الأخوّة والصّداقة
الأخلاق والثقافة الإسلامية
الإنسان مدني واجتماعي بطبعه، ولا يستطيع أن يعيش بمفرده منعزلا عن النّاس، لأنّ اعتزالهم باعث على استشعار الغربة والوحشة والإحساس بالوهن والخذلان، إزاء طوارئ الأحداث وملمات الزمان. من أجل ذلك كان الإنسان توَّاقاً إلى اتّخاذ الخُلَّان والأصدقاء،
عدد الزوار: 124
فضل الأصدقاء وأهمّية الصّداقة
الإنسان مدني واجتماعي بطبعه، ولا يستطيع أن يعيش بمفرده منعزلا عن النّاس، لأنّ
اعتزالهم باعث على استشعار الغربة والوحشة والإحساس بالوهن والخذلان، إزاء طوارئ
الأحداث وملمات الزمان. من أجل ذلك كان الإنسان توَّاقاً إلى اتّخاذ الخُلَّان
والأصدقاء، ليكونوا له سنداً وسلواناً يخفِّفون عنه المتاعب ويشاطرونه السَّرَّاء
والضَّرَّاء. وقد تضافرت دلائل العقل والنَّقل على فضل الأصدقاء والتّرغيب فيهم،
ومنها:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
"ما استفاد امرؤ مسلم فائدة بعد فائدة
الإسلام مثل أخ يستفيده في الله"1.
وقال صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً: "من استفاد أخاً في الله استفاد بيتاً في
الجنة"2.
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: "عليك بإخوان الصِّدق فأكثر من اكتسابهم، فإنَّهم
عُدَّة عند الرَّخاء وجُنّة عند البلاء"3.
ولا شكّ في أنّ مسألة الصُّحبة واختيار الصَّديق هي من المسائل المهمَّة الّتي
ينبغي أن يعتني بها الشَّباب، فينبغي عليهم أن ينتبهوا إلى أنّ أصدقاء مرحلة
الشّباب لهم دورهم المؤثِّر في بناء شخصيَّة الإنسان وتكوين طباعه وأخلاقه،
فالصَّديق المؤمن العاقل يستطيع أن يهدي الإنسان إلى درب الفضيلة والكمال وأمّا
الصَّديق الفاسق السَّيِّئ فقد يجرُّ صاحبه إلى طرق الإثم، وبالتّالي سيدمِّر حاضره
ومستقبله الدّنيويّ والأخرويّ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "المرء على
دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل"4.
ولخطورة الصّداقة وضع الإسلام موازين دقيقة لاختيار الصَّديق، وألفت إلى صفات
أصدقاء السّوء وأصدقاء الخير.
صفات أصدقاء السُّوء
من الّذين لا ينبغي أن نعاشرهم كما ورد في أحاديث أهل البيت عليهم السلام:
1- الأحمق الكذّاب:
عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال: "إيّاك وصحبة الأحمق الكذّاب، فإنّه يريد
نفعك فيضرّك، ويقرّب منك البعيد، ويبعّد منك القريب، إن ائتمنته خانك، وان ائتمنك
أهانك، وإن حدّثك كذّبك، وإن حدّثته كذّبك، وأنت منه بمنزلة السَّراب الذي
﴿يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئً﴾5.
إنّ هذه الأخطار الأخلاقيّة والعواقب السّيّئة الّتي عدّدها الحديث من قبيل الإضرار
والخيانة والإهانة والتّكذيب، كافية للرَّدع عن معاشرة من يتَّصفون بهذه الصِّفات،
ومعرفة أنَّ مصير العلاقة معهم هو الفشل، لأنّها ستكون هدّامة ومؤدِّية إلى
الانحطاط لا إلى الارتقاء.
2- صاحب الغاية الدُّنيويَّة:
وهو الّذي يصحبك، ليستفيد منك مالاً أو جاهاً، أو غير ذلك من الأطماع الّتي لا تجعل
تلك الصُّحبة قائمة على أساس التّقوى وليس فيها الصِّدق والإخلاص. وهو الذي سرعان
ما يتخلَّى عن تلك العَلاقة حينما يصل إلى هدفه منك.
ورد عن الإمام الصَّادق عليه السلام أنّه قال: "احذر أن تواخي من أرادك لطمعٍ أو
خوفٍ أو ميلٍ أو للأكل والشرب، واطلب مواخاة الأتقياء، ولو في ظلمات الأرض، وإن
أفنيت عمرك في طلبهم"6.
3- الضَّال المُضلّ:
فمن أهمّ آثار ونتائج الصُّحبة السَّيِّئة أنَّها عامل مباشر في ضلال الإنسان
وخروجه عن جادّة الحقّ والصِّراط المستقيم، كما قال الله تعالى: ﴿يَا وَيْلَتَى
لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ
بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولً﴾7.
4- الفاجر:
عن الإمام الصَّادق عليه السلام أنّه قال: "لا تصحب الفاجر فيعلّمك من فجوره"8.
ثمَّ قال عليه السلام: "أمرني والدي بثلاث ونهاني عن ثلاث، فكان فيما قال لي: يا
بنيَّ من يصحب صاحب السوء لا يسلم، ومن يدخل مداخل السوء يتّهم، ومن لا يملك لسانه
يندم"9.
5- الفاسق:
عن الإمام زين العابدين عليه السلام أنّه قال لولده الباقر عليه السلام: "يا بنيّ
انظر خمسة فلا تصاحبهم ولا تحادثهم ولا ترافقهم في طريق...(إلى أن قال) وإيّاك
ومصاحبة الفاسق، فإنَّه بايعك بأكلة أو أقلّ من ذلك"10.
6- البخيل:
عن الإمام زين العابدين عليه السلام في نفس الرواية السّابقة أنّه قال: "وإيّاك
ومصاحبة البخيل، فإنَّه يخذلك في ماله أحوج ما تكون إليه"11.
7- القاطع لرحمه:
لما روي عن الإمام زين العابدين عليه السلام في نفس الرِّواية السابقة أنّه قال: "وإيّاك
ومصاحبة القاطع لرحمه، فإنِّي وجدته ملعوناً في كتاب الله،ـ عزّ وجل، في ثلاثة
مواضع: قال الله عزّ وجل: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي
الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾12 وقال،ـ عز وجل،: ﴿وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ
عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن
يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ
الدَّارِ﴾13"14.
8 - الكافر:
عن النَّبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الأخر فلا يواخينَّ
كافراً"15.
9- الشِّرّير:
قال الإمام الجواد عليه السلام: "إيّاك ومصاحبة الشِّرّير، فإنَّه كالسَّيف المسلول
يحسن منظره ويقبح أثره"16.
10- صاحب اللهو:
عن الإمام عليّ عليه السلام: "إيّاك وصحبة من ألهاك وأغراك، فإنَّه يخذلك
ويوبقك"17.
11- الجبان:
عن الإمام الباقر عليه السلام: "لا تصادق ولا تواخِ أربعة: الأحمق والبخيل والجبان
والكذاب..." إلى أن يقول عليه السلام: "وأمّا الجبان، فإنَّه يهرب عنك وعن
والديه"18.
12- ناشر المثالب19:
في الحديث عن الإمام عليّ عليه السلام أنّه قال: "لا تواخِ من يستر مناقبك وينشر
مثالبك"20.
13 - رهين المداراة:
وهو الّذي لا يمكن استمرار الصَّداقة معه على قواعدها السَّليمة دون الخضوع إلى
كثير من التَّكلّف والتَّجمّل، وهو ما يكون مع الأشخاص الّذين هم سريعو الغضب
والانفعال، وإذا ما غضبوا هم لا يغفرون. قال أمير المؤمنين عليه السلام: "ليس لك
بأخٍ من احتجت إلى مداراته"21.
14- مجهول الموارد والمصادر:
يقول الإمام الحسن عليه السلام: "لا تواخ أحداً حتّى تعرف موارده ومصادره، فإذا
استنبطت الخبرة ورضيت العشرة، فآخه على إقالة العثرة والمواساة في العُسرة"22.
15- الزاهد بأخيه:
ورد عن النَّبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم: "لا ترغبَّن فيمن زهد فيك، ولا تزهدنّ
فيمن رغب فيك"23.
16- صاحب البدعة:
جاء عن الإمام الصَّادق عليه السلام: "لا تصحبوا أهل البدع ولا تجالسوهم، فتصيروا
عند النّاس كواحدٍ منهم..."24.
17- النمّام، الخائن، الظلوم:
قال الإمام الصَّادق عليه السلام: "احذر من النّاس ثلاثة: الخائن والظلوم والنمّام،
لأنّ من خان لك خانك، ومن ظلم لك سيظلمك، ومن نمَّ إليك سينمُّ عليك"25.
18- متتبِّع العيوب:
عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "إيّاك ومعاشرة متتّبعي عيوب النّاس، فإنّه
لم يسلم مصاحبهم منهم"26.
صفات إخوان الصّدق
من هم الإخوان الّذين ينبغي معاشرتهم ومجالستهم، والّذين يمكن أن نتعلّم منهم ما
ينفعنا في دنيانا وآخرتنا؟ إنّ أبرز السِّمات الّتي ينبغي أن يتحلّى بها الصَّديق
الصَّدوق هي الأمور التالية:
1- الدَّاعي إلى الله تعالى:
والمراد منه من كانت دعوته بالعمل، إضافة إلى القول، كما عبّرت عن ذلك النصوص
الشريفة حيث ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام: "خير إخوانك من سارع إلى الخير
وجذبك إليه وأمرك بالبِرّ وأعانك عليه"27.
2- المعين على الطّاعة:
الطّاعة هدف خلقة الإنسان الحقيقي في هذه الدُّنيا، وخير الأصدقاء من يعين على هذا
الهدف السّامي. ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمَّا سئل من أفضل
الأصحاب: "من إذا ذكرت أعانك وإذا نسيت ذكّرك"28.
وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "المعين على الطّاعة خير الأصحاب"29.
وعنه عليه السلام،ـ أيضاً، أنّه قال: "إذا أراد الله بعبدٍ خيراً جعل له وزيراً
صالحاً إن نسي ذكّره، وإن ذكر أعانه"30.
3- الصَّادقون:
وهم الّذين ينبغي معاشرتهم، كما يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "وعليك بإخوان
الصِّدق فأكثر من اكتسابهم، فإنّهم عُدّة عند الرَّخاء وجُنّة عند البلاء"31.
وعن الإمام الحسن عليه السلام في وصيِّته لجنادة في مرضه الّذي توفي فيه: "إصحب من
إذا صحبته زانك، وإذا خدمته صانك، وإذا أردت منه معونة أعانك، وإن قلت صدّق قولك،
وإن صلت شدّ صولك، وإن مددت يدك بفضلٍ مدّها، وإن بدت عنك ثلمة سدَّها، وإن رأى منك
حسنةً عدّها، وإن سألته أعطاك، وإن سكتّ عنه ابتداك وإن نزلت احدى الملمَّات به
ساءك"32.
4- من يذكرنا بالله والآخرة:
عن النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم حينما سئل أيّ الجلساء خير؟ فقال: "من ذكّركم
بالله رؤيته وزادكم في علمكم منطقه. وذكرَّكم بالآخرة عمله"33.
5- مصاحبة العلماء:
أكدّت الرّوايات المباركة على صحبة العلماء ومجالستهم، لأنّهم قادة الركب
الرَّبَّانيّ الّذين يأخذون بيد المرء إلى العالم العلويِّ ويصلون به إلى حيث أراد
الله سبحانه، من خلال بثّ معارفهم وممارسة دورهم في الهداية والتّربية، والدِّفاع
عن مبادىء الدِّين وصيانة الشَّريعة من أن تدخلها البدع والانحرافات. ومما ورد في
ذلك عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال:
"جالس العلماء يزدد علمك ويحسن أدبك"34.
وما في وصية لقمان لابنه: "يا بنيّ جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك، فإنَّ الله،ـ عزّ
وجلّ، يحيي القلوب بنور الحكمة، كما يحيي الأرض بوابل السَّماء"35.
وفي المقابل، فإنّ ترك مجالسة العلماء موجباً للخذلان، لأنَّ الابتعاد عنهم معناه
الابتعاد عن المدرسة الإلهيّة الّتي أمر المولى سبحانه بالتَّربَّي في كنفها وتحت
ظلالها، وهذا ما جاء صريحاً في دعاء الإمام السجّاد عليه السلام أنّه قال: "أو لعلك
فقدتني من مجالس العلماء فخذلتني"36.
6- مصاحبة الحكماء والحلماء:
وهناك روايات أكدّت أيضاً على مصاحبة الحكماء ومجالسة الحلماء، لِما في هذين
الصنفين من النّاس من مواصفات عالية تترك آثارها في الجنبة العلميّة والعمليّة بما
يساعد الإنسان عبر العلاقة بهم في طريقه إلى الكمال.
فعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "أكثر الصَّلاح والصَّواب في صحبة أولي
النُّهى والصَّواب"37.
* كتاب منار الهدى، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1- بحار الأنوار، ج 75، ص 169.
2- م. ن، ج 75، ص 78.
3- م. ن، ص 192.
4- بحار الأنوار، ج 75، ص 193.
5- م. ن، ج71، ص 192.
6- بحار الأنوار، ج 71، ص 282.
7- سورة الفرقان الآيتان، 28-29.
8- بحار الأنوار، ج 71، ص191.
9- م. ن، ج 68، ص 278.
10- الكافي، ج 2، ص376-377.
11- م.ن. ص 377.
12- سورة محمد: الآية 22.
13- سورة الرعد: الآية 25.
14- الكافي، ج2، ص376.
15- بحار الأنوار، ج 71، ص 197.
16- م. ن، ج 71، ص 198.
17- غرر الحكم، ص 294.
18- بحار الأنوار، ج71، ص 192.
19- المثالب: العيوب.
20- غرر الحكم، ص294، الحديث (الحكمة) 9565.
21- م.ن، ص 284، الحديث (الحكمة) 9551.
22- بحار الأنوار، ج75، ص105-106.
23- م.ن، ج71، ص166.
24- الكافي، ج2، ص375.
25- بحار الأنوار، ج75، ص229.
26- غرر الحكم، ص 284، الحديث (الحكمة) 9887.
27- م.ن، ص284، الحديث (الحكمة) 9534.
28- بحار الأنوار، ج 74، ص 138.
29- غرر الحكم، ص 284، (الحكمة) 9508.
30- بحار الأنوار، ج 74، ص 164.
31- بحار الأنوار، ج 71، ص 187.
32- م. ن، ج 44، ص 139.
33- م. ن، ج71، ص186.
34- م. ن، ج1، ص55.
35- م. ن، ص 402.
36- بحار الأنوار، ج 1، ص 402.
37- م. ن، ج 2، ص 1584.