الشَّيطان عدوّ الإنسان
الأخلاق والثقافة الإسلامية
الإنسان المؤمن كما أنّه مدعوّ لمعرفة الله تعالى وأخلاقه ليتخلّق بها: "تخلّقوا بأخلاق الله" كذلك هو مدعوّ لمعرفة عدُوّه الشَّيطان الرَّجيم ليبتعد عن أخلاقه. والشَّيطان هو كلّ موجود مؤذٍ مغوٍ طاغٍ متمرّد، إنساناً كان أم غير إنسان، وإبليس اسم الشَّيطان الَّذي أغوى آدم ويتربّص هو وجنده الدَّوائر بأبناء آدم دوماً.
عدد الزوار: 164
الشَّيطان هو العدُوّ
الإنسان المؤمن كما أنّه مدعوّ لمعرفة الله تعالى وأخلاقه ليتخلّق بها: "تخلّقوا
بأخلاق الله" كذلك هو مدعوّ لمعرفة عدُوّه الشَّيطان الرَّجيم ليبتعد عن أخلاقه.
والشَّيطان هو كلّ موجود مؤذٍ مغوٍ طاغٍ متمرّد، إنساناً كان أم غير إنسان، وإبليس
اسم الشَّيطان الَّذي أغوى آدم ويتربّص هو وجنده الدَّوائر بأبناء آدم دوماً. والله
سبحانه يحذّر جميع أبناء البشر من ذريَّة آدم من كيد الشَّيطان ومكره، ويدعو إلى
مراقبته، والحذر منه، لأنّ الشَّيطان أبدى عداءه لأبيهم آدم، فكما أنّه نزع عنه
لباس الجنّة بوساوسه يمكن أن ينزع عنهم لباس التَّقوى، ولهذا يقول تعالى: ﴿يَا
بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ
الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَ﴾1.
وللتعرف بهذا العدُوّ القديم أكثر فأكثر يضيف تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ
جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ﴾2.
ألا ترون ماذا أحلّ بأتباعه من المصائب!؟ ألم تطالعوا تأريخ من سبقكم لتروا بأعينكم
أيَّ مصير مشؤوم وصل إليه من عبد الشَّيطان؟ آثار مدنهم المدمّرة أمام أعينكم،
والعاقبة المؤلمة الَّتي وصلوا إليها واضحة لكلّ من يمتلك القليل من التّعقّل
والتّفكّر. إذن لماذا أنتم غير جادّين في معاداة من أثبت أنّه عدُوّ لكم مرّات
ومرّات؟ ولا زلتم تتّخذونه صديقاً بل قائداً ووليّاً وإماماً!!
إنّ العقل السليم يوجب على الإنسان أن يحذر بشدّة من عدُوّ خطر كهذا، لا يتورّع عن
أيّ شيء ولا يرحم أيّ إنسان أبداً، وقرابينه في كلّ زاوية ومكان هلكى صرعى، فلا
ينبغي له أن يغفل عنه طرفة عين أبداً، ولنقرأ ما يقول أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب عليه السلام.
" فاحذروا عباد الله أن يُعْدِيَكُم بِدَائِهِ، وأن يَسْتَفِزَّكُم بِخَيْلِه
ورَجِلِهِ، فلعمري لقد فَوَّقَ لكم سهم الوعيد، وأغرق لكم بالنَّزْعِ الشّديد،
ورماكم من مكان قريب، وقال: ﴿رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي
الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾3"4.
والقرآن ينذر وينبّه جميع المؤمنين فيما يخصّ مسألة وساوس الشَّيطان ومكائده، يقول:
﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّ﴾5. تلك العداوة الَّتي
شرع بها الشَّيطان من أوّل يوم خُلق فيه آدم عليه السلام، وأقسم حين طرد من قرب
الله وجواره، بسبب عدم تسليمه للأمر الإلهي بالسجود لآدم، أقسم وتوعّد بأن يسلك
طريق العداء للآدم وبنيه، وحتّى أنّه دعا من الله أن يمهله ويطيل في عمره لذلك
الغرض. وقد التزم بما قال، ولم يفوّت أدنى فرصة لإبراز عدائه، وإنزال الضَّربات
بأفراد بني آدم، فهل يصحّ منكم يا بني آدم أن لا تعتبروه عدُوّاً لكم، أو أن تغفلوا
عنه ولو لحظة واحدة،ـ فكيف الحال باتّباعه وإقتفاء خطواته، أو تعدُوّنه وليّاً
شفيقاً، وصاحباً ناصحاً، ﴿أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي
وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ﴾6.
الشَّيطان يحاصر الإنسان من كلّ الجهات
إنّه عدُوّ يهاجم من كلّ طرف وجانب، فهو نفسه "لعنه الله" يقول: على ما نقله القرآن
الكريم: ﴿ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ
أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ﴾7. وهو يكمن لكم ويراكم ولا ترونه: ﴿إِنَّهُ
يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ﴾8. ويمكن أن يكون هذا
التَّعبير كناية عن أنّ الشَّيطان يحاصر الإنسان من كلّ الجهات، ويتوسّل إلى إغوائه
بكلّ وسيلة ممكنة، ويسعى في إضلاله، وهذا التَّعبير دارج في المحاورات اليوميَّة
أيضاً، فنقول: فلان حاصرته الدُّيون أو الأمراض من الجهات الأربع.
وعدم ذكر الفوق والتحت، إنّما هو لأجل أنّ الإنسان يتحرَّك عادة في الجهات الأربع
المذكورة، ويكون له نشاط في هذه الأنحاء غالباً. ولقد نقل في حديث مروي عن الإمام
الباقر عليه السلام تفسير أعمق لهذه الجهات الأربع حيث قال: " ﴿ثُمَّ لآتِيَنَّهُم
مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾، معناه أهوّن عليهم أمر الآخرة،
﴿وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾،
آمرهم بجمع الأموال والبخل بها عن الحقوق لتبقى لورثتهم. ﴿وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ﴾،
أفسد عليهم أمر دينهم بتزيين الضَّلالة وتحسين الشُّبهة. ﴿وَعَن شَمَآئِلِهِمْ﴾،
بتحبيب اللذّات إليهم وتغليب الشّهوات على قلوبهم"9.
العدُوّ الخفيّ
إنّ الله تعالى يؤكّد على أنّ الشَّيطان وأعوانه يختلفون عن غيرهم من الأعداء،
﴿إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ﴾10، فلا بدّ من
شدّة الحذر من مثل هذا العدُوّ. وفي الحقيقة عند ما تظن أنّك وحيد، فإنّه من الممكن
أن يكون حاضراً معك، فيجب عليك الحذر من هذا العدُوّ الخفيّ، الّذي لا يمكن معرفة
لحظات هجومه وعدُوّانه المباغت، ولا بدّ من اتّخاذ حالة الدّفاع الدّائم أمامه.
الخطوات الأولى نحو الشَّيطان
قد يتساءل البعض، كيف سلّط الله العادل الرَّحيم عدُوّاً بهذه القوَّة على الإنسان؟!،
عدُوّاً لا يمكن مقايسة قواه بقوى الإنسان؟!، عدُوّاً يذهب حيث يشاء دون أن يحس أحد
بتحركاته، بل إنّه، - حسبما جاء في بعض الأحاديث -، يجري من الإنسان مجرى الدّم في
عروقه، فهل تنسجم هذه الحقيقة مع عدالة الله سبحانه؟!
القرآن الكريم يردَّ على هذا السؤال الاحتماليّ إذ يقول: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا
الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾11.
أي إنّ الشَّياطين لا يسمح لهم قط بأن يتسلّلوا وينفذوا إلى قلوب المؤمنين وأرواحهم،
ما لم يكونوا على استعداد لقبول الشَّيطان والتّعامل معه. وبعبارة أخرى: إنّ
الخطوات الأُولى نحو الشَّيطان إنّما يخطوها الإنسان نفسه، وهو الّذي يسمح
للشَّيطان بأن يتسلَّل إلى مملكة جسمه. فالشَّيطان لا يستطيع اجتياز حدود الرُّوح
ويعبرها، إلّا بعد موافقة من الإنسان نفسه، فإذا أغلق الإنسان نوافذ قلبه في وجه
الشّياطين والأبالسة، فسوف لا تتمكَّن من النّفوذ إلى باطنه.
إنّ كيد الشَّيطان كان ضعيفاً
ينبغي للإنسان المؤمن أن لا يخاف إلّا الله، ولا يخاف من شياطين الإنس والجن، لأنّ
هدفهم الأساسيّ هو أن يخوّفوا أولياءه، ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ
أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾12. فكيد
الشَّيطان ضعيف أمام صلابة الإنسان المؤمن ووعيه وبصيرته، ﴿إِنَّ كَيْدَ
الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفً﴾13.
وعن الإمام الكاظم عليه السلام في وصيّته لهشام: "فله، أي: لإبليس، فلتشتدّ عداوتك،
ولا يكوننّ أصبر على مجاهدته لهلكتك منك على صبرك لمجاهدته، فإنّه أضعف منك ركناً
في قوّته، وأقلّ منك ضرراً في كثرة شرّه، إذا أنت اعتصمت بالله فقد هديت إلى صراط
مستقيم"14.
فالشَّيطان ليس له سلطان على الإنسان، إلّا أن يساعده الإنسان على نفسه، ﴿وَقَالَ
الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ
وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ
أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم
مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ
أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾15.
فابرأ من الشَّيطان الضّعيف قبل أن يبرأ منك يوم لا ينفع النّدم، ﴿كَمَثَلِ
الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ
مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾16.
الشَّيطان لا يسلب الإنسان الاختيار
يشير القرآن الكريم إلى موقف آخر من مواقف القيامة، والعقاب النّفسي للجبّارين
والمذنبين وأتّباع الشَّياطين، حيث يقول تعالى: ﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ
الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ﴾
وبهذا التَّرتيب فالشَّيطان وجميع المستكبرين الّذين هم قادة طرق الضَّلال، أصبحوا
يلومون ويوبّخون تابعيهم البؤساء. ثمّ يضيف ﴿وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن
سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي﴾ ويستمرّ في القول ﴿فَلاَ
تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم﴾17. أنتم فعلتم، فاللَّعنة عليكم!! فأنتم الذين
طوّقتم أنفسكم بطوق العبودية للشَّيطان، ﴿إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ
يَتَوَلَّوْنَهُ﴾18.
ونستفيد بشكل أكيد من هذه الآية أنّ وساوس الشَّيطان، لا تسلب الإنسان اختياره
وحريّة إرادته، بل هي مجرّد دعوة ليس أكثر، فالنّاس هم الّذين يلبّون دعوته
بإرادتهم ومن ثمّ فالأرضيّة السابقة والمداومة على الاستجابة لدعوات الشيطان قد
تصلان، بالإنسان إلى حالة من سلب الاختيار في مقابل وساوسه، كما نشاهد بعض المدمنين
على المخدرات، ولكن نعلم أنّ السبب الأوّل كان هو الاختيار.
ومن ثمّ فالأرضيّة السَّابقة والمداومة على الاستجابة لدعوات الشّيطان قد تصلان
بالإنسان إلى حالة من سلب الاختيار في مقابل وساوسته.
وعلى هذا فالشَّيطان يجيب بشكل قاطع على الّذين يعتبرونه العامل الأوّل في انحرافهم
وضلالهم، وما يقوله بعض الجهلاء لتبرئتهم من ذنوبهم، فإنّ السّلطان الحقيقيّ على
الإنسان هو إرادته وعمله ولا شيء غيره.
مقاومة الإنسان للشّيطان
إنّ الله تعالى، وإن كان ترك الشَّيطان حرّاً في القيام بوساوسه، ولكنّه من جانب
آخر لم يدع الإنسان مجرّداً من الدِّفاع عن نفسه.
أوّلاً: وهبه قوّة العقل الّتي يمكن أن توجد
سدّاً قوياً منيعاً في وجه الوساوس الشَّيطانية، خاصّة إذا لقيت تربية صالحة.
وثانياً: جعل الفطرة النّقيّة وحبّ التكامل في
باطن الإنسان كعامل فعل من عوامل السّعادة.
وثالثاً: يبعث الملائكة الّتي تلهم الخيرات
إلى الّذين يريدون أن يعيشوا بمنأى عن الوساوس الشَّيطانية، كما يصرّح القرآن
الكريم بذلك إذ يقول: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ
اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ﴾19 إنّها تنزل عليهم لتقوية
معنويّاتهم بإلهامهم ألوان البشارات والتَّطمينات لهم.
ونقرأ في موضوع آخر: ﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ
فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُو﴾20 وسدّدوا خطاهم في طريق الحق.
* كتاب منار الهدى، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1- سورة الأعراف، الآية 27.
2- سورة يس، الآية 62.
3- سورة الحجر، الآية 39.
4- نهج البلاغة، ج 2، ص 139، الخطبة 192 (القاصعة).
5- سورة فاطر، الآية 6.
6- سورة الكهف، الآية 50.
7- سورة الأعراف، الآية 17.
8- سورة الأعراف، الآية 27.
9- تفسير مجمع البيان، ج 4، ص 228.
10- سورة الأعراف، الآية 27.
11- سورة الأعراف، الآية 27.
12- سورة آل عمران، الآية 175.
13- سورة النساء، الآية 76.
14- بحار الأنوار، ج75، ص315-316.
15- سورة إبراهيم، الآية 22.
16- سورة الحشر، الآية 16.
17- سورة إبراهيم، الآية 22.
18- سورة النحل، الآية 100.
19- سورة فصِّلت، الآية 30.
20- سورة الأنفال، الآية 12.