التأييد الإلهي للمؤمن
الأخلاق والثقافة الإسلامية
اللّطف العامّ وهو الأمور العامّة الّتي تقرّبهم من النجاة والفوز في الدنيا والآخرة، وهو عامّ لكافّة العباد ومطلوب منهم التمسّك به باختيارهم، كالأنبياء والرسل والشرائع الّتي أرسلوا بها، وكالعقل، فإنّها رحمات إلهيّة عامّة لجميع من يعقل.
عدد الزوار: 112
يقول الله تعالى في محكم كتابه:
﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ
أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي
قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ
تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ
الْمُفْلِحُون﴾1
تمهيد
إنّ لطف الله تعالى ورحمته بالعباد يكون على نحوين:
اللّطف العامّ وهو الأمور العامّة الّتي تقرّبهم من النجاة والفوز في الدنيا
والآخرة، وهو عامّ لكافّة العباد ومطلوب منهم التمسّك به باختيارهم، كالأنبياء
والرسل والشرائع الّتي أرسلوا بها، وكالعقل، فإنّها رحمات إلهيّة عامّة لجميع من
يعقل.
واللّطف الخاصّ وهو التأييد الإلهيّ الّذي يخصّ به الله تعالى عبده المؤمن الّذي
أخذ باللّطف العامّ وتمسّك به، وهو ما يحبّ بعضهم أن يسمّيه بالألطاف الخفيّة، وهو
من قبيل التوفيق الخارج عن إطار الحسابات المادّية الرقميّة البحتة الّتي يحسبها
الحاسبون ويحلّل بها المحلّلون ويعتادها المعتادون.
معاني التأييد الإلهي
وهذا التأييد المخصوص يكون بأحد معانٍ ثلاثة:
1- إنّ الله تعالى يقوّي المؤمن الّذي وصل إلى نيل مقام حزب الله القرآنيّ ويهديه
إلى السبل الصحيحة، ويمدّه بالفيوضات الغيبية، والألطاف الخفيّة، الّتي هي خارج
عالم الشهادة. لذلك فسّرت الآية بأنّه تعالى أيّدهم بجبرائيل في كثير من المواطن،
ينصرهم ويدفع عنهم.
وهذا أمر من مهمّات الأمور الإيمانيّة ينبغي لكلّ مؤمن أن يتنبّه إليه، وله مبتنيات
وأسس عقائديّة ملخّصها: أنّ الّذي آمن بالخالق العظيم المطلق في كلّ كمال، القويّ
العزيز ذي الجلال، الرؤوف الرحيم الكريم، القادر ذي الخير العميم، الّذي إذا أراد
شيئاً إنّما يقول له كن فيكون، الّذي يرعى عباده وهو بهم خبير بصير
﴿إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِير﴾2
، ويتلطّف بهم
﴿اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِه﴾3
، الّذي يدافع عن المؤمنين به، ولا يتركهم وإن اختبرهم، ولا ينساهم من فضله وإن
امتحنهم.
إنّ من يؤمن بذلك لا بدّ له أن لا يقتصر في شؤونه على الأسباب الظاهرية فحسب
متناسياً الأسباب الغيبية والألطاف الخفية، فمعادلة المؤمن بالغيب تختلف عن معادلة
من لا يرى إلّا ظاهر الأسباب
﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ
الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُون﴾4
.
وعليه فإنّ المؤمن بالغيب يمتلك قوّة لا يضاهيها أيّ قوّة مادية، لأنّها مستقاة من
مسبّب الأسباب، ذي القوّة المتين والقدرة المطلقة.
ومن ناحية أخرى فإنّ المؤمن لا يحصل له يأس ولا قنوت، لأنّ الألطاف الإلهيّة الخفية
الّتي لا يتصوّر منتهى لأمدها ستكون دائماً حادية له نحو الأمل بالنجاة والفوز
والنصر والنجاح، وإن طالت مدّة المحنة والبلاء، وسيكون الظفر حليفه إلى أن يصل إلى
مبتغاه، "لا يعدم الصبور الظفر وإن طال به الزمان"5.
والقرآن الكريم يزخر بالآيات الّتي تريد تثبيت هذا المفهوم، وترسيخ هذا المعتقد في
نفوس المؤمنين، يقول تعالى:
﴿فَلَمَّا
جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ
بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم
مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ
الصَّابِرِين﴾6
.
﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ
اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ
أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ *بَلَى
إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ
رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ * وَمَا جَعَلَهُ
اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ
إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾7
.
2- يعتمد على أنّ الروح في قوله تعالى
﴿وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْه﴾:
هي نور الإيمان، أي قوَّاهم بنور الإيمان.
ويدلّ عليه قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ﴾8.
وهذا يرجع إلى المعنى الّذي ذكرناه سابقاً، من تثبيت الإيمان في قلب المؤمن إذا وصل
إلى مقام حزب الله، فإنّ نور الإيمان إذا قوي في قلب امرئ فإنّه سيكون ثابتاً لا
يتزلزل.
3- إنّه تعالى قوّاهم بنور الحجج والبراهين، حتّى اهتدوا للحقّ، وعملوا به. ومؤدّاه
أنّ المؤمن من حزب الله هو مؤمن عقائديّ وليس تقليدي، فهو مسلَّحٌ بالأدلّة
والحجج في عقيدته، ويقيم البراهين على معتقداته، وليس مُقلِّدا في عقيدته ولا عامياً
في تفكيره واستدلاله، فعندما يطالَب بدليل على معتقده لا يعجز عن إقامة الحجّة
والبرهان، بل حجّته دامغة وبرهانه قويّ.
وهذا يستلزم أن يكون ذا ثقافة وعلم وبصيرة في دينه، فلا يحصل ذلك ولا يصدر عن
الجاهل الّذي لا باع له في مسائل العلم، ولا ميل له ولا رغبة في تحصيله، فمن أراد
أن يكون من حزب الله بحسب القرآن عليه ببذل قصارى جهده في طلب العلم ليحصل له
التفقّه في الدِّين، والعلم بالبراهين، كلّ ذلك عن وعي ودراية ويقين في شؤون كلا
الدارين.
ومن أبرز العلوم الّتي يلزم أن يحصّلها علم القرآن، لذلك ورد عن الربيع كما في
المجمع في تفسير قوله تعالى
﴿وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ﴾
أنّه تعالى قوّاهم بالقرآن الّذي هو حياة القلوب من الجهل.
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "..فإذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل
المظلم فعليكم بالقرآن..."9.
فإذا أردت التكامل في شخصيّتك الإيمانيّة عليك بطلب علوم القرآن، ففيه تبيان لكلّ
شيء، وكذلك العلوم الشرعيّة والإنسانيّة الأخرى النافعة، وأخرج نفسك من ظلمات الجهل..
وإلّا فلا تطمعنّ بالترقّي في إيمانك، بل نعوذ بالله من مداحض الزلل، ومضلّات الفتن،
وظلمات الشبهات، فإنّها مهلكة، وكلّها تتغذّى على الجهل، والعلم هو وحده الطارد
للجهل الّذي هو سببها، ومنشؤها.
عن إمامنا الصادق عليه السلام: "لوددت أنّ أصحابي ضربت رؤوسهم بالسياط حتّى
يتفقّهوا"10.
وعنه عليه السلام: "تفقّهوا في الدِّين فإنّه من لم يتفقّه منكم في الدِّين فهو
أعرابيّ" إنّ الله يقول:
﴿لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا
رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾11.12
وعنه عليه السلام أيضاً: "عليكم بالتفقّه في دين الله ولا تكونوا أعراباً فإنّه
من لم يتفقّه في دين الله لم ينظر الله إليه يوم القيامة ولم يزكّ له عملاً"13.
شرط التأييد بروح الله ونصره
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾14..
﴿أ ِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ
الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ *
وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ
﴾15.
الآيات واضحة جدّاً في كون المعادلة الإلهيّة الغيبية دخيلة بشكل أساس وأصيل في
تحقّق النصر. ومن يتجاهل ذلك فإنّه ينكر حقيقة قرآنية جليّة.
فالبدء من المكلّف المؤمن نفسه الّذي يجب أن ينصر الله تعالى أوّلاً، فإذا فعل يكون
قد حقّق شرط التدخّل الإلهيّ الّذي نتيجته الحتميّة هي النصر
﴿إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ﴾16
.
فيجب التركيز على العمل الّذي ينصر دين الله بكلّ إخلاص. هذا هو المطلوب، وأمّا
الباقي فلا يرجع إلينا وإنّما هو إلى الله تعالى، والنتيجة حتمية لأنّها وعد منه
تعالى والله لا يخلف الميعاد.
جهاد النفس
والنصر لله تعالى يبدأ من الانتصار على أنفسنا الأمّارة بالسوء، وذلك بتهذيبها
وتزكيتها بالجهاد الأكبر الّذي هو مقدّم على الجهاد الأصغر، وهذا لا يكون إلّا
بإخراج حبّ الدنيا من قلوبنا لأنّه هو رأس كلّ ذنب وخطيئة، وأهمّ ما يجب إخراجه من
القلب حبّ المال وحبّ الجاه فإنّهما كالذئبين الضاريين اللّذين أرسلا في زريبة معز
كما ورد في الرواية، وإنّهما لينبتان النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل كما في
رواية أخرى.
فمع حبّ الدنيا لا تتحقّق النصرة للآخرة والدِّين، فمع طلب الرئاسة والمنصب والجاه
يكون الإنسان مبتعداً عن الآخرة بقدر ذلك الحبّ لأنّ الدنيا والآخرة كالضرّتين
وكالمشرق والمغرب كلّما اقتربت من إحداهما ابتعدت عن الأخرى.
ومع عدم تحقّق النصرة لله لا نصر من السماء، فيكون الإنسان قد خسر العنصر الّذي
يتميّز به عن العدوّ الكافر، ومع الأخذ بالاعتبار التفوّق المادّيّ في العدّة
والعتاد الّذي هو عند الأعداء فإنّ المعادلة ستكون نتيجتها بالحسابات المادّية
الموضوعية هي انتصار الأقوى والأقوى مادّياً هو العدوّ.
فالواجب الأكبر هو العمل على الميّز الّذي نمتلكه ولا يمتلكه العدوّ والّذي هو سرّ
الانتصار بحسب الرؤية القرآنية، وهو الإخلاص لنصر دين الله تعالى بالانتصار على
النفس والشيطان فإنّه هو الضمانة للنصر الإلهيّ لنا.
فمن صفات حزب الله في القرآن
﴿وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْه﴾.
*اولئك حزب الله، سلسلة الدروس الثقافية، نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
1- سورة المجادلة،
الآية: 22.
2- سورة فاطر، الآية: 31.
3- سورة الشورى، الآية: 19.
4- سورة الروم، الآية: 7.
5- نهج البلاغة، الحكمة: 153.
6- سورة البقرة، الآية: 249.
7- سورة آل عمران، الآية: 126.
8- سورة الشورى، الآية: 52.
9- الكافي، الشيخ الكليني، ج 2، ص 598.
10- م. ن، ج1، ص 31.
11- م. ن،ج1، ص: 31.
12- سورة التوبة، الآية: 122.
13- الكافي، الشيخ الكليني، ج1، ص: 31.
14- سورة محمد، الآية: 7.
15- سورة الحج، الآية: 40.
16- سورة آل عمران، الآية: 160.