يتم التحميل...

طلب العلم: آدابه وآثاره

الأخلاق والثقافة الإسلامية

وقارن أمير المؤمنين عليه السلام بين العلم والمال قائلاً لصاحبه: "يا كميل العلم خير من المال: العلم يحرسك، وأنت تحرس المال. والعلم حاكم، والمال محكوم عليه. والمال تنقصه النَّفقة، والعلم يزكو على الإنفاق".

عدد الزوار: 158

عظمة العلم

عظَّم الله العلم وشرَّفه فكانت أول كلمة أوحاها الله لنبيِّه "اقرأ" ورفع حامله درجات فقال عزّ وجلّ: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ1.

وفرضه على كلِّ مسلم فقال خاتم أنبيائه صلى الله عليه وآله وسلم: "طلب العلم فريضة على كلِّ مسلم"2.

وقارن أمير المؤمنين عليه السلام بين العلم والمال قائلاً لصاحبه: "يا كميل العلم خير من المال: العلم يحرسك، وأنت تحرس المال. والعلم حاكم، والمال محكوم عليه. والمال تنقصه النَّفقة، والعلم يزكو على الإنفاق"3.

وقارن النَّبيُّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بين العلم والعبادة فقال: "باب من العلم نتعلَّمه أحبّ إلينا من ألف ركعةٍ تطوُّعاً"4.

وأخيراً شرَّف عليٌّ عليه السلام العلم بقوله "كفى بالعلم شرفاً أن يدَّعيه من لا يحسنه، ويفرح به إذا انتسب إليه، وكفى بالجهل ذمّاً أن يبرأ منه من هو فيه"5.

ثواب المتعلّم

وبيَّن أهل بيت العصمة عليهم السلام ثواباً كبيراً لسالك طريق العلم فأخبرنا نبيُّنا الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام أنَّه:

1- كالصَّائم نهاره القائم ليله: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "من طلب العلم فهو كالصَّائم نهاره القائم ليله وإنَّ باباً من العلم يتعلَّمه الرَّجل خير له من أن يكون له أبو قبيسٍ ذهباً فأنفقه في سبيل الله"6.

2- تُظِلُّه الملائكة: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "من غدا في طلب العلم أظلَّت عليه الملائكة وبورِك له في معيشته ولم ينقص من رزقه"7.

3- تستغفر له الأرض: عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "طالب العلم تستغفر له كلُّ الملائكة ويدعو له من في السَّماء والأرض"8.

4- بينه وبين الأنبياء درجة: عن الرَّسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "من جاءه الموت وهو يطلب العلم ليحيِي به الإسلام كان بينه وبين الأنبياء درجة واحدة في الجنّة"9.

5- من عتقاء الله من النَّار: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من أحبَّ أن ينظر إلى عتقاء الله من النَّار، فلينظر إلى المتعلِّمين، فوالَّذي نفسي بيده، ما من متعلّم يختلف إلى باب العالم المعلِّم إلَّا كتب الله له بكلِّ قدم عبادة سنة، وبنى الله له بكلِّ قدم مدينة في الجنَّة، ويمشي على الأرض وهي تستغفر له، ويمسي ويصبح مغفوراً له وتشهد الملائكة أنَّه من عتقاء الله من النَّار"10.

صفة العلم المطلوب

نبَّه أهل العصمة عليهم السلام على الاهتمام بنوع العلم وصفته حتَّى لا تملأ نفس الإنسان بما يضرُّها، أو على الأقل بما لا ينفعها، ففي وصية الخضر عليه السلام لكليم الله موسى عليه السلام: "... واعلم أن قلبك وعاء فانظر ماذا تحشو به وعاءك"11.

من هنا كان نافع العلم شرطاً أساسيّاً في العلم المطلوب في كلمات أهل البيت عليهم السلام. وهذا ما عبّر عنه صريحاً نبيُّ الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم في قصِّته المعروفة حينما دخل المسجد فإذا جماعة قد طافوا برجل، فقال: ما هذا؟ فقيل: علاَّمة، فقال، وما العلاَّمة؟ فقالوا: أعلم النَّاس بأنساب العرب ووقائعها وأيَّام الجاهليَّة، والأشعار العربيَّة. فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "ذاك علم لا يضرُّ من جهله، ولا ينفع من علمه"، ثمَّ قال النَّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "إنَّما العلم ثلاثة: آية محكمة، وفريضة عادلة، وسنّة قائمة، وما خلاهنَّ فهو فضل"12.

شروط العلم المنجي

اشترط أهل بيت العصمة عليهم السلام في العلم المنجي شرطين أساسيِّين:

الأوَّل: أن يكون لأجل العمل:
ففي وصيَّة الخضر عليه السلام لكليم الله موسى عليه السلام: "يا موسى تعلّم ما تعلم لتعمل به، ولا تعلَّمه لتحدِّث به فيكون عليك بَوْرُه، ويكون على غيرك نُوْرُه"13.

الثَّاني: الإخلاص لله تعالى:
فعن النَّبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم: "من تعلَّم علماً مما يبتغى به وجه الله عزّ وجلّ، لا يتعلَّمه إلَّا ليصيب به غرضاً من الدُّنيا لم يجد عَرْف * الجنَّة يوم القيامة"14.

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ أوُّل الناس يقضي يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتي به فعرّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتَّى استشهدت قال: كذبت، ولكنَّك قاتلت ليقال: جريء، فقد قيل ذلك، ثمَّ أمر به فسحب على وجهه حتَّى أُلقي في النَّار، ورجل تعلَّم العلم وعلَّمه، وقرأ القرآن، فأتى به فعرَّفه نعمه فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلَّمت العلم وعلَّمته، وقرأت فيك القرآن. قال: كذبت، ولكنَّك تعلَّمت ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال قارئ القرآن، فقد قيل ذلك، ثم أمر به فسحب على وجهه حتَّى ألقي في النَّار"15.

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "ما ازداد عبدٌ علماً فازداد في الدُّنيا رغبة إلّا ازداد من الله بعداً"16.

وفي هذين الشَّرطين اشتهر على لسان الفقهاء قولهم: "النَّاس كلُّهم هلكى إلَّا العالمون، والعالمون كلّهم هلكى إلَّا العاملون، والعاملون كلُّهم هلكى إلا المخلصون.."17.

وجوب التَّفقُّه في الدين

قال الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ18.

تدلّ الآية على وجوب تعلّم الأحكام لغاية الإنذار والإرشاد بالنَّسبة إلى القوم الَّذين لا يعلمون، فيجب إرشاد الجاهل على العالم بحكم الآية الكريمة.

وورد في فضل الفقه وأهميّة التَّفَقُّه والحثِّ عليه مجموعة كبيرة من الرّوايات الَّتي تحثّ على تعلّمه والاجتهاد والعمل به، منها:
- عن رسول الله: "إذا أراد الله بعبدٍ خيراً فقَّهه في الدِّين، وألهمه رشده"19.
- وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "ما عبد الله تعالى بشيء أفضل من الفقه في الدِّين"20.
- وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "أُفٍّ لكلِّ مسلم لا يجعل في كلِّ جمعة (الأسبوع) يوماً يتفقَّه فيه أمر دينه، ويسأل عن دينه"21.
- روي عن الإمام عليّ عليه السلام: "إذا تفقّهت فتفقّه في دين الله"22.
- روى إسحاق بن عمّار قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "ليت السِّيّاط على رؤوس أصحابي حتَّى يتفقَّهوا في الحلال والحرام"23.
- عن أبي عبد الله عليه السلام: "تفقَّهوا في دين الله، ولا تكونوا أعراباً, فإنَّ من لم يتفقَّه في دين الله لم ينظر الله إليه يوم القيامة، ولم يُزَكِّ له عمله"24.

خصائص التَّفقُّه وآثاره

يظهر من خلال تتبُّع الرّوايات وجود العديد من الخصائص الخاصَّة بالفقيه، إلى جانب العديد من الآثار الَّتي ينبغي أن تنعكس على سلوك المتفقّه في دين الله تعالى منها:
- القصد في العمل: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما ازداد عبد قطُّ فقهاً في دينه إلَّا ازداد قصدا في عمله"25.
- إصلاح المعيشة: وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "من فقه الرَّجل أن يصلح معيشته..."26.
- الورع: عن الإمام عليّ عليه السلام: "إن أفضل الفقه الورع في دين الله والعمل بطاعته"27.
- عدم الغرور: عن الإمام عليّ عليه السلام: "إنّ من الحقّ أن تتفقَّهوا، ومن الفقه أن لا تغترُّوا"28.
- الحلم والقصد في الكلام: عن الإمام الرِّضا عليه السلام: "من علامات الفقه الحلم والعلم والصَّمت"29.

التَّفقُّه روح العبادة

وهو ما نجده في العديد من الرّوايات الَّتي قرنت بين التَّفقُّه والعبادة. فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "قليل الفقه خير من كثير العبادة"30. وعن الإمام عليّ عليه السلام: "لا خير في عبادة ليس فيها تفقُّه، ولا خير في علم ليس فيه تفكُّر، ولا خير في قراءة ليس فيها تدبُّر"31. "ولا عبادة إلا بتفقُّه"32 كما ورد عن الإمام زين العابدين عليه السلام.

إنَّ التَّفقُّه في الدِّين من القضايا الَّتي أرسل الله تعالى الأنبياء لأجلها، حيث كلّفهم بالدَّعوة إلى الدِّين، وتعليم النَّاس أحكام الله تعالى، كي يتفقّهوا في الدِّين، وينظّموا علاقتهم بالله تعالى، ويستقيم سلوكهم وعلاقتهم بالله تعالى، ولا يقصد بالتَّفقُّه أن يتفرّغ النَّاس جميعاً لدراسة العلوم الدِّينيَّة والفقه بالمصطلح المتداول، بل المراد أن يتفقّه النَّاس بالمقدار اللَّازم من الدِّين، فيتعلَّمون من العقيدة ما يصحّح إيمانهم واعتقادهم وفكرهم، ويتعلَّمون من الفقه ما ينظّم عباداتهم وعلاقتهم بالله والنَّاس، ومن الأخلاق ما يزكِّي النَّفس ويهذّب السُّلوك. فبهذا المقدار من التَّفقّه يمكن أن ينجو الإنسان يوم القيامة، ويعيش حياته الدُّنيويَّة بسعادة وانتظام.

* كتاب منار الهدى، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.


1- سورة المجادلة، الآية: 11.
2- الشهيد الثاني، منية المريد، تحقيق: المختاريّ، لا. م، مكتب الإعلام الإسلاميّ، 1409هـ 1368ش، ص 99.
3- م.ن، ص 110.
4- م.ن، ص121.
5- م.ن، ص 110،
6- منية المريد، ص 100.
7- م. ن، ص 103.
8- بحار الأنوار، ج 2، ص 44.
9- م. ن، ج 1، ص 184.
10- منية المريد، ص 100.
11- منية المريد، ص 140.
12- الكافي، ج 1، ص 32.
13- منية المريد، ص 141.
(*) العَرْف (بفتح العين وسكون الراء): الرائحة.
14- منية المريد، ص 134.
15- منية المريد، ص 134.
16- م. ن، ص 135.
17- الغزالي، إحياء علوم الدِّين، ج 11، بيروت، دار الكتاب العربيّ، ص 139. وروي عن الرَّسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: "العلماء كلُّهم هلكى إلّا العاملون" العاملون كلّهم هلكى إلّا المخلصون والمخلصون على خطر، تنبيه الخواطر، ورام الحالكيّ الأشتريّ، ج 2، ط 2، طهران، دار الكتب الإسلاميّة، 1368ش، ص 437.
18- سورة التوبة، الآية 122.
19- كنز العمال، ج 10، ص 137.
20- كنز العمال، ج 10، ص 147.
21- بحار الأنوار، ج1، ص 176.
22- غرر الحكم، ص 8.
23- البرقيّ، المحاسن، تحقيق: الحسيني (المحدث)، طهران، دار الكتب الإسلاميّة، 1370هـ.ق، ص 229.
24- م. ن، ص 228.
25- كنز العمال، ج 3، ص 45.
26- م. ن، ص 51.
27- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج6، ص71.
28- نهج السعادة، ج 3، ص 29.
29- الشيخ المفيد، الاختصاص، ص 232.
30- كنز العمال، ج 10، ص 155.
31- الحرّانيّ، تحف العقول، ص 204.
32- تفسير نور الثَّقلين، ج 1، ص 41.

2014-12-08