 مرّة في
القرآن الكريم، وأريد بها القرآن في بعض المواضع فقط، كما في قوله تعالى: ﴿وَهَذَا
ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ﴾، وقوله تعالى:﴿...وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ
لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾،
وقوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ﴾. ويُراد بالذِكْر: الشرف.
د- الكتاب: وردت مفردة "كتاب" 230 مرّة في
القرآن الكريم، كما في قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى
لِّلْمُتَّقِينَ﴾، وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ
اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا...﴾. والكتاب هو: جملة ما هو موجود بين الدفّتين. وقد
استعمل في القرآن الكريم وأُريد به: تارة ما أُنزِلَ على الأنبياء والرسل عليهم
السلام من كلام الله تعالى المُوحَى إليهم، كما في قوله تعالى: ﴿يَا يَحْيَى خُذِ
الْكِتَابَ بِقُوَّة﴾، وقوله تعالى: ﴿وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ
هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ﴾، وقوله تعالى - على لسان نبيّه عيسى عليه السلام -:
﴿قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ...﴾. وتارة استعمل الكتاب بمعنى
خصوص المكتوب على نحو المراسلات والمخاطبات، كما في قوله تعالى -في معرض حكايته
لقصة النبي سليمان عليه السلام وملكة سبأ: ﴿اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ
إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ * قَالَتْ يَا
أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ﴾. وتارة استعمل بمعنى
صحيفة أعمال الإنسان، كما في قوله تعالى: ﴿...مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ
صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا...﴾، وقوله تعالى: ﴿وَكُلَّ إِنسَانٍ
أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا * اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ
عَلَيْكَ حَسِيبً﴾...
هـ- التنزيل: وردت مفردة "تنزيل" 11 مرّة في
القرآن الكريم، كما في قوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾،
وقوله تعالى: ﴿تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾، وقوله تعالى: ﴿تَنزِيلَ
الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ﴾. ويُراد من التنزيل: القرآن النازل مفرّقاً مرّة بعد أخرى.
و- المصحف: لم يرد ذِكْر هذه المفردة في
القرآن الكريم، ولكن اشتهر تداولها بين المسلمين بعد رحيل الرسول الأكرم صلى الله
عليه وآله وسلم، بوصفها اسماً من أسماء القرآن الكريم.
ولعلّ اشتهار تداولها يعود إلى شدّة انشغال المسلمين واهتمامهم بعد رحيل الرسول
الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بكتابة القرآن وتدوينه وجمعه بين دفّتين.
و"الصَّحِيفَةُ: المبسوط من الشيء، كصحيفة الوجه، والصَّحِيفَةُ: التي يكتب فيها،
وجمعها: صَحَائِفُ وصُحُفٌ. قال تعالى: ﴿صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى﴾،
﴿يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً * فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ﴾، قيل: أريد بها القرآن، وجعله
صحفاً فيها كتب من أجل تضمّنه لزيادة ما في كتب الله المتقدّمة. والْمُصْحَفُ: ما
جعل جامعا لِلصُّحُفِ المكتوبة، وجمعه: مَصَاحِفُ".
وتجدر الإشارة إلى أنّ الأسماء الثلاثة: الكتاب، الذكر، الفرقان، هي أسماء مشتركة
بين القرآن والكتب السماوية الأخرى. وأمّا اسم "القرآن" فهو الاسم الوحيد الذي اختصّ
به كتاب رسالة الإسلام عن كتب باقي الرسالات السماوية. ويُعدّ من أشهر أسماء القرآن:
القرآن، ثمّ الفرقان، ثمّ يأتي بعدهما في الشهرة ترتيباً: الكتاب، والذكر، والتنزيل.
* كتاب علوم القرآن، مركز نون للتأليف والترجمة، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
2015-01-08