حُسن الخُلق
الأخلاق والثقافة الإسلامية
جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من بين يديه فقال: يا رسول الله ما الدّين؟ فقال: "حُسن الخلق"، ثمّ أتاه من قِبَل يمينه فقال، يا رسول الله ما الدّين؟ فقال: "حُسن الخلق"، ثمّ أتاه من قِبَل شماله فقال: يا رسول الله ما الدّين؟ فقال: "حُسن الخلق".
عدد الزوار: 91
مقدّمة
جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من بين يديه فقال: يا رسول الله ما
الدّين؟ فقال: "حُسن الخلق"، ثمّ أتاه من قِبَل يمينه فقال، يا رسول الله ما الدّين؟
فقال: "حُسن الخلق"، ثمّ أتاه من قِبَل شماله فقال: يا رسول الله ما الدّين؟ فقال:
"حُسن الخلق"1.
الخلق الحسن ثروة إنسانيَّة
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنَّكم لا تقدرون على أن تَسَعُوا النَّاس
بأموالكم فَسَعُوهُم بأخلاقكم"2.
إنّ ثروة الأخلاق لا تعادلها ثروة في الوجود، ذلك أنّ ثروة المال مهما كانت فإنّها
محدودة يمكن أن تطال فائدتها شخصاً في حين يبقى آخرون محرومين منها، في حين أنّ
الفضيلة والطُّهر وطاعة الله وعمل الخير وما إلى ذلك من الصِّفات والخصال
الإنسانيَّة الرَّفيعة، تزيّن الإنسان وتجعله محبوباً لدى الجميع دون أن يكون هناك
مصلحةٌ في هذا الحبّ، فالحقيقة عندما تلجُ قلبَ الإنسان تجعله عظيماً سامياً. فهل
يمكن لأحدٍ أنْ يحصر منظر النُّجوم وهي تتلألأ في السَّماء، أو الشَّمس وهي تسطع في
النَّهار في طبقةٍ معيَّنةٍ من النَّاس؟
ما هو حسن الخلق؟
حُسن الخلق هو: حالةٌ نفسيّةٌ تبعث على حُسن معاشرة النَّاس، ومجاملتهم بالبشاشة،
وطيب القول، ولطف المداراة، كما عرّفه الإمام الصَّادق عليه السلام حينما سئل عن
حدّه فقال: "تلين جناحك، وتطيّب كلامك، وتلقى أخاك ببِشرٍ حسَن"3.
قال النَّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "أفاضِلُكم أحسنكم أخلاقاً، الموطّؤون
أكنافاً، الَّذين يألَفون ويُؤلَفون وتُوطّأ رِحَالهم"4.
وقال الإمام الصَّادق عليه السلام: "ما يقدم المؤمن على الله تعالى بعمل بعد
الفرائض، أحبّ إلى الله تعالى من أن يسع النَّاس بخُلقه"5.
النَّبيّ محمَّد صلى الله عليه وآله وسلم المثل الأعلى في حسن الخلق
وكفى بحسن الخلق شرفاً وفضلاً، أنّ الله عزَّ وجلَّ لم يبعث رسله وأنبياءه للنَّاس
إلَّا بعد أن حلّاهم بهذه السَّجية الكريمة، وزانهم بها، فهي رمز فضائلهم، وعنوان
شخصيَّاتهم. فلقد كان سيّد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم المثل الأعلى في حسن
الخلق، واستطاع بأخلاقه العظيمة أن يملك القلوب والعقول، واستحقَّ بذلك ثناء الله
تعالى عليه بقوله عزّ من قائل: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾6.
قال أمير المؤمنين عليّ عليه السلام وهو يصوّر أخلاق رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم: "كان أجود النَّاس كفاً، وأجرأ النَّاس صدراً، وأصدق النَّاس لهجة، وأوفاهم
ذمَّة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة من رآه بديهة هابه، ومن خالطه فعرفه أحبَّه، لم
أرَ مثلَه قبله ولا بعده"7.
وحسبنا أن نذكر ما أصابه من قريش، فقد تألّبت عليه، وجرّعته ألوان الغصص، حتَّى
اضّطرته إلى مغادرة أهله وبلاده، فلما نصره الله عليهم، وأظفره بهم، لم يشُكُّوا
أنَّه سيثأر منهم، وينكِّل بهم، فما زاد أن قال صلى الله عليه وآله وسلم: "ما
تقولون أنّي فاعلٌ بكم؟ قالوا: خيراً، أخٌ كريم وابن أخ كريم. فقال: أقول كما قال
أخي يوسف: لا تثريب عليكم اليوم، اذهبوا فأنتم الطُّلقاء"8.
عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "إنّ يهوديّاً كان له على رسول الله دنانير،
فتقاضاه، فقال له: يا يهوديّ ما عندي ما أعطيك. فقال: فإنِّي لا أفارقك يا محمَّد
حتَّى تقضيني. فقال: أجلس معك، فجلس معه حتَّى صلّى في ذلك الموضع الظهر والعصر
والمغرب والعشاء الآخرة والغداة "الصُّبح"، وكان أصحاب رسول الله يتهدّدونه
ويتوعدُوّنه، فنظر رسول الله إليهم وقال: ما الَّذي تصنعون به؟ فقالوا: يا رسول
الله يهوديٌّ يحبسك! فقال: لم يبعثني ربّي عزَّ وجلَّ كي أظلم معاهداً ولا غيره.
فلمّا علا النَّهار قال اليهوديُّ: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمَّداً
عبده ورسوله، وشطر مالي في سبيل الله، أما والله ما فعلتُ بك الَّذي فعلت: إلَّا
لأنظرَ إلى نَعْتك في التَّوراة، فإنِّي قرأتُ نعتك في التَّوراة: محمّد بن عبد
الله، مولده بمكَّة، ومهاجره بطيبة "المدينة المنوَّرة"، وليس بفظّ ولا غليظ، ولا
سخَّاب، ولا متزيِّن بالفحش، ولا قول الخنا، وأنا أشهد أن لا إله إلَّا الله،
وأنَّك رسول الله، وهذا مالي فاحكم فيه بما أنزل الله، وكان اليهوديُّ كثير
المال"9.
أهل البيت عليهم السلام ورحابة الخُلق
وهكذا كان الأئمَّة المعصومون من أهل البيت عليهم السلام في مكارم أخلاقهم وسُمُوِّ
آدابهم، وقد حمل الرُّواة إلينا صوراً رائعة ودروساً خالدة من سيرتهم المثاليَّة،
وأخلاقهم الفذَّة.
عن الإمام الباقر عن أبيه عليهما السلام: "إنّ عليّاً صاحبَ ذمِّيّاً، فقال الذمِّيُّ
أين تريد يا عبد الله؟ قال: أريد الكوفة، فلمّا عدل الطَّريق بالذمِّيِّ عدل معه
عليٌّ، فقال له الذمِّيُّ: أليس زعمت تريد الكوفة؟ قال: بلى. فقال الذمِّيُّ: فقد
تركتَ الطَّريق، فقال: علمت. فقال له: فلم عدلت معي وقد علمت ذلك؟ فقال: هذا من
تمام حُسن الصُّحبة، أن يشيِّع الرَّجلُ صاحبه هنيهةً إذا فارقه، وكذلك أمرنا
نبيُّنا صلى الله عليه وآله وسلم، فقال له الذمِّيُّ هكذا قال؟ قال: نعم. قال
الذمِّيُّ: لا جرم إنَّما تبعه من تبعه لأفعاله الكريمة، فأنا أشهدك أنِّي على دينك،
ورجع الذمِّيُّ مع أمير المؤمنين عليه السلام، فلما عرفه أسلم"10.
وليس شيء أدلُّ على شرف حسن الخُلق، وعظم أثره في سُمُوِّ الإنسان وإسعاده، من
الحديث التَّالي: عن الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام قال: "ثلاثة نفر آلُوا
باللَّات والعزَّى ليقتلوا محمَّداً، فذهب أمير المؤمنين وحده إليهم وقتل واحداً
منهم وجاء بالآخرين، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم: قدّم إليَّ أحدَ
الرَّجلين، فقدَّمه فقال: قل لا إله إلا الله، واشهد أنّي رسول الله فقال: لنَقْلُ
جبل أبي قبيس أحبُّ إليَّ من أن أقول هذه الكلمة.
قال: يا عليّ أخِره واضرب عنقه. ثم قال: قدِّم الآخر، فقال: قل لا إله إلا الله،
واشهد أنِّي رسول الله قال ألحقني بصاحبي. قال: يا عليّ أخِره واضرب عنقه. فَأَخَره
وقام أمير المؤمنين ليضرب عنقه فنزل جبرائيل على النَّبيُّ، فقال: يا محمَّد إنّ
ربك يقرئك السَّلام، ويقول لا تقتله، فإنَّه حسنُ الخلق سخيٌّ في قومه. فقال
النَّبيُّ: يا عليّ أمسِك، فإن هذا رسول ربِّي يخبرني أنّه حسن الخلق سخيٌّ في قومه،
فقال المشرك تحت السَّيف: هذا رسول ربك يخبرك؟ قال: نعم. قال: والله ما ملكت درهماً
مع أخ لي قطُّ، ولا قطَّبت وجهي في الحرب، فأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأنّك
رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: هذا ممَّن جرَّه حسن خلقه
وسخاؤه إلى جنَّات النَّعيم"11.
الآثار المترتِّبة على الأخلاق الحسنة
للتَّخلُّق بالصِّفات الفاضلة آثار طيِّبة عديدة ومتنوِّعة نذكر منها:
1- كمال الإيمان: عن الإمام الباقر عليه السلام:
"إنّ أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم
خلقاً"12.
2- مضاعفة الحسنات وغفران السَّيِّئات: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
"إنّ صاحب الخلق الحسن له مثل أجر الصَّائم القائم"13.
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "ما يوضع في ميزان امرئ يوم القيامة أثقلُ من حسن
الخلق"14.
وعن الإمام الصَّادق عليه السلام: "ما يقدم المؤمن على الله عزَّ وجلَّ بعمل بعد
الفرائض أحبّ إلى الله تعالى من أن يسع النَّاس بخلقه"15.
وعنه: "إنَّ الخلق الحسن لَيَمِيْثُ الخطيئة كما تَمِيْثُ الشَّمسُ الجليد"16.
3- الفوز بالجنَّة والنَّجاة من النَّار: قال رسول الله:
"أكثرُ ما تلج به أمّتي
الجَنَّة: تقوى الله، وحسن الخلق17".
4- عمران الدِّيار وزيادة الأعمار: عن الإمام الصَّادق عليه السلام:
"إنَّ البرّ
وحسن الخُلُق يعمران الدِّيار، ويزيدان في الأعمار"18.
* كتاب منار الهدى، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1- بحار الأنوار، ج 68، ص 293.
2- بحار الأنوار، ج 71، ص 169. (تحقيق: البهبوديّ)
3- بحار الأنوار، ج 71، ص 171.
4- والأكناف جمع كنف، وهو: الناحية والجانب ويقال: "رجل موطأ الأكناف" أي كريم
مضياف. بحار الأنوار، ج 68، ص 380.
5- الكليني، الكافي، ج2، باب حسن الخلق، ص100.
6- سورة القلم، الآية 4.
7- بحار الأنوار، ج 16، ص 231. (تحقيق: الشِّرازي)
8- المحقّق الكركي، الخراجيات، ص62، وقد وردت هذه الرواية بصيغ متعدِّدة بحسب
اختلاف المصادر التاريخية.
9- بحار الأنوار، ج 16، ص 216-217.
10- الكافي، ج 2، ص 670.
11- بحار الأنوار، ج 41، ص 75.
12- بحار الأنوار، ج 68، ص 373.
13- م.ن، ج 68، ص 375.
14- م.ن، ج 7، ص 249.
15- م.ن، ج 68، ص 375.
16- م.ن، ج 68، ص 375.
17- م.ن، ج 68، ص 375.
18- م.ن، ج 68، ص 395.